الأوضاع في غزة صارت أكثر همجية مما سبق لها أن كانت عليه طيلة الواحد والثلاثين سنة الماضية من الاحتلال الإسرائيلي. أشارت صحيفة الجيروزاليم بوست أن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ناشد إسرائيل، يوم السبت، بالتراجع عن قرارها القاضي بإغلاق المعابر الحدودية مع غزة، محذرا من أن قطع الإمدادات يتسبب في حدوث أزمة إنسانية لـ 1,4 مليون فلسطيني.
وقال: « يحرم الإغلاق الساكنة من إمدادات الوقود الجد الضرورية التي تستعمل لضخ المياه وتوفير الكهرباء للمنازل والمستشفيات. إذا ما استمرت هذه الوضعية، سيتسبب الإغلاق أيضا في المزيد من نقص المواد الغذائية والطبية ومواد الإغاثة في قطاع غزة.»
وقد صرحت وكالة غوث اللاجئين، [الإنروا] التي تعمل على توزيع زيت الطبخ والدقيق والسكر على مئات آلاف الفلسطينيين في غزة، أنها تتوفر فقط على حوالي شهرين من احتياطي المؤن في مخازنها.
يحتاج الفلسطينيون إلى إكمال الأطعمة الأساسية بالأطعمة المغذية، من قبيل الفاكهة والخضراوات والبروتينات، التي صارت أكثر فأكثر غلاء ومن الصعب إيجادها. مبعث القلق الرئيسي، حسب الأمم المتحدة، هو توقف التزويد بالوقود، والذي لا يوجد منه أي احتياطي.
خلال الأشهر الماضية قلصت إسرائيل من إمدادات الوقود إلى غزة على أمل أن يدفع هذا الإجراء بسكان غزة إلى الضغط على مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي من أجل وقف إطلاق الصواريخ. دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إسرائيل والفلسطينيين إلى احترام القانون الدولي والتوقف عن إلحاق الأذى بالمدنيين.
ودعا كنعان عبيد، نائب رئيس وزارة الطاقة الفلسطينية، المنتظم الدولي إلى الضغط على إسرائيل من أجل إعادة إمداد القطاع بالغاز. وحسب عبيد ستغلق كلا محطتي الطاقة بالمدينة وقد نقص تزويد مدينة غزة بالطاقة بـ 50%، وبـ 60% فيما يخص باقي القطاع. ودعا عبيد سكان غزة إلى الحفاظ على الطاقة مضيفا أنه ليس للفلسطينيين أي خيار ماعدا البدء في التعود على العتمة.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أنه يجب على إسرائيل أن تواصل سياستها الحالية في غزة. وقد أشار في توصيته للوزراء إلى هجمات القوات المسلحة الإسرائيلية على البنية التحتية لحماس وإغلاق المعابر الحدودية والعمليات العسكرية الموجهة لإحباط إطلاق الصواريخ.
يوم أمس، أدت عملية قصف جوي إسرائيلية إلى مقتل عضوين من الجناح المسلح لحماس شمالي غزة وسقطت ثلاثة من صواريخ القسام التي أطلقها المقاتلون الفلسطينيون داخل وحول المدينة الإسرائيلية الحدودية سديروت، دون أن تخلف أية أضرار.
أشارت النيويورك تايمز أن الجيش الإسرائيلي قال أن عملياته تستهدف إبعاد «المنظمات الإرهابية، حماس على وجه الخصوص»، من السياج الحدودي والتقليص من عمليات إطلاق الصواريخ داخل إسرائيل. صرح الجيش أنه تم إطلاق أزيد من 130 صاروخا على إسرائيل، منذ يوم الثلاثاء، نصفها سقط داخل إسرائيل.
حسب صحيفة النيويورك تايمز، قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من منظمة فتح، بإجراء اتصال هاتفي مع قائد حماس، محمود الزهار بغزة من أجل مواساته بعد مقتل ابنه في أحد عمليات القصف الإسرائيلية. وقد أجريت، يوم الجمعة، العديد من الحوارات الصحفية مع عدد من قيادات فتح في المحطة التلفزية التابعة لحماس وذلك للمرة الأولى منذ شهر يونيو.
