مطالب الثورة ديمقراطية في المقام الأول. وهذا طبيعي! فبعد ثلاثين عاما من الدكتاتورية الوحشية، يتوق الشباب إلى الحرية. وبطبيعة الحال، يمكن أن تستغل رغبة الشباب في الديمقراطية من قبل السياسيين البرجوازيين الذين يهتمون فقط بحياتهم المهنية المستقبلية داخل برلمان "ديمقراطي". لذلك علينا أن نتبنى المطالب الديمقراطية ونعطيها محتوى ثوريا واضحا. مما سيؤدي حتما إلى المطالبة بإحداث تغيير أكثر جذرية في المجتمع.
خلال الإضراب أو الثورة يشعر الناس بقيمتهم الإنسانية، وبأن لهم كرامة وحقوق. فبعد عقود من الصمت الإجباري، يكتشفون أن لديهم صوت. والمقابلات مع الناس في الشوارع تعبر عن هذه الحالة بشكل رائع، حيث يقول أناس فقراء وأميون: سوف نناضل، ولن نغادر الشوارع، إننا نطالب بحقوقنا ونطالب بأن نعامل باحترام. وهذا شيء تقدمي للغاية. إنه جوهر الثورة الحقيقية.
غني عن القول إن الماركسيين يرهنون دائما المطالب الديمقراطية بالثورة الاشتراكية. لكن من الناحية العملية تؤدي المطالب الثورية الأكثر حزما وتقدما بالضرورة إلى طرح مسألة سلطة العمال والثورة الاشتراكية. والثورة الروسية هي أفضل مثال على ذلك. في 1917 وصل البلاشفة إلى السلطة على أساس شعارات: "السلام والخبز والأرض"، والتي لا يحمل أي منها مضمونا اشتراكيا. من الناحية النظرية، يمكن تحقيق جميع هذه المطالب الثلاث في ظل الرأسمالية. لكن في الممارسة العملية لا يمكن تحقيق هذه المطالب إلا عن طريق القضاء على البرجوازية وتمرير السلطة إلى أيدي الطبقة العاملة.
يقول البعض إن هذه حركة مجرد حركة برجوازية وطنية، وليست ثورة حقيقية. هذا الرأي يكشف فقط جهلهم بالدور الهام للمطالب الديمقراطية في الثورة في ظل هذه الظروف. وتوضح تجربة الثورة الروسية نفسها أهمية الاستخدام الثوري الصحيح للمطالب الديمقراطية. حيث لعب مطلب المجلس التأسيسي دورا هاما جدا في تعبئة أوسع فئات الجماهير وراء القضية الثورية.
في الوقت الذي نناضل فيه، نحن الماركسيون، من أجل أكثر المطالب الديمقراطية تقدما، لا نعتبر هذه المطالب غاية في حد ذاتها، بل جزء من النضال من أجل إحداث تغيير جوهري في المجتمع. وهذا هو ما يميز النظرة الماركسية عن نظرة البرجوازيين الصغار الديمقراطيين المبتذلين.
كانت المهمة العاجلة في مصر هي الإطاحة بمبارك ونظامه الفاسد. لكن لم تكن هذه سوى الخطوة الأولى. فقد فتحت بوابات الفيضان وسمحت للشعب الثوري بالبدء بمسيرته. إن الشعب يكتشف يوميا قوته في الشوارع، وأهمية التنظيم والتعبئة الجماهيرية. وهذا إنجاز هائل بالفعل. إن الجماهير وبعد أن مرت بتجربة ثلاثين عاما من الديكتاتورية، لن تسمح بفرض دكتاتور جديد، أو بأي مناورة لإعادة النظام القديم باسم جديد. وتونس دليل كاف على ذلك.
لقد أحست الجماهير الآن بقوتها، ولن ترضى بأنصاف الحلول. إنها تعرف أن ما حققته قد حققته بأيديها. والنضال من أجل الديمقراطية سيسمح ببناء النقابات والأحزاب العمالية الحقيقية. لكنه سيطرح أيضاً مسألة الديمقراطية الاقتصادية ومكافحة عدم المساواة.
