Arabic translation of The Crisis of Capitalism and the tasks of the Marxists – Part One (September 16, 2009)
خلال الجامعة الصيفية العالمية للتيار الماركسي الأممي، التي انعقدت خلال شهر يوليوز الماضي، ألقى آلان وودز خطابا حول طبيعة الأزمة الحالية للنظام الرأسمالي، حيث تطرق لتحليل العلاقة بين الدورة الاقتصادية والصراع الطبقي، كما ناقش طبيعة الانتعاش الاقتصادي الذي يمكن انتظاره، بالنظر إلى الكم الهائل من التناقضات التي تراكمت داخل النظام.
الدورة الاقتصادية والصراع الطبقي
يعيش العالم في ظل أعمق أزمة عرفها منذ ثلاثينات القرن الماضي. وقد سبق لتروتسكي أن أشار إلى أن أحد أصعب وأعقد المهام التي تواجه الماركسيين هي الإجابة عن سؤال: "ما هي المرحلة التي نمر منها؟"
ليس هناك من شيء يمكن اعتباره الأزمة النهائية للرأسمالية. فقد شكلت دورة الازدهار والركود سمة ثابتة للرأسمالية منذ ما يزيد عن مائتي سنة. وسوف يبقى النظام الرأسمالي دائما قادرا على الخروج في النهاية حتى من أعمق أزماته الاقتصادية، إلى أن تتمكن الطبقة العاملة من إسقاطه.
آثار الكساد العظيم الأخير : 'صفوف الخبز' منحوتة في المقر التذكاري لفرانكلين روزفلت واشنطن العاصمة. صورة Tony the Misfit on flickr.
هذا واضح. لكن السؤال الحقيقي هو: كيف يتمكنون من الخروج من الأزمة وبأي ثمن؟ والسؤال الثاني هو: ما هي العلاقة بين الدورة الاقتصادية، وبين وعي الطبقة العاملة؟ لقد سبق لتروتسكي أن أوضح مرات عديدة أن العلاقة بين الدورة الاقتصادية والوعي ليست علاقة أوتوماتيكية. إنها مشروطة بالعديد من العوامل، التي يجب تحليلها بشكل ملموس.
هناك مقالان رائعان كتبهما تروتسكي تطرق فيهما لهذه المسألة: المقال الأول هو "المد والجزر"، والتي يمكنكم أن تجدوه في "السنوات الخمس الأولى للأممية الشيوعية". والمقال ذو الأهمية البالغة الآخر كتب سنة 1932، أي أثناء الأزمة العميقة التي أعقبت انهيار البورصة في1929، تحت عنوان: "المرحلة الثالثة من أخطاء الكومنترن" (8 يناير 1930). إن هذين المقالين يستحقان أن يصيرا موضوعا لناقشات مستفيضة على جميع المستويات.
من المبادئ الأولية للمادية الجدلية القول بأن الوعي الإنساني محافظ بطبيعته. فمعظم الناس لا يحبون التغيير. إنهم يقاومون الأفكار الجديدة. وسوف يتشبثون بالأشكال والأفكار الموجودة في المجتمع حتى يضطرون إلى التخلي عنها بفعل الضربات الهائلة لمطرقة الأحداث.
يذكرنا الوضع الحالي للعالم الرأسمالي بما قاله تروتسكي سنة 1938. "إن المقدمات الموضوعية للثورة الاشتراكية العالمية ليست ناضجة فحسب، بل أخذت تتعفن! "، فقد كشف الوضع عن الإفلاس التام للرأسمالية من وجهة النظر التاريخية. هذا واضح للجميع. لكننا نوجد هنا أمام تناقض، أمام مفارقة عجيبة: إذا كان هذا صحيحا، لماذا ما تزال قوى الماركسية أقلية ضئيلة؟
الجواب عن هذا السؤال بسيط للغاية: إن الوعي يتخلف كثيرا عن الحالة الموضوعية. والمنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة تتخلف كثيرا عن الحالة الواقعية. وقبل كل شيء تتخلف قيادة البروليتاريا، كثيرا عن الحالة الموضوعية.
