يفهم واضعو استراتيجيات الإمبريالية الأمريكية الجديون أن النصر العسكري في أفغانستان قد صار مستبعدا. وفي نفس الوقت تعمل روسيا والهند والصين والقوى الأخرى على المناورة من أجل الاستفادة من هذا الوضع. كل هذا هو نتيجة للهزيمة الرجعية التي تعرضت لها ثورة ساور سنة 1978. والآن بدأت، بالرغم من كل شيء، تعود ذكريات تلك الفترة إلى الحياة بين صفوف العمال والشباب، الذين يبحثون عن بديل لكل من الأصوليين الرجعيين أو النظام الحالي.
«إن الموقع الجغرافي لأفغانستان والطابع الفريد لشعبها مجتمعان معا يضفيان على هذا البلد أهمية سياسية عظيمة في شؤون آسيا الوسطى» (انجلز 1820- 1895)
وكما هو الحال في العديد من "المواقع المتميزة" على هذا الكوكب، أصبحت الأهمية الجيو-إستراتيجية لأفغانستان لعنة وليس نعمة لشعبها. وقد شكلت أفغانستان لعدة قرون ساحة معارك وحروب بالوكالة وحركات تمرد، وجزءا من اللعبة الكبرى التي تنافست فيها القوى الإمبريالية من أجل السيطرة على آسيا الوسطى. في الماضي كان الصراع بين بريطانيا وروسيا. والآن ما تزال روسيا مشاركة في المؤامرات مع السكان الطاجيك والأوزبك في الشمال. وتعمل إيران على توسيع نفوذها بين الناطقين بلغة الداري والشيعة. كما أن الصين حريصة على استغلال الموارد المعدنية في أفغانستان، حيث تملك أكبر منجم للنحاس في العالم. وأخيرا وليس آخرا، تعمل الهند أيضا على التدخل بنشاط هناك الشيء الذي يؤدي إلى مفاقمة الصراع مع باكستان التي تعتبر أفغانستان ساحتها الخلفية. يمكن لهذا الاستعراض الوقح لسياسات القوى الإقليمية أن يؤدي في المستقبل إلى تفكيك أفغانستان إلى الأجزاء المكونة لها. إن هذا البلد التعيس يجد نفسه في قبضة غزو امبريالي وحشي وغارق في حرب استنزاف دموية لا تلوح لها أية نهاية في الأفق.
لقد فشل العدوان الامبريالي في غرس أي تفاؤل في الغرب أو التخفيف من المعاناة الرهيبة للجماهير الأفغانية. ولم تقدم انتخابات "اللويا جيرغا" (البرلمان الأفغاني) في 18 شتنبر أي حل. إن الوضع في منتهى السوء. اقتصاد المخدرات الذي يتحكم فيه أمراء الحرب المجرمون، والعدوان الامبريالي الوحشي، والفساد الشامل، ووحشية طالبان الظلامية: هذا هو واقع أفغانستان اليوم.
لكن الحال لم يكن دائما هكذا. كان هناك زمن حين كانت كابول تعرف باسم "باريس الشرق". لقد وضع الانتصار على بريطانيا في الحرب الأنجلو- أفغانية الثالثة سنة 1919 حدا لحوالي قرن من عمليات التوغل الإمبريالي، وحصلت على نوع من السيادة الوطنية الغير المستقرة. وقد كانت روسيا السوفيتية، تحت قيادة لينين وتروتسكي، أول دولة تعترف بأفغانستان كدولة مستقلة. لكن عمر هذا الاستقلال كان قصيرا، وقامت أسرة نادر بفرض نظام حكم ملكي استبدادي سنة 1929.
إن الحرب الحالية لم تبدأ مع الغزو الأمريكي لأفغانستان سنة 2001. حيث يمتد هذا العدوان لأكثر من اثنين وثلاثين عاما. كان الانقلاب العسكري الذي قاده داود محمد سنة 1973 يمثل مصالح كبار ملاك الأراضي والبرجوازية. وقد تلقى المساعدة من طرف الإمبريالية الأمريكية والبيروقراطية الستالينية في موسكو. فقد حاول كل منهما جذب نظام داوود الدكتاتوري إلى صفه خلال الحرب الباردة.