كتبت صحيفة هاآرتز في كلمتها الافتتاحية:
« لقد مرت خمسون سنة منذ أن عمل رئيس هيئة الأركان موشي دايان على تأبين روا روتبرغ من كيبوتز ناهال أوز، الذي قتل على يد متسللين فلسطينيين. لا تزال تلك الكلمة التأبينية ذات راهنية. قال دايان: ’كيف نشتكي من كراهية غزة اتجاهنا؟ إنهم يقيمون في مخيمات اللاجئين منذ ثماني سنوات بينما نعمل نحن أمام أعينهم على تحويل أرض قرى أجدادهم إلى مسكن لنا‘.»
« منذ ذلك الوقت لم يتم القيام بالشيء الكثير من أجل التقليل من الكراهية. فبينما صارت مستوطنات شمال النقب مفخرة الزراعة الإسرائيلية، يزداد سكان غزة فقرا. لقد استولت إسرائيل، طيلة ثلاثين سنة، على مناطق واسعة من قطاع غزة لتقيم عليها زراعاتها المغطاة وكلياتها الدينية مما يعمق أكثر فأكثر من يأس سكان مخيم اللاجئين. فك الارتباط لم يساعد سكان غزة، الذين عملوا، في هذه الأثناء، على انتخاب حماس لجعل حياتهم أكثر بؤسا».
الاحتلال الإسرائيلي كطريق مسدود
ليس هناك من شك في أن السبب الرئيسي في حمام الدماء المتدفق والحروب المستمرة هو الاحتلال الإسرائيلي والأعمال الوحشية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الأبرياء. إننا كماركسيين ندين أيضا التهديد الذي يفرضه الأصوليون الإسلاميون على حياة الإسرائيليين الأبرياء. سكان سديروت هم عمال إسرائيليون فقراء، أغلبهم يشتغلون في ظل ظروف رهيبة بالحد الأدنى للأجور وبدون حقوق اجتماعية.
النخبة الإسرائيلية تتجاهل سديروت، ليس فقط بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية لسكانها، بل أيضا لأن أغلبهم يهود هاجروا مع أسرهم من البلدان العربية كالمغرب وسوريا وإيران والعراق وتونس وغيرها. ليست حياتهم ثمينة مثل حياة الإسرائيليين الذين يعيشون في تل أبيب وحيفا أو القدس. في الواقع يعرف الأصوليون الإسلاميون جيدا جدا أن إطلاق الصواريخ على تل أبيب سيؤدي إلى تصعيد دامي، حيث أن الطبقة السائدة ستستغل هذه الهجمات كمبرر من أجل الرد بهجوم على الشعب الفلسطيني الأعزل. وهكذا، هناك حلقة مفرغة، وجد عمال وعاطلو سديروت الفقراء أنفسهم داخلها، كهدف "مقبول" من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية.
ترتكب الدولة الإسرائيلية جرائم حرب ضد الجماهير الفلسطينية منذ عدة عقود. سنة 1948، طرد الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بكثافة ووضع هؤلاء الذين بقوا في مخيمات لاجئين بئيسة. سنة 1967، شنت إٍسرائيل حربا عدوانية ضد الفلسطينيين والأنظمة العربية، حربا انتهت باحتلال مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. لقد عاش الفلسطينيون طيلة عقود في ظل نظام عسكري حقيقي يحرمهم من الحصول على الحقوق السياسية والمدنية، ويتركهم محاصرين في بلداتهم ومدنهم المعزولة، مع انتهاك حقهم في حرية الحركة بواسطة عشرات الحواجز العسكرية.
