« ليس من الممكن تغيير وضع المرأة تغييرا جذريا إلا إذا تم تغيير جميع الشروط الاجتماعية والعائلة والحياة المنزلية» (تروتسكي، النساء والعائلة، ص 45)
لقد وصلت الرأسمالية إلى الباب المسدود. وتنيخ أزمة الرأسمالية العالمية بثقلها، بحدة خاصة، على كاهل النساء والشباب. في القرن التاسع عشر أشار ماركس إلى ميل الرأسمالية إلى تحقيق أرباح فاحشة من خلال استغلال النساء والأطفال. وقد كتب في المجلد الأول لكتابه الرأسمال:
« شكل عمل النساء والأطفال، بالتالي، أول شيء بحث عنه الرأسماليون الذين استخدموا الآلات. هذه البدائل الجبارة للعمل والعمال تحولت فورا إلى وسائل من أجل زيادة عدد العمال الأجراء من خلال إدماج جميع أعضاء أسرة العامل، تحت السيطرة المباشرة للرأسمال، دون أي تمييز من حيث السن أو الجنس. لقد اغتصب العمل الإجباري لصالح الرأسمال المكان، ليس فقط من لعب الأطفال، بل أيضا من العمل الحر في المنزل ضمن حدود معتدلة لدعم الأسرة.» (كارل ماركس، الرأسمال، م 1، ص 394-395)
في البلدان الرأسمالية المتقدمة أدى تغير أنماط الإنتاج ومحاولة الرأسماليين الدائمة للرفع من معدل الربح، إلى التزايد المستمر لتشغيل النساء والشباب الذين يتعرضون لأسوء أنواع الاستغلال، ويعملون، مقابل أجور أقل، في ظل شروط سيئة بحقوق قليلة أو منعدمة. في أمريكا وحدها التحقت 40 مليون امرأة بالقوة العاملة خلال الخمسين سنة الماضية؛ أما في أوروبا فهناك 30 مليون امرأة أخرى. سنة 1950، كانت ثلث مجمل النساء الأمريكيات اللائي بلغن سن العمل فقط، يمارسن عملا مأجورا؛ أما في السنة الماضية [1999] فقد صارت النسبة ثلاثة أرباع تقريبا. وتقول الإحصائيات أن 99% من النساء الأمريكيات الآن سيشتغلن، في مرحلة معينة من حياتهن، مقابل أجرة. إن عمل النساء، في حد ذاته، تطور تقدمي. إنه الشرط المسبق لتحرر النساء من الحدود الضيقة للبيت والأسرة البورجوازية، ومن أجل تطورهن الكامل والحر ككائنات بشرية وعضوات في المجتمع.
لكن النظام الرأسمالي ينظر إلى النساء كمجرد مصدر سهل للعمل الرخيص وكجزء من "الجيش الاحتياطي للعمل" يتم سحبه متى كان هناك نقص في اليد العاملة في بعض قطاعات الإنتاج ونبذه مرة أخرى متى انتهت الحاجة إليه. رأينا هذا خلال كلتا الحربين العالميتين، عندما تم جر النساء إلى المصانع من أجل تعويض الرجال الذين تم استدعائهم إلى الجيش وبعد ذلك أعدن إلى منازلهن عندما انتهت الحرب. وقد تم تشجيع النساء مرة أخرى على الدخول إلى أماكن العمل خلال مرحلة الازدهار الرأسمالي، سنوات الخمسينات والستينات، عندما كان دورهن مشابها لدور العمال المهاجرين: خزان لليد العاملة الرخيصة. مؤخرا ارتفع عدد النساء العاملات من أجل ملء الثغرات في المسلسل الإنتاجي. لكن وبالرغم من كل الخطابات حول "عالم المرأة" و"سلطة الفتاة"، وبالرغم من جميع القوانين التي يزعمون أنها تضمن المساواة، تبقى النساء العاملات القسم الأكثر استغلالا واضطهادا داخل الطبقة العاملة.
في الماضي، كيّف المجتمع الطبقي النساء لكي تبقين غير مباليات سياسيا، وغير منظمات، وفوق كل شيء، سلبيات، وبذلك يوفرن قاعدة اجتماعية للرجعية. لقد ارتكزت البورجوازية على هذه الشريحة من أجل البقاء في السلطة، وذلك باستعمال خدمات المؤسسة الدينية والصحافة (المجلات "النسائية"، الخ.). لكن هذه الوضعية تتغير مع تغير دور المرأة في المجتمع. لم تعد النساء تقبلن، على الأقل في البلدان الرأسمالية المتقدمة، بأن تبقين غارقات في الجهل وتخضعن بسلبية للدور التقليدي للمؤسسة الدينية والمطبخ والأطفال ("Kirche, Kücher, Kinder"). إن هذه ظاهرة تقدمية جدا، حبلى بالنتائج المستقبلية. بنفس الطريقة التي فقدت بها الرأسمالية الاحتياطي الاجتماعي للردة الرجعية التي كانت تمتلكها بين الفلاحين في الولايات المتحدة، واليابان وأوروبا الغربية، فإن النساء لم تبقين بعد احتياطيا للتخلف والرجعية كما كن في الماضي. سوف تؤدي أزمة الرأسمالية، مع هجماتها المتواصلة على النساء والعائلة، إلى المزيد من تجذر شرائح متوسعة باستمرار من النساء وستدفع بهن في الاتجاه الثوري. من المهم أن يفهم الماركسيون الإمكانيات الثورية العظيمة التي تختزنها النساء وأن يتخذوا الخطوات الضرورية للوصول إليهن.
الإمكانيات الثورية لذا النساء أكثر مما هي لذا الرجال لأنهن مفعمات بالنشاط وغير ملوثات بسنوات الروتين المحافظ التي تميز غالبا الحياة النقابية "العادية". كل من سبق له أن شهد إضرابا للنساء يمكنه أن يحكي عن تصميمهن الصلب وشجاعتهن وحماستهن. إنها مهمة الماركسيين أن يدعموا كل الإجراءات الرامية إلى تشجيع النساء على الالتحاق بالنقابات والمشاركة فيها بحقوق متساوية ومسئوليات متساوية.
الأممية الأولى
لقد احتلت المسألة النسائية دائما مكانة مركزية في النظرية والممارسة الماركسيتين. لقد تبنت الأممية الأولى النضال من أجل الإصلاحات بمنتهى الجدية. سنورد فيما يلي استمارة لاستبيان ظروف العمل كتبها ماركس خلال نهاية شهر غشت 1866، وبعثها المجلس العام إلى جميع الفروع:
« 1) - القطاع الصناعي، الاسم.
2) - سن وجنس العامل(ة).
3) - عدد العمال.
4)
- الرواتب والأجور؛ (أ) المتعلمين؛ (ب) الأجور باليوم أو العمل بالقطعة؛
المبلغ المدفوع من طرف الوسطاء. المتوسط الأسبوعي، السنوي.
5) - (أ) ساعات العمل في المصانع. (ب) ساعات العمل مع صغار المشغلين وفي
الأعمال المنزلية، إذا كان العمل يتم في هذه الأنماط المختلفة. (د) العمل
الليلي والعمل النهاري.
6) - أوقات الأكل والمعالجة.
7) - نوع الورشة والاكتظاظ أثناء العمل، عيوب التهوية، الحاجة إلى أشعة الشمس، استعمال ضوء الغاز، النظافة، الخ.
8) - نوعية العمل.
9) – تأثير العمل على الصحة.
10) - الظروف الأخلاقية. التعليم.
