عملنا خلال شهر شتنبر الماضي على نشر مقال حول الصراع الدائر بين قوات حماس وقوات فتح في قطاع غزة. كتب المقال المذكور يهودا ستيرن من إسرائيل، لكن أعيدت صياغة شاملة لمضمونه من طرف هيئة تحرير موقع www.marxist.com. كان عنوان المقال الأصلي الذي توصلنا به هو: "تحرير غزة والقضايا التي تواجه العمال الإسرائيليين والفلسطينيين".
بمجرد توصل هيئة تحرير موقع www.marxist.com، بالمقال المذكور أخبرت الكاتب بأنه يجب إدخال العديد من التغييرات عليه لكي يمكن نشره على صفحات موقعنا، بدءا من العنوان نفسه. إننا لا نعتبر، بأي شكل من الأشكال، أن انتصار حماس في مواجهتها ضد فتح في غزة "تحريرا لغزة"، ولا هو، بأي شكل من الأشكال، خطوة تقدمية بالنسبة للجماهير الفلسطينية. من المأساوي في الواقع أن الفراغ الذي خلفه فساد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي تسير شؤون السلطة الوطنية الفلسطينية، وعمالتها للإمبريالية قد ملأته منظمة حماس الرجعية.
أرسلنا تعليقاتنا إلى الكاتب (وإلى يوسي شوارتز)، الذي قام عندها بإدخال بعض التصحيحات، لكننا اعتبرناها لا تزال غير كافية. أجرينا مكالمة هاتفية طويلة معه وأتبعناها برسائل إلكترونية نشرح فيها بالتفصيل التغييرات التي نعتبر من الضروري إدخالها على المقال. تم إدخال بعض التغييرات على المقال لكننا اعتبرنا أنها لا تزال غير مرضية. فخطونا خطوة إلى الأمام بإعادة صياغة المقال. وفي النهاية قبل الكاتب ويوسي شوارتز بالشكل الذي نشر عليه. على هذا الأساس اعتقدنا أننا توصلنا إلى اتفاق حول القضايا الجوهرية.
لكن مع الأسف، يجب علينا أن نعترف أن المقال بقي متضمنا لبعض الصياغات الخاطئة. ويجب القول أن ما بدا وكأنه تقدم من جانب الكاتب في الاتجاه الصحيح لم يكن كذلك. فلقد عمل (بالاتفاق مع يوسي شوارتز) على العودة سريعا إلى تبني الأفكار التي عبر عنها في النص الأصلي. بقي يقول أن حماس قادت نضالا معاديا للإمبريالية، وأنها تعبئ الجماهير، وأنه بالتالي على الماركسيين أن يدعموا "الانتصار العسكري" لحماس، زاعما أن ما حدث في غزة شكل ضربة ضد الإمبريالية وأنه سيدفع بالصراع الطبقي إلى الأمام في كل منطقة الشرق الأوسط.
سرعان ما تبينت الطبيعة "التقدمية" للوضع في غزة، مع قيام حماس بالهجوم على جميع الأنشطة التي تنظمها المجموعات اليسارية والنقابات في قطاع غزة. من المؤسف القول أن كاتب المقال قد ارتكب واحدة من أخطر الأخطاء التي يمكن لمن يعتبر نفسه ماركسيا أن يرتكبها، أي: الخلط بين الثورة والثورة المضادة، واستسلامه للأصوليين الإسلاميين. إن هذا الموقف يتناقض تماما مع جميع المواقف المعبر عنها في المقالات حول إسرائيل وفلسطين التي نشرت على صفحات موقعنا هذا.
إننا نعتبر أن الموقف الذي عبر عنه الماركسيون المغاربة هو الموقف الصحيح. إننا نعارض بشكل حازم الأصولية الإسلامية. إن تقديم أي نوع من التنازل لصالح تلك القوى الرجعية سيكون مدمرا لتيار ماركسي حقيقي داخل الحركة العمالية. سوف نعود إلى نقاش هذه المسألة مستقبلا لكن في الوقت الحالي نعتبر أن تعليقات الماركسيين المغاربة تكفي.
إن الاستشهادات الواردة في المقال [والموضوعة بين مزدوجتين] مقتبسة إما من مقال: The victory of Hamas in Gaza and the questions facing Israeli and Palestinian workers أو من المقالات التي كتبها يوسي شوارتز في الماضي عندما كان يطرح موقفا ماركسيا متوازنا وصحيحا بخصوص مسألة حماس والأصولية الإسلامية.
من أجل فهم الأسباب الكامنة وراء المواجهات التي اندلعت بين حماس وفتح في غزة، علينا أن ندرس طبيعة السياسة التي أدت إلى هذه المواجهات. بطرحنا للمسألة على هذا المنوال تصير الأمور أوضح.