تم تشكيل حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني (ح. ش. د. أ) في المؤتمر الوطني التوحيدي الذي ضم مختلف فصائل الحزب الشيوعي الأفغاني في 1 يناير سنة 1965. وفي 17 أبريل 1978، اغتيل مير علي اكبر خيبر على يد نظام داود في سجن بول الشرقي في كابول. فاندلعت آنذاك مظاهرة احتجاج عفوية ضمت أكثر من 10000 متظاهر في كابول هزت أركان النظام القمعي. وكان داود يخطط لقتل زعماء حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني الرئيسيين الآخرين الذين كانوا يقبعون في السجن.
لم يكن لحزب الشعب الديمقراطي الأفغاني (ح. ش. د. أ) أي خيار آخر سوى الرد. وفي 27 أبريل، 1978 أطاح ضباط (ح. ش. د. أ) في الجيش الأفغاني والقوات الجوية بنظام داود القمعي بواسطة انقلاب دموي. وقصفت جدران سجن بول الشرقي بسلاح المدرعات وتم إطلاق سراح قادة (ح. ش. د. أ). فأعلن تأسيس جمهورية أفغانستان الديمقراطية، وتم تشكيل مجلس ثوري وحكومة جديدة، برئاسة الأمين العام لـ (ح. ش. د. أ) نور محمد تراكي.
من بين أول القرارات التي صدرت عن المجلس الثوري كان هناك فرض حظر شامل على بيع وشراء النساء. لقد كانت النساء في أفغانستان قبل الثورة محرومات من كل الحقوق. وكن أساسا سلعة تباع وتشترى بشكل مستتر عن طريق دفع صداق العروس في المجتمع الأفغاني الشبه إقطاعي. وما تزال هذه الممارسات البربرية تمارس حتى اليوم في أفغانستان اليوم، ليس فقط في المناطق الخاضعة لطالبان، بل أيضا في تلك الخاضعة لـ "الديمقراطية" الامبريالية.
في يوليوز 1978 ألغى المرسوم رقم 6 جميع الديون المفروضة على الفلاحين من جانب ملاك الأراضي ومقرضي الأموال. كان هذا يعني أنه بجرة قلم، تم تخليص أكثر من 11,5 مليون شخص - أي 80% من سكان الأرياف من وضعهم كرهائن في يد المرابين. بلغت القيمة الإجمالية للديون التي ألغيت 33000 مليون أفغاني . كما نفذت الحكومة الجديدة إصلاحا زراعيا. كان 5% من الساكنة يمتلكون ثلاثة أرباع الأراضي المزروعة. وبحلول خريف عام 1979 تمت مصادرت جميع هذه الأراضي، ومنحت لأكثر من 300. 000 من الفلاحين المعدمين.
وقد تم أيضا إلغاء دور الوسطاء في بيع المنتجات الزراعية. ونظم أول إحصاء تعرفه أفغانستان في تاريخها. واتخذت خطوات جذرية لتحسين الرعاية الصحية وتوفير المساكن والإمدادات الغذائية والقضاء على البطالة. تم بناء أكثر من 600 مدرسة ومؤسسة للتعليم العالي ما بين سنتي 1978 و1979. وبدأ 800. 000 من العمال والفلاحين يستفيدون من دورات محو الأمية. وتم تأميم مقادير هائلة من الرأسمال الإمبريالي ورأسمال البرجوازية "الوطنية".
بطبيعة الحال، اعتبرت القوى الامبريالية الحكومة الثورية الجديدة بمثابة تهديد لها. ومن بين الافتراءات العديدة التي روجوها ضد ثورة (ربيع) ساور أنها كانت "برعاية من الاتحاد السوفيتي". كان هذا الادعاء كاذبا، وحتى بعض وسائل الإعلام الغربية وجدت نفسها مجبرة على الاعتراف بذلك، وعلى سبيل المثال، كتبت مجلة التايم في عدد 28 يناير 1980:
«لقد فاجأ الانقلاب الماركسي الذي أطاح بواسطته محمد نور تراكي بداوود في أبريل 1978، السوفييت بقدر ما فاجأ الأمريكيين. والاستخبارات الغربية لم تكن قادرة على العثور على أية بصمة للروس في ساحة "ثورة أبريل"».