يجب أن تكون الشعارات والتكتيكات ملموسة. يجب أن تعكس الوضع الحقيقي والتطلعات الحقيقية للجماهير. كانت المهام الموضوعية للثورة الروسية ديمقراطية ووطنية: الإطاحة بالقيصر، الديمقراطية، التحرر من الإمبريالية، حرية الصحافة، وما إلى ذلك. إننا نطالب بالديمقراطية الكاملة، بالإلغاء الفوري لجميع القوانين الرجعية، وتشكيل مجلس تأسيسي.
نعم، علينا الإطاحة بالنظام القديم، ليس فقط ببن علي ومبارك، بل أيضا بجميع أتباعهم. يجب أن يحدث تطهير شامل للدولة. ويجب ألا تشارك في الحكومة أي شخصية لعبت أي دور في النظام القديم. لماذا يجب على الشعب الثوري، الذي ضحى بكل شيء في النضال، أن يسمح لأولئك الذين لم يلعبوا أي دور في الثورة بأن يكونوا في السلطة، حتى وإن كانت حكومة مؤقتة؟ فلنأخذ مكنسة كبيرة ولنطردهم جميعاً! هذا هو مطلبنا الأول. ولن نقبل أي شيء أقل من هذا.
ولكن هذا أيضا غير كاف. فعلى مدى عقود نهب هؤلاء الناس وسلبوا ثروات المجتمع. كانوا يعيشون في الترف في حين كان الشعب غارقا في الفقر. والآن علينا أن نستعيد كل قرش سرقوه من الشعب. إننا نطالب بمصادرة ثروة وممتلكات هذه الطفيليات فورا، ومصادرة ممتلكات الامبرياليين الذين ساندوهم.
هذا يبين كيف أن المطالب الديمقراطية الثورية لابد أن تؤد مباشرة إلى المطالب الاشتراكية. وكل من يعجزون عن الاستخدام الصحيح للمطالب الديمقراطية بطريقة ثورية، محكوم عليهم أن يلعبوا دائما دور عصب كسيحة. أمثال هؤلاء لن يكونوا أبدا قادرين على الارتباط بالحركة الواقعية للجماهير.
إلا أن الديمقراطية تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. فالفقراء في مصر لا يناضلون من أجل الديمقراطية لتوفير مناصب وزارية للوصوليين، بل كوسيلة لحل مشاكلهم الأكثر إلحاحا: غياب فرص العمل والسكن، وارتفاع تكاليف المعيشة. إن هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية عميقة جدا بحيث لا يمكن حلها من قبل أي حكومة برجوازية.
ستكون الديمقراطية عبارة فارغة إذا رفضت وضع اليد على الثروة الفاحشة للنخبة الحاكمة. فلنصادر ممتلكات الطغمة الحاكمة! فلنصادر أملاك الامبرياليين الذين ساندوا النظام القديم واستغلوا شعب مصر! لا بد أن يؤدي النضال من أجل الديمقراطية، إذا استمر حتى نهاية، حتما إلى نزع ملكية الرأسماليين والأبناك وإقامة حكومة العمال والفلاحين. في ظل نظام مبارك، شجع الرأسماليون المصريون الشركات الأجنبية وساعدوا الامبريالية في نهب ثروات البلاد واستغلال العمال المصريين. إننا نطالب بمصادرة ممتلكات الامبرياليين لصالح الشعب.
التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:
-
الإلغاء الفوري لجميع القوانين الرجعية!
-
الحرية الكاملة للتجمع والحق في التنظيم والإضراب!
-
تشكيل مجلس تأسيسي ثوري!
-
مصادرة جميع الأموال التي سرقها النظام القديم!
-
مصادرة ممتلكات الامبريالية!