11) - حالة المهنة: ما إذا كانت مهنة موسمية أو إلى حد ما موزعة بشكل
منتظم على طول السنة، ما إذا كانت كثيرة التقلب، ما إذا كانت معرضة
للمنافسة الخارجية، ما إذا كانت موجهة أساسا إلى الداخل أو الخارج، الخ.
3) - تحديد طول يوم العمل.
إن الشرط الأولي، الذي بدونه ستبقى جميع المحاولات لتحسين الظروف والتحرر عقيمة، هو تحديد طول يوم العمل.
هناك حاجة إلى تعويض الطاقة الصحية والجسدية للطبقة العاملة، أي الجسد العظيم لكل أمة، وكذلك لتمكينهم من فرصة التطور الثقافي والعلاقات الاجتماعية والنشاط الاجتماعي والسياسي.» (Minutes of the General Council of the First International 1864-1866, pp. 342-3)
لقد اقترحوا ثمانية ساعات كحد قانوني ليوم العمل. ألا يسمح بالعمل الليلي إلا في بعض المهن الاستثنائية أو فروع من مهن محددة في القانون. يجب أن يكون الاتجاه العام هو إلغاء كل أنواع العمل الليلي. وتواصل الوثيقة في القول: « تشير هذه الفقرة فقط إلى الأشخاص البالغين، رجالا ونساء، إلا أن هؤلاء الأخيرات يجب أن تستثنين بشكل تام من ممارسة جميع أشكال العمل الليلي أيا كان، وجميع أنواع العمل المضرة بجنسهن، أو تعريض أجسادهن للسموم وغيرها من الأعمال المؤذية. نعني بالأشخاص البالغين جميع الأشخاص الذين بلغوا أو تجاوزوا سن الثامنة عشرة. » (Ibid., p. 343.)
من المعروف أن ابنة ماركس إلينور لعبت دورا نشيطا في العمل بين صفوف النساء العاملات في "المهن المتعرقة" ("sweated trades") في الطرف الشرقي للندن.وقد اقترحت في مقالة صحفية حول "التعرق في مكاتب الطباعة" أن تتشكل وحدة بين كل من هؤلاء اللائي يطبعن في بيوتهن وبين اللائي يطبعن في الورشات حيث، كما كتبت، « إذا كنت تريد أن تعيش بعملك يتوجب عليك أن تعمل في ظل ضغط عال وطيلة عدد كبير جدا من الساعات، تفوق ثمانية ساعات يوميا» (Yvonne Kapp, Eleanor Marx, The Crowded Years, 1884-98, p. 364.) كم تبدو هذه الأسطر آنية بالرغم من مرور مائة عام على كتابتها!
لقد كان إضراب صانعات أعواد الثقاب في لندن، سنة 1888، نقطة انعطاف هامة، عندما ثارت هذه الشريحة الأكثر استغلالا وانسحاقا من الطبقة العاملة ضد مضطهديهن. كانت قوة العمل في مصنع بو (Bow) في الطرف الشرقي الفقير، مشكلة كلها من النساء، من فتيات في 13 سنة من عمرهن إلى أمهات ربات أسر كثيرة العدد. كانت الظروف البربرية للعمل هناك مشابهة لتلك التي يعانيها العمال في العالم الثالث الآن. كان استعمال الفسفور الأبيض في صنع أعواد الثقاب يسبب المرض الرهيب الذي يأكل عظام الفك، بسبب إجبارهن على أخذ طعامهن في الجو الملوث لمكان العمل. الأجور السيئة صارت أكثر سوءا بسبب نظام الاقتطاعات الجائر، التي كانت تفرض غالبا على أبسط الأخطاء، التي يتسبب الإرهاق في حدوثها. ونتيجة لتلك الاقتطاعات كان حاملو الأسهم يحصلون على إيرادات أرباح تزيد بـ 22%.
قامت 672 امرأة، بعد تغلبهن على مخاوفهن، بتنظيم إضراب خلال شهر يوليوز 1888. بعد أسبوعين من ذلك وبفضل دعم النقابات وتنظيم حملة جمعت مبلغا كبيرا يساوي 400 دولار، حصلت تلك النساء على تنازلات كبيرة. ونتيجة لذلك، نظمت تلك النساء الغير ماهرات نقابة صناع أعواد الثقاب، التي هي أكبر نقابة مشكلة من النساء والفتيات في إنجلترا. لقد كانت تلك خطوة عظيمة إلى الأمام لاندلاع حركة النقابية الجديدة ("New Unionism") في بريطانيا عندما، صار العمال الغير مهرة، لأول مرة، منظمين داخل النقابات. يقدم هذا دروسا هامة لمرحلتنا الحالية، حيث، وكما كان الحال قبل 100 سنة، صار عدد كبير من العمال الغير مهرة والنصف مهرة منظمين، ونسبة عالية منهم نساء.
البلاشفة والمسألة النسائية
لقد تعامل البلاشفة دائما بجدية كبيرة مع مسألة العمل الثوري بين النساء العاملات. ولقد أعطى لينين، خصوصا، أهمية عظيمة لهذه المسألة، خاصة خلال مرحلة النهوض الثوري ما بين سنة 1912 و1914، وطيلة الحرب العالمية الأولى. كانت تلك هي الفترة التي بدأ فيها تخليد اليوم الأممي للمرأة (8 مارس) بمظاهرات حاشدة للنساء العاملات. ليس من المصادفة أن ثورة فبراير (مارس حسب التقويم الجديد) اندلعت نتيجة اضطرابات صاحبت يوم المرأة، عندما تظاهرت النساء ضد الحرب وارتفاع كلفة المعيشة.
بدأ الاشتراكيون الديمقراطيون عملا دءوبا بين النساء العاملات طيلة فترة النهوض الثوري مابين 1912 و1914. نظم البلاشفة أول اجتماع لتخليد اليوم الأممي للمرأة سنة 1913 وأصدروا جريدة نسائية، رابوتنيتسا (المرأة العاملة)، سنة 1914، وقد ظهر العدد الأول منها بتزامن مع اليوم الأممي للمرأة، عندما نظم الحزب مرة أخرى مظاهرات. تعرضت تلك الجريدة، وباقي الجرائد العمالية الأخرى، للمنع شهر يوليوز. لقد كانت الجريدة البلشفية تلقى الدعم المالي من جانب عاملات المصانع وكانت توزع من طرفهن في أماكن العمل. كانت تتحدث عن ظروف عمل النساء العاملات ونضالاتهن في روسيا وفي الخارج، وكانت تشجع النساء على الالتحاق بنضال العمال الذكور. حثتهن على نبذ الحركة النسوانية التي شكلتها النساء البورجوازيات في أعقاب ثورة 1905.
كان العمل الثوري الذي كان الاشتراكيون الديمقراطيون في روسيا يقومون به خلال الحرب العالمية الأولى يواجه مصاعب هائلة. كان الحزب والنقابات محظورين. ومع مطلع سنة 1915 بدأت الحركة تتعافى من الضربات التي تلقتها خلال الأشهر الأولى للحرب. ومن بين القطاعات التي بدأت تتحقق فيها مكاسب هامة نجد العمل بين النساء اللائي تم إدماجهن في قوة العمل الصناعية بأعداد كبيرة. مع اندلاع الحرب، صارت النساء تشكلن ثلث عدد العمال الصناعيين ونسبة أعلى من هذه في قطاع صناعة النسيج. وقد تزايدت هذه النسبة أكثر فأكثر خلال الحرب مع إرسال الرجال لأداء الخدمة العسكرية. لقد ساءت أوضاع النساء خلال الحرب مع تحول العديد منهن إلى المعيل الوحيد لأسرهن وصارت المواد الأساسية أكثر ندرة وأبهظ ثمنا. شاركت النساء العاملات في العديد من الإضرابات والمظاهرات ضد الصعوبات الاقتصادية التي سببتها مشاركة روسيا في الحرب.
