إننا نعيش مرحلة يمكننا أن نصفها بكونها المرحلة الأكثر اضطرابا في التاريخ. تؤدي الأزمة الاقتصادية، بالحجم والمدى اللذان بلغتهما، إلى إحداث تغيير شامل في وعي الشعب العامل في العالم بأسره. وقد صارت تناقضات ونقاط ضعف هذا النظام واضحة تماما في الوقت الذي تتداعى فيه الرأسمالية تحت وطأة ثقلها. وكما هو الحال دائما، الفقراء والمضطهدون والعمال هم من يجب عليهم تحمل هذا الثقل من أجل الحفاظ على امتيازات الأغنياء. وليس هناك من فئة داخل الطبقة العاملة تتحمل هذا البلاء أكثر من النساء العاملات.
اليوم الأممي للنساء العاملات هو اليوم الذي نحيي فيه الإسهامات العظيمة
التي قدمتها العاملات في طريق النضال من أجل مجتمع عادل. هذه مظاهرة ضد
قوانين الهجرة في فرنسا.
صورة لـ: looking4poetry على Flickr
يعتبر اليوم الأممي للمرأة العاملة، 08 مارس، أحد أهم التواريخ في جدول أعمال الحركة العمالية الأممية. إنه اليوم الذي نحيي فيه الإسهامات العظيمة التي قدمتها النساء العاملات في طريق النضال من أجل مجتمع عادل. إنه اليوم الذي نعيد خلاله التأكيد على المكانة المشرفة للمرأة على رأس حركتنا. إنه قبل كل شيء يوم جميع العمال، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العقيدة، ونذكر هؤلاء الذين يحاولون تقسيم صفوفنا بأننا نعرف أن نضالنا واحد وعدونا واحد وهدفنا واحد.
إن الظروف التي تواجهها نساء الطبقة العاملة اليوم تبين بوضوح الطبيعة الممنهجة لاستغلالهن. بالرغم من الخطابات التي يلقيها السادة البرجوازيون حول حقوق النساء خلال العقود الأخيرة، فإن الوقائع تبين أن كلماتهم لا تعكس ممارساتهم. فحسب مؤتمر النقابات البريطانية (TUC)، فإن معدل الطرد بين صفوف العاملات ارتفع بنسبة 2,3 % منذ بداية 2008، أي تقريبا ضعف المعدل المسجل بين صفوف العمال الرجال. ووفقا لمنظمة العمل الدولية فإن 90 % من اليد العاملة في ورشات الكدح (sweatshops) هن نساء وفتيات.
وعندما تجد الشركات الإعلامية نفسها مجبرة على الاعتراف بهذه الوقائع، تحاول باستمرار خداع العمال من خلال تصويرها للصراع باعتباره صراعا بين جنسين، حول قضية المساواة بين الجنسين. ففي مقال لوكالة رويترز عن آثار الركود الاقتصادي على النساء، خصصت فقرة واحدة للحديث عن معانات النساء العاملات بينما خصصت كل مقالها المكون من ثلاثة صفحات لنقاش مسألة كم عدد النساء اللائي يشغلن منصب رئيسات تنفيذيات أو أعضاء مجلس إدارة في الشركات الكبرى. إن الفكرة التي تدافع عنها النسوانيات اللبراليات هي أن تقدم المرأة يقاس بعدد النساء اللائي يشغلن مناصب القرار في الشركات الكبرى والحكومات. عندما أعلن ستيفن هاربر عن تعديل وزاري بعد الانتخابات الفدرالية الأخيرة في كندا، كانت النساء البرجوازيات سعيدات عندما عين 11 امرأة في الحكومة، أو ما يعادل 29 % من مجلس الوزراء، في حكومته المحافظة. المنظمات النسوانية الغير حكومية، تحفزت، وتعلن بفخر أن نسبة النساء من الجمعيات الغير الحكومية اللائي يشغلن منصب مديرات تنفيذيات للخمسمائة أكبر شركة، انتقلت من 8,7 % سنة 1995 إلى 16,4 % خلال 2005. لكن هل تعني مثل هذه الوقائع حقا أن وضع جميع النساء في تحسن؟ كلا! ففي نفس العشرة سنوات، حسب المؤتمر العمالي الكندي (CLC)، انتقلت أجرة العاملات من 72 % من أجرة العمال الرجال، مقابل عمل من نفس القيمة، إلى 70,5 % فقط. إن التوفر على عدد أكبر من النساء في الحكومة ومجالس الإدارة لم يؤدي إلى تحسين وضع النساء العاملات، حيث أن المساواة في الأجور تراجعت في الواقع خلال العقد الأخير وصار استغلال النساء أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
ستيفن هاربر (على يمين الصورة) يقود حكومة تضم عددا قياسيا من الوزيرات،
لكن هذا لم يؤدي إلى تحسين وضع النساء. نفس الشيء يمكن قوله عن أول رئيسة
وزراء في ألمانيا (على يسار الصورة)، والتي شهدت فترة حكمها توجيه ضربات
هائلة لدولة الرفاه
صورة لـ: franz88 على Flickr.