إن هذه العوامل لا تسقط من السماء، بل هي نتاج لعقود وأجيال من الازدهار الرأسمالي، من التشغيل الكامل والتحسن النسبي لمستويات العيش. لقد شاهدنا هذا الوضع بشكل خاص في البلدان الرأسمالية المتقدمة، ليس لفترة قصيرة، بل لمرحلة طالت أكثر من خمسين سنة. هذا هو ما كيف وعي الطبقة العاملة في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة. تختلف الأوضاع، بطبيعة الحال، في بلدان ما يسمى بـ "العالم الثالث".
وعي الطبقة العاملة
من الخطأ الجسيم أن يعمل المناضلون الثوريون على الخلط بين ما يفهمونه هم، وبين الطريقة التي تنظر بها الجماهير إلى الأشياء. يجب عليكم أن تفهموا أن أغلب العمال والجماهير لا يمتلكون نفس الوعي الذي يمتلكه الماركسيون. إن التأثير الأول الذي تخلفه الأزمة العميقة والركود الكبير على الجماهير - ونحن الآن أمام أزمة عميقة- هو الصدمة. إن العمال مذهولون، ومصدومون، وهم لا يفهمون ماذا يحدث.
أغلبهم يعتقد أن الأزمة ستكون مؤقتة. ويستنتجون أنه إذا ما شدوا أحزمتهم وقدموا التضحيات، وطأطئوا رؤوسهم، فسوف تتحسن الأوضاع في النهاية، وسيعودون إلى الأوضاع السابقة. إن هذا الافتراض، من وجهة نظر معظم الناس العاديين، منطقي إلى حد كبير. تبدو هذه الأزمة شيئا غير طبيعيا، شيئا خارجا عن المألوف. والناس يريدون العودة إلى "أيام المجد الماضية".
إن "قادة" الطبقة العاملة والقادة النقابيون والقادة الاشتراكيون الديمقراطيون والشيوعيون السابقون والقادة البوليفاريون، جميعهم ينشرون الفكرة القائلة بأن هذه الأزمة حالة عابرة. يتوهمون بأنه بالإمكان تقديم حل لها من خلال إدخال بعض التعديلات على النظام القائم. وعندما نتحدث عن العامل الذاتي، أي عن القيادة، يجب علينا أن نفهم أيضا أنه ليست قيادة هذه المنظمات بالنسبة لنا عاملا ذاتيا، إنها جزء هام من العامل الموضوعي، ويمكنها أن تعرقل المسلسل لفترة من الزمن.
إن فكرة الإصلاحيين القائلة بأن كل ما نحتاجه هو المزيد من الرقابة والتنظيم، وهكذا يمكننا أن نعود إلى الأوضاع السابقة، هي، بطبيعة الحال، فكرة خاطئة. إن هذه الأزمة ليست أزمة عادية، إنها ليست أزمة مؤقتة. إنها تشكل قطيعة جذرية في السيرورة. لا يعني هذا استحالة العودة إلى الانتعاش الاقتصادي مجددا، فهذا حتمي عند نقطة معينة.
في الوقت الحالي يحاول الاقتصاديون والسياسيون البرجوازيون، وفي المقام الأول جميع الإصلاحيين، بيأس إيجاد نوع من الدواء للخروج من هذه الأزمة. إنهم يتطلعون لتحقيق إنعاش للدورة الاقتصادية من أجل تحقيق الخلاص. وهم يتحدثون بشكل مستمر عن "براعم الانتعاش الخضراء". إلا أن هذه "البراعم الخضراء" ما تزال لحد الآن جد هزيلة وغير مرئية تقريبا.