بينما ضل العنصر الذكوري مهيمنا بشكل كبير على تشكيلة الحزب البلشفي (شكلت النساء خلال المؤتمر السادس للحزب البلشفي، شهر غشت 1917، حوالي 6 % من المندوبين)، فقد بدأ العمل على كسب النساء العاملات بأعداد هائلة إلى الحزب مع اندلاع انتفاضة 1912- 1914. نقتطف في ما يلي استشهادا من منشور تحت عنوان: "إلى النساء العاملات في كييف"، الذي وزعه البلاشفة في كييف، أوكرانيا، خلال يوم المرأة الأممي 08 مارس 1915. ويعطينا المنشور فكرة عن كيف طرح البلاشفة المسألة النسائية في منشوراتهم التحريضية العمومية. لقد ربط ندائهم اضطهاد المرأة بمعانات العمال الرجال، وببرنامج لتحرر الشعب العامل كله:
« إن وضع المرأة يرثى له، مثله مثل وضع أغلبية العمال، لكنه أكثر سوءا. إنها تشتغل في المعمل وفي الورشة لصالح رب العمل الرأسمالي، وتشتغل في البيت لصالح العائلة.
« آلاف العاملات تبعن قوة عملهن للرأسمال؛ تكدح الآلاف منهن في العمل المأجور؛ وتعاني الآلاف ومئات الآلاف منهن تحت نير الاضطهاد الأسري والاجتماعي. ويبدو الحال للأغلبية الساحقة من النساء العاملات وكأنه يجب أن يكون على هذا الشكل. لكن هل حقا لا تستطيع المرأة العاملة أن تأمل في مستقبل أفضل، وأن هذا المصير رهنها لحياة كاملة من العمل والعمل فقط، دون توقف ليلا ونهارا؟
« أيتها الرفيقات، أيتها النساء العاملات! إن رفاقنا الرجال يكدحون معنا. مصيرهم ومصيرنا واحد. إلا أنهم تمكنوا منذ وقت بعيد من إيجاد الطريق الوحيد الذي يقود إلى حياة أفضل: إنه طريق النضال العمالي المنظم ضد الرأسمال، طريق النضال ضد جميع أنواع الاضطهاد والشرور والعنف. أيتها النساء العاملات، ليس هناك من طريق آخر أمامنا. إن مصالح العمال والعاملات متشابهة، إنها نفس المصالح. فقط في خضم نضال موحد إلى جانب العمال الرجال، فقط من خلال الالتحاق بالمنظمات العمالية، أي الحزب الاشتراكي الديمقراطي والنقابات والأندية العمالية والتعاونيات العمالية، سنتمكن من الحصول على حقوقنا وتحقيق حياة أفضل.» (Lenin's Struggle for a Revolutionary International, p. 268)
وضع النساء بعد ثورة أكتوبر
كانت نساء روسيا القيصرية، من وجهة نظر القانون، مجرد إماء لأزواجهن. وحسب القانون القيصري: « يجب على المرأة أن تطيع زوجها، باعتباره رأس العائلة، وأن تعامله بحب واحترام وطاعة مطلقة، وأن تقدم له كل الخدمات، وتعبر له عن كل امتنان، باعتبارها زوجة.» وقد أكد برنامج الحزب الشيوعي، سنة 1919، أن: « مهمة الحزب في الوقت الحالي هي في المقام الأول العمل في حقل الأفكار والتعليم من أجل أن ندمر، بكل ما في الكلمة من معنى، جميع مخلفات اللامساواة والإجحاف، خاصة بين صفوف الشريحة المتخلفة من البروليتاريا والفلاحين. ودون أن يحصر نفسه في مجرد المساواة الشكلية للنساء، يكافح الحزب من أجل تحررهن من الأعباء المادية للعمل البيتي القديم عبر تعويضه بالمساكن الشعبية والمطاعم العمومية ومؤسسات غسل الملابس ودور الحضانة، الخ.»
لكن القدرة على تطبيق هذا البرنامج كانت رهينة بالمستوى العام للمعيشة والثقافة في المجتمع، كما سبق لتروتسكي أن شرح في مقاله: "من العائلة القديمة إلى العائلة الجديدة"، الذي صدر في جريدة البرافدا، يوم 13 يوليوز 1923، حيث قال: « مرة أخرى لا يمكن الفصل من حيث الجوهر بين التحضير المادي لشروط حياة جديدة وعائلة جديدة، وبين العمل العام من أجل البناء الاشتراكي. يجب على الدولة العمالية أن تصبح أغنى لكي يصير من الممكن بشكل جدي معالجة مسألة التعليم العمومي للأطفال وتخليص الأسرة من أعباء المطبخ والغسيل. من المستحيل تشريك العمل البيتي الأسري وتعميم التعليم العمومي على الأطفال دون تحسن واضح لاقتصادنا ككل. نحن في حاجة إلى المزيد من الإجراءات الاقتصادية الاشتراكية. لن يمكننا، إلا في ظل تلك الشروط، أن نحرر الأسرة من الأعمال والاهتمامات التي تسحقها الآن وتفككها. يجب أن تنجز مهمة غسل الملابس في مؤسسات غسل ملابس عمومية، وأن تنجز مهمة تحضير الطعام من طرف مطاعم عمومية وأن تنجز مهمة الخياطة من طرف ورشات عمومية. يجب أن يتعلم الأطفال على يد معلمين عموميين جيدين يتمتعون بالكفاءة للقيام بهذا العمل. عندها ستصبح العلاقة بين الزوج والزوجة متحررة من كل العوامل الخارجية والعرضية، وسيتوقف أحدهما عن امتصاص حياة الآخر.
عندها أخيرا سيتم تشييد صرح المساواة الحقيقية. ستكون العلاقة مبنية على قاعدة الحب المتبادل. وستكسب، لهذا السبب خصوصا، استقرارا داخليا، لن يكون نفسه لدى الجميع، بطبيعة الحال، بل غير إلزامي لأي كان.»
وضعت الثورة البلشفية الأساس من أجل التحرر الاجتماعي للنساء، وبالرغم من أن السياسة الستالينية الرجعية شكلت تراجعا جزئيا، فإنه لا يمكن إنكار حقيقة أن النساء في الاتحاد السوفييتي حققن خطوات جبارة إلى الأمام في النضال من أجل المساواة. لم تبقى النساء مجبرات على العيش مع أزواجهن أو مرافقتهم إذا ما أدى تغيير العمل إلى تغيير البيت. لقد أعطين حقوقا متساوية ليكن ربات البيت وحصلن على أجر متساو. لقد أعطي اهتمام كبير للدور الإنجابي الذي تقوم به النساء وتم إصدار قوانين حضانة خاصة تمنع ساعات العمل الطويلة والعمل الليلي وسنت إجازة ولادة مدفوعة الأجر ومراكز العناية بالأسرة ورعاية الأطفال. تم الاعتراف قانونا بالحق في الإجهاض سنة 1920، وتم تسهيل إجراءات الطلاق وتشريع الزواج المدني. وقد تم أيضا إلغاء مفهوم الأطفال الغير شرعيين. وبتعبير لينين: « إننا لم نبقي، بالمعنى الحرفي للكلمة، أي حجر على حجر من القوانين الحقيرة التي وضعت النساء في حالة أدنى بالمقارنة مع الرجل.»