تعتمد الرأسمالية من أجل بقائها على استعباد النساء. إن التمييز الجنسي إضافة إلى العنصرية، وغيرها من أدواة التقسيم التي تمتلكها البرجوازية، أسافين (جمع: إسفين) حاسمة في يد البرجوازية لتقسيم صفوف الطبقة العاملة وفصل العمال الذكور عن رفيقاتهم العاملات من أجل الحيلولة دون نشوء شيء يمكنه أن يقوض أسس هذا النظام: أي الوحدة العمالية. ليس لدى النساء البرجوازيات والمديرات التنفيذيات والوزيرات أي شيء يكسبنه من القضاء على الاستغلال الذي تعاني منه النساء العاملات. إنهن في الواقع يمتلكن مصلحة خاصة في ضمان استمرار هذا الاضطهاد. إن الحفاظ على أجور النساء في مستوى متدني عن أجور رفاقهن الذكور، يخلق الضغط على العمال الذكور من أجل جعلهم يقبلون بأجور أقل للقيام بنفس العمل، وبالتالي نشر الكراهية والتمييز بين نساء ورجال الطبقة العاملة ودفعهم إلى الصراع ضد بعضهم البعض. هذا علاوة على أن الرأسمالية تجعل من النساء جيشا احتياطيا للعمل الرخيص والهش، الذي يعتبر جد مربح للرأسماليين. ثمة سبب لكون الأغلبية الساحقة من النساء يشتغلن في مناصب منخفضة الأجور في قطاع الخدمات أو ورشات الكدح. كما أن الرأسماليين لا يريدون أن يجعلوا من الولادة وتربية الأطفال عملا منتجا حقيقيا في المجتمع، ويريدون أن يتم ذلك العمل مجانا من طرف نساء الطبقة العاملة أساسا. إن الدور البيولوجي للمرأة باعتبارها هي من تنجب الأطفال يؤدي في ظل الرأسمالية إلى أن النساء هم أيضا من عليهن أن يتحملن مسئولية تربيتهم. هذا يجعل المرأة ترزح تحت ثقل مزدوج باعتبارها مسئولة عن رعاية الأطفال في المنزل، بالإضافة إلى اشتغالها خارج البيت للمساعدة في تربيتهم. إن تحمل هذا الثقل الرهيب يجعل المرأة العاملة لا تملك إلا وقتا قليلا للمشاركة في الأنشطة السياسية، والنقابات، بل ويمنعها في العديد من الحالات حتى من الاشتغال وقت دوام كامل. هذا يجعل النساء يرزحن تحت وطأة أسوء ظروف الاستغلال، ويتلقين في الغالب أجورا بئيسة، مما يجعل وضعهن أكثر مأساوية، الشيء الذي يساهم في تقوية تبعيتهن الاقتصادية للرجال.
تلقي الرأسمالية على كاهل المرأة عبئا مزدوجا يتمثل في عبئ تربية الأطفال وعبئ العمل المأجور.
صورة: UNICEF Iran, Mojgan Parssa-Magham
هذه التبعية الاقتصادية هي التي أجبرت النساء على تحمل أفدح الإساءات عبر العصور. وحتى في البلدان الغربية التي تسمى متنورة، يفرض على نساء الطبقة العاملة أن يخترن ما بين الفقر والتشرد وفقدان أبنائهن من جهة، أو القبول بالعيش مع شريك عنيف من جهة أخرى. ثم إن الميزانية الموجهة لبرامج حماية النساء من هذه الأوضاع، وبالرغم من هزالتها، صارت تتعرض للاقتطاع من جانب الحكومات لتوفير المال بسبب الأزمة المالية. إلا أنه وبالرغم من (أو ربما بسبب) الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها نساء الطبقة العاملة يوميا، فإنهن عندما ينهضن للدفاع عن حقوقهن، فإنهن يقمن بذلك بكفاحية لا مثيل لها.
