البارحة [الثلاثاء 21 ماي/أيار] أعلن مجلس صيانة الدستور في إيران أسماء المرشحين الثمانية للانتخابات الرئاسية القادمة. يتألف المجلس من 12 عضوا من رجال الدين والقضاة، يتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى (ولي الفقيه) ورئيس القضاء، للبت في أهلية المرشحين لخوض الانتخابات المقرر إجراؤها في 14 يونيو/حزيران.
هذه المرة القضية ليست "مَنْ سوف يسمح له هذا المجلس بالترشح للانتخابات" بل "مَن سوف يُمْنَع من خوضها". الأعلام البارزة التي لم يسمح لها بخوض المعركة الانتخابية تضم "اسفنديار رحيم مشائي"، الحليف القريب جداً من الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، وهاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق وهو رجل ذو ثقل سياسي واقتصادي كبير في هذا النظام.
في الأيام التي سبقت الإعلان عن لائحة المرشحين الموافق عليهم لخوض المعركة الانتخابية، حدثت موجة من الاعتقالات التي استهدفت مؤيدي أحمدي نجاد ومشائي. تم أيضاً منع مؤيدي أحمدي نجاد ومشائي من خوض انتخابات المجالس المحلية المزمع إجراؤها أيضاً بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية.
لم يسبق أن أُجْرِيَتْ الانتخابات الرئاسية في إيران بطريقة ديمقراطية. أي مرشح قوي يجب أن تتم المصادقة على ترشيحه من قبل مجلس صيانة الدستور، أي - بطريقة غير مباشرة - من قبل القائد الأعلى (ولي الفقيه) خامنئي. ولكن هذه الانتخابات تبرز أعراضاً وعلامات تدلنا على الوضع في إيران، وخلال الانتخابات تظهر وتنكشف حالة النظام ووضع الطبقة الحاكمة.
المجريات الأخيرة تعبر عن محاولة مباشرة من قبل التيار الأصولي الملتف حول خامنئي وكبار قادة الحرس الثوري الإيراني من أجل مركَزة السلطة وحصرها بأيديهم، وعزل تيارات الطبقة الحاكمة الأخرى عن السلطة. وهم يعتقدون أنه لم يعد بإمكانهم التحكم بأحمدي نجاد، الذي كان قد بلوَر موقعه ومصالحه الخاصة به وبتياره.
ولكن من شأن هذا كله أن يزيد من اغتراب وابتعاد هذه النخبة الحاكمة عن جماهير الشعب التي تعاني من نظام ديكتاتوري وأزمة اقتصادية خانقة في آن. الدعم الوحيد الذي تبقّى لخامنئي هو فقط قوّة أجهزة الدولة القمعية الغاشمة.
عزل أحمدي نجاد
إن رفض ترشيح مشائي للانتخابات الرئاسية يمثّل القطيعة النهائية بين خامنئي والحرس الثوري من جهة، وبين أحمدي نجاد من جهة أخرى. وكان ذلك بعد أربع سنوات فقط من حصول أحمدي نجاد على دعم كامل من قبل خامنئي والحرس الثوري خلال الانتخابات الرئاسية للعام 2009. في الحقيقة لم يكن أحمدي نجاد معروفاً قبل ذلك، ولم يكن بإمكانه الوصول إلى موقعه الحالي بدون دعم خامنئي والحرس الثوري.
ولكن مباشرة بعد انتخابات العام 2009 بدأ الخلاف والعداء بين هذين الفريقين بالظهور. وبالرغم أن النظام استطاع تجاوز أزمة الانتخابات والاحتجاجات الكبيرة التي رافقتها، ولكن مواجهة الجماهير نفسها جعلته يفشل في تحقيق التماسك الذاتي كنظام أيضاً، وقد كانت النتيجة انهيارا متزايداً وتعمّقاً للتصدعات بشكل كبير بين الرئيس والمرشد الأعلى خامنئي.
تزايدت وتيرة هذا العداء على مدى السنوات الأربع حتى أصبحت عداء مفتوحاً بين هذين الفريقين. العشرات من مؤيدي أحمدي نجاد تم اعتقالهم. وفي عدة مناسبات هدد خامنئي ومجلس صيانة الدستور بالإدعاء على أحمدي نجاد، أو حتى بإلغاء موقع الرئاسة أصلا. وبشكل مباشر رد أحمدي نجاد على ذلك بالتهديد بالكشف عن وثائق لمساومات بين كبار مسؤولي النظام تثبت تورطهم بقضايا فساد كبيرة. ويُعتقد أن أحمدي نجاد حاز على تلك الوثائق في أبريل 2011 عندما أصبحت وزارة الاستخبارات تحت سيطرته المباشرة على مدى 3 أيام آنذاك (عادةً، الوزارة تخضع لسيطرة خامنئي بشكل مباشر).