تم تحقيق تقدم مادي في طريق تسهيل الانخراط الكلي للنساء في جميع مجالات المجتمع، والحياة الاقتصادية والسياسية: توفير وجبات غذائية مجانية في المدارس، الحليب للأطفال ومعونات خاصة في ما يتعلق بالطعام والملبس للأطفال المحتاجين، ومراكز الاستشارة الطبية أثناء الحمل ومستشفيات الولادة ودور الحضانة وغيرها من الخدمات.
كتب تروتسكي في الثورة المغدورة ما يلي: « لقد برت ثورة أكتوبر بوعودها المتعلقة بالمرأة. لم تكتف السلطة الجديدة بمنح المرأة جميع الحقوق السياسية والقانونية على قدم المساواة مع الرجل، بل الشيء الأكثر أهمية هو أنها قامت بكل ما بوسعها، وفي جميع الحالات، أكثر بما لا يقاس مما قام به أي نظام آخر على الإطلاق، من أجل أن تضمن لها الدخول إلى كل أشكال العمل الاقتصادي والثقافي. لكن حتى أقوى الثورات عاجزة، مثلها مثل البرلمان البريطاني الـ "كلي القدرة"، عن جعل المرأة كائنا مشابها للرجل. أو بمعنى آخر عاجزة عن أن توزع بينها وبين رفيقها متاعب الحمل والولادة والرضاعة وتربية الأطفال. لقد بذلت الثورة جهدا بطوليا من أجل تدمير ما يسمى بـ "البيت العائلي" اﻵمن. تلك المؤسسة القديمة الفاسدة والراكدة التي حكم فيها على نساء الطبقات الكادحة بالأشغال الشاقة منذ الطفولة حتى الموت. كان من المفترض استبدال الأسرة، من حيث هي مؤسسة صغيرة مغلقة، بنظام مكتمل للخدمات والتجهيزات الاجتماعية: مراكز أمومة، حضانات، حدائق للأطفال، مطاعم، مؤسسات تنظيف الثياب، مستوصفات، مستشفيات، مراكز للنقاهة، منظمات رياضية، دور سينما ومسارح، الخ. إن الامتصاص الكامل لمهام تدبير الشؤون المنزلية التي تقوم به الأسرة من طرف مؤسسات المجتمع الاشتراكي، بغية توحيد كل الأجيال برابطة التضامن والتعاون المتبادل، كان سيحقق للمرأة، وبالتالي للزوجين المتحابين، تحررا حقيقيا من القيود الأبدية.» (تروتسكي، الثورة المغدورة [فصل: الأسرة، الشبيبة، الثقافة، الترميدور في الأسرة])
الأممية الشيوعية
سيرا على خطى الحزب البلشفي، أعطت الأممية الشيوعية أهمية عظيمة للعمل بين النساء وأعطت تعليماتها للأحزاب الشيوعية بأن « توسع نفوذها إلى أوسع شرائح الجماهير النسائية من خلال تنظيم أجهزة خاصة داخل الحزب وانتهاج طرق خاصة للتواصل مع النساء، بهدف تحريرهن من تأثير التصور البورجوازي للعالم أو تأثير الأحزاب التوفيقية وتعليمهن لكي يصبحن مكافحات حازمات من أجل الشيوعية وبالتالي من أجل تحرر النساء الكامل.»
لم تكن دعوة الأممية الشيوعية إلى إقامة "أجهزة خاصة" لغرض العمل بين النساء، تعني إطلاقا الرغبة في خلق منظمات نسائية مستقلة. كانت مثل هذه الفكرة ستكون أكثر فظاعة من فكرة خلق منظمات ثورية مستقلة للقوميات المضطهدة كاليهود والسود، الخ، وهو الشيء الذي ناضل ضده دائما كل من لينين وتروتسكي. في الحقيقة نصت الموضوعة بشكل واضح على أن « المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية يعارض بشكل حازم جميع أنواع الجمعيات النسائية المستقلة داخل الأحزاب والنقابات أو المنظمات النسائية الخاصة» (Theses, Resolutions and Manifestos of the First Four Congresses of the Third International, p. 217)
المعنى الذي كانوا يرمون إليه كان هو الحاجة إلى مجموعات خاصة من الرفاق/ الرفيقات المتخصصين/المتخصصات والماهرين/الماهرات في القيام بهذا النوع من العمل، من أجل القيام بالمهام التقنية حول نشر الدعاية والمنشورات، الخ. وعموما تنظيم هذا العمل. وقد تم التأكيد أيضا على أنه يجب على مثل هذه المجموعات أن لا تشتغل باستقلالية عن الأجهزة الحزبية المنتخبة، بل يجب عليها العمل تحت رقابتها. وقد تم تحديد الأهداف الرئيسية لهذا العمل على الشكل التالي:
« 1) – تعليم النساء الأفكار الشيوعية وكسبهن إلى صفوف الحزب؛
2) - النضال ضد التحيز الممارس ضد النساء من طرف جماهير البروليتاريين الرجال، والرفع من وعي العمال الرجال والنساء بأن لهم مصالح مشتركة؛
3) - تقوية عزيمة النساء العاملات باستقطابهن إلى المشاركة في جميع أنواع الصراع الاجتماعي وتشجيع نساء البلدان البورجوازية على المشاركة في النضال ضد الاستغلال الرأسمالي، وفي النضالات الجماهيرية ضد غلاء المعيشة وضد أزمة السكن والبطالة وغيرها من المشاكل الاجتماعية، وتشجيع نساء جمهوريات الاتحاد السوفييتي على أن يشاركن في بناء الشخصية الشيوعية والطريقة الشيوعية في الحياة؛
4) – من أجل أن يوضع على جدول أعمال الحزب ويتضمن في المقترحات التشريعية المسائل التي تهم مباشرة تحرر النساء، والتأكيد على تحررهن والدفاع عن مصالحهن كمنجبات للأطفال؛
5) - شن نضال مخطط له بشكل جيد ضد سلطة التقاليد، والعادات البورجوازية والأفكار الدينية، وتنظيف الطريق أمام ظهور علاقات سليمة وأكثر تناغما بين الأجناس، وضمان الحيوية الجسدية والأخلاقية للشعب العامل.» (Ibid., p. 218)
لم تكن الأممية الشيوعية في ظل لينين وتروتسكي لتقبل أبدا باتخاذ موقف لا مبالي أو رافض اتجاه هذا الحقل الحيوي من حقول العمل الثوري. لقد أكد المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية على أنه « بدون المشاركة النشيطة لأوسع جماهير البروليتاريات والنصف بروليتاريات، لا يمكن للبروليتاريا لا أن تحسم السلطة ولا أن تحقق الشيوعية.
وفي نفس الآن لفت المؤتمر مرة أخرى انتباه جميع النساء إلى واقع أنه لا يمكن تحقيق الاعتراف بحقوق المرأة باعتبارها إنسان وتحقيق تحررها الحقيقي بدون دعم الحزب الشيوعي لجميع المشاريع التي تقود إلى تحرر النساء.» (Ibid., pp. 213-4.)
وهكذا أكدت الأممية الشيوعية في ظل لينين وتروتسكي، منذ البداية، على الدور المركزي للمسألة النسائية، لكنها: أ) قاربت المسألة بشكل حازم من وجهة نظر ثورية وطبقية وب) شرحت أنه لا يمكن تحقيق التحرر الحقيقي للنساء إلا في ظل الاشتراكية. لقد أكدت الأممية الشيوعية على ضرورة إدماج العمل النسائي في العمل الحزبي العام، وليس عزله كشيء منفصل:
« من أجل تقوية الروح الرفاقية بين العاملات والعمال، من المستحب عدم تشكيل فصول دراسية أو مدارس خاصة للنساء الشيوعيات، بل يجب على جميع مدارس الحزب العامة أن تتضمن بكل تأكيد فصلا عن طرق العمل بين النساء.» (Ibid., p. 227.)