في خطاب ألقاه يوم 9 ابريل، 1979 قال تراكي: «لم تتورط أية قوى خارجية في ثورة ابريل. إن أفغانستان لا تستورد ولا تصدر الثورة... وقد انطلقت في مسار جديد لبناء مجتمع خال من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان».
لقد كان للخطوات الجذرية التي اتخذت في الأشهر الأولى بعد الثورة تأثير هائل، لا سيما في جنوب ووسط وغرب آسيا. كانت الامبريالية مرعوبة من الانعكاسات المحتملة للثورة في المنطقة بأسرها. وهذا هو السبب الحقيقي وراء إطلاق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لأكبر عملية سرية في تاريخها ضد الثورة الأفغانية. وكان هذا هو وقت بداية الحرب الحالية، مع التمرد الرجعي الذي نظمته الامبريالية تحت راية "الجهاد الإسلامي".
كتبت الواشنطن بوست يوم الجمعة 15 فبراير 1981:
«استمرت اللجان الرئيسية في الكونغرس، المسئولة عن الإشراف على النشاطات السرية، في الاطلاع على الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية... يمكن للمعاملات السرية في نهاية المطاف أن تثير تساؤلات حول ما إذا كانت المساعدات السرية للمتمردين، التي تهدف إلى مضايقة وإرهاق القوات الروسية، قد تسرع أيضا رحيلهم، وهو الهدف المعلن للإدارة».
كان المنفذون الرئيسيون لعملية وكالة المخابرات المركزية السرية هذه لقلب نظام الحكم اليساري في كابول هم نظام ضياء الحق الديكتاتوري في باكستان والمملكة السعودية. وكان مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس كارتر، زبيجنيف بريجنسكي، هو من أعلن انطلاق عملية "دولارات الجهاد"، في خريف عام 1978 في ممر خيبر. وكان هو من جند أسامة بن لادن لخوض هذه الحرب "المقدسة"، حتى انه هتف "الله اكبر" عند إطلاقها.
لكن القصور الإيديولوجي والارتباك والنظرة القومية الضيقة لقيادة (ح. ش. د. أ) حالت دون صياغة وتنفيذ سياسة طبقية ثورية أممية لمكافحة ودحر التمرد الإمبريالي. كانت إيديولوجية قادة (ح. ش. د. أ) خاضعة للنزعات القومية بدلا من الأممية الماركسية. وقد كان هذا يعكس خلفيتهم وتربيتهم الستالينية.
محاولة كسب التأييد للثورة على أساس الاعتماد على القومية البشتونية (وغيرها) كان مآلها الفشل. ومع تصاعد ضغط التمرد، اندلع صراع داخلي بين قيادة (ح. ش. د. أ)، وهو الصراع الذي كان يعكس أيضا الانقسامات على أسس قومية وعرقية. ونتيجة لذلك، قتل تراكي ودخلت الدبابات الروسية إلى أفغانستان، فعبرت نهر أوكسوس وتحركت من خلال ممر سالانغ. الشيء الذي أدى إلى تغيير أبعاد الصراع.
وحدهم الماركسيون من تمكنوا من توقع مستقبل الأحداث. كتب تيد غرانت في يونيو 1978 بعد أسابيع فقط من اندلاع ثورة ساور:
«إذا ما هم (قادة ح. ش. د. أ) ترددوا، بضغط ربما من النظام الروسي، فإنهم سوف يمهدون الطريق لاندلاع ثورة مضادة شرسة مستندة إلى النبلاء ورجال الدين. وإذا ما نجحت الثورة المضادة فإنها ستعمل على إعادة النظام القديم فوق عظام مئات الآلاف من الفلاحين، وذبح الضباط الراديكاليين وإبادة كل النخبة المتعلمة تقريبا».