تعتبر الإجراءات التي اتخذتها جميع الحكومات الرأسمالية في العالم، إجراءات غير مسئولة إطلاقا، من وجهة النظر الاقتصادية الرأسمالية الأرثدوكسية. والتفسير الوحيد لهذه الإجراءات هو الرعب. إن الطبقة السائدة مرعوبة من العواقب الاجتماعية والسياسية للأزمة الاقتصادية. هذا هو السبب الذي يدفعهم إلى ضخ مبالغ هائلة من الأموال في الاقتصاد، وهم يخلقون مستوى ضخما وغير مسبوق من الاستدانة. وكما يعلم الجميع سوف يتوجب، إن عاجلا أم آجلا، أداء تلك الديون، الشيء الذي يشكل في حد ذاته وصفة لحدوث أزمة هائلة في المستقبل.
أي نوع من "الانتعاش"؟
من الواضح تماما أن حدوث نوع ما من الانتعاش في الدورة الاقتصادية مسألة حتمية عند نقطة معينة. لكنه من الواضح أيضا أنه لن يؤدي إلى حل أي من المشاكل التي تواجه الرأسمالية. بل على العكس، سوف يحضر لحدوث أزمة اقتصادية جديدة وأكثر عمقا، وسوف يحضر، في المقام الأول، لأزمة اجتماعية وسياسية أعمق. يحاول البرجوازيون بيأس استعادة التوازن الاقتصادي، الذي تحطم بالانهيار الذي حدث خلال السنة أو الثمانية عشرة شهرا الماضية، لكن المشكلة التي يواجهونها هي أن جميع الإجراءات التي اتخذوها لاستعادة التوازن الاقتصادي سوف تدمر تماما التوازن الاجتماعي والسياسي.
هناك مقال هام كتبه تروتسكي، سنة 1932، عند وصول الأزمة الاقتصادية إلى أدنى مستوى لها، عنوانه: "Perspectives for the Upturn" حيث يشير إلى تأثيرات الأزمة الاقتصادية على وعي الجماهير. وقد كتب قائلا:
"إن مشاعر السخط، والرغبة في الهروب من الفقر، والكراهية للمستغلين ولنظامهم، كل هذه المشاعر التي تم قمعها الآن وكبتها بسبب البطالة المخيفة والقمع، سوف تشق طريقها إلى السطح بقوة مضاعفة مع أول بادرة حقيقية لانتعاش صناعي".
إنها مسألة ملموسة جدا. فالعمال يرون أن المصانع تغلق أبوابها، ومناصب شغلهم مهددة، وأسرهم في خطر، والقادة النقابيون لا يقدمون أي بديل. وبالتالي فإن هذا سيكون له تأثير كابح على الإضرابات. لكن بمجرد ما سيحدث ولو انتعاش بسيط، ويرون أن أرباب العمل لم يعودوا يطردون العمال، بل صاروا يوظفون عمالا آخرين وأن الأرباح بدأت تتحقق، فإن هذا سيشكل محركا جبارا للنضال الاقتصادي.
على سبيل المثال، هناك فائض إنتاج عالمي من الصلب. هناك "الكثير جدا من الصلب" (في إطار النظام الرأسمالي). وهذا مرتبط بالانخفاض الحاد في صناعة السيارات. هناك حوالي 30 % من الفائض في قطاع إنتاج السيارات على الصعيد العالمي. صانعو السيارات يبيعون فائض مخزونهم، ويغلقون المصانع ويطردون العمال. لكن بمجرد ما سوف ينتهون من تصريف المخزون، سيبدأ الوضع في التحسن شيئا ما، مما سوف يشجع عمال السيارات على المبادرة بالنضال.
فلنعمل على أخذ مثال تاريخي: في الولايات المتحدة، ما بين سنة 1929 و1933، لم يسجل أي إضراب، ولم يتم تسجيل أي حركة باستثناء انتفاضات العاطلين. لكن وبمجرد ما حدث انتعاش بسيط، سنة 1933- 1934، اندلعت موجة هائلة من الإضرابات واحتلال المصانع، بما في ذلك إضراب مينيابوليس الذي قاده التروتسكيون.
