بدأ عام 1912 هادئا جدا، حيث لم يسجل مفتشو المصانع سوى 21 إضرابا في شهر يناير والعدد نفسه في فبراير. ثم ، ودون سابق إنذار، انفجرت صاعقة في سماء زرقاء صافية. كان منجم لينا للذهب، في سيبيريا، أحد أكبر مناجم الذهب في العالم، وكان من بين المساهمين فيه والدة القيصر والكونت وايت وبعض الوزراء في الحكومة. في نهاية فبراير، اندلع إضراب في المنجم بسبب انخفاض الأجور وظروف العمل الفظيعة. من المعبر أن رئيس لجنة الإضراب كان هو البلشفي: ي. ن. باتاشيف. ردت الحكومة بإرسال القوات التي قامت، يوم 04 أبريل، بإطلاق النار على حشد من 3000 عامل، مما أسفر عن مقتل 270 وإصابة 250 آخرين. كان يوم أحد دامي آخر. وصوت الرصاص الذي تردد فوق التندرا المتجمدة حطم جليد خمسة أعوام من الردة الرجعية.
كان لخبر المذبحة تأثير محفز، ففي 07 و08 أبريل، اندلعت احتجاجات جماهيرية هائلة في مصانع سان بيترسبورغ. بعد أيام قليلة، وبقدر لا يصدق من الغباء، قال وزير الداخلية، ماكوروف، خلال إجابته على أسئلة في مجلس الدوما: "هكذا كان الأمر، وهكذا سيكون في المستقبل". انفجر سخط الجماهير في النهاية، ففي الفترة ما بين 14 و 22 أبريل، انخرط 140.000 شخص في إضرابات في سان بيترسبورغ ، ومن 12 إلى 30 أبريل، انخرط 70.000 شخصا في إضرابات في موسكو. انتشرت الإضرابات الاحتجاجية إلى أوكرانيا ودول البلطيق ووسط الفولغا وبيلاروسيا وليتوانيا وبولندا والمناطق الصناعية الشمالية والوسطى. وتلت ذلك موجة جديدة من الإضرابات في 01 ماي، شارك فيها 400.000 عامل. كانت هذه الإضرابات ذات طابع سياسي متزايد. كان هناك 700 إضرابا سياسيا في أبريل، وفي 01 ماي كان هناك أكثر من 1000 إضراب في منطقة سان بيترسبورغ - وهو رقم أعلى من الذي كان قد سجل عام 1905. لقد أعيد وصل خيط التاريخ، إذ واصل العمال من حيث توقفوا في عام 1907، لكن على مستوى أعلى. كان العمال قد تعلموا من تجربتهم. في يناير 1905 كانوا قد بدأوا بتوجيه الالتماس للقيصر، أما الآن فقد بدأوا بشعار: "تسقط حكومة القيصر!".
بعد أحداث لينا، تغير كل شيء في غضون أيام. كتب رئيس مكتب الأوخرانا بسان بيترسبورغ، م. ف. فان كوتين، إلى مسؤول قسم الشرطة قائلا: «إن الأحداث في لينا قد عززت مزاج الجماعات الثورية المحلية وعمال المصانع».[1] وفجأة تغير وضع البلاشفة. في عام 1905، كان الاشتراكيون الديمقراطيون في وضع ضعيف وكان وجودهم هزيلا داخل الطبقة العاملة، وكان وضع البلاشفة ضعيفا داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية. أما الآن فقد تغير الحال، إذ أصبح البلاشفة بسرعة القوة الحاسمة داخل الاشتراكية الديمقراطية، وصارت الاشتراكية الديمقراطية القوة السياسية الحاسمة داخل الطبقة العاملة. استجاب البلاشفة للأحداث بسرعة، ودعوا العمال إلى اتخاذ إجراءات ثورية. وباستخدام صحيفة زفيزدا كواجهة قانونية، صاروا قادرين على توفير القيادة للحركة الجماهيرية، وإصدار شعارات وتوجيهات كفاحية. ردة الفعل السريعة للبلاشفة ومواقفهم الجذرية سهلت لهم النمو السريع في عدد الأعضاء والتأثير. كما أنها بررت بشكل كامل الانشقاق، الذي جاء، في الواقع، في الوقت المناسب. كان استمرار الارتباط بالمناشفة في مثل تلك اللحظة سيعني الشلل.
سارع العمال إلى رفع الشعارات البلشفية في يوم عيد العمال: "عاشت الجمهورية الديمقراطية!"، "عاشت الاشتراكية!". ولم تقتصر الحركة على العمال، فقد أعطت أحداث لينا دفعة جديدة للحركة الطلابية. قدم ذلك إمكانيات جديدة لنشر الأفكار الثورية. لكن كانت هناك حاجة إلى الكثير من العمل لكسب الهيمنة الكاملة داخل الحركة الجماهيرية. إن صحوة التطلعات الديمقراطية والوجود الحتمي للأوهام الدستورية داخل الحركة، كان سيعزز نفوذ الليبراليين البرجوازيين، الذين بدا أنهم "في المعارضة". كانوا شخصيات عامة معروفة، لا يتورعون عن إلقاء الخطب الديماغوجية "من أجل الديمقراطية"، ويتحدثون باسم "الشعب". ولهذا السبب فقد كانت هجمات لينين الرئيسية موجهة ضدهم.
لينين، الذي استعاد نشاطه وحيويته بفضل هذا التغيير في الوضع ، الذي انتظره لفترة طويلة، بدأ على الفور في تحفيز رفاقه وحثهم على العمل. في أواخر يونيو، انتقل هو وكروبسكايا من باريس إلى كراكوف، في الجزء النمساوي من بولندا، ليكونا أقرب إلى الثورة. تسمي كروبسكايا هذه الفترة بأنها "نصف منفى" فقط لأنه كانت لديهما آنذاك علاقات وثيقة مع الداخل. من هناك قصف لينين الحزب بالرسائل والنداءات إلى العمل والعتاب وكلمات التشجيع. كما كان من المريح له الابتعاد عن الأجواء المفعمة بالمكائد والطعنات في الظهر والنميمة، التي كانت تميز حياة المنفيين في باريس. كتب إلى غوركي في ذلك الصيف:
«تسألني لماذا أنا في النمسا. (Entre nous) لقد أنشأت اللجنة المركزية مكتبًا هنا؛ نحن هنا أقرب إلى الحدود، أقرب إلى سان بيترسبورغ، تصلنا الصحف في اليوم الثالث لصدورها، ومن الأسهل بكثير كتابة المقالات للصحف داخل روسيا، والعمل التنظيمي أكثر سهولة من هنا. كما أنه توجد هنا مشاحنات أقل، وهذه أيضا ميزة أخرى. لا توجد هنا مكتبة جيدة، وهذا هو العيب؛ من الصعب العيش بدون كتب جيدة».[2]
1: R. McKean, St. Petersburg Between the Revolutions, 88.
2: S. Payne, The Life and Death of Lenin, 248.