لقد تحقق هذا التوقع الباهر بشكل حرفي خلال المرحلة اللاحقة. استولت طالبان على كابول سنة 1996 بمساعدة من الولايات المتحدة. وقد كان الشخص الرئيسي الذي قاد عملية "فتح كابول" من جانب حركة طالبان بقيادة الملا عمر، هو المسئول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، روبرت أوكلي. لقد كان يتحرك بالتواطؤ مع حكومة بينازير بوتو والمخابرات الباكستانية (أي. إس. أي).
بعد انسحاب القوات السوفيتية سنة 1987، ترك الأمريكيون أفغانستان تحت رحمة القوى الرجعية التي خلقوها. فعاثت هذه القوى فسادا في هذا البلد المنكوب ونشرت فيه الفوضى. لكن وحش فرانكنشتاين الذي خلقوه بأيديهم انقلب عليهم سنة 2001. وكان ذلك هو ما أدى إلى الاحتلال الامبريالي لأفغانستان، والذي جلب الدمار والبؤس الرهيب للجماهير الفقيرة أصلا.
بعد ما يقرب من تسعة سنوات من الاحتلال المباشر، صارت الهزيمة الآن محدقة بالأمريكيين. وفي تقريره الأخير، ليوم 06 شتنبر، أدلى مركز أبحاث "ستراتفور"، الذي شكله موظفون سابقون في وكالة المخابرات المركزية، بهذه الاعترافات المذهلة:
«من الواضح تمام الوضوح أنه بالنظر إلى واقع أن أمريكا لن تحقق نصرا بالمعنى التقليدي في أفغانستان... فمن المحتمل أن تكون طالبان جزءا من أية تسوية يمكن أن تسبق الانسحاب الأمريكي».
بعد استشعاره لضعف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، تحول الرئيس الأفغاني المثير للجدل حامد كرزاي من دمية في يد الولايات المتحدة إلى منتقد بشدة لها. إنه مستعد من أجل الحفاظ على موقعه، لقبول استمرار سيطرة قوات طالبان على بعض معاقلها. وقد عبرت واشنطن عن انزعاجها من شروط اتفاق السلام الذي يخطط له كرزاي. هناك انقسام حاد بين وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية حول الموقف من مشروع "التسوية المتفاوض" عليها.
يبحث البيت الأبيض عن انسحاب مشرف. لكن الظروف على الأرض تجعل تحقيق هذه النتيجة مستبعدة. لم يعد لحلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي أية رغبة في البقاء. والشعب الأمريكي يطالب بالانسحاب الفوري. لكن البنتاغون عاجز عن تحقيق ذلك. وقد ضغط قائد القوات الأمريكية الجنرال بترايوس بشدة على أوباما من أجل تأجيل أي انسحاب جدي للقوات إلى ما بعد يوليوز 2011 أي التاريخ الإطار الذي حدده الرئيس. وعلى ما يبدو سوف يتراجع أوباما عن الموعد النهائي. إن منظري الإستراتيجية الأمريكية والقوات المسلحة غارقون في فوضى من صنع أيديهم. إنهم لا يستطيعون الانسحاب، غير أنهم في نفس الوقت عاجزون عن تحمل التكاليف الرهيبة لهذه الحرب الدموية. وكما قال هوارد هارت، الموظف السابق في وكالة المخابرات المركزية، لنيكولاس كريستوف من صحيفة نيويورك تايمز: «وجود قواتنا هناك هو المشكلة. وكلما أرسلنا مزيدا من القوات كلما زادت المعارضة».