خلال المؤتمر الرابع، المؤتمر اللينيني الأخير للأممية الشيوعية، تم القيام بتقييم مختصر، أشار إلى الأهمية العظيمة التي يكتسيها هذا العمل بالنسبة إلى أممية ثورية (وقام بإشارة خاصة إلى مشكلة النساء في بلدان الشرق المتخلفة والمستعمرة) لكنه أوضح أيضا أن هذا العمل لم ينجز بما يكفي من الحيوية من طرف بعض الفروع:
« أعطى نشاط سكرتارية النساء في الشرق أيضا الدليل على ضرورة وقيمة وجود منظمات خاصة من أجل العمل الشيوعي بين صفوف النساء. لقد قامت سكرتارية النساء في الشرق بعمل هام وناجح في ظل ظروف جديدة وغير معتادة. لكن مع الأسف، على المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية أن يعترف بأن بعض الفروع إما فشلت كليا أو أنها قامت بشكل جزئي بمسئوليتها في إعطاء دعم ثابت للعمل الشيوعي بين النساء. إن تلك الفروع، وإلى يومنا هذا، إما أنها فشلت في اتخاذ إجراءات لتنظيم النساء الشيوعيات داخل الحزب، أو أنها فشلت في خلق منظمات حزبية قادرة على انجاز العمل بين جماهير النساء وبناء الصلات معهن.
« يؤكد المؤتمر الرابع بإلحاح على الأحزاب المعنية أن تصحح تلك الأخطاء بأسرع وقت ممكن. إنه يدعو كل فروع الأممية الشيوعية على القيام بكل ما تستطيعه لتشجيع العمل الشيوعي بين النساء، بالنظر إلى الأهمية العظيمة لهذا العمل. لا يمكن تحقيق الجبهة البروليتارية الموحدة بدون المشاركة النشيطة والواعية للنساء. وفي ظل ظروف معينة، إذا ما توفرت علاقات صحيحة ووطيدة بين الأحزاب الشيوعية والنساء العاملات، يمكن للنساء أن يصبحن رائدات للجبهة البروليتارية الموحدة وللحركات الثورية الجماهيرية.» (Ibid., p. 326)
دور الستالينية
قال الاشتراكي الطوباوي الفرنسي العظيم، فورييه، بحكمة أن وضع المرأة هو التعبير الأوضح عن الطبيعة الحقيقية لنظام اجتماعي ما. وبينما عملت الثورة البلشفية على تحرير النساء، أدت الردة الرجعية الستالينية إلى انقلاب عنيف في السياسة اتجاه النساء والعائلة. تم القضاء على العديد من المكتسبات التي حققتها الثورة. تم منع الحق في الإجهاض وجعل الطلاق أكثر فأكثر صعوبة إلى أن أصبح إجراءا قضائيا باهظ التكاليف. بدأ يتم اعتقال العاهرات، في حين أن السياسة البلشفية كانت تتمثل فقط في اعتقال مالكي بيوت الدعارة وحدهم وفضح الرجال الذين يستأجرون العاهرات، وتوفير تكوين مهني طوعي للعاهرات. تم تقليص ساعات عمل مراكز دور الحضانة لكي تتساوى مع ساعات يوم العمل. وتم الشروع في تعليم الفتيات في المدارس دروسا خاصة لتحضيرهن للقيام بأدوارهن كأمهات وربات بيوت.
سنة 1938، حدد تروتسكي الوضع السائد بالعبارات التالية: « وضع المرأة هو المؤشر الأكثر وضوحا وتعبيرا لتقييم نظام اجتماعي ما وسياسة دولة ما. لقد كتبت ثورة أكتوبر على رايتها تحرر جنس النساء وسنت التشريع الأكثر تقدمية في تاريخ الزواج والأسرة. هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أنه تحققت فورا ’حياة سعيدة‘ للمرأة السوفييتية. ليس من الممكن تحقيق التحرر الحقيقي للنساء بدون تحقيق ارتفاع عام في الاقتصاد والثقافة، بدون تدمير الاقتصاد العائلي البورجوازي الصغير، بدون توفير مؤسسات اشتراكية لتحضير الطعام والتعليم. إلا أن البيروقراطية، الموجهة بغريزتها المحافظة، بدأت تدق جرس الإنذار بخصوص ’تفكك الأسرة‘. لقد بدأت تكيل المديح للعشاء العائلي وللغسيل العائلي، أي للاستعباد المنزلي للنساء. ولتتويج كل هذا، أعادت البيروقراطية تطبيق العقاب الإجرامي ضد الإجهاض، الشيء الذي يعني رسميا إعادة النساء إلى حالة حيوانات للحمل. وهكذا أعادت الطغمة الحاكمة، في تناقض كلي مع أبجدية الشيوعية، نواة المجتمع الطبقي الأكثر رجعية وظلامية، أي الأسرة البرجوازية.» (Trotsky, Writings (1937-38), p. 170)
بالرغم من أنه بعد موت ستالين، سنة 1953، تمت إعادة بعض الإصلاحات، من قبيل تشريع الإجهاض، فإن وضع النساء في الاتحاد السوفييتي لم يستعد أبدا المكانة التي كان عليها في ظل لينين وتروتسكي. إلا أنهن بقين يتمتعن بالعديد من الامتيازات مقارنة مع النساء في الغرب. النمو الاقتصادي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية، والذي يعود الفضل فيه للاقتصاد المخطط، سمح بحصول تحسن عام ثابت: تحديد سن التقاعد في 55 سنة، لا تمييز فيما يتعلق بالأجور والتشغيل، حق النساء الحاملات في التحول إلى عمل أخف مع إجازة أمومة مدفوعة الأجر تصل إلى 56 يوما قبل الوضع و56 يوما بعد الوضع. وقد ألغى تشريع جديد، صدر سنة 1970، العمل الليلي والعمل تحت الأرض بالنسبة للنساء. وارتفع عدد النساء في التعليم العالي من 28 % سنة 1927، إلى 43 % سنة 1960، إلى 49 % سنة 1970. البلدان الأخرى الوحيدة في العالم حيث شكلت النساء نسبة أكثر من 40 % في التعليم العالي هي فنلندا وفرنسا والولايات المتحدة.
كان هناك تحسن في ميدان رعاية الأطفال قبل سن التمدرس: حيث استفاد500,000 طفل، سنة 1960، لكن هذا الرقم ارتفع سنة 1970 إلى أكثر من خمسة ملايين. انعكست النجاحات العظيمة التي حققها الاقتصاد المخطط، والآثار الإيجابية على تحسين ظروف الرعاية الصحية، في تضاعف معدل أمل الحياة بالنسبة للنساء ليصل إلى 74 سنة وتقليص معدل وفيات الأطفال بـ 90 %. وقد ارتفعت نسبة النساء العاملات في مجال التعليم، سنة 1975، بـ 73 %. سنة 1959 كانت ثلث النساء تشتغلن في وظائف حيث 70 % من قوة العمل كن نساء، لكن مع حلول سنة 1970 ارتفع هذا الرقم إلى 55 %. خلال تلك الفترة 98 % من هيئة التمريض كن نساء، وكذلك 75 % من هيئة التعليم و95 % من القيمين على المكتبات و75 % من الدكاترة. سنة 1950، كانت هناك 600 دكتورة في مجال العلوم، لكن مع سنة 1984 ارتفع الرقم إلى 5,600!