في فبراير من العام 2013، قام مجلس صيانة الدستور، والذي يخضع لسيطرة التيار الأصولي المعادي لأحمدي نجاد، بالإدعاء على وزير العمل عبد الرضا شيخ الإسلام (من تيار أحمدي نجاد) وإقالته فيما بعد. وأثناء دفاعه عن وزيره في جلسات الإدعاء في مجلس صيانة الدستور، أبرز أحمدي نجاد تسجيلات صوتية لفاضل لاريجاني- شقيق المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، علي لاريجاني- بشأن تورّط عائلته بأكملها (وخصوصاً شقيقه الآخر، صادق لاريجاني، رئيس مجلس القضاء) في قضية فساد كبيرة. وفي أحد مقاطع هذه التسجيلات يطلب فاضل لاريجاني 30 مليون ريال إيراني (حوالي 25 مليون دولار) كرشوة من أجل التلاعب في مسائل قضائية.
وفي حين كان واضحاً أن التيار الأصولي لن يسمح لمشائي بالوصول للرئاسة، لأن ذلك يعني استمراراً لسلطة أحمدي نجاد، هدد الأخير بالانتقام عبر رفض ترتيب إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وهدّد بتسريب وثائق أخرى ضد أقطاب التيار الأصولي. من جهة أخرى، أعلن الحرس الثوري أنه جاهز لاتخاذ أي تدبير من أجل إجراء الانتخابات في موعدها بحسب "القانون".
خلال الأسبوع السابق، وكتحضير لإعلان مجلس صيانة الدستور اليوم، حجب النظام كل المواقع الإلكترونية التابعة للحملة الانتخابية لمشائي. في المقابل، قامت القوى الأمنية التابعة لأحمدي نجاد بالسيطرة على مركز الأبحاث المعلوماتي التقني. ويبدو أنه في الأيام القليلة الماضية تزايدت وتيرة الاعتقالات التي شملت مؤيدي أحمدي نجاد ومشائي في سائر أرجاء إيران لمنعهم من الاحتجاج والتأثير على قرار مجلس صيانة الدستور.
حتى الآن يبدو أن مشائي وأحمدي نجاد قد مُنيوا بالهزيمة. من الممكن أن يحاولوا الرد بطريقة خائبة، ولكن من المستبعد أن ينجحوا. إنهم يواجهون عدوا أكبر منهم عدداً وقوّة وتنظيماً وتسلحاً.
أزمة النظام – أزمة شرعية
بالرغم من أن أحمدي نجاد ومشائي ليس لديهما توجّها سياسيا مميّزا ومحددا، فإن حكمهما وسياساتهما ليست اعتباطية بالكامل. التفكك والانقسامات في صفوف الطبقة الحاكمة ليست أموراً جديدة في المجتمعات الرأسمالية، وخصوصا في الجمهورية الإسلامية. بيروقراطية الدولة تسيطر فيها العقلية السوقية في الخداع وكيد المؤامرات، حيث تتصارع التيارات والفرق الصغيرة والكبيرة والعصابات على كل شيء، ابتداء من أصغر الأمور وصولا إلى الاستحواذ على ثروات بقيمة مليارات الدولارات. ولكن في نهاية النهار، وككل تجار السوق، يعقدون صفقة ما يتفقون عليها، ويعود كل منهم إلى موقعه.
ولكن، بعد انتفاضة عام 2009، تصاعد الانقسام بين فريق أحمدي نجاد وفريق خامنئي. وبدأ الهجوم من كل منهما على الآخر بهدف إخضاعه.
في ذلك الوقت قلنا ما يلي :
«في الأحوال "العادية" (الاستقرار)، تتجاهل جميع أقطاب النظام الفساد الحاصل، وتقبل به. ولكن عندما يحاول النظام الحفاظ على استقراره في الأوقات الحرجة تتوتر العلاقات بين هذه الأقطاب. من أجل الدفاع عن شرعية وجوده، يضطر كل قطب من أقطاب النظام إلى مهاجمة وفضح القطب الآخر.» – (إيران، حول طبيعة فترة الاستقرار القائمة ومهمات الماركسيين)
فضلاً عن ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها البلاد تفاقمت في السنوات التالية. وهذا زاد من الضغط المتراكم في القاع الاجتماعي، مما منع أي وسيلة لإعادة التقارب بين هذين الفريقين. وعلى العكس، فإن ذلك زاد من حدة التنافس والخلاف بين الرأسماليين داخل كل فريق، أيضا. ومن هنا يصبح واضحاً لدينا أن الأزمة الاقتصادية وسّعت وعمّقت الأزمة السياسية في إيران.