إننا نعتقد أن الأسباب السياسية وراء هذه المواجهات هي الصراع من أجل "اقتسام عادل للكعكة" بين "القدامى" و"الجدد"، أما مصلحة الجماهير فلا اعتبار لها... نعتقد، مثلنا في ذلك مثل «أغلب اليساريين»، أن تلك المواجهات هي « مجرد صراع بين قوتين رجعيتين».
إن انتصار حماس لا يقدم أي شيء للجماهير الفلسطينية فيما يتعلق بظروف عيشها أو نضالها التحرري. والرفيق يهودا ستيرن محق عندما يقول: « إن انتصار حماس في غزة لا يحل أيا من المشاكل الجوهرية للجماهير الفلسطينية» وأنه: « يجب على المرء أن يكون مجنونا لكي يعتبر حماس منظمة ثورية أو حتى معادية للإمبريالية بشكل حازم.»
لم تخض حماس هذه الحرب من أجل الجماهير ولا من أجل التحرر الوطني. لقد خاضتها لأنها « هي أيضا تتمنى أن تصبح جزءا من النظام الرأسمالي. إنها تتسلق أكتاف الجماهير المضطهدة وتحاول أخد زمام القيادة من أجل استعمال قوتها لكي تتوصل إلى "اتفاق ملائم" مع المضطهِدين الإمبرياليين. [هدفها...] هو أن يتم القبول بها كجزء من النخبة الحاكمة من طرف القوى الإمبريالية التي تسيطر على الساحة العالمية.»
لا تحتوي سياسة حماس هذه على أية ذرة من التقدمية. لا يجب على الماركسيين أن يشكلوا جزءا من الحرب التي تدور بين القوى الرجعية من أجل تحديد أي منها سيصير ممثلا للإمبريالية داخل البلد. لا يجب على الثوريين أن يدعموا أحد الفريقين من تلك القوى ضد الآخر. بل على العكس من ذلك تتمثل سياسة الماركسيين في إدانة تلك الحرب ودعوة المنظمات الجماهيرية إلى نهج سياسة طبقية.
بقراءتنا لقسم من مقال الرفيق ستيرن، لا يمكننا إلا أن نصل إلى خلاصة أنه يدعو إلى دعم حماس بسبب كون الجماهير "تدعم" تلك المنظمة، وأنه يتوجب علينا أن نكون إلى جانبها في حربها ضد فتح لأن هذه الحرب تشكل « معركة حاسمة بين الإمبريالية وبين الشعب الفلسطيني» ولأن « انتصار حماس قد حرض الجماهير الفلسطينية والعربية ضد الإمبريالية وزعزع ثقة العمال الإسرائيليين في مضطهِديهم.»
إلا أنه وبعد بضعة أسطر فقط نقرأ في نفس المقال لنفس الكاتب أن « حماس لا يمكنها أن تقدم أي بديل حقيقي للاستغلال الرأسمالي». ونقرأ أيضا أن « حماس حركة شعبوية» وقبل كل شيء « يجب علينا أن نرسخ في أذهاننا بحزم أن حماس لا تريد إسقاط الرأسمالية. إنها تريد فقط أبناكا وشركات احتكارية بأسماء إسلامية. إذا ما اتبعوا نفس الطريق في توقيع الاتفاقات مع القوى الإمبريالية، وهو الشيء الذي سيكون حتميا في مرحلة معينة، فإن قيادتها ستنفضح باعتبارها مجرد مجموعة أخرى من السياسيين البورجوازيين، ليسوا أفضل من فتح، خاصة إذا حاولوا إقامة نظام على صورتهم من أجل تدعيم سيطرتهم. هذا على المستوى البعيد هو الاحتمال الوحيد الممكن في فلسطين، حيث الطبقة السائدة ضعيفة جدا ومفتقدة لأي قاعدة شعبية.»
إضافة إلى « أننا لا نعطي الأصوليين أي دعم سياسي» [خط التأكيد من عندنا].
بل إننا نقرأ في المقال التأكيد على أن حرب حماس تشكل « معركة حاسمة بين الإمبريالية والشعب الفلسطيني» وأن انتصارها شكل « ضربة قاسية ضد الإمبريالية» الخ. إذا ما كانت الحالة كذلك سيكون من حق الرفيق أن يطالب بإعطاء دعم سياسي لحماس (= الأصوليين) وسيكون من الخطأ الجسيم ألا يقوم بذلك... لكن كل هذا الكلام عن « المعركة الحاسمة» و « الضربة القاسية» كلام خاطئ والحقيقة هي أن حماس « تريد فقط أبناكا وشركات احتكارية بأسماء إسلامية». يجب علينا أن نتذكر « أن حماس حركة شعبوية رجعية، لم يمر وقت طويل منذ أن أعلنت قيادتها عن رغبتها في التفاوض مع الولايات المتحدة وبريطانيا، الخ». في هذه الحالة يجب علينا ألا نقدم لها أي دعم سياسي.