الثورة المضادة الرأسمالية
لقد ضربت الردة الرأسمالية مكاسب الماضي هذه بسرعة، ورمت النساء إلى وضع من العبودية المنحطة تحت اسم العائلة المنافق. وقد سقط الجزء الأكبر من ثقل الأزمة على كاهل النساء.إن النساء هن أول من يتعرضن للتسريح، من أجل تلافي أداء الإعانات الاجتماعية، من قبيل تعويضات الأطفال والأمومة. إذا أخذنا بعين الاعتبار أن النساء كن يشكلن 51 % من قوة العمل الروسية قبل سنوات قليلة، وأن 90 % من النساء كن يعملن، فإن ارتفاع البطالة كان يعني أن أكثر من 70 % من العمال العاطلين في روسيا الآن نساء. ويصل الرقم في بعض المناطق إلى 90 %.
انهيار الخدمات الاجتماعية وارتفاع البطالة يعني أن جميع المنافع التي حققها الاقتصاد المخطط للنساء صارت تتعرض للتدمير بشكل ممنهج. وسيحكم ارتفاع معدل البطالة على المزيد من الناس بالفقر في روسيا أكثر مما في الغرب، لأن العديد من الخدمات تقدم مباشرة في أماكن العمل: « لا تزال البطالة تشكل وصمة عار في روسيا. لقد توقفت البطالة، سنة 1991 فقط، عن أن تكون جريمة. إن هؤلاء الذين لا يملكون عملا مهددون بالفقر المطلق. خدمات التعويض عن البطالة مرتبطة بالحد الأدنى للأجور، 14،620 روبل في الشهر، أي ما يعادل ثلث حد الكفاف الرسمي وحوالي سبع (7/1) متوسط الأجور. العاطلون في الغالب أسوء حالا مما تعكسه هذه الأرقام، إذ أن أغلبية الخدمات الاجتماعية الأساسية من قبيل: الصحة والتمدرس والنقل، توفرها الشركات بدل الحكومة المحلية، وهكذا فإنها متوفرة فقط للناس العاملين» (تقرير The Economist -93/ 12/ 11-).
في ظل النظام السابق، كانت النساء تحصلن على 70 % من أجر الرجال. وقد صار الرقم الآن 40 %. في ظل الاتحاد السوفييتي السابق كان التكفل بالعائلة اعتمادا على أجرة واحدة مسألة صعبة للغاية، أما الآن، ومع الارتفاع المهول للفقر، فقد صارت مسألة مستحيلة عمليا. وهكذا فإن النساء شكلن الضحايا الرئيسيات لهذا النظام الرجعي. لقد ارتفع معدل الدعارة بشكل رهيب، مثل تلك النساء اللائي يحاولن الحفاظ على بقائهن من خلال بيع أجسادهن للقادرين على شرائهن – الأغنياء الجدد الأنذال والأجانب على وجه الخصوص-. وحتى هنا فإنهن يقعن فريسة للمافيا التي تطالبهن بـ 20 % على الأقل من مجموع مداخيلهن. وتعرض المجلات الغربية النساء الروسيات، إلى جانب نساء من بلدان العالم الثالث، كزوجات متوقعات للأجانب. يتغلف في هذا الإذلال العبودي للنساء، اللائي تم تحويلهن إلى بضائع، إذلال بلد صار يرغم على الخضوع لنير الاستغلال في أكثر مظاهره سفورا ووقاحة.
خلال العاشر من فبراير 1993، أعلن وزير العمل الروسي آنذاك، ج مليكيان، عن الحل الذي تقترحه الحكومة لمشكلة البطالة. وقد قال بعبارات تشرف أي سياسي بورجوازي يميني في الغرب، أنه لا يرى أية حاجة لبرامج خاصة لمساعدة النساء من أجل العودة إلى العمل. وتساءل: « لماذا علينا أن نحاول إيجاد عمل للنساء بينما الرجال عاطلون ويعيشون على تعويضات البطالة؟». وأضاف: « دعوا الرجال يعملون والنساء يقمن برعاية منازلهن وأطفالهن». إن مثل هذه اللغة، التي كان من المستحيل سماعها في الماضي، صارت الآن بوضوح تعتبر شيئا عاديا ومقبولا. نرى هنا، بشكل أكثر وضوحا مما في أي مكان آخر، الوجه الحقيقي للردة الرأسمالية الرجعية: الفظاظة والوحشية والجهل، ردة بشعة نحو أيام العبودية القيصرية حينما كان مسموحا لجميع العبيد بأن يكونوا أسيادا على زوجاتهم وأطفالهم كتعويض عن ظروفهم المنحطة.
لا يتعلق الأمر بروسيا وحدها. ففي ألمانيا الشرقية السابقة، كان لدى تسعة أعشار النساء منصب عمل قار. كان عمل النساء يعتبر حقا. ولتمكينهن من المزاوجة بين العمل ورعاية الأسرة، وفرت الدولة مؤسسات رعاية طفولة شاملة، وإجازة سنة على كل رضيع. والآن تم تدمير جميع مكتسبات الاقتصاد المؤمم المخطط هذه. بعد توحيد ألمانيا، تم القضاء على ثلث مناصب شغل النساء من خلال البطالة المكثفة في القطاع العام، والنسيج والزراعة. وتشير صحيفة الإيكونوميست في أحد تقاريرها (18/7/98) إلى أنه: « خلال السنوات القليلة الماضية تأرجح معدل بطالة نساء ألمانيا الشرقية حول رقم 20 %، حوالي 5 نقاط مئوية أعلى من معدل الرجال، ومرتين أكثر من معدل بطالة كل من الرجال والنساء في ألمانيا الغربية. لقد بدأت نساء ألمانيا الشرقية، المحرومات من مداخيلهن (وكذالك من نظام رعاية الطفولة) في الاقتصاد فورا في عدد الأطفال. نزل معدل الولادات في ألمانيا الشرقية إلى نصف المعدل الضعيف أصلا والذي كان يساوي 1,56 طفل لكل امرأة سنة 1989. وبقي أقل من طفل واحد لكل امرأة. لكن نساء ألمانيا الشرقية لا يتخلين عن وظائف الشغل.»
"العالم الثالث"
عرف وضع النساء في البلدان الرأسمالية المتقدمة، خلال النصف قرن الماضي، تحسنا ملحوظا. صار لديهن، من الناحية الرسمية على الأقل، نفس الحقوق التي للرجل. لديهن نفس إمكانية الالتحاق بالتعليم وارتفعت، إلى حد ما، إمكانية استفادتهن من مناصب الشغل. إلا أن هذا الوضع لا يصدق على العالم المستعمر سابقا، الذي يحتوي ثلثي الجنس البشري. عبودية المرأة صارت اليوم أسوء مما كانت عليه في أي وقت آخر في التاريخ. كل سنة تموت 500,000 امرأة من تعقيدات مرتبطة بالولادة، وربما تموت 200,000 امرأة أخرى بسبب الإجهاض. لا تنفق بلدان العالم المستعمر سابقا إلا 4 % من دخلها القومي الخام على الصحة، مما يساوي 41 دولار للشخص، مقارنة مع 1900 دولار في البلدان الرأسمالية المتقدمة. وحوالي 100 مليون طفل، ما بين 6 ستة سنوات و11 سنة محرومون من الدراسة. ثلثاهم إناث. السبب الرئيسي للفقر الطاحن المستشري في العالم الثالث هو النهب المضاعف الذي تتعرض له الثروات من خلال شروط التبادل التجاري، والتريليوني (2 تريليون) دولار من الديون التي يدين بها العالم الثالث للأبناك الغربية الكبرى.