شعار المجلس التأسيسي
لو وجد في مصر حزب مثل الحزب البلشفي، لكانت مسألة السلطة قد طرحت. لكن في ظل غياب قيادة تمتلك خطة واضحة، يمكن للثورة أن تمر بجميع أنواع التقلبات. في الوقت الحاضر ما تزل الموجة الثورية لم تنحسر بعد. لكن الجماهير لا يمكنها أن تبقى في حالة غليان دائمة، عليهم أن يعملوا ويكسبوا المال لكي يعيشوا. سوف تبرد الحمم الثورية لبعض الوقت. وفي النهاية ستدفع الثورة نحو شكل من أشكال الديمقراطية البرجوازية.
في مثل هذه الحالة تكون للمطالب الديمقراطية أهمية عظيمة. في حالة مثل حالة مصر في ظل مبارك، تشكل المطالب الديمقراطية أداة فعاله لتعبئة أوسع فئات الجماهير من أجل الثورة. علينا النضال من أجل أقصى ما يمكن من الحقوق الديمقراطية مثل الحق في التصويت، والإضراب، وما إلى ذلك. لأنه من مصلحة العمال أن يكون لديهم أكبر هامش ممكن من الحرية لتطوير الصراع الطبقي. إنها ليست مسألة تافهة بالنسبة للعامل أن يعيش في ظل نظام شمولي أو أن يحصل على هذه الحقوق الأساسية. لهذا يجب أن تحتل المطالب الديمقراطية مكانا أساسيا في برنامجنا.
يصاب بعض الناس بالحيرة من واقع أنه بينما نحن الآن ندعو إلى تشكيل مجلس تأسيسي في هذه البلدان، كنا قد عارضنا ذلك في حالة بوليفيا والأرجنتين. إن تفسير ذلك بسيط للغاية. فالشعارات لا توجد خارج الزمان والمكان. يجب أن تعكس الظروف الملموسة للصراع الطبقي في مرحلة معينة من تطور بلد معين.
في بوليفيا، وخلال الانتفاضات الثورية في أكتوبر 2003 وماي- يونيو 2005، كان شعار المجلس التأسيسي شعارا رجعيا. لماذا؟ في ذلك الوقت، كان العمال البوليفيين قد نظموا إضرابين عامٍين وانتفاضتين وأقاموا هيئات على النمط السوفيتي في شكل لجان الأحياء، ومجالس الشعبية، وcabildos abiertos (جموعات عامة).
كان بإمكان العمال البوليفيين حسم السلطة بسهولة. كان كافيا لقادة النقابات أن يعلنوا أنفسهم حكومة. في ظل هذه الظروف الملموسة، كان رفع شعار المجلس التأسيسي خيانة. إنه شعار يحول انتباه العمال عن المهمة المركزية - الاستيلاء على السلطة- نحو القنوات البرلمانية.
لقد تم تأكيد الطبيعة المعادية للثورة لهذا الشعار من خلال حقيقة أن البنك الدولي ومكتب المبادرة للتغير الممول من قبل الولايات المتحدة روجا لفكرة تشكيل مجلس تأسيسي. ويمكن للمرء أن إضافة تفصيل صغير هو أن بوليفيا في ذلك الوقت كانت بالفعل ديمقراطية برجوازية. وفي حالة الأرجنتين، تم رفع هذا شعار من قبل بعض الجماعات اليسارية بعد انتفاضة أرخنتنازو (Argentinazo ) في دجنبر 2001. في سياق الوجود الفعلي للديمقراطية البرجوازية، كان شعار المجلس التأسيسي خاطئ تماما ويعادل القول: "نحن لا نحب البرلمان البرجوازي الذي لدينا. ونريد برلمانا برجوازيا آخر بدلا عنه".
