جيروم متيليس، الحزب الشيوعي الفرنسي، باريس
www.lariposte.com
الثلاثاء: 28 مارس 2006
تتوالى المظاهرات ضد قانون "عقد العمل الأول" بوتيرة شبه يومية. إذ خلال شهر ونصف، خرج عدة ملايين من التلاميذ والطلبة إلى الشوارع أو نظموا إضرابات لفرض التراجع عن القانون الجديد وفي الكثير من الأحيان المطالبة باستقالة الحكومة. بفضل الاتساع المتزايد لحركة الاحتجاجات بدأ اليمين يخاف وينقسم على نفسه. إذ في كل يوم نشهد انفجار الخلافات والانتقادات في صفوف الحزب اليميني: إتحاد الحركات الشعبية (UMP). إنهم يخشون أن تنتهي هذه الحركة الشبيبية الرائعة إلى جذب العمال إلى الانخراط في نضالات عارمة. لقد سبق للشبيبة الطلابية أن لعبت في التاريخ دور شرارة الانفجار الثوري. نذكر مثلا حالة ماي 1968. وهذا هو ما يخيف الذين يتهمون فيليبان بكونه "يلعب بالنار".
لتلافي الخطر، تبذل الحكومة ووسائل الإعلام كل جهدها لضرب مصداقية الحركة وإخافة الجماهير من خلال التلويح بشبح "المخربين". هذا بينما تعتبر المواجهات بين حركة عارمة مثل هذه وبين قوات الشرطة مسألة حتمية. وبالرغم من كل ما يمكن للمرء أن يقوله عن الطرق التي يستعملونها، فإن هؤلاء الشباب الذين يناوشون قوات مكافحة الشغب تحركهم مشاعر تمرد مشروعة ضد القانون الجديد أو ضد النظام الظالم الذي ينسحقون تحت ثقله يوميا. إضافة إلى هذا، نجد العديد من الشهادات التي تؤكد حدوث الاستفزاز من طرف قوات مكافحة الشغب، الشيء الذي يوافق تماما ما هو معروف عن هذه القوات المتميزة برجعيتها الشديدة. أما فيما يتعلق بهؤلاء الشباب الأغبياء الذين يستغلون التظاهرات من أجل سرقة الحقائب أو الهواتف النقالة، فإن الوسيلة الوحيدة لإبعادهم تتمثل في تحصين تظاهرات الطلاب والتلاميذ بلجان يقظة نقابية. في الواقع أغلبية هؤلاء المئات من الشباب المعتقلين والذين يواجه العديد منهم أحكاما بالسجن النافذة، ليس لديهم أية علاقة مع صورة "المخربين" العديمي الأخلاق والخارجين عن القانون، التي تحاول وسائل الإعلام نشرها.
الحكومة تناور
إبان تحركات ماي –يونيو 2003 ضد "إصلاح" أنظمة التقاعد، كان كافيا للحكومة أن ترمي لفرانسوا شيريك (François Chérèque) بعض فتات التنازلات لكي يقوم بخيانة الحركة. لقد وجهت قيادة الكنفدرالية الديمقراطية الفرنسية للشغل (CFDT)، ضربة ساحقة للحركة آنذاك. وعلى أمل تكرار هذه التجربة، تظاهرت الحكومة بإدخال تغييرات على القانون. إذ اقترحت تقليص مدة الاختبار إلى سنة واحدة، مما يعني إنقاص بضعة سنتيمترات من الحبل الذي سيشنق به العمال الشباب، من جهة أخرى أعلن أرباب العمل الكبار أنه ليس لديهم أي اعتراض فيما يخص "تقديم تبرير" لتسريح حاملي "عقد العمل الأول"- شريطة أن لا يستدعي هذا اللجوء إلى محاكم الشغل. بعبارة أخرى، سيصبح من حق الشاب الحامل "لعقد العمل الأول"، الحصول، في حالة طرده، على تعزية في شكل رسالة ومقابلة، لكن لن يكون له الحق في الاستفادة من الامتيازات التي تضمنها له العقود المؤقتة أو الدائمة.
لقد رفضت القيادات النقابية هذه المقترحات المشينة. إن تصلب شيريك (Chérèque) – المتميز باستسلاميته – مؤشر عن مدى قوة الحركة والضغط الذي تمارسه على الأجهزة النقابية. في مواجهة هذه الجبهة النقابية الموحدة، تلعب الحكومة ورقة الإفساد تحت غطاء "متابعة الحوار". وهكذا استقبل فيليبان، مساء يوم 24 مارس، نقابات العمال لجلسة حوار قصيرة. هل كان سيعلن لهم خلالها تراجعه عن القانون الجديد؟ طبعا لا. بل ولكي تكون الأمور واضحة جدا أعلن شيراك قبل ساعتين من موعد الاجتماع أن "عقد العمل الأول" « سيدخل حيز التطبيق»، إذن لماذا مسرحية الحوار هذه؟ لا لشيء من وجهة نظر الحركة المناضلة ضد القانون. لكن من وجهة نظر الحكومة، كان هدف المناورة إعطاء الانطباع "بأن شيئا ما يحدث" وأنه "أعطيت الانطلاقة لمسلسل ما" و"بأننا نتقدم" - الرسالة باختصار، هي أنه ليس من الضروري تنظيم الإضراب والتظاهر يوم 28 مارس. يجب أن نعترف أنه بقبولهم حضور هذا اللقاء، ارتكب القادة النقابيون خطئا تكتيكيا. وقد كانت المنظمات الطلابية، من جهتها، محقة تماما في رفض دعوة الوزير الأول، الذي يهدف إلى ربح الوقت وإخفاء تعنته وراء ستار الحوار المزيف.
