يوم الإثنين الماضي، دخلت قوات فتح وحماس في مواجهات مسلحة بقطاع غزة استمرت ساعتين. قتل شخص واحد هو خالد الردايدة، سائق السفير الأردني يحيى القرالة، وجرح ستة آخرون في هذه المواجهات عندما اصطدمت قوات الأمن الجديدة التابعة لحماس، المشكلة من 3000 شخص، بقوات تابعة لفتح قرب البرلمان الفلسطيني بغزة. تبادلت حماس وفتح الاتهامات في الوقوف وراء هذه المعركة. إلا أن بعض شهود العيان صرحوا، حسب ما نشرته الجزيرة، أن أعضاء من الميليشيا الجديدة التابعة لحماس، ردوا بإطلاق الرصاص بعدما تمت مهاجمتهم من طرف قوات الأمن الوقائي الموالية لفتح وبعض من رجال الشرطة التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
لقد تأكد هذا الخبر، بشكل غير مباشر، على لسان الناطق باسم فتح، توفيق أبو خوصة، الذي قال: « إن الوضع الأمني سوف يسوء أكثر إذا ما حافظت حماس على قوتها الجديدة في شوارع غزة في تحد لأوامر الرئيس الفلسطيني بحلها.»
خلال الشهر الماضي اتهم عباس، في مرسوم رئاسي، وزير الداخلية سعيد صيام، بكونه يتصرف بشكل غير قانوني بقيامه بتشكيل القوة الجديدة وتعيينه لجمال أبو سمهدانة قائدا لها. إن قائد هذه القوة الجديدة هو عضو مؤسس للجان المقاومة الشعبية سبق له أن نجا من محاولة اغتيال، واحدة على الأقل، من طرف إسرائيل.
وقد رد وزير الداخلية، التابع لحماس أن هذا القرار بتشكيل مثل هذه القوات يتوافق مع القانون... « الذي يعطي للوزير صلاحية اتخاذ القرارات الضرورية لضمان الأمن.»
من الواضح أن ما نشهده الآن هو وضع يتضمن نوعا من ازدواجية السلطة.إذ يوجد هناك من جهة القوات الموالية للرئيس - وهي التي تفضلها الولايات والحكومة الإسرائيلية - ومن جهة أخرى القوات الموالية للحكومة الجديدة.
يبدو أن الناطق الرسمي باسم حماس، سامي أبو زهري، كان يقول الحقيقة عندما صرح أن: « أعضاء قوات حماس كانوا بصدد الدفاع عن أنفسهم بعدما تعرضوا للهجوم.»
لم تكن هذه المواجهات هي الأولى من نوعها منذ انتخاب حماس، شهر يناير من هذه السنة وتشكيلها للحكومة الجديدة.إلا أنها كانت الأشرس من نوعها. خلال الأسابيع القليلة الماضية قتل ثمانية أشخاص في هذه المواجهات. لقد أوصل مقتل الردايدة عدد القتلى إلى ثمانية خلال الاقتتال الداخلي، في غزة هذا الشهر.
قبل أيام قليلة، نقل طارق أبو رجب (قائد المخابرات الفلسطينية المعين في هذا المنصب من طرف الرئيس شهر أبريل 2005، والذي يعتبر واحدا من المفضلين لدى الإسرائيليين) إلى مستشفى داخل إسرائيل بعد إصابته بجروح خطيرة في انفجار بغزة، قتل خلاله ابن أخته وحارسه الشخصي علي أبو حصيرة متأثرا بجراحه، كما جرح 15 شخصا آخرون.
اتهمت مصادر فلسطينية حماس بالوقوف وراء هذه العملية. وفي رام الله قام مسلحون فلسطينيون من كتائب شهداء الأقصى، الجناح المسلح لحركة الرئيس عباس، فتح، باقتحام مقر البرلمان احتجاجا على تفجيرات غزة، واتهموا حماس بها.