على المرء أن يكون فاقدا تماما للبصيرة لكي لا يرى أنه لا يوجد أي شيء مشترك على الإطلاق بين هذه الحالات وبين الوضع في تونس ومصر. فبعد عقود من الدكتاتورية، لا بد أن تكون هناك حتما أوهام كبيرة في الديمقراطية، ليس فقط بين أوساط البرجوازية الصغيرة ولكن بين الجماهير أيضاً. هذا الواقع يوجه موقفنا. نحن مع الديمقراطية، لكن يجب أن تكون ديمقراطية كاملة. وأحد المطالب الديمقراطية يجب أن يكون 'نحن بحاجة إلى دستور جديد، وبالتالي لمجلس تأسيسي، لكننا لا نثق في الجيش المصري لدعوته المجلس إلى الانعقاد، وبالتالي فإن النضال يجب أن يستمر في الشارع. '
بالطبع، لا يمكن للماركسيين أن يأخذوا موقفا ميكانيكي من الشعارات الديمقراطية، والتي هي دائما خاضعة للمصالح العامة للثورة الاشتراكية. نحن لا نتفق مع الموقف الخرافي الذي تتبناه البرجوازية الصغيرة اتجاه الديمقراطية الشكلية. تعمق الثورة سوف يكشف حدود الديمقراطية البرجوازية. ومن خلال التجربة سيفهم العمال ضرورة الاستيلاء على السلطة بأنفسهم. لكن من أجل فهم حدود الديمقراطية البرجوازية، على العمال أن يمروا أولا عبر مدرسة الديمقراطية. وهذا يفترض معركة جدية من أجل أكثر الشعارات الديمقراطية تقدما.
بعد عقود من الحكم الاستبدادي في مصر، لا يمكننا أن نكون غير مبالين بمسألة الدستور. الاقتراح الحالي من قبل المجلس العسكري هو أنه سيتم طرح بعض التعديلات الدستورية، التي صاغها خبراء معينون من قبل الجيش، على الاستفتاء الشعبي. هذا غير ديمقراطي على الإطلاق. إن دستور مبارك لا يمكن تعديله، يجب التخلص منه وعقد مجلس تأسيسي ديمقراطي وثوري لمناقشة دستور جديد تماما. لقد كان الدور الرجعي للجنرالات واضحاً من خلال إخلاء الجيش لمخيم ميدان التحرير بالقوة.
بعد أن أطاح للشعب الثوري بالديكتاتورية من خلال النضال، لا يمكنه أن يسلم السلطة لنفس الجنرالات الذين أيدوا الرئيس مبارك حتى اللحظة الأخيرة. لا يمكن للعمال أن يثقوا بقادة الجيش أو أي مجلس من "الخبراء" يتم تعينه من طرف الجيش لصياغة دستور ديمقراطي حقيقي. نحن مع تشكيل مجلس تأسيسي: هيئة منتخبة ديمقراطيا للعمل على صياغة الدستور. إن هذا مطلب ديمقراطي أساسي.
ولكن السؤال يبقى مطروحا: من الذي سوف يدعوا إلى عقد المجلس التأسيسي؟ لا يمكننا أيضا أن نعهد بهذه المهمة إلى الجيش المصري. لذلك يجب أن يستمر النضال في الشوارع والمصانع، وفي أوساط الشباب والعاطلين عن العمل، حتى تنتهي المعركة من أجل الديمقراطية.
الوضع في مصر مماثل، ليس لبوليفيا عامي 2003 و2005 أو الأرجنتين عام 2001، بل لروسيا عام 1905 أو 1917. يجب علينا الاستفادة من أكثر الشعارات الديمقراطية تقدما لطرح السؤال المركزي بخصوص سلطة العمال. إننا نقول للعمال والشباب: "تريدون الديمقراطية؟ نحن أيضاً نريدها، لكن لا تثقوا في الجيش أو البرادعي، دعونا نناضل من أجل ديمقراطية حقيقية!". في مصر وتونس وإيران اليوم، يعتبر شعار المجلس التأسيسي مناسبا للغاية.
لقد توصل عمال مصر بالفعل إلى خلاصة صحيحة. يظهر هذا بشكل لافت للنظر بيان عمال الحديد والصلب في حلوان، والذين رفعوا في خضم النضال المطالب التالية:
-
تنحى الرئيس فورا وكل رجال النظام ورموزه.