لقد قررت القيادة النقابية أن تنظم، يوم 28 مارس، « يوما لنضال مشترك بين جميع المهن مصاحب بوقف العمل والإضرابات والتظاهرات ». لماذا اللجوء إلى هذا الشعار المعقد الغامض بدل استعمال الشعار الأسهل والأكثر وضوحا، شعار« إضراب عام لمدة 24 ساعة»؟ يقول روني فالادون (René Valladon) - الأمين العام لـنقابة القوة العمالية (Force Ouvrière)- إن المشكلة مع شعار "الإضراب العام" هي "مضمونه التمردي". إن هذا النوع من التصريحات من طرف نقابي، تفضح الخوف من تحول إضراب عام من 24 ساعة إلى شرارة لاندلاع حركة إضرابات لا محدودة. فلنتذكر أنه سنة 1968، نظم إضراب عام من 24 ساعة، يوم 13 ماي، للاحتجاج على القمع الهمجي الذي تعرض له الطلاب، خمسة أيام بعد ذلك، شهدت فرنسا انخراط حولي ستة ملايين عامل في إضراب لا محدود وأكثر من عشرة ملايين في أوج الحركة. هذه هي التقاليد الرائعة التي تختزنها الحركة العمالية الفرنسية. لكن مع الأسف يبدو أنها لا تخيف الطبقة السائدة الفرنسية وحدها، بل أيضا عددا لا يستهان به من القادة النقابيين.
حل الجمعية الوطنية
كما العادة كانت الكنفدرالية العامة للشغل (CGT) [نقابة الحزب الشيوعي] هي النقابة الأكثر كفاحية. إلا أننا نعتقد أن شعارات قيادتها الوطنية ليست في مستوى الأوضاع الحرجة التي نعيشها. في رسالة وجهتها إلى فروعها المحلية، كتبت قيادة (CGT) « من الضروري أن تبقى الشعارات، خلال المظاهرات، مركزة على قانون "عقد العمل الأول" ومسائل هشاشة الشغل، والعمل والأجور وعدم رفع شعارات ذات المضامين السياسية». هل تعني هذه التوصية أنه لا يجب الوصول إلى حد المطالبة باستقالة الحكومة والتنظيم الفوري لانتخابات جديدة؟ إذا كان الأمر هكذا، فإنه خطأ واضح. لقد قال دوفيليبان، مرات عديدة، أنه لن يسحب قانون "عقد العمل الأول". وفي نفس الوقت توضح استطلاعات الرأي أن الحكومة فاقدة للمصداقية بشكل تام. إن حركة المعارضة للقانون الجديد تستمد طاقتها من الغضب المتراكم بسبب كل تلك الهجومات التي شنها اليمين على المكاسب الاجتماعية. لقد تم التعبير انتخابيا على رفض الحكومة، خلال ثلاثة مناسبات: خلال الانتخابات الجهوية والأوروبية سنة 2004، ثم أثناء الاستفتاء حول الدستور الأوروبي. في هذا السياق، سيجد شعار حل الجمعية الوطنية صدى عظيما بين الجماهير، كما توضح ذلك العديد من اللافتات التي رفعت خلال المظاهرات والمطالبة باستقالة دوفيليبان. إن الشباب والعمال سيفهمون ضرورة النضال، ليست فقط من أجل سحب قانون "عقد العمل الأول"، بل أيضا من أجل قلب الحكومة التي تزمع تسخير السنة الباقية لها لشن هجومات جديدة ضد حقوقنا وظروف عملنا.
على الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي أن يطالبا بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية حالا.لقد حان الوقت لإسقاط اليمين من السلطة. إن قانون "عقد العمل الأول" و"عقد الإدماج الجديد"، هما تعبيران سافران عن أزمة النظام الرأسمالي. انهما يوضحان في أي هوة ساحقة، يمكن للطبقة السائدة أن ترمي فيها الشباب والعمال من أجل الحفاظ على هامش ربحها. في هذا السياق يتوجب علينا أن نقول بشكل واضح أنه في ظل الرأسمالية، ليس لأكثر الإصلاحات تقدمية سوى تأثيرات محدودة جدا. إضافة إلى أن أرباب العمل سيعارضونها بكل قواهم. يتوجب على برنامج اشتراكي أو شيوعي، يستحق هذا الاسم، أن يتضمن إجراءات حاسمة لتحطيم مقاومة أرباب العمل بدءا بتأميم القطاعات الاقتصادية الرئيسية وتسييرها ديموقراطيا تحت رقابة العمال أنفسهم.
أيا كان مصير الحركة الحالية، فإن هناك مسألة واضحة: إن فرنسا قد دخلت مرحلة إضرابات اجتماعية وسياسية هائلة، خلالها ستتوصل الجماهير الواسعة إلى خلاصة وجوب القضاء على النظام الرأسمالي. وعندما ستبدأ الطبقة العاملة الفرنسية هذا النضال الحاسم، سوف لن تكون هنالك قوة في هذا العالم يمكنها أن توقفه.
عنوان النص بالإنجليزية :
أنظر أيضا :