النخبة الحاكمة باتت في حالة هلع. الحاجة للوحدة باتَت الأمر الوحيد الذي تتفق أطرافها عليه، ولكن أيضاً بات الأمر الذي لن تقدر الحصول عليه. فالأزمة الاجتماعية والاقتصادية أنتجت بين أطراف الطبقة الحاكمة انقسامات غير قابلة للجَبر وشروخاً أصبح مدّ الجسور بينها غير ممكنٍ.
وبينما كان خامنئي وتيار رجال الدين الأصوليين يخسرون رصيدهم، استطاع أحمدي نجاد الحفاظ على بعض الدعم، خصوصاً من الطبقات الفقيرة التي خصص لها تقديمات نقدية في إطار التعويض عن إزالة الدعم على بعض السلع الأساسية.
هذه السياسات وغيرها بالتوازي مع التركيز على "القومية" أكثر من "الدين" أظهرت سعيه لتقليص نفوذ خامنئي ورجال الدين، ومحاولة لبناء أساس مجتمعي جديد لصالحه. وما كان لرجال الدين والحرس الثوري إلا أن يتحركوا لمواجهته.
خامنئي ناكر الجميل
كان واضحاً أن هذا الوضع جعل خامنئي في مأزق فيما يخص الانتخابات. فلو قبل ترشيح مشائي للرئاسة يكون عندها قد أعطى الفرصة لعدوٍ لدود سبق أن شكك بالمؤسسات الدينية للنظام، وبالتالي شكك أيضاً بأحقية خامنئي في الحكم
ولكن عدم السماح لمشائي بخوض الانتخابات سوف يخفض من عدد المقترعين وبالتالي ستكون شرعية الانتخابات تحت المساءلة. وفي هذا الوضع المتأزّم كان دخول رفسنجاني على الخط في الحقيقة مساعدة لخامنئي للخروج من هذا المأزق. وعبر دعم الإصلاحيين له في الانتخابات، كان رفسنجاني يقدم مخرجاً لخامنئي.
وهو بذلك لا يُقدِم على إضفاء شرعية ما للعملية الانتخابية فقط، ولكن أيضاً يشكل صمام أمان للنظام لاحتواء الحقن والغضب الشعبي الذي تراكم على مدى السنوات القليلة الماضية وتحويله بعيداً عن مسار الحراك الثوري.
كان رفسنجاني لاعباً أساسياً في الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها. فهو إلى جانب كونه القائد الحقيقي للحرب مع العراق، شغل منصب رئاسة الجمهورية بين عامَي 1989 و1997. فبعد موت خامنئي، فَبْركَ ورتّب وصول خامنئي (الذي كان رئيساً آنذاك) إلى موقع "القائد الأعلى" (ولي الفقيه). وبشكل مشابه لما حدث مع أحمدي نجاد، رفسنجاني هو الذي رتّب وصول خامنئي إلى مركزه (القائد الأعلى) لأن خامنئي كان لا يزال ضعيفاً وبالتالي يمكن التحكم به.
خلال سنوات حكمه، استطاع رفسنجاني أن يُكَدِّسَ ثروات هائلة من خلال سيطرته على أجهزة الدولة، وبرنامج الخصخصة الذي بدأه جاء في هذا السياق. إلى جانب سيطرته على جامعة آزاد، وهي أكبر سلسلة جامعات في العالم وتقيَّم بحوالي 250 مليون دولار، فهو أيضاً يمتلك ثاني أكبر مطارات إيران، يسيطر على تجارة الفستق ويمتلك عدة شركات لتجارة الزيوت الغذائية، وهو يشترك أيضاً في عمليات الاستيراد والتصدير، ويُعدُّ مساهماً كبيراً في شبكة الاتصالات، إضافة إلى أدوار اقتصادية أخرى كثيرة.
إنه بلا شك أحد أكبر الرأسماليين في إيران، مما يجعله أيضاً منافساً حقيقيا لمؤسسة الحرس الثوري الإيراني، التي تُعتَبَر اليوم أيضاً أكبر مؤسسة اقتصادية في إيران، وقد حاولت إقصاء رفسنجاني في عدة مجالات. وفي الوقت نفسه، يرتبط برفسنجاني العديد من كبار مجرمي النظام بمَن فيهم المسؤولين عن سلسلة الاغتيالات والتصفيات التي طالت مئات المعارضين والناشطين في التسعينيات من القرن الماضي، وكذلك المسؤولين عن إعدام الآلاف من المعارضين اليساريين في 1988.