-
مصادره أموال وممتلكات كل رموز السلطة السابقة وكل من يثبت فساده باسم الجماهير ولصالحها
-
الاستقالة الفورية لجميع العمال من اتحاد عمال السلطة والحزب الوطني وحله وإعلان نقابتهم المستقلة الآن إعداد مؤتمرهم العام الذي يشكلون فيه اتحادهم بحريه لا نحتاج إلى موافقة النظام أو قوانينه فقد سقط النظام وسقطت شرعيته
-
الاستيلاء على مصانع القطاع العام التي تم بيعها وغلقها وخصصتها وكذا القطاع العام التي هي ملك الشعب وإعلان تأميمها باسم الشعب وتشكيل إدارة جديدة يشترك فيها العمال والفنيين لإدارتها.
-
تشكيل لجان رقابية عمالية في جميع مواقع العمل تراقب الإنتاج والأسعار والتوزيع والأجور
-
الدعوة إلى مجلس تأسيسي من جميع فئات الشعب والتوجه لصياغة دستور جديد وانتخاب المجالس الشعبية دون انتظار المفاوضات مع النظام السابق
هذه المطالب صحيحة تماماً. إنها تبين مستوى عال جدا من الوعي الثوري وتلتقي تماما مع البرنامج المطروح من طرف الماركسيين. إن هذا البرنامج يوفر للثورة المصرية كل ما تحتاجه للنجاح.
النقابات العمالية
تطرح الثورة الحاجة إلى التنظيم. والنقابات هي الشكل الأساسي للتنظيم العمالي في جميع البلدان وفي جميع الأوقات. من دون تنظيم، ستبقى الطبقة العاملة دائما مجرد مادة خام للاستغلال. وبالتالي فإن مهمة بناء وتقوية النقابات العمالية أولوية عاجلة.
في مصر وتونس كانت النقابات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام القمعي القديم. لقد كانوا جزءا من الدولة. القيادات العليا كانت فاسدة وفي كثير من الأحيان كانت من أعضاء الحزب الحاكم. دورهم كان الرئيسي هو مراقبة العمال. لكن القواعد مشكلة من العمال والمناضلين الشرفاء.
حتى في الديمقراطيات البرجوازية هناك ميل عضوي لقادة النقابات للاندماج بالدولة، لكن التاريخ يظهر أنه عندما تتحرك الطبقة العاملة حتى النقابات الأكثر فسادا وبيروقراطية يمكن أن تقع تحت ضغط الطبقة العاملة وتتغير في مسار الصراع. إما أن القيادة القديمة تتغير وتعكس ضغط العمال، أو تتم إزالتها واستبدالها بآخرين يكونون على استعداد لوضع أنفسهم على رأس الحركة.
في تونس كان قادة الإتحاد العام التونسي للشغل على وفاق مع نظام بن علي. وكانت القيادة القديمة مستعدة للمشاركة في الحكومة المؤقتة، التي شكلها الغنوشي، لكنهم اضطروا إلى الاستقالة تحت ضغط العمال. لكن الهيئات المحلية والإقليمية للإتحاد العام التونسي للشغل لعبت دورا قياديا في الثورة. وفي بعض المناطق مثل الرديف قام الإتحاد فعلا بتسيير المجتمع. وفي مناطق أخرى لعبت الأجهزة النقابية المحلية في تنظيم الحركة الثورية من خلال المجالس الثورية. وهذا يبين الدور الحيوي للنقابات باعتبارها وسيلة للثورة.