من وجهة نظرنا نعتقد أن:
أولا: هذه الحرب ليست « بين الإمبريالية والشعب الفلسطيني». إنها، كما سبق لنا أن ذكرنا، حرب بين فريقين من نفس الطبقة من أجل بسط السيطرة.
ثانيا: انتصار حماس لن يؤدي إلى إضعاف ثقة الجماهير الإسرائيلية في مضطهديها، بل على العكس من ذلك، إن حماس حزب ديني فاشستي معاد للسامية، ودعايته من أجل تصفية اليهود "الكفرة" وأساليبه في العمل تشكل أفضل الحجج في أيدي الطبقة السائدة الإسرائيلية من أجل ترسيخ "الوحدة المقدسة"...
ليس لحماس هامش كبير للمناورة حتى ولو توصلت إلى عقد اتفاق مع الإمبريالية و « تسلقت أكتاف الجماهير المضطهدة وحاولت أخذ زمام القيادة من أجل استعمال قوتها لكي تتوصل إلى "اتفاق ملائم" مع المضطهِدين الإمبرياليين».
إن حماس في الواقع، كما سبق للرفيق أن قال، « قد عبرت عن أنها راغبة في التوصل إلى اتفاق مع الامبرياليين وممثليهم في فلسطين، أي حركة فتح والرئيس محمود عباس».
سيقود هذا إلى خلق جو من الإحباط، حيث يمكن لقسم صغير على الأقل من قواعدها أن يبدءوا في شن هجمات انتحارية ضد الجماهير الإسرائيلية. في هذه الحالة « [ستخلق] مثل هذه الممارسات المزيد من الأحقاد بين الجماهير الإسرائيلية والجماهير الفلسطينية. إن هؤلاء الإرهابيين، بدفعهم للطبقة العاملة الإسرائيلية إلى أحضان [الطبقة السائدة الإسرائيلية]، يمثلون في الواقع أفضل أصدقاء [هذه الطبقة السائد]. لو لم يكن هؤلاء الإرهابيين موجودين لكانت [الطبقة السائدة الإسرائيلية] خلقتهم. إن المنطق الكامن وراء هذه الأعمال الإرهابية هو تقوية الجناح اليميني، بإعطاء الشرعية لإرهاب الدولة.» (انظر: إسرائيل تفجيرات أشدود: كيف تغذي الرجعية والإرهاب الفردي بعضهما الآخر) من الواضح أن هذا لن « يزعزع ثقة العمال الإسرائيليين في مضطهديهم.»
ثالثا: إن "تحريض" الجماهير العربية الذي تقوم به قوى من قبيل حماس ضد الإمبريالية هو "تحريض" مشابه لذلك الذي يقوم به بن لادن وغيره من المتعصبين...
هل دعمت الجماهير الفلسطينية حماس؟
لقد أعطت الانتخابات الأخيرة حماس انتصارا هائلا (من حيث المقاعد البرلمانية وليس من حيث عدد الأصوات) بينما تكبدت فتح وغيرها من المجموعات الأخرى هزيمة كبيرة. إن الرفيق محق عندما يشرح أن العوامل التي أدت إلى هذا الانتصار إذ يقول: « لم يكن انتصار حماس هذا ممكنا دون حدوث تحول كثيف للجماهير الفلسطينية، لا سواء في غزة أو الضفة الغربية، ضد فتح وقادة منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) والسلطة الوطنية (س. و) بعد أكثر من عقد من الفساد الشديد والتعاون مع الإمبرياليين والحكومة الإسرائيلية ضد شعبهم.»
لقد استغلت حماس بكلبية هذا الوضع عبر استخدامها للغة ديماغوجية شعبوية ركزت على النضال ضد الفساد ومواصلة المقاومة، بل إن وعودها لم تقتصر على عالمنا هذا بل تعدته إلى "العالم الآخر"!!
هذا يعني أن التصويت لصالح حماس لم يكن تصويتا لصالح مشروعها الرجعي المعادي للسامية، ولا تصويتا لصالح موقفها من المرأة، الخ. بل كان انتقاما من فتح وتصويتا من أجل تغيير الشروط المعيشية. الشيء الذي يجعلنا أكثر وعيا بملحاحية وراهنية البديل الماركسي الثوري من أجل إنقاذ الجماهير من الاستيلاب.
يمكن للجماهير أحيانا أن تدعم حركات جد رجعية، عندما تجد نفسها أمام الباب المسدود في ظل شروط معيشية غير محتملة، وغياب بديل ثوري وعندما يتصرف قