لا تصل أبدا أخبار نضالات العمال المصريين إلى وسائل الإعلام الأوروبية. ليس هذا راجعا إلى كون هذه الأخبار لا تحتوي على عنصر الدراما وليست مليئة بالشجاعة والتضحية أو التناقضات الحادة والصراعات العميقة الجذور. ولكن لأن وسائل الإعلام البورجوازية لا تريد أن تبين أن الصراع الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة في العالم العربي، هو الصراع المحدد في هذا الجزء من العالم، كما هو الشأن في كل مكان آخر. وعوض ذلك، على حد تعبير المراسل الشرق أوسطي المخضرم، رامي، ج، خوري: « تعبر وسائل الإعلام الأمريكية عن شهية فاترة اتجاه قصص العرب الذين لا يحملون السكاكين، ولا يطلقون الرصاص من الرشاشات، ولا يرمون القنابل، أو يتحدثون في الهواتف النقالة المطلية بالذهب». كل ما يعطوننا إياه هو تقارير عن مجموعات أصولية صغيرة لا تمثل في غالب الأحيان إلا أنفسها.
أغلب وسائل الإعلام الرئيسية تجاهلت كليا موجة الإضرابات والتحركات العمالية الضخمة التي اجتاحت مصر خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. أغلب تلك الإضرابات كانت ناجحة لحد الآن، وقد تميزت بمزاج التحدي والجذرية من جانب العمال. تنبع المطالب من ظروف العيش الغير محتملة التي يواجهها أغلبية العمال في نفس الوقت الذي تعرف البلد موجة ازدهار اقتصادي وتدفق الأرباح الهائلة إلى جيوب الرأسماليين وهناك توطن وانتشار للفساد بين صفوف النخبة الحاكمة ونظام مبارك. الوجه الآخر لعملة الازدهار الاقتصادي هو الأجور الجامدة والتضخم المتسارع الذي وصل رسميا إلى 8٪، بينما يقدره أغلب الباحثين الاقتصاديين بـ 15٪. يضرب ارتفاع الأسعار القطاعات الفقيرة من الساكنة بقوة، وهي أكثر ارتفاعا خصوصا فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية الأساسية من قبيل القمح والخبز واللحوم والخضروات الطازجة، التي ارتفعت أسعارها السنة الماضية بنحو 50 ٪.
لقد انتهت للتو أحد أبرز تلك النضالات، بانتصار تام حققه العمال، بعد أسبوع من احتلال المصنع.
الإضراب العمالي واحتلال المصنع
يوم الأحد 23 شتنبر، احتل العمال مرة أخرى مصنع مصر للغزل والنسيج بغزل المحلة، الذي يعتبر الأكبر من نوعه في مصر. يشغل هذا المصنع 27.000 عامل. يوم الأحد الماضي [23 شتنبر] قرر 10.000 عامل إيقاف الآلات واحتلال المصنع من أجل الرد على استفزازات الإدارة، التي تحاول التراجع عن ما تم الاتفاق عليه سابقا.
تبين إحدى المراسلات الصحفية الهامة، المنشورة على صفحات Daily Star Egypt، يوم 27 شتنبر، بوضوح المزاج السائد بين العمال:
يشتكي العمال بالمحلة من انخفاض الأجور الشيء الذي يجعلهم عرضة للفقر المدقع، كما يشتكون من تعسف الإدارة وفسادها وفوق كل شيء من نكث الحكومة لوعودها التي قطعتها في أعقاب إضراب كبير مشابه نظمه العمال شهر دجنبر الماضي. يصر عمال الشركة على أنهم لا يريدون سوى ما هو حق لهم، ويتهمون المدراء بتفشي الفساد وانتهاك الاتفاقات السابقة.
قال أحد العمال، الذي فضل مثله مثل أغلبية زملائه المضربين أن تبقى هويته مجهولة خوفا من أعمال انتقامية محتملة من طرف الإدارة أو حلفائها في جهاز أمن الدولة: « لا نريد منهم سوى أن يعاملوننا كبشر».
وقال رجل آخر: « الفساد منتشر داخل الشركة، إنهم يعاملوننا بشكل سيء. هناك سوء إدارة وهم فاشلون فيما يتعلق بالتخطيط للمستقبل. »
وصرخ عامل آخر قائلا: « لو أن رئيس المصنع أعطانا ثمن وجبة واحدة من وجبات الإفطار التي يتناولها، لكان ذلك كافيا لتأدية مستحقاتنا. »
كان العمال سيتلقون، حسب اتفاق سابق، 10 ٪ من جميع الأرباح إذا ما تجاوز المعدل الكلي للأرباح 60 مليون جنيه مصري. لقد وصلت الأرباح خمسة أضعاف المبلغ المتفق عليه، لكن العمال لم يتلقوا أي مقابل. إنهم يطالبون بأن تتم إقالة المدير الفاسد وأذنابه، وبأن يدفع للعمال نصيبهم من الأرباح السنوية، بما يساوي أجرة 150 يوم، كما يطالبون بظروف عمل أفضل ومكافئات أعلى.
قوات الشرطة تحاصر المصنع
بعد بضعة ساعات من اتخاذ قرار الإضراب، التحق آلاف العمال الآخرين بالمصنع. في هذه الأثناء تم إرسال قوات الشرطة لتطويق ومحاصرة المصنع، الذي يوجد في منطقة صناعية هامة بمنطقة دلتا النيل. وبمجرد ما احتل العمال البناية، أعلنت إدارة المصنع إغلاقه لمدة أسبوع "عطلة"، ومن تم فإنه على جميع العمال مغادرة البناية، تحت تهديد طردهم بالقوة ومتابعتهم بتهمة الاستيلاء الغير المشروع على المصنع. رد العمال على ذلك بتقويتهم لعملية الاحتلال.
أبان العمال طوال المعركة عن تصميم قوي ووحدة صلبة. قام النظام وقوات البوليس بتنظيم العديد من المحاولات لشق صفوف العمال. حيث لجئوا إلى القمع تارة وتارة أخرى إلى بذل الوعود الكاذبة. وقد تصدى العمال بحزم لجميع محاولات تحويل الإضراب عن مساره. لم تكن قوات البوليس قادرة على منع مئات وآلاف العمال من الدخول إلى البناية أو مغادرتها، حيث كان هؤلاء العمال يمرون عبر صفوف البوليس، مما جعل الحصار بدون جدوى. وقد قضى ما بين 10.000 و15.000 عامل الليل داخل المصنع، أما خلال النهار فقد حضر أكثر من 20.000 عامل إلى المصنع من أجل تنظيم المظاهرات والاحتفال برمضان.
مرة أخرى تعكس تقارير صحيفة Daily Star Egypt المزاج الكفاحي السائد بين العمال قائلة:
يقول العمال أنهم في كل مرة اقترب الجنود من المصنع كانوا يتفوقون عليهم وتمكنوا من إخافتهم، لكن التهديد بحدوث عنف في المستقبل ضد مضربي المحلة وعائلاتهم أمر واقعي.
قال العطار [قائد الإضراب]، يوم الأربعاء، في اجتماع حاشد أغلب الحاضرين فيه رجال: « علينا أن نبقى هنا مهما كان الثمن، حتى ولو تعرض عامل منا أو اثنان أو عشرون عاملا للقتل، إذا ما غادرتم أماكنكم خلال هذا الإضراب، ستتخلون حينذاك عن دمائكم وعن رجولتكم. »
وقد أبدى العديد من الحاضرين اتفاقهم معه.
قال أحدهم: « نحن مستعدون للموت للحصول على حقوقنا. لا نريد شيئا ما عدا ذلك. »
وأكد آخر قائلا: « نحن لا نريد سوى حقوقنا. نحن مستعدون للموت من أجل حقوقنا. »
دور "النقابات" الرسمية
خلال بداية الإضراب، بعث البوليس ممثلين عن النقابة إلى داخل المصنع. هؤلاء الممثلون ليسوا منتخبين من طرف أي كان ما عدا النظام نفسه، والنقابة نفسها تشكل أحد منظمات النظام التي هدفها التحكم في الطبقة العاملة.
كان موقف العمال من هذه القضية واضحا:
بعد إضراب دجنبر، شنت الحركة العمالية في المحلة حملة اتهام ضد القادة النقابيين المحليين ومن أجل التخلص من الجهاز الوطني، الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
يقولون أن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قد تم احتوائه من طرف نظام مبارك، وأنه مهتم بالحفاظ على النظام القائم في السلطة أكثر من اهتمامه بمساعدة العمال. ويعتبرون أن ما تحتاجه مصر هو حركة عمالية مستقلة.
قال محمد العطار، أحد قادة الحركة العمالية: « نريد تغييرا في بنية وهرمية النظام النقابي في هذا البلد، إن الطريقة التي نظمت بها النقابات في هذا البلد خاطئة كليا، من القمة إلى القاعدة. لقد تم تنظيمها بطريقة يبدو من خلالها وكأن الممثلين عنا منتخبين، بينما هم في الواقع معينون من طرف الحكومة. »
جاء هؤلاء "الممثلون" إلى العمال من أجل إقناعهم بوقف الإضراب والعودة إلى العمل. عندما التقى العمال بـ "رجال النقابة" هؤلاء لم يرحبوا بهم، بل على العكس من ذلك، ردوا عليهم بطريقة حازمة جدا. ويحكي أحد شهود العيان، كما جاء على صفحات مدونة الصحفي القاهري ايساندر العمراني http://arabist.net، واصفا الأحداث قائلا:
« بدأت الحكومة تقدم بعض التنازلات عبر رئيس لجنة نقابة المصنع، صديق صيام، مقابل التخلي عن مواصلة الإضراب. لكن هذا الغبي نسي أنه كان يطلب هذا (إيقاف الإضراب) في الوقت الذي كانت فيه مشاعر العمال وحماسهم في أعلى درجة يمكن للمرء تصورها. فحدث ما كان متوقعا. تعرض الرجل للضرب، وقد كاد العمال يقتلونه، أقول هذا بجد أنا لا أمزح. لكنه أنقذ في اللحظة الأخيرة من طرف قادة الإضراب. »
خلال المظاهرات كرر عمال المحلة ما يبدو وكأنه صار تقليدا لدى عمال هذا المصنع. حيث عملوا على صنع دمية تمثل مدير المصنع وطافوا بها في جنازة رمزية للإدارة وسط هتاف آلاف العمال. (يمكنكم هنا مشاهدة شريط فيديو - جودته رديئة مع الأسف-):
لقد صار عمال غزل المحلة، خلال الفترة الأخيرة، في طليعة الطبقة العاملة المصرية بالإضرابات وعمليات احتلال المصنع.
هذه المرة أيضا شكل احتلال مصنع غزل المحلة شرارة لاندلاع موجة من النضالات في القطاع الصناعي في مصر، البلد الذي يمنع فيه القانون الإضرابات والمنظمات العمالية المستقلة. نظم عمال مصنع النسيج كفر الدوار مظاهرة دامت ساعة خلال أوقات العمل تضامنا مع عمال المحلة وأكدوا أنهم سيضربون عن العمل هم أيضا إذا لم تتم الاستجابة لمطالب عمال المحلة. إضافة إلى ذلك طرح عمال كفر الدوار سلسلة من المطالب التي تتعلق بظروف العمل في مصنعهم. ومن بين هذه المطالب إقالة هيئة الإدارة، إقالة رئيس النقابة، ضرورة ربط الأجور بارتفاع أسعار المواد الغذائية وحصولهم على جزء من أرباح الشركة التي للعمال حق فيها حسب اتفاق سابق.
نظم عمال مطحنة الحبوب مظاهرة للتضامن مع عمال المحلة، وقد بدأ العمال من جميع أنحاء مصر يجمعون المساهمات المالية لصالح المضربين. هناك تقارير عن جمع مساهمات من المحلة، طنطا، حلوان، شبرا، مدينة العاشر من رمضان، السويس، البحرية، المنصورة وبورسعيد.
محاولة القمع: اعتقال زعماء العمال
في البداية تفاجئ النظام بقوة الإضراب، لكنه سرعان ما رد بالقمع. كان القمع محدودا، يهدف أساسا إلى اختبار قوة العمال. تم اعتقال خمسة من قادة الإضراب. ووجهت إليهم اتهامات غبية من قبيل: التخريب، التحريض على العصيان والتسبب في خسارة 10 ملايين جنيه مصري للشركة. كما لو أن الإضراب اندلع بفعل "محرضين جذريين"! من المهم طبعا أن يكون هناك قادة جيدون في المعمل، كل عامل يعرف هذه الحقيقة. إلا أن الإضرابات تندلع بسبب تراكم الإحباط والغضب والإهانات، التي كانت تغلي تحت السطح. حتى أبرع خطيب ومنظم ليس في استطاعته أن "يخلق" إضرابا، أو احتلال مصنع أو ثورة إذا لم يكن العمال يريدون النضال.
لم يعمل اعتقال القادة إلا على مضاعفة غضب عمال المحلة وأثار موجة عارمة من التضامن من جانب العمال والطلاب في كل أنحاء العالم وعلى الصعيد الأممي. فتم إطلاق سراح العمال المعتقلين: محمد العطار، فيصل لقوشة، وائل حبيب، مجدي شريف وجمال السعداوي بعد يومين من اعتقالهم وفي النهاية أسقطت جميع التهم عنهم. كان الهدف من وراء اعتقال هؤلاء القادة واضحا جدا: أراد النظام بعث رسالة إلى جميع عمال مصر لكي يبقوا صامتين ويطأطئوا رؤوسهم، وإلا فإن التعذيب هو ما ينتظرهم في سجون نظام مبارك السيئة الذكر. يبين التراجع المفاجئ الذي قام به النظام، درجة الانقسام الحاصل داخل الطغمة الحاكمة والرأسماليين حول كيفية مواجهة الصراع الطبقي المتصاعد في البلد، كما يظهر درجة افتقادهم لأي قاعدة دعم في المجتمع المصري في وقتنا الحالي.
مشكلة النظام هي بالضبط أن العمال لم يذعنوا للقمع. في الماضي كانت تكتيكات النظام تعمل على الاستجابة جزئيا لمطالب العمال وفي الوقت نفسه قطع رأس الحركة، ضاربا بقوة أية محاولة لبناء قيادة مستقلة للحركة. هذا التكتيك المبني على التنازلات والقمع قيد أنشطة الطبقة العاملة وحد من المطالب المرفوعة لمدة طويلة في الماضي. لكن خلال النهوض الحالي للصراع الطبقي كان لها أثر معاكس. لقد قوى القمع العمال وجعلهم أكثر إدانة للنظام وأكثر وضوحا في نضالهم.
الديمقراطية العمالية
الميزة الأكبر لهذا النضال وأحد أهم نقاط قوته هي بالضبط الطريقة الديمقراطية التي ينظم العمال بها أنفسهم. جميع القرارات الهامة تم اتخاذها في جموعات حاشدة. وقد تم التصدي للاستفزازات من طرف ممثلي النقابة الرسمية في لقاءات جماهيرية حيث يمكن لجميع العمال أن يتبينوا من خلال تجربتهم الخاصة الطبيعة الفاسدة لهؤلاء "القادة".
كسب قادة الإضراب نفوذا واسعا بين صفوف العمال خلال مرحلة طويلة، إلا أنهم يقدمون الحساب للعمال أيضا. هذه الديمقراطية العمالية، التي تعتبر عنصرا جوهريا في كل المعارك العمالية، تظهر بوضوح من خلال المثال التالي المستقى من صفحات 3arabwy:
لقد تم إطلاق سراح معتقلي مصنع غزل المحلة الخمسة، ليلة يوم الثلاثاء ما بين الساعة الحادية عشرة ومنتصف الليل من مقر بوليس أمن الدولة.
التحق هؤلاء القادة بالمصنع حيث استقبلهم زملائهم العمال وخصص استقبال الأبطال..
وما حدث بعدها كان أكثر إثارة...
حسب مناضل اشتراكي بالمصنع، خاطب القادة العماليون المضربين في اجتماع جماهيري، حيث « بدا وكأنهم يريدون تهدئة الأوضاع. بدا وكأنهم تعرضوا لضغوطات من طرف أمن الدولة للوصول إلى تهدئة سريعة. قالوا أنهم تلقوا، في مقابل التخلي عن الإضراب، وعودا من الحكومة بتقديم ما يعادل 40 يوما من الأرباح السنوية فورا، وانتظار انعقاد المجلس العام للشركة (دون موعد مضبوط) للنظر في باقي النسبة. أما ما يخص باقي المطالب فلم يكن القادة العماليون منسجمين فيما يتعلق بكيفية تحقيقها وبقوا يقولون أنهم "تلقوا وعودا" وبأنه سوف... بالنسبة للعمال بدا أن ذلك مجرد وعود مثل تلك التي سبق لهم أن تلقوها.
وهذا ما كان. بدأ العمال في الصفير والصراخ: "لا! لا!" وأجبروا القادة العماليين على مواصلة الإضراب. المزاج السائد بين العمال أكثر كفاحية من ذلك الذي يتميز به قادة الإضراب. »
في سياق أي نضال مثل هذا، يمكن حتى لأكثر القادة خبرة ونزاهة أن يصابوا بالتذبذب تحت تأثير الضغط الهائل الذي يمارسه الأعداء الطبقيون. القوة الوحيدة القادرة على معاكسة هذا النوع من الضغوطات هي الديمقراطية العمالية.
علينا أن نقول في حق قادة إضراب المحلة أنهم، وعلى عكس باقي من يسمون أنفسهم بالقادة، كانت لديهم الشجاعة للدفاع عن موقفهم أمام كل العمال، والشجاعة للاعتراف بخطئهم، مطبقين القرار الجماعي القاضي بالاستمرار في الإضراب.
انتصار باهر
لم يكن لدى النظام أي بديل عن الاستجابة لمطالب العمال من أجل الحيلولة دون حدوث المزيد من الانتشار والتجذر. بعد أسبوع من احتلال المصنع، التقت تمثيلية عن الحكومة برئاسة رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، حسين مجاور، ورئيس النقابة العامة لعمال النسيج، سعيد الجوهري، ورئيس هولدينغ النسيج، محسن الجيلاني، (التقوا) بعشرين من قادة الإضراب في مقر مجلس المدينة. كانت المفاوضات قصيرة جدا ويمكن وصفها بأنها استسلام حقيقي من طرف الحكومة أمام مطالب العمال. هذه هي الاتفاقية كما ساقها الموقع الالكتروني المصري 3arabwy) http://arabist.net/arabawy/(، الذي قدم متابعة يومية جيدة للإضراب:
1- سيتم صرف تسعين يوما من الأرباح السنوية فورا لصالح العمال. وسيتم تحديد الباقي من طرف الجمعية العامة للشركة، شريطة على ألا تكون أقل من 130 يوما، ولم تتم الموافقة على أي حد أقصى. لقد تلقى العمال عشرين يوما، على أن يتلقوا سبعين يوما أخرى من خلال مرسوم (تمكن العمال المضربون من رفع الأربعين يوما، التي عرضتها الإدارة في البداية، إلى تسعين يوما.)
2- سيتم اعتبار أيام الإضراب أيام عطل مدفوعة الأجر، أما التكاليف فستتكبدها إدارة الهولدينغ.
3- بدل إعطاء الحق للإدارة في تحديد الحوافز، ستصبح هذه على أساس الحد الأدنى الشهري، مع الرفع سنويا من الحد الأدنى بنسبة 7%.
4- سيتم تشكيل جمعية تعاونية، ممولة من طرف الشركة، لتوفير النقل للعمال. وقد تم تعيين القائد العمالي مصطفى فودة لترأسها.
5- لن تتم معاقبة أي مضرب بسبب اشتراكه في الإضراب. ولقد تشكلت لجنة من قادة العمال بمواصلة المفاوضات مع إدارة الشركة حول الرفع من تعويضات التغذية والسلامة أثناء العمل.
6- تلقى قادة الإضراب وعدا بمعاقبة رئيس مجلس إدارة الشركة الفاسد، محمود الجبالي، وأعوانه.
7- سيستأنف العمل يوم الأحد
الوعي يتطور خلال تجربة النضال
لم يندلع الإضراب على مجرد مطالب اقتصادية ومطالب خاصة بالسلامة أثناء العمل فحسب، هذا بالرغم من أن عمال النسيج المصريين يعتبرون من بين العمال الأقل أجورا في العالم، إذ بعد عشرة سنوات من العمل في شركة المحلة للنسيج يصبح أجر العامل يساوي حوالي 40 دولار أمريكي في الشهر. متوسط الأجر الذي يمكن لعامل نسيج مصري أن يتلقاه يصل إلى 85% من أجر العامل في باكستان و60% من أجر العامل في الهند.
من الواضح أن تجربة النضال قد طورت مستوى عاليا من الوعي بين صفوف عمال المحلة. لقد رفعوا خلال المظاهرات شعارات من قبيل: "لن يحكمنا البنك العالمي! لن يحكمنا الاستعمار!" كما كانت هناك العديد من اللافتات التي كتبت عليها شعارات معادية لدكتاتورية مبارك.
من الطبيعي جدا ألا تكون للإضرابات في مصر طبيعة اقتصادية محضة. ففي بلد تعتبر فيه الإضرابات ممارسات غير مشروعة، يعرف العمال جيدا جدا أنهم يناضلون ضد بوليس أمن الدولة وضد كل أجهزة الدولة القمعية. يعرف كل عامل مصري قصص الأساليب الوحشية التي تستعمل داخل غرف التعذيب وأنه من الممكن أن يطال الاعتقال أسر المعتقلين أيضا. إن تقسيم الإضرابات إلى إضرابات "اقتصادية" وأخرى "سياسية"، غير موجود مطلقا في ظل الأنظمة الدكتاتورية السائدة في البلدان الرأسمالية المستعمرة سابقا من قبيل النظام المصري.
يعتبر الدور النشيط جدا الذي تلعبه العاملات أحد العناصر الهامة جدا في الصراع الطبقي في مصر. خلال شهر دجنبر من السنة الماضية أخذت 3.000 عاملة، من قسم الغزل بمصنع غزل المحلة، المبادرة في تنظيم الإضراب وسرن في مظاهرة جابت أرجاء المصنع مطالبات الرجال بدعم الإضراب برفعهن لشعار "أين هم الرجال؟ النساء هاهن!". وقد تحقق النصر خلال ذلك الإضراب وأعطى دفعة جبارة للإضرابات الصناعية في كل أنحاء مصر. أغلبية تلك الإضرابات انتهت بانتصارات باهرة للعمال.
خلال هذا الصيف كسب عمال مصنع المنصورة- إسبانا، معركتهم بتمكنهم من التصدي لمخطط إغلاق المصنع. لقد تحقق هذا بعدما قام حوالي 300 عامل، 75% منهم تقريبا نساء، باحتلال المصنع وعاشوا خلال مكان الإنتاج طيلة شهرين. من المعبر أن تقوم النساء العاملات، اللائي يعتبرن أشد فئات البروليتاريا اضطهادا، بلعب هذا الدور الهام والقيادي أمام رفاقهن الرجال.
خلال شهر غشت وحده تم الإخبار عن اندلاع 100 تحرك نضالي في 88 مصنع في مصر. مستوى التحركات النضالية خلال هذه السنة أعلى بكثير من مستوى سنة 2006. ويؤكد تقرير (نشر يوم 26 شتنبر على موقع: http://arabist.net/arabawy) أنه خلال الستة أشهر الأولى من 2007، اندلع 386 تحرك نضالي (100 وقفة، 109 إضراب، 33 مظاهرة، 126 تجمع عام غير مرخص له مصاحب بانقطاع عن العمل لمدة قصيرة). سنة 2006، أصدر مركز الأرض لحقوق الإنسان تقريرا عن 222 تحرك نضالي، وخلال هذا الصيف وحده تم تجاوز هذا الرقم بكثير.
الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لوعي العمال هو أنهم لم يتعرضوا لأية هزيمة ساحقة خلال الفترة الأخيرة. لقد كسب العمال نسبة كبيرة من الثقة بالنفس كطبقة، وهم الآن يسيرون أسرع فأسرع نحو المواجهة مع نظام حسني مبارك العميل للإمبريالية.
بالرغم من كون مصر هي ثاني أهم متلقي للدعم الاقتصادي من الولايات المتحدة (إسرائيل هي رقم واحد)، فإن النظام عاجز عن التحكم في موجة الاحتجاجات العارمة والإضرابات واحتلال المصانع التي يقوم بها العمال. عندما كان الطلاب يخرجون للمطالبة بالحقوق الديمقراطية أو عندما كان يخرج البورجوازيون الصغار الموالون للإخوان المسلمين للاحتجاج لم يكن من الصعب على النظام أن ينزل بالقمع على هؤلاء المحتجين. وحدها الطبقة العاملة التي أعطت الدليل على قدرتها على خوض النضال ضد النظام.
المعركة في مصر لم تنتهي بعد. لم تحسم بعد. عمال المحلة أبانوا عن الوجه الحقيقي للطبقة العاملة المصرية. المستقبل يحبل بالأحداث العاصفة، وستنهي إما بتكبد أفدح الهزائم أو بتمكن العمال من إسقاط نظام يحتل موقعا استراتيجيا بالنسبة للإمبريالية في الشرق الأوسط، الشيء الذي سيفتح الأبواب على مصراعيها أمام الثورة الاشتراكية في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي وما بعده.
عنوان النص بالإنجليزية:
Egypt: The victory of Mahalla workers exposes the weakness of Mubarak’s regime