بالإضافة إلى كل هذه الجرائم الهمجية، تعرض آلاف الفلسطينيين للقتل الوحشي، والتعذيب والسجن؛ العديد منهم تعرضوا للسجن طيلة سنوات بدون محاكمة عادلة، وآخرون تمت "تصفيتهم" من طرف عصابات الجيش الإسرائيلي المسلحين. كل هذا يجب أن ينظر إليه إلى جانب البناء المكثف للمستوطنات الغير شرعية والمراكز المتقدمة، المبنية فوق أراض فلسطينية مسلوبة ومؤسسة على نهب حقولهم الزراعية، التي أخذتها الدولة كما لو أن الاستيطان الصهيوني قضية عادلة يجب أن توفر لها جميع الوسائل من أجل تحقيقها. الصهيونية كانت ولا تزال جحيما حقيقيا على الأرض بالنسبة للجماهير الفلسطينية؛ إنها تضطهدهم منذ سنوات وتنهبهم وتهينهم بسرقة أراضيهم، تصادر منازلهم وممتلكاتهم، وتقوم بكل ما تراه ضروريا لحياة الصهاينة وأبنائهم وبناتهم.
الاحتلال الإسرائيلي جريمة ضد الجماهير الكادحة في المنطقة، إنه تهديد دموي لإمكانية توحيد الجماهير المحرومة في المنطقة على أساس برنامج اشتراكي. لكن ومن خلال قصف فقراء سديروت وفرض تهديد جسدي على حياتهم وتحويل حياتهم إلى جحيم، لا تقدم المقاومة الفلسطينية أية خدمة لقضية الشعب الفلسطيني. بل على العكس من ذلك تؤدي إلى تجذر تأييد العمال الإسرائيليين للدولة الصهيونية.
يدفع الوضع في غزة بالجماهير هناك إلى حافة أزمة إنسانية حادة. السياسة الإسرائيلية سياسة مجرمة وهي تلعب لعبة مشئومة وعديمة الرحمة يمكن للفلسطينيين الأبرياء خلالها أن يموتوا من السغب. إن هذه السياسة جريمة ستؤدي إلى المزيد من الكوارث ويمكنها أن تتسبب في اندلاع حرب إقليمية. لا يمكن لأي كان أن يجزم بأن إسرائيل أو الفلسطينيين في إمكانهم الخروج رابحين من هذه الحرب.
كما حدث خلال الحرب اللبنانية الثانية، لن يستطيع أي طرف أن يحقق النصر؛ لقد دفعت الجماهير في إسرائيل ولبنان ثمنا مرتفعا جدا بسبب سياسات "قادتهم". لا تمثل حماس الشعب الفلسطيني بل تمثل الجناح الأكثر رجعية داخل صفوف النخبة القومية الفلسطينية؛ ومن جهة أخرى، تعبر حكومة أولمرت- باراك عن البورجوازية اللبرالية المنحطة التي تخشى اليمين الإسرائيلي المتطرف خلال الانتخابات القادمة. كلاهما يدافعان عن مصالحهما المتعفنة ضد المصالح الحقيقية للجماهير. كلاهما يمثلان تهديدا على حياة شعبيهما؛ لا أحد منهما يطرح مخرجا ما عدا حرب دموية حيث سيقاتل الجيش الإسرائيلي، المدعوم من طرف الولايات المتحدة، الخلايا الفلسطينية المسلحة، التي تتلقى الدعم بدورها من طرف النظام الإيراني.
لقد حاولت الطبقة السائدة الإسرائيلية، بتحالف مع الحزب البورجوازي، فتح، الذي يقوده الرئيس عباس، خلق نظام جديد، موجه بمصالح النظام الإمبريالي الأمريكي. لقد رفضوا القبول بوقف إطلاق النار المقترح من طرف حكومة حماس، وواصلوا الحرب ضد الفلسطينيين على أمل إجبارهم على الخضوع. ولقد رد الأصوليون الإسلاميون بإطلاق الصواريخ ومحاولة القيام بعمليات انتحارية فاشلة. هذه حلقة دموية مغلقة سيفقد فيها الكثير من الأبرياء حياتهم. ليس من مصلحة العمال من كلا الطرفين أن يستمر هذا الوضع.