تضمن السيطرة المطلقة التي تمارسها الإمبريالية والشركات المتعددة الجنسيات العملاقة أن يتم الاعتصار العديم الرحمة لفائض القيمة حتى آخر قطرة، من دماء الرجال والنساء والأطفال بدون تمييز. في الواقع لا تزال عمالة الأطفال موجودة حتى في البلدان الرأسمالية المتقدمة، لكنها في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تعتبر قاعدة. لا يجد الآباء الذين يعيشون على حافة الفاقة أي مخرج سوى بيع أطفالهم لعبودية فعلية، بما في ذلك أكثر أشكال العبودية قذارة، أي الدعارة. تنز القيمة المضافة التي يمتصها ممثلو الحضارة الغربية المسيحية الإنسانية بدماء وعرق ودموع ملايين النساء المستغلات والأطفال المستغلين، بالضبط كما كان الحال عليه أيام ماركس. يدعي البورجوازيون أن تلك المعانات تصيبهم بالأسى، لكنهم على أية حال يواصلون ملء جيوبهم.
تمتص الاحتكارات الكبرى، من قبيل ديزني ونايكي، أرباحها من العمل العبودي في بلدان من قبيل هايتي. دخول الرأسمال الكبير حطم بلا رحمة العلاقات البطريركية القديمة التي وجدت في الماضي، كما شرح ماركس وإنجلز على صفحات البيان الشيوعي. لقد أضفى هذا الواقع ميزة أكثر قسوة على الاستغلال الرأسمالي في العالم الثالث. الحماية التي كانت متوفرة للنساء والأطفال في الماضي من طرف الأسرة الممتدة وقوانين المجتمع القبلي- العشائري، تم تدميرها ولم يتم تعويضها بأي شيء. وهكذا فإن النساء في شبه القارة الهندية لا يزلن يعانين من العذابات القديمة التي تنضاف إلى الاستغلال الاقتصادي الوحشي الذي يمارسه النظام الرأسمالي. لم تتمكن البورجوازية الهندية، بعد مرور نصف قرن عن ما سمي بالاستقلال، من القضاء على نظام الطوائف. ولا تزال موجودة تلك الممارسة الهمجية المسماة "سوتي" والتي تجبر النساء خلالها على رمي أنفسهن في المحرقة الجنائزية لأزواجهن المتوفين. هناك مئات الحالات كل عام. وتعامل تلك الأرامل اللائي ينجحن في الفرار من هذا المصير كصعلوكات وكمنبوذات اجتماعيا ليس لديهن أي حق في الحياة. يتعرضن للضرب والتجويع والإذلال من طرف أقاربهن حتى يدفعن إلى الانتحار.
في كل أنحاء القارة الآسيوية ينظر إلى ولادة الأنثى كدليل على سوء الحظ في المجتمعات الزراعية. وأد الإناث فعل شائع. ملاجئ الأطفال في الصين ملئ بالإناث على وجه الخصوص واللائي يعانين من التجويع والإهمال. السبب الكامن وراء هذا هو أن الفلاحين الآسيويين الفقراء يحتاجون إلى أسر واسعة لتقوم برعايتهم عندما يصلون سن الشيخوخة في مجتمعات لا يوجد فيها أي نظام معاشات أو ضمان اجتماعي. الأطفال الذكور أقوياء ويمكنهم القيام بعدد أكبر من الأعمال، بينما تحتاج الأطفال الإناث إلى المهر لكي يتم تزويجهن. في الهند، إذا ما تم اعتبار المهر غير كاف فإن العروس يمكن أن تتعرض للقتل على يد أسرة العريس. هذا وضع الهند في مطلع القرن الواحد والعشرين. وليست الأوضاع أفضل كثيرا في باكستان، حيث الشريعة الإسلامية هي القانون. ليس للنساء عمليا أي حق ويمكن أن يتعرضن لما يراه آبائهن وأزواجهن مناسبا. لكن يمكن اعتبار باكستان جنة للحرية إذا ما قورنت بأفغانستان في ظل حكم طالبان. قبل ثورة 1979 كان النشاط الاقتصادي الرئيسي في أفغانستان هو بيع النساء كعرائس. وقد سن الستالينيون الأفغان قوانين تعطي الحقوق للنساء. لكن الآن كل ذلك تحطم. النساء محرومات من جميع الحقوق ومسجونات في البيت. وبما أنهن محرومات من العمل، فإنهن معرضات للجوع. هذا القانون الهمجي مطبق بشكل صارم حتى بالرغم من واقع وجود نقص جدي في اليد العاملة نتيجة للعدد الكبير من الرجال الذين قتلوا خلال الحرب. ولا يهم ما إذا كانت العديد من تلك النساء يمتلكن مهارات هناك حاجة إليها كالمعلمات والممرضات. يجب عليهن ألا يشتغلن. هذا هو الوجه الهمجي الحقيقي للردة الإسلامية. لكن المسئولين الحقيقيين عن ذلك هم الإمبرياليون في واشنطن وعملائهم في باكستان الذين عملوا على تسليح وتمويل هؤلاء الوحوش في صراعهم ضد "الشيوعية".
إن النضال في أفغانستان من أجل حقوق النساء مرتبط بشكل لا ينفصم بالنضال الثوري من أجل التغيير الاشتراكي للمجتمع وإسقاط نظام الردة الدينية الهمجي هذا. تشكل النساء في أفغانستان احتياطيا هائلا للثورة. هذا الواقع تؤكده خبرة إيران. فبعد عشرين سنة من سيطرة النظام الإسلامي الرجعي، سئمت الجماهير من حكم الملالي. يثقل عبئ الأصولية، على وجه الخصوص، كاهل النساء اللائي بدأن يعبرن عن تحديهن له، كما شاهدنا ذلك عندما هزمت إيران الولايات المتحدة في مقابلة كرة القدم، حيث خرجت النساء بتحد إلى الشوارع لينشدن ويرقصن مع الرجال بدون "شادور"، ووقف الملالي عاجزين عن منع ذلك. هنا أيضا، سوف تلعب النساء دورا حاسما في الثورة الإيرانية القادمة.
سبق للينين مرة أن قال أن: "الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية". ويصيب هذا الرعب النساء قبل أي كان، والنساء في العالم الثالث بشكل أكثر وحشية. فشل جبهة التحرير الوطني "الاشتراكية" في الجزائر في انجاز الثورة حتى النهاية، هو الذي أدى إلى هذا المأزق الدموي الحالي. المجازر الرهيبة ضد الرجال والنساء والأطفال، حيث تمزقت، بالمعنى الدقيق للكلمة، قرى بأسرها بالسكاكين والفؤوس، ويحدث هذا في ظل تواطؤ صامت من الغرب. من الواضح أن هذه الأعمال الوحشية ليست من تنفيذ الإرهابيين الإسلاميين وحدهم، بل هي أيضا، وربما أساسا، من تنفيذ النظام العسكري وفرق الموت التابعة له. بالإضافة إلى معاناتهن جميع مظاهر الرعب الأخرى، اعتبرت النساء هدفا للاختطاف والاغتصاب. وقد أقدم عدد كبير من هؤلاء النساء لاحقا على الانتحار. وقد شهدنا مرة أخرى استعمال الاغتصاب كسلاح في يد الرجعية في إندونيسيا، حيث نظم نظام سوهارتو المذابح ضد الصينيين، بنفس الطريقة التي كان بها النظام القيصري ضد اليهود. تبين لنا هذه الفظائع الحدود التي يمكن للطبقة الحاكمة أن تصلها. نفس المصير ينتظر البلدان المتقدمة في المستقبل إذا لم تقم الطبقة العاملة بأخذ السلطة في المرحلة المقبلة.