لذاً، لا يعتبر رفسنجاني قطباً جماهيرياً يمكنه أن يستقطب الشعب. ولكن بعد حراك عام 2009 دعم رفسنجاني، وبحذر، الحركة الخضراء وفي الوقت نفسه حاول مطاوعتها لكي تدعمه هو. بالإضافة إلى دعم الإصلاحيين الذي اكتسبه مؤخرا، من الممكن لرفسنجاني البناء على ذلك لاكتساب تأييد شريحة من الشعب في الانتخابات، معظمهم من الفئات الشابة.
ولكن ذلك لم يكن مقبولاً بالنسبة لخامنئي والحرس الثوري. فهم لا يمكنهم المخاطرة بالسماح لرفسنجاني أن يكون مفتاحاً لِتَشَكُّل حراكٍ جديد قد لا يستطيع هو نفسه السيطرة عليه. ولذلك فقد قرروا حجبه عن خوض المعركة.
خامنئي أصبح معزولاً
خلاصة ذلك أن الثمانية الذين تمت الموافقة على ترشيحهم هم من المواليين المخلصين لخامنئي. وبعد حجب "المعارضة" عن دخول المعركة، انخفضت أهمية موقع الرئاسة بصفته انعكاسا لدعم شعبي ما. أي أن خامنئي عمل بذلك على عزل نفسه، ومن الآن وصاعداً كل "المسؤولية" سوف تقع عليه، وهذا ما سوف يكون له تأثير شعبي كبير في أي حراك جماهيري مستقبلاً. عبر تركيز السلطة في يديه فقط، ابتعد خامنئي كثيراً عن تحقيق وحدة النظام التي ينشدها. وفي الحقيقة، من المحتّم أن ينشأ في هذا الوضع تصدعات جديدة في بنية النظام، لأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة لم يتم حلها.
الأداة الوحيدة المتبقية له هي التهويل بخطر "الامبريالية" وخطر "هجوم عسكري إسرائيلي" للفت انتباه الجماهير عن مشاكلها الداخلية. يُعْتَبَر سعيد جليلي، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي ورئيس المفاوضات بخصوص الملف النووي، المُرَشَّح المُفَضَّل لخامنئي. ولكن دعمه لجليلي كمرشح للرئاسة يعبر عن قصر نظر شديد لديه.
عبر جعل النظام يرتكز فقط على دعم ركن واحد، أصبحت مساحة المناورة لدى خامنئي أضيق وهذا ما سوف يدفع نحو زيادة التوتر في منطقة الشرق الأوسط أكثر. ورغم أنه قد تخف وطأة تطور الوضع الداخلي بشكل مؤقت، فذلك سوف يكون على حساب تزايد خطر المواجهة العسكرية التي سوف تهز أسس النظام وتؤدي إلى سقوطه في النهاية.
غياب صوت الجماهير
في الأسابيع القادمة سوف تتوضح الصورة أكثر. وعلى كل حال، فالانتخابات في إيران لن تقدّم شيئاً للجماهير التي ترزخ تحت ضغوط هائلة. فالبطالة قد ازدادت بشكل كبير، ونسبة التضخم وصلت نحو 100% وأعداد كبيرة من المصانع بدأت تقفل.
ورغم ذلك لم يتم رفع الحد الأدنى للأجور سوى بنسبة 25%، حيث أصبح 487 تومان في الشهر (تقريبا 400$) وهو أقل بكثير من خط الفقر الذي يقدر مستواه بحوالي مليون وخمسمائة ألف تومان (تقريبا 1200$). وبجميع الأحوال فإن الأجر الفعلي لمعظم العاملين في المؤسسات الصغيرة يبلغ حوالي 350 تومان (أي 285$).
في أبريل/نيسان ارتفعت أسعار اللحوم 60% ويقدر التضخم الإجمالي في أسعار المواد الغذائية على مدى السنوات الأربعة الأخيرة بحوالي 400%.في أبريل/نيسان أيضاً ارتفع سعر الزيوت الغذائية من 60.000 ريال (أي 5$) إلى 100.000 ريال (8$) للتر- وهذا مبلغ ليس أقل بكثير من الأجر اليومي للعامل العادي. حصل أيضاً ارتفاع مشابه في أسعار مشتقات الحليب، وفي الحقيقة معظم هذه المشتقات لم تعد متوفرة في بيوت أكثرية الإيرانيين.