والمثير للسخرية هو أن النساء البرجوازيات هن من يمارسن أسوء أشكال الاستغلال ضد نساء الطبقة العاملة. وللتأكد من هذا القول، كل ما على المرء القيام به هو استقلال حافلة تمر خلال الصباح الباكر عبر أحد أحياء الأغنياء ليرى جيش المربيات والطباخات والمنظفات، في أغلبيتهن من النساء المهاجرات، اللائي يقمن بالأعمال المنزلية لأسر الطبقة العليا. إن النساء البرجوازيات، هن في الواقع طبعا "متحررات". إنهن متحررات لا سواء من العمل المأجور اليومي المرهق، ولا سواء من عبئ عبودية العمل البيتي، ويمكنهن الجري وراء نفس الأهداف التي يجري وراءها رجال طبقتهن، من قبيل السياسة والأعمال والأنشطة الأكاديمية. إن هذا "التحرر" الذي تود النسوانيات اللبراليات أن تصورنه كانتصار للنساء، ليس في الحقيقة سوى رمي جميع الأعباء على كاهل نساء الطبقة العاملة المسحوقات أصلا.
إنها مهمة كل الاشتراكيات والاشتراكيين أن يناضلوا ضد كل أشكال التمييز الجنسي داخل صفوف الطبقة العاملة، ليس فقط لكونه نزعة مثيرة للاشمئزاز، بل أساسا لأنه وسيلة تستخدم في يد البرجوازية تطبيقا لمقولة "فرق تسد". إن المفهوم المشترك بين النسوانيات اللبراليات والرجعيين هو القول بأنه للنساء والرجال مصالح متناقضة. بينما نحن الاشتراكيون نؤمن بأن هذا خطأ. لدى البرجوازية مصلحة في الحفاظ على التمييز الجنسي، بينما لدى الطبقة العاملة مصلحة في القضاء عليه. إننا نناضل على أسس طبقية من أجل الاشتراكية ليس "لكون الماركسية لا تفهم نضال النساء" كما يقول بعض الأكاديميين، بل على العكس تماما. تمتلك الحركة الماركسية تاريخا يتجاوز 150 سنة من الخبرات التي اكتسبناها في نار الصراع الطبقي ضد الاستغلال وضد اضطهاد النساء. ومن خلال الدراسة المستمرة لهذا التاريخ الحي لحركتنا تمكننا من استيعاب أنه ليس هناك من حل لقضية المرأة في ظل الرأسمالية.
فقط في ظل الاشتراكية حيث يمكن إيجاد حل لاضطهاد النساء. فمن خلال دور عمومية لرعاية الأطفال، ومدارس ومساكن ومستشفيات عمومية، وبفضل تحويل العمل البيتي إلى عمل عمومي من خلال مغاسل الملابس والمطاعم العمومية، الخ. ومن خلال ضمان الحق في أجر متساو في ظل نظام من التشغيل الكامل العادل، سيمكن القضاء بشكل نهائي على الأعباء التي تثقل كاهل نساء الطبقة العاملة وتمنعهن من التطور الاجتماعي.
يوم 20 فبراير، حكم على عاملتين إيرانيتين بالضرب 100 جلدة أمام العموم. لم تكن جريمتهن تحدي قوانين النظام الإيراني الرجعية، بل إن ما قمن به كان أكثر خطورة من ذلك بالنسبة للدولة الإيرانية: لقد تم اعتقالهن وجلدهن بسبب مشاركتهن في مظاهرة فاتح ماي.
نحن الماركسيون نعلم، مثلنا مثل الطبقة السائدة، أن الإمكانيات الثورية الكامنة لدى النساء العاملات هي سيف ديموقليس المسلط فوق رقبة نظامها. سنة 1917، كانت نساء بتروغراد هن من تظاهرن من مصنع إلى مصنع، داعيات أبنائهن وإخوانهن وآبائهن للخروج إلى الشوارع في ما شكل بداية الثورة الروسية. وبالضبط كما كان الحال آنذاك، ستكون النساء اليوم هن من سسيفتحن باب ثورتنا. وستكون النساء العاملات هن من سيبشرن بنهاية الرأسمالية، ومعها نهاية استغلال النساء إلى الأبد. إننا نؤكد: "لا يمكن أن تكون هناك اشتراكية بدون تحرر النساء، ولا يمكن أن يكون هناك تحرر للنساء ما دامت الرأسمالية قائمة."
لا يمكن أن تكون هناك اشتراكية بدون تحرر النساء، وستكون النساء العاملات
هن من سيبشرن بنهاية الرأسمالية، ومعها نهاية استغلال النساء إلى الأبد .
صورة لـ: Carlo Nicora على Flickr
Souce: Marxy.com