ما نحتاج إليه هو عملية تطهير للاتحاد العام التونسي للشغل على جميع المستويات، وإزالة جميع هؤلاء البيروقراطيين المرتبطين بالنظام القديم، بدءا من الأمين العام عبد السلام جراد، الذي يلعب بوضوح دور كاسر للإضرابات. على الهياكل الإقليمية والاتحادات الوطنية التي هي تحت قيادة اليسار والمناضلين الديمقراطيين، والتي تمثل غالبية أعضاء الاتحاد العام التونسي للشغل، أن تدعو فورا إلى عقد مؤتمر استثنائي وطني. من شأن التحرك إلى دمقرطة الاتحاد وجعله يساير الحركة الثورية أن يحظى بدعم هائل بين العمال العاديين. وإذا كان العمال والشباب قادرين على إسقاط بن علي ثم الغنوشي، فإنه من الأكثر سهولة بالنسبة لهم إسقاط القادة النقابيين الفاسدين الذين دعموهما.
في مصر كان زعماء النقابات الفاسدين عاجزين عن منع موجة من الإضرابات التي كانت بمثابة المدرسة التحضيرية للثورة. لقد تحرك العمال المصريون ضد الزعماء القدامى الفاسدين وهم يناضلون من أجل تحويل النقابات إلى منظمات ديمقراطية حقيقية للطبقة العاملة. وبذلك أظهروا غريزة طبقية ثورية لا تخطئ. إن النضال من اجل الديمقراطية ليس مقتصرا على الساحة السياسية. بل يجب أن يدخل إلى النقابات وأماكن العمل أيضا.
يبدو أن النضال يسير في مصر في اتجاه إقامة اتحاد جديد للنقابات المستقلة. وفي ظل الظروف الثورية مثل هذه التي توجد الآن، يمكن أن يصبح المنظمة الرئيسية للعمال المصريين. ومع ذلك، سيكون من الخطأ تماما التخلي كليا عن النضال داخل النقابات الرسمية القديمة، التي ما تزال تدعي تمثيل الملايين من العمال. وفي بعض الحالات، سيتم تشكيل نقابات جديدة في بعض أماكن العمل والقطاعات. وفي بعض الحالات الأخرى، ستظهر نقابات ديمقراطية ومكافحة من خلال سيطرة العمال على الهياكل الرسمية.
إن البرجوازية والامبرياليين يفهمون الأهمية المركزية للنقابات. وسوف يرسلون عملائهم المأجورين لإفساد وخداع العمال من أجل منعهم من تبني الأفكار الثورية والاشتراكية. لوكالة المخابرات الأمريكية علاقات وثيقة مع قادة نقابة AFL-CIO والمنظمات الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية وما يسمى الهياكل النقابية العمالية العالمية. وسوف يحاولون تأسيس "نقابات عمالية مستقلة" تحت سيطرتهم.
على العمال الحذر من مثل هؤلاء "الأصدقاء" الذين يأتون لإفسادهم وتقويض ثورتهم من الداخل. كما يجب عليهم أيضا أن يحذروا من ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية التي هي وكالة مقنعة للإمبريالية. إن دور المنظمات غير الحكومية هو تحويل العمال عن المسار الثوري، وإشراكهم في آلاف المهام التافهة، والجمعيات الخيرية وما إلى ذلك، وتحويل الثوار السابقين إلى أتباع وبيروقراطيين. إنه سم يمكنه أن يؤدي إلى تآكل الحركة العمالية.
ليس مهمة النقابات هي دعم الرأسمالية، بل الإطاحة بها. إن هدفنا الأول هو الكفاح من أجل تحسين مستويات المعيشة، وتحسين الأجور وظروف العمل. يجب علينا أن نناضل من أجل كل تحسين، مهما كان صغيرا. لكن علينا أيضا أن نفهم أنه سيكون من المستحيل تحقيق مطالبنا الأساسية طالما بقيت الأوليغارشية الطفيلية هي صاحب الأرض والبنوك والصناعات الكبرى.
في النضال ضد النظام القديم، أقامت النقابات روابط مع فئات أخرى من المجتمع: العاطلون عن العمل، النساء، الشباب، الفلاحون، والمثقفون. إن هذا ضروري جداً. يجب على الطبقة العاملة أن تطمح إلى أن تضع نفسها على رأس الأمة وأن تقود النضال ضد جميع أشكال الظلم والقهر.