البؤس يعم الشوارع الإيرانية والنسيج المجتمعي يتمايز. ولكن لا توجد قوة سياسية صحيحة تعبر عن صوت الجماهير المظلومة وتقودها من أجل الخروج من هذه المأساة.
أما الإصلاحيون الذين ادّعوا حمل راية الديمقراطية ليس لديهم مشكلة في تقديم الدعم الكامل للنظام (الذي يقمعهم الآن). وهم في الحقيقة لا يترددون في رهن الآلاف من الشباب والشابات،الذين ضحوا وقاتلوا في الشوارع عام 2009، للسفّاحين الذين يناضل هؤلاء الشباب والشابات ضدهم أصلا.
لا مجال للمناورة
ولكن غياب هذا الصوت السياسي المُعَبِّر عن الجماهير لا يعني أن هذه الجماهير غير موجودة ولا يعني أنها لن تقاتل. إن سعي النظام للمناورة يدل على ضعفه. ولم يعد لدى خامنئي ما يعتمد عليه سوى جيشه، وحتى الجيش فعناصره تعاني ما يعانيه المجتمع، وهي وعائلاتها جزء من هذا المجتمع الذي يبحث عن لقمة العيش.
إن المؤشرات الاقتصادية للوضع في إيران لا تفسح لخامنئي بأي مجال للمناورة. في السنة الماضية انخفض معدل الناتج الإجمالي المحلي 4%. فقد هبط إنتاج السيارات العام الماضي إلى أقل من النصف، ونلاحظ أن أسواق التصدير الإيرانية (العراق، تركيا، مصر، الهند) ترزخ تحت خمود اقتصادي كبير. وهذا يترافق مع انخفاض أسعار النفط نتيجة تباطؤ الاقتصاد الصيني، والذي كان الأمل الوحيد للاقتصاد الإيراني.
من جهة أخرى، إن استمرار الحظر المفروض من قبل الامبريالية الأميركية والأوروبية يؤدي إلى تقلص إنتاج النفط إلى النصف، أيضاً. وهذا الحظر أدى إلى خراب كبير في البنية التحتية لإنتاج النفط يتطلب إصلاحه من أجل الاستثمار عشرات مليارات الدولارات لو عاد سعر النفط للارتفاع إلى مستوياته السابقة.
تشهد البلاد ركوداً اقتصاديا لا يبدو له حل في الأفق المنظور. في الواقع كل المؤشرات تدل على دخول البلاد في أزمة اقتصادية عميقة ومتفاقمة سوف تؤدي إلى تعميق الأزمة الاجتماعية والسياسية القائمة. القوّة الطاردة نفسها التي سببت شرخاً كبيراً في النظام حول موضوع أحمدي نجاد، سوف تستمر بإحداث تصدعات عميقة أخرى مع أطراف أخرى، فالتصدعات والأزمات باتت في طبيعة النظام القائم. يبدو أن خامنئي فقد الأمل من الخروج من هذه الأزمة ولن يقدر على تحقيق وحدة النظام. هذه الوحدة أصبحت حلماً يوتوبياً، خصوصاً أن البرجوازية الإيرانية تحديداً تتميز بالخبث والغباء في آن. أطراف هذه البرجوازية تكيد المؤامرات على بعضها، وهي أيضاً لا ترى إلا المؤامرات. وفي أحسن الأحوال لا يرى تجار السوق أبعد من خطوة واحدة ولا أبعد من الصفقة القادمة، ولا يمكنهم فهم التغييرات العميقة والحراك المجتمعي في المستوى الأعمق.
ولهذا، فإن الأزمة في إيران ليس سببها أحمدي نجاد فقط ولا أي شخص آخر من رجال النظام. إنها في الحقيقة انعكاس للأزمة العالمية للرأسمالية، وما يفاقمها أضعافاً مضاعفة هو طبيعة الرأسمالية الإيرانية المتخلفة. ولا يمكن حل هذه الأزمة في إطار النظام الرأسمالي.
في هذه الظروف يصبح تطوير الحراك الثوري الجماهيري ضرورة ملحة. الضغوطات تتفاقم على المجتمع الإيراني، وعاجلاً أم آجلاً سوف يكون لها نتيجة مدوّية. سواء حرّض ذلك "حادث ما" أو شخصية "معارضة" للنظام (كما في العام 2009)، الجماهير سوف تجد طريقها للنهوض مرة أخرى. عندها، هذا النظام الذي قد يبدو للبعض شديد القوة، سوف ينهار مثل بيت من ورق.
Source: الانتخابات الإيرانية: أزمة النظام مستمرة (Marxy.com)