الواقع الذي تعمل وسائل الإعلام الغربية على إخفاءه هو أن طالبان والقاعدة ليستا وحدهما من يمثل المعارضة. إنها تتجاهل المد المتصاعد من المظاهرات الجماهيرية الحاشدة على أساس قضايا اجتماعية واقتصادية، والتي اندلعت في معظم المدن الكبرى في أفغانستان. إضافة إلى مشاركة العديد من قوى اليسار والقوى القومية وغيرها من المكونات في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي. وتشهد مظاهرات الاحتجاج في مدن أفغانستان تصاعدا في وتيرتها وكفاحيتها. وكلما ازداد الدمار الذي تتسبب فيه قوات الاحتلال كلما تقوت المقاومة.
هناك مخاوف في بعض الأوساط من أن انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي قد يؤدي إلى حدوث فوضى وحرب أهلية دامية. بينما يتساءل آخرون: كم من المجازر والفوضى يمكن أن تحدث أكثر من هذا الاضطراب الشديد والمجازر التي تحدث بالفعل على يد قوات الاحتلال. حركة طالبان الرجعية تشتغل هذا كذريعة لقتل الناس والتحرش بالأبرياء.
يعمل الامبرياليون بجهد على تفكيك البلاد لإفساح الطريق "لانسحاب مشرف". هناك توترات عرقية بين الأغلبية البشتونية (44 ٪) والطاجيك (27 ٪)، والأوزبك، والهزارة وغيرهم من الأقليات في الشمال، وهي التوترات التي، كما أشرنا، يجري تسعيرها واستغلالها من قبل القوى الأجنبية. هذه الصراعات القومية تعني أن بلقنة البلاد ليست أمرا مستبعدا تماما. لكنها ليست على الأرجح المنظور المتوقع في المدى القصير. وإذا ما سارت الامبريالية في تنفيذ هذه الإستراتيجية، فإن أفغانستان ستشهد حمام دم أكثر بشاعة.
تتضاءل إمكانية تحقيق الاستقرار في ظل الاحتلال يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة. من الممكن أن يكون الجنرال ماكريستال قد تسبب متعمدا في إبعاده عن منصبه تحسبا لهزيمة وشيكة. ولم يحقق خلفه بتريوس تخفيضا في حجم الخسائر، كما أنه لم يحقق أية مكاسب كبيرة في الحرب.
لقد جرت الانتخابات لمجلس اللويا جيرغا (والتي هي تجمع قبلي قروسطوى) يوم 18 شتنبر، وكانت مزورة مثلها مثل الانتخابات الرئاسية. كانت هذه المهزلة البرلمانية محاولة مخادعة من قبل الامبرياليين وعملائهم لكسب بعض المصداقية في نظر الرأي العام الغربي. وكانت تهدف إلى توفير نوع من التبرير لمغامرة فاشلة بشكل مطلق. كان الخيار الوحيد أمام الجماهير الأفغانية في هذه الانتخابات هو الاختيار بين مختلف أمراء الحرب المجرمين المتصارعين. إنهم مجموعات من المجرمين المرتزقة الذين حققوا الملايين من هذه الحرب بتجارة المخدرات، والخطف وطلب الفدية والابتزاز على أساس تغيير الولاءات. ولن تقدم هذه الانتخابات أي حل لأي مشكل.
لا يمكن للرأسمالية في أفغانستان أن تطور المجتمع أو تؤدي إلى تحسين ظروف عيش الملايين. وفي إطار العلاقات المافيو- رأسمالية الحالية لا يمكن إقامة اقتصاد وطني رسمي مستقر، ناهيك عن إنجاز المهام الأخرى للثورة الوطنية الديمقراطية. يعتمد الاقتصاد ككل على المساعدات الخارجية وتجارة المخدرات. في ظل اقتصاد المخدرات هذا، ومع 70 ٪ من الأمية، والنسيج الاجتماعي المفكك، وسيطرة الظلامية القروسطوية، والفقر المدقع والبؤس والمرض، لا يمكن أبدا لأية وصفة "ديمقراطية" من إعداد الامبريالية أن تنجح. وليست إعادة الإعمار والتنمية والرخاء سوى أضغاث أحلام لا تمت بصلة إلى الواقع. ليس هناك أي طريق للخروج من هذا المستنقع من التناقضات المتفجرة. لا يمكن لأفغانستان أن تتغلب على الصراعات العرقية، والاختلالات الاقتصادية والاضطراب المزمن والحروب وسفك الدماء والحرمان دون إحداث قطيعة جذرية مع الماضي.