تتحمل النساء المنحدرات من الشرائح الأفقر في المجتمع العبء الرئيسي للاضطهاد. إلا أن هناك، في العالم الثالث خصوصا، العديد من حالات المعاملة الهمجية واللاإنسانية ضد نساء الطبقات الأخرى. يجب على الماركسيين أن يناضلوا ضد جميع أشكال الظلم في المجتمع، مع وقوفنا على أرضية الطبقة العاملة التي هي الطبقة الوحيدة التي في إمكانها قيادة المجتمع وإخراجه من هذا الطريق المسدود. يجب علينا أن نشجب كل شكل من أشكال الظلم ضد النساء.
دون أن نجرح المشاعر الدينية، وباستعمال لغة ذكية، يجب علينا أن نفضح الدور الذي يلعبه الدين. يتطلب النضال من أجل الثورة في آسيا والشرق الأوسط نضالا مستميتا ضد جميع أنواع الظلامية الدينية والأصولية، التي وبغض النظر عن ديماغوجيتها "المعادية للإمبريالية" تلعب دائما أكثر الأدوار رجعية في المجتمع. سوف يبقى تحرر النساء سرابا ما لم يسر يد في يد مع النضال ضد كل الأديان، التي تدعم حتما وتديم استعباد النساء.
المرأة والبطالة
تعبر أزمة الرأسمالية عن نفسها من خلال وجود معدلات عالية من البطالة حتى خلال مراحل الازدهار. ويؤثر هذا الواقع على النساء والشباب بشكل أكثر حدة مما هو على باقي أعضاء المجتمع. معدلات البطالة بين صفوف النساء أكثر ارتفاعا من المتوسط. ولا تعكس هذه الأرقام الوضع الحقيقي بما أنها تقصي عددا كبيرا من النساء اللائي فقدن كل أمل في إيجاد منصب شغل ولم يعدن يكلفن أنفسهن بالتسجيل في مراكز التشغيل. الميل العام نحو فرض نظام العمل الغير رسمي (تحت غطاء المرونة) لديه أشد الآثار تدميرا على النساء. وحتى بدون هذا النظام فإن أغلب النساء محكوم عليهن بالعمل في ظل أشد الظروف فظاعة ومقابل أدنى الأجور. والآن صارت ظروفهن تتحول من سيء إلى أسوء. الانتشار الجامح للعمل المؤقت الجزئي، الذي يزعمون أنه أكثر ملائمة للنساء هو مبرر مثالي لفرض مثل هذه الظروف على الفئة الأشد اضطهادا في المجتمع، وتعترف الإيكونوميست قائلة:
« تشكل النساء في الولايات المتحدة، باقتصادها المزدهر وسوق العمل الضيق فيها، نعمة من عند الله بالنسبة لأرباب العمل. تشغيلهن عادة ما يكلفهم أقل مما يكلفهم تشغيل الرجال، وهن أكثر استعدادا للقبول بالمرونة وأقل ميلا إلى الاعتراض إذا ما كانت ظروف العمل سيئة. وعدد جد قليل منهن عضوات في النقابات. والشيء الوحيد المثير للدهشة إذن هو أن معدلات بطالة النساء الأمريكيات ليست أقل من معدلات بطالة الرجال. (The Economist, 18/7/98)
وتضيف الصحيفة: « العديد منهن يمارسن ما يسميه اقتصاديو سوق العمل بـ "العمل الشاذ"، أي ذلك النوع من العمل الذي يناسب أكثر قطاع الخدمات: العمل الجزئي، المؤقت، المتضمن لساعات العمل الغير منتظمة أو الاستثنائية أو المنجز على أساس العقدة. بعضهن لا يتمتعن بالضمان الاجتماعي وأغلبيتهن يتلقين أجورا هزيلة. لقد أبانت النساء المتلهفات لإيجاد طريقة للمزاوجة بين العمل وبين الأسرة عن كونهن أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع هذه الطريقة الجديدة في العمل من الرجال» (The Economist, 18/7/98.)
يتزايد العمل الجزئي في كل مكان. يشكل هذا النوع من العمل الوظيفة الوحيدة التي في إمكانهن شغلها لأنها تسمح لهن بالمزاوجة بين العمل والأسرة. هذا الأمر يلاءم أرباب العمل إلى حد كبير لأنه يمكنهم من معاملة عمالهم بالطريقة التي تحلو لهم، يضغطون عليهم للقيام بمهام أضخم ويدفعون لهم أجورا زهيدة. هناك تنويعات جديدة من هذا النوع من العمل تظهر إلى الوجود طوال الوقت. آخرها هو العامل "العرضي": الذي هو في الحقيقة عامل ليس من المفترض أن يكون عمله متواصلا. يشتغل مثل هؤلاء العمال في تشكيلة واسعة من القطاعات، يقومون بعمل مؤقت أو عمل على أساس العقدة أو تحت الطلب. في أمريكا، تحدد التقديرات الأخيرة لإدارة التشغيل عددهم بحوالي 5.5 مليون شخص، وأكثر من نصفهم نساء ويؤدون عملا نصف جزئي تقريبا. إنهم يتقاضون أجورا أقل من زملائهم الغير عرضيين، وعادة ما يكونون محرومين من التأمين الصحي أو غيره من الامتيازات الأخرى من طرف مشغليهم.
يطلق على النسخة الألمانية لهذا العمل اسم "العمل البسيط"، ويقدر العديد من الاقتصاديين أنه يتزايد بسرعة فائقة. إن هذا النظام يعتمد على مكسب قانوني يعفي الناس الذين يتقاضون مبلغا أقل من 620 مارك (340 دولار) شهريا من المساهمة في نظام الضمان الاجتماعي الألماني الشامل (والجد باهظ)، لكنه يقصيهم أيضا من الحصول على الحق في التقاعد والتعويض عن البطالة. وتقدر بعض التخمينات عدد الأشخاص الذين يشتغلون في هذه الأعمال "البسيطة" بأكثر من أربعة ملايين، حوالي نصفهم نساء.
تقول الإيكونوميست بخجل: « بسبب مسئولياتهن الأسرية، تقضي النساء عددا أقل من الساعات في ممارسة عملهن المأجور مما هو الحال لدى الرجال. ومن ثم فإن أجرهن الأسبوعي أو السنوي يتخلف أكثر عن أجر الرجال. ثلث جميع النساء العاملات في الإتحاد الأوروبي بمجمله يشتغلن ساعات أقل من المتوسط الأسبوعي البالغ 35 – 40 ساعة، (رغم أن المتوسط يخفي وجود اختلافات هائلة)؛ نسبة العاملين بشكل جزئي بين الرجال ليس سوى حوالي 5 %، وأغلب هؤلاء إما طلبة أو عمال مسنون يتجهون نحو التقاعد. هناك في الولايات المتحدة نسبة أقل من النساء اللائي يعملن بشكل جزئي مما هو الحال في أوروبا، لكن هناك نسبة أكبر من الرجال. الأرقام المسجلة في اليابان تبدو مشابهة للأرقام الأوروبية، إلا أن العديد من النساء اللائي يعملن بشكل جزئي هناك يشتغلن ساعات كاملة تقريبا؛ لكنهن تتقاضين أجورا أقل من العمال الرسميين. لا يزال "العمل الجزئي" يعني غالبا في كل مكان "درجة ثانية".» (The Economist, 18/7/98.)
Source: Marxy.com