كان لذلك تأثير فوري على المنظمات الجماهيرية في الولايات المتحدة. وأدى ذلك إلى تشكيل نقابة مؤتمر المنظمات الصناعية (CIO)، عبر انشقاق عن النقابة القديمة، الفدرالية الأمريكية للعمل. كانت (CIO) نقابة جد راديكالية نظمت القطاعات الغير منظمة من العمال. وسوف نشهد نفس العملية تتكرر مرة أخرى.
في نفس المقال كتب تروتسكي أنه على الثوري أن يكون صبورا. فانعدام الصبر هو أب الانتهازية والتطرف اليسراوي. وكتب أيضا أنه يجب إجبار كل واحد من أعضاء الحزب على الالتحاق بالنقابات. وأكد على ضرورة قيام الثوريين بخلق علاقات وثيقة بالمنظمات الجماهيرية، والنقابات على وجه الخصوص. ليس هذا من قبيل الصدفة، ففي ظل الأزمة يشعر العمال بالحاجة إلى المنظمات الجماهيرية للدفاع عن مصالحهم، وسوف تتأثر هذه المنظمات بالأزمة.
جهل البرجوازيين
قال تروتسكي في البرنامج الانتقالي إن البرجوازية تتجه نحو الكارثة بأعين مغلقة. تبدو هذه الكلمات كما لو أنها كتبت اليوم. إن البرجوازيين لا يفهمون شيئا؛ إنهم لا يفهمون ما الذي يحدث، إنهم يعيشون حالة رعب. وهذا هو السبب الذي يفسر لماذا هم يتخذون مثل تلك الإجراءات الغير مسئولة. إنها مؤشر عن اليأس.
وهذا بدوره ليس من قبيل الصدفة. لقد سبق للينين أن أشار إلى أن الرجل الواقف على حافة جرف لا يستطيع التفكير بعقلانية. والاقتصاديون البرجوازيون هم القسم الأكثر جهلا والأكثر غباء بين صفوف الرأسماليين. لقد تفاخروا طيلة السنوات العشرين الماضية وتباهوا بأنه لن يكون هناك مزيد من دورات الازدهار والكساد، وأن الدورة الاقتصادية قد ألغيت. إنها حقيقة فعلية، فخلال المرحلة الماضية كلها، وطيلة عقود من الزمان، لم يتمكن الاقتصاديون البرجوازيون أبدا من توقع ولو طفرة واحدة كما أنهم لم يتوقعوا ولو ركودا واحد.
وأود أن أضيف أن نفس الشيء ينطبق على الاقتصاديين الماركسيين. فعلى مر السنين سمعت الكثير من النظريات الرائعة التي طرحها العديد من الاقتصاديين الأذكياء الذين يزعمون أنه في مقدورهم التنبؤ بالدورة الاقتصادية. سوف أقول لكم شيئا: أتمنى لو أنهم كانوا على حق، وأن يخبروني سرا بالوصفة. سيصبح إذ ذاك بوسعنا أن نكسب الكثير من المال. لكن مع الأسف، لا بد لي أن أقول بأن التخمينات التي وضعناها بخصوص حركات الدورة الاقتصادية كانت في أكثر الأحيان مخطئة.
ليس هذا من قبيل الصدفة، فالاقتصاد ليس علما دقيقا، ولم يكن ولن يكون أبدا علما دقيقا. كل ما في مقدورك أن تعمله هو أن تشرح الاتجاهات العامة الكامنة للسيرورة وتستخلص تخمينا عاما بشأن توقيت الأحداث. لكن مع ذلك، يحق لنا أن نسخر قليلا من الاقتصاديين البرجوازيين. فقد عملوا على اختراع نظرية جديدة رائعة تسمى "فرضية كفاءة السوق". إنها في الواقع نظرية جد قديمة، وليس هناك أي شيء جديد فيها. فهي تعود إلى الفكرة القديمة التي تقول: "إن السوق إذا ما ترك لنفسه قادر على أن يحل كل المشاكل. وسوف يتمكن من تحقيق التوازن لنفسه بنفسه. فما دامت الحكومة لا تتدخل، ولا تشوه آلية السوق الجميلة هذه، فإن كل شيء سيصير، عاجلا أو آجلا، على ما يرام". وهو ما رد عليه جون ماينارد كينز قائلا: "عاجلا أم آجلا سنكون جميعا في عداد الأموات."