إن الصورة المرسومة في الغرب عن الشعب الأفغاني باعتباره شعبا من المتعصبين الإسلاميين وأنصار حركة طالبان زائفة تماما. ليس لقوى الظلام الأصولية والديمقراطيين الليبراليين الفاسدين أي صدى بين صفوف الجماهير. لكن هناك بدايات نهضة كبيرة لقوى اليسار. هناك انتعاش لحزب (ح. ش. د. أ) الذي عقد مؤخرا مؤتمره في كابول. كما أن أحزابا يسارية أخرى قد أصبحت نشطة هي أيضا.
لقد انتقلت ذكريات المكاسب التي حققتها ثورة 1978 للفلاحين الفقراء والعمال والشباب إلى الجيل الجديد. وقد أعطت فترة الأشهر القليلة الأولى من عمر ثورة "ساور" لمحة عما يمكن أن يتحقق عن طريق الإطاحة بهذا النظام الرأسمالي المتعفن وإقامة نظام اقتصاد مخطط، حتى ولو بشكل مشوه بيروقراطيا.
إن الدعاية الامبريالية التي تطرح شبح الحكم الظلامي الوحشي وسيطرة طالبان على أفغانستان، باعتباره البديل الوحيد على الاحتلال الامبريالي هو مجرد هراء. فقبل اثنين وثلاثين عاما كانت أفغانستان هي البلد الوحيد في جنوب آسيا الذي تمت فيه الإطاحة بالإقطاعية والرأسمالية وكسرت قبضة الإمبريالية الخانقة. وبعد الاستفادة من الأخطاء التي ارتكبها القادة القدماء، يمكن للجيل الجديد من الشباب والعمال في أفغانستان أن ينجزوا ثورة اشتراكية على مستوى أكثر تقدما.
إن إعادة إحياء النظام القديم البالي بسبب العدوان الامبريالي والتعصب الديني قد تسبب في كارثة للمجتمع الأفغاني. لقد نشأ الجيل الجديد في ظل ظروف فظيعة. لقد نشئوا في مدرسة الاستبداد والاستغلال والأعمال الشاقة. لكن ومع ذلك ليس قدر الشعب الأفغاني تحمل هذه المعاناة. إن الجيل الجديد يتجه نحو استخلاص نتائج ثورية. ففي نقاش جرى مؤخرا في موقع على الانترنت يتمتع بشعبية بين الشباب الأفغاني، عبر أكثر من 70 ٪ منهم عن رغبته في دراسة وفهم تروتسكي.
إن الأممية هي المفتاح لنجاح الثورة الأفغانية المستقبلية. مصير أفغانستان اليوم يرتبط، أكثر من أي وقت مضى، بما يحدث في باكستان وإيران. لقد ربطت علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية قوية هذه المجتمعات معا منذ آلاف السنين. وقد تمكن التيار الماركسي الأممي أيضا من تطوير قوى ثورية متواضعة لكنها حازمة في هذه البلدان. إن إنشاء مقر للتيار الماركسي الأممي في وسط كابول يشكل إنجازا عظيما لنمو وتطور القوى الماركسية الثورية.
يمكن للقوى الماركسية الثورية أن تنمو بسرعة في خضم الأحداث العاصفة التي توشك أن تحدث. يمكن لانتصار الاشتراكية أن يحدث في وقت أقرب مما يتصور معظم الناس في الوقت الحاضر. لقد قضى التاريخ بأن مصير هذه المنطقة هو إما أن تنزل إلى هاوية الهمجية، أو أن تقفز فوق مختلف مراحل التطور الرأسمالي بواسطة الثورة الاشتراكية. هذا هو السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام. هذا هو السبيل الوحيد للبقاء والتحرر بالنسبة لملايين البشر المستغلين والمضطهدين الذين يتوقون إلى التغيير.
Source: marxy.com