يقوم الشعب الثوري بإنشاء لجان شعبية من مختلف الأنواع. هذه خطوة ضرورية لتوفير شكل منظم ومتماسك للحركة الثورية. لكن هذه اللجان الواسعة رغم ذلك لا تعوض النقابات العمالية، التي يجب أن تظل الشكل التنظيمي الأساسي للحركة العمالية.
إن النقابات العمالية مدرسة للثورة ستلعب دورا رئيسيا في الإطاحة بالنظام القديم وإقامة مجتمع جديد اشتراكي، حيث سوف يتوسع دور النقابات ألف مرة، وتلعب دورا رئيسيا في إدارة الصناعات المؤممة، وتخطيط الإنتاج وإدارة المجتمع.
التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:
-
بناء النقابات وتحويلها إلى منظمات حقيقية للنضال!
-
تطهير النقابات من جميع العناصر الفاسدة والبيروقراطية!
-
من أجل نقابات ديمقراطية: الانتخابات على جميع المستويات والحق في عزل جميع المسؤولين!
-
مكافحة الفساد! يجب ألا يحصل أي مسؤول نقابي على أجر أعلى من أجر عامل مؤهل!
-
لا لسيطرة الدولة على النقابات! يجب أن تكون النقابات في أيدي العمال!
-
نعم لرقابة العمال على الصناعة! نعم لمصادرة الأبناك، وكبار ملاكي الأراضي، والرأسماليين! من اجل مخطط اشتراكي ديمقراطية للإنتاج!
دور الشباب
قال كارل ليبكنخت، الثوري والشهيد الألماني الكبير ذات مرة: "إن الشباب هو شعلة الثورة الاشتراكية". ويمكن كتابة هذه الكلمات على راية الثورة العربية. لقد لعب الشباب الدور الرئيسي في كل مرحلة. وقد كان أغلب المتظاهرين الذين تدفقوا إلى شوارع تونس ومصر شبابا عاطلين وبدون أي مستقبل. بعضهم كان من خريجي الجامعات، والبعض الآخر من فقراء الأحياء الفقيرة.
في جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غالبية السكان هم من الشباب. إنهم يعانون أسوأ آثار أزمة الرأسمالية. في تونس 70 ٪ من الشباب تحت سن 25 عاطلون عن العمل، وتبلغ هذه النسبة 75٪ في الجزائر و76 ٪ في مصر. وتوجد حالات مماثلة في بلدان أخرى.
خريجو الجامعات ليس لديهم وظائف وبالتالي لا توجد لهم أي إمكانية للزواج وبدون مأوى أو مستقبل. هذه الحقائق تدل على مأزق الرأسمالية. إن هذه البلدان تحتاج إلى الأطباء، والمعلمين، والمهندسين، لكن لا توجد وظائف. ملايين الشباب غير قادرين على العثور على عمل، وبالتالي فهم غير قادرين على الزواج ورعاية أسرة. إن الشباب يدفعهم شعور عميق بالظلم والغضب العارم والاستياء اتجاه نظام يحرمهم من المستقبل، نظام فاسد أثرى نفسه على حساب الشعب.
إن الأمل الوحيد لهؤلاء الشباب هو الكفاح من أجل إحداث تغيير جوهري في المجتمع. لقد تخلصوا من الخوف وصاروا على استعداد للمخاطرة بحياتهم في الكفاح من أجل الحرية والعدالة. في تونس نظم الشباب الثوري نفسه، ودعوا إلى تظاهرة حاشدة في تونس، وساروا نحو مكتب رئيس الوزراء واعتصموا أمامه في ساحة القصبة. ورفعت الحركة الجماهيرية لطلاب المدارس مطلب المجلس التأسيسي، وتظاهروا وهم يهتفون "فلتسقط الحكومة". لقد وفروا الحافز للحركة الثورية التي أسقطت حكومة الغنوشي في نهاية فبراير. في مصر رأينا نفس الشيء مرة أخرى. فالمتظاهرون المصريون الذين قادوا المسيرة كانوا أساسا من الشباب العاطلين عن العمل وبدون أي مستقبل.