أي مخرج؟
باعتبارنا ماركسيين، أي ثوريين يتبنون مبدأ الاستقلالية السياسية للطبقة العاملة، فإننا لا نثق لا في الإمبرياليين ولا في الأصوليين الإسلاميين. لقد أبان الرجعيون الإسلاميون على أنهم يشكلون ذريعة لحرب إسرائيل: عندما يهاجمون سديروت، تشن إسرائيل ضربات جوية دموية وتقتل أناسا أبرياء، بمن فيهم نساء ورضع وشباب. إنهم لا يطرحون أي بديل للجماهير في غزة إلا التضحية بها وتحويلها إلى شهداء. الطريق الوحيد لوقف هذا اللولب المشئوم هو تحضير الظروف للاستقلالية السياسية للطبقة العاملة، في الضفة الغربية وفي غزة وفي إسرائيل.
يريد الإمبرياليون أن ينجزوا جدول أعمالهم وبناء نظام جهوي سيشبه ظروف الحرب الباردة: اللاسلم واللاحرب بل وضع الجمود الذي سيمكن الإمبريالية الأمريكية والأوروبية من استعمال الشرق الأوسط كمصدر للنفط الرخيص وقوة العمل البخسة. تدخل الأمم المتحدة سيكون عديم الأهمية لأنها تمثل مصالح الإمبرياليين وتخدم كبريات الشركات الصناعية والاحتكارات الغربية.
نحن ندعو عمال وفلاحي إسرائيل وفلسطين: أوقفوا إراقة الدماء الآن ووجهوا أسلحتكم إلى صدور أعدائكم الحقيقيين، إلى صدور حكامكم. لدى الأمهات الفقيرات في سديروت وغزة والعمال الجائعون في هاتين المدينتين من القواسم المشتركة أكثر مما يعتقدون في الواقع. إنهم ضحايا حكامهم وعملهم هو مفتاح تحررهم الحقيقي. لقد تمت التضحية بهم في حرب همجية لا أحد يأبه فيها بهم؛ يرغب الإمبرياليون والأصوليون الإسلاميون ومشعلو الحروب الصهاينة في سفك دماء الجماهير من أجل تحقيق نصر عسكري. يجب على العمال أن يوقفوهم من خلال إسقاط حكامهم وتشييد وحدتهم؛ وحده التآخي بينهم من يمكنه أن يخلق نقطة تحول حقيقي ويقدم حلا لظروفهم الحالية.
ليست الاشتراكية مجرد مسألة تاريخ وفلسفة، بل هي أيضا برنامج واضح يمكن الجماهير من اتخاذ إجراءات لبناء حياتهم على أساس حاجاتهم وليس حسب مصالح المستغِلين. تقدم الماركسية مخرجا وتقترح الثورة كبديل للحرب الإمبريالية والقومية والشوفينية الدموية.
بما أن الرأسمالية نظام متعفن دخل سيرورة جدية من الانحطاط وبما أنه لا يمكن للبورجوازية أن تلعب أي دور تقدمي، فإننا نطلب من العمال أن يتحركوا من أجل بناء مستقبلهم. لا تثقوا في قادتكم؛ لا تثقوا في حكامكم. إنهم لا يقدمون سوى مسرحية خادعة لن يتمكن فيها لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيون من التحرر بل سيغرقون في مستنقع من الدماء حتى حدوث النهاية المأساوية. الأفاعي القومية ستلدغكم والغربان الرجعية ستنعق فوق رؤوسكم، إنهم يتحرقون شوقا إلى رؤيتكم تحاربون بعضكم البعض حتى موتكم معا.
عبدوا طريقكم نحو الثورة الاشتراكية؛ خذوا مثالكم من إخوانكم وأخواتكم في فنزويلا؛ دافعوا عن مصالحكم الطبقية واستولوا على السلطة من أجل منع المصير الرهيب الذي يتم تحضيره لكم في ظل الحروب اللامنتهية؛ حرروا أنفسكم من قيودكم؛ حققوا تحرركم الحقيقي عبر الوحدة الطبقية والأخوة العمالية.
Source: Marxy.com