لا أستطيع مقاومة الرغبة في الاستشهاد بمقتطفين من تصريحات اقتصاديين برجوازيين لامعين، يشكلان رمزا للإفلاس. الأول هو باري إيشنغرين، المؤرخ الاقتصادي اللامع، الذي كتب مؤخرا: "إن الأزمة ألقت ظلالا من الشك على كثير مما كنا نفهمه عن الاقتصاد". والثاني هو بول كروغمان، الذي نال جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 2008، أي في العام الماضي فقط، والذي قال: "لقد كانت نظرية الاقتصاد الكلي (macroeconomic theory) على مدى السنوات الثلاثين الماضية، في أفضل الأحوال عديمة الفائدة بشكل مذهل، وكانت في أسوء الأحوال ضارة بشكل فعلي". إذن هذا هو الواقع: يعترف الاقتصاديون البرجوازيون بأنهم لا يمتلكون أدنى فكرة عن الاقتصاد، أو عن أي شيء آخر.
كل النظام ينهار. وهم الآن يحاولون أن يطمئنوا أنفسهم بالحديث عن "البراعم الخضراء" للانتعاش. لكن إذا ما نظرتم إلى الأرقام سترون أن الاقتصاد الأمريكي ما يزال يواصل السقوط، خاصة في القطاع الصناعي. بالرغم من أن الانهيار يبدو أقل سرعة مما كان عليه في السابق.
الديون
لدي هنا أرقام أصدرها صندوق النقد الدولي. لقد توقع حدوث انتعاش سنة 2010. إن هذا تخمين، ويمكنه أن يكون خاطئا، إلا أنني سوف أذكر هذه الأرقام على كل حال. هاهي أفضل منظوراتهم للسنة المقبلة: الولايات المتحدة ستحقق 0,8 % من النمو؛ وستحقق اليابان 1,7 % (يمكن لمن يعرف ولو شيئا بسيطا عن تاريخ اليابان أن يرى أنها نسبة جد هزيلة)؛ وستحقق الصين (التي ضخت مبالغ هائلة لإنعاش الطلب) 8,5 %، وسيواصل الاتحاد الأوروبي السقوط بـ 0,1 %.
وبالتالي فإن ما نشهده أمامنا هو في أفضل الأحوال انتعاش هزيل جدا، لن يكون مصاحبا بتحسن في مستويات العيش، بل بهجمات شرسة على شروط العيش والاقتطاعات من الإنفاق العمومي والرفع من نسبة الضرائب التي ستسقط على كاهل الطبقة العاملة والطبقة الوسطى. هل يعتبر هذا سيناريو للسلام والاستقرار الاجتماعي؟ إن انتعاشا بهذه المميزات سيؤدي إلى تأجيج غضب الطبقة العاملة وستصاحبه موجة من الإضرابات والإضرابات العامة، كونوا متيقنين من هذا.
دعونا نتطرق الآن إلى مسألة الديون. حقيقة الوضع هو أن البرجوازية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، مرعوبة جدا من تأثيرات الركود العميق الشيء الذي يدفعها إلى ضخ الأموال والثروات في محاولة يائسة لتلافي تفاقم واتساع حدة الركود. وحسب صندوق النقد الدولي، سيصير الدين العمومي لأغنى عشرة بلدان، سنة 2010، 106 % من الناتج الداخلي الخام. بينما كان سنة 2007، يساوي 78 %. يعني هذا ارتفاع الدين الخارجي، خلال ثلاثة سنوات، بأكثر من تسعة تريليونات دولار. هذا وضع لا يصدق. وهو وضع غير مسبوق في التاريخ، ولا يمكن تحمله طويلا.