إن التاريخ يعيد نفسه. ففي 1917 اتهم المناشفة البلاشفة بكونهم مجرد "حفنة من الأطفال" ولم يكونوا مخطئين تماماً! فمتوسط عمر المناضلين البلاشفة منخفضا للغاية. إن الفئة الأولى التي تتحرك هي دائما الشباب، المتخلصين من الأحكام المسبقة والخوف والارتياب المميزة للجيل الأكبر سنا.
شباب كل البلدان منفتحون على الأفكار الثورية. يجب أن نتوجه إلى الشباب! وإذا توجهنا إلى الشباب بالأفكار الماركسية الثورية والأممية البروليتارية، فسوف نلاقي استجابة حماسية.
التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:
-
الوظائف للجميع!
-
يجب أن يتوفر لكل شابة وشاب منصب شغل بدوام كامل أو تعليم مجاني بدوام كامل!
-
أجر متساوي عن العمل المتساوي!
-
وضع حد لمضايقات الشرطة!
-
حقوق ديمقراطية كاملة والحق في التصويت عند سن 16 سنة!
دور المرأة
العامل الحاسم هو أن الجماهير بدأت تشعر بقوتها الجماعية وتتخلص من خوفها. وبدءا من الفئات الأصغر سنا والأكثر نشاطا وتصميما، انتقل مزاج التحدي تدريجياً إلى الفئات الأكبر في السن والأكثر حذرا وخمولا من الجماهير.
وقد كانت إحدى المميزات الأكثر إلهاما للثورات في تونس ومصر هي المشاركة النشطة للنساء. الاستكانة القديمة في طريقها إلى الزوال. في الإسكندرية ألقت ربات البيوت المسنات القدور والمقالي على الشرطة من شرفات شققهن. وفي المظاهرات ناضلت الطالبات الشابات المرتديات لسراويل الجينز جنبا إلى جنب مع النساء اللائي يرتدين الحجاب. والنساء العاملات هن من لعبن دورا رئيسيا في الإضرابات الواسعة النطاق لعمال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى خلال السنوات الأخيرة، وهي الإضرابات التي عبدت الطريق للنهوض الثوري الحالي.
لقد كانت النساء في طليعة كل ثورة في التاريخ. صور النساء في البحرين، اللائي يتظاهرن بدون خوف، بعضهن بالحجاب والبعض من دونه، هي صورة ملهمة للثورة في الواقع. إنهن يكررن تجربة النساء الباسلات في باريس في أكتوبر 1789، وفي بتروغراد في فبراير 1917.
إن صحوة النساء علامة مؤكدة على الثورة. لا يمكن للمجتمع أن يتقدم أو يزدهر طالما النساء مستعبدات. وليس من قبيل المصادفة أن الرجعيين في مصر، فضلا عن تحريضهم على المذابح الدينية، هاجموا مظاهرة 8 مارس في ميدان التحرير. سوف تجند الثورة العربية أكثر مقاتليها تصميما وشجاعة من بين صفوف النساء، والتحرر الكامل للمرأة هو المهمة الأولى للثورة. مكان المرأة ليس في المطبخ بل في الشوارع للقتال جنبا إلى جنب مع الرجال. إنهن العناصر الأكثر شجاعة، ولديهن الكثير مما يقاتلن لأجله.
التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:
-
إسقاط التمييز وعدم المساواة!
-
الاعتراف الكامل بالمساواة للنساء كمواطنات وبشر!
-
المساواة الكاملة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء!
-
إسقاط لجميع القوانين التمييزية!
-
تنظيم النساء العاملات في نقابات عمالية حرة وديمقراطية مستقلة عن الدولة!
-
المساواة في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية!
Translation: Marxy.com