إلا أن حكومة حماس نفت هذه الاتهامات. وصرح غازي حمد الناطق الرسمي باسم حماس أنه يتوجب على المرء ألا يتبنى خلاصات متسرعة: « يجب ألا يطلق الناس أحكاما متسرعة ويجب عليهم أن يستمعوا لصوت العقل. إننا لا نريد تصعيد التوتر في الشارع الفلسطيني.»
لدى أبو رجب العديد من الأعداء وأغلب الظن أنه لم تكن حماس هي المسؤولة بل إحدى المجموعات التي تريد تفجير مثل هذه المواجهات المشابهة لتلك التي نراها تحدث في العراق.
بعد الانفجار، صرح توفيق تيراوي، نائب رئيس الاستخبارات لمراسلين برام الله: « لدينا معلومات حول وجود العديد من المجموعات التي تحاول استهداف قياديين في قوات الأمن الفلسطينية وكذلك قادة سياسيين، بمن فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس»
يمكن أن تكون هذه المجموعات مرتبطة بمنظمة الجهاد الإسلامي التي تتهم حماس بخيانة القضية. ومنذ أن صعدت حماس إلى السلطة لمّحت عدة مرات أنها مستعدة لإقامة السلم مع إسرائيل وفق بعض الشروط. فعلى سبيل المثال صرح خالد مشعل المسؤول السياسي لحماس، يوم الجمعة 21 ابريل 2006 للقناة الألمانية العمومية (ZDF) أن السلام مع إسرائيل ممكن فقط إذا ما أعادت الأراضي المحتلة سنة 1967، بما فيها القدس، للفلسطينيين. وقد أشار مشعل إلى شروط أخرى قائلا: « حق اللاجئين في العودة وكذا تفكيك المستوطنات اليهودية، تدمير جدار الفصل وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين... إذا ما نفذت إسرائيل هذه الشروط، وفقط إذا ما نفذت هذه الشروط، عندها سوف تصبح حماس والفلسطينيون والعرب والمسلمون مستعدون لسلام حقيقي».
سوف تجد إسرائيل من الصعب عليها أن تواجه وتهزم حركة فلسطينية متحدة تناضل ضد الاستعمار. إلا انه من الواضح أنه لا حماس ولا فتح، اللذان يسعيان معا ليشكلا جزءً من مشروع السلام الأمريكي، قادران على قيادة النضال ضد الاستعمار. إن حكام إسرائيل هم حلفاء مقربون للإمبريالية الأمريكية وقد أوضحوا بما لا يدع مجالا للشكل أنهم لن يقبلوا، تحت أي ظرف من الظروف، بحماس كشريك في مشروع السلام الأمريكي.
وهكذا فإنه من الممكن لنا أن نستخلص أن هذه المواجهات الجديدة تعكس، بشكل أو بآخر، محاولات من طرف إسرائيل والولايات المتحدة لتفجير حرب أهلية، على أمل أن يؤدي هذا إلى إسقاط حكومة حماس.
وهكذا مرة أخرى، يتضح أنه لا يوجد هناك من حل في ظل النظام الإمبريالي. يحتاج النضال ضد الاحتلال إلى قيادة من نوع مختلف، قيادة تستوعب أن الأعداء الحقيقيين للشعب الفلسطيني والشعب الإسرائيلي، هم الإمبرياليون وجميع القوى التي تخدم، أو تطمح لخدمة، النظام الإمبريالي والذي يشمل ليس فقط إدارة بوش، بل كذلك الابناك وكبار الرأسماليين، لا سواء العرب منهم أو اليهود. هذا الصراع الدموي يخدمهم جيدا لأنه يمكنهم استخدامه لتحويل الصراع الطبقي بعيدا عنهم، وتوجيهه نحو صراعات عرقية دموية. الشيء الذي سيشكل طريقا مظلما أمام كل عمال المنطقة، أيا كانت قومياتهم.
وحدها الطبقة العاملة من تستطيع تقديم الحل الوحيد الممكن، أي فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط حيث سيكون للفلسطينيين والإسرائيليين أراضي حكمهم الذاتي في ظل دولة فدرالية اشتراكية. لتحقيق هذا يتطلب الأمر توفر قيادة ماركسية ثورية.
عنوان النص بالإنجليزية :