خلال سنوات الثلاثينات، لجأ هتلر إلى سياسات مشابهة من خلال برنامج كثيف للإنفاق العسكري. وفي الولايات المتحدة لجأ روزفلت إلى الخطة الجديدة، التي نقول عابرين إنها لم تؤدي إلى حل الأزمة في الولايات المتحدة. إن ما حل مشكلة البطالة في الولايات المتحدة ليس الخطة الجديدة، بل الحرب العالمية الثانية. ونفس الشيء يقال عن ألمانيا. كان على هتلر أن يدخل الحرب سنة 1938، لأنه لو لم يقم بذلك، فإن الاقتصاد الألماني كان سينهار. كان هذا هو السبب الجوهري للحرب العالمية الثانية: الحاجة الملحة للرأسمالية الألمانية لحل مشاكلها على حساب أوروبا.
عمل هتلر على حل المشكلة ببساطة عبر غزو أوروبا والاستيلاء على كل ثروات فرنسا ومنافسيه الإمبرياليين الآخرين. لكن منظور الحرب صار الآن مستبعدا. في أيامنا هذه، الرأسماليون الأوروبيون ينافسون الولايات المتحدة. من الذي سيقاتل ضد الولايات المتحدة؟ إن الفكرة في حد ذاتها مضحكة. لا يمكن أن تكون هناك حرب عالمية في ظل هذه الظروف. بطبيعة الحال، ستكون هناك حروب صغيرة في كل حين. الحرب في العراق حرب صغيرة، والحرب في أفغانستان حرب صغيرة، وهناك حرب صغيرة في الصومال. لكن حدوث حرب كبرى بين القوى الكبرى مسألة مستبعدة.
قلت إن أرقام الديون هذه غير مسبوقة، لكن الشيء الذي كان علي أن أضيفه هو إنها غير مسبوقة في زمن السلم. أما الحرب فهي مسألة أخرى. فبعد الحرب العالمية الثانية صار الدين العمومي البريطاني 250 % من الناتج الداخلي الخام. وكان الدين الأمريكي 100% من الناتج الداخلي الخام. كان ذلك نتيجة للحرب العالمية الثانية. لكنهم تمكنوا من حل مشكلة هذه الديون بفضل الازدهار الاقتصادي الهائل لما بعد 1945. لن أدخل في نقاش أسباب ذلك لأننا سبق لنا أن أشرنا إلى تلك الأسباب في وثائق أخرى (أنظر، تيد غرانت: Will there be a Slump?)
استمر ازدهار ما بعد الحرب حوالي ثلاثين سنة (حتى سنة 1974). لكنه لم يعد الآن على جدول الأعمال. ولا أحد يتوقع مثل ذلك المنظور. جميع الاقتصاديين البرجوازيون متفقون على أنه سيكون هناك مسلسل طويل ومؤلم من الصراع من أجل الخروج من الورطة التي هم فيها الآن. وبما أنهم لا يستطيعون الذهاب إلى الحرب، فإنه يجب على جميع التناقضات أن تنعكس داخليا على شكل صراع طبقي شرس. هذا هو المنظور الحقيقي للمرحلة المقبلة.
إن التراكم الهائل للديون يعني سنوات وعقودا من الاقتطاعات الكبيرة وفرض نظام تقشف قاس دائم.
يمكننا التعبير عن هذا بما يشبه معادلة: إن الطبقة السائدة في جميع البلدان لا تستطيع أن تتحمل استمرار التنازلات التي قدمت على مدى السنوات الخمسين الماضية، لكن الطبقة العاملة لا تستطيع أن تتحمل المزيد من الخفض في مستويات معيشتها. هذه هي الوصفة لاندلاع الصراع الطبقي في كل مكان. في البلدان الرأسمالية المتقدمة (بما في ذلك بلدان مثل السويد وسويسرا والنمسا). إن الصراع الطبقي على رأس جدول الأعمال. إن هذا المنظور هو أفضل منظور من وجهة نظرنا.
انظر الجزء الثاني: قيد الاعداد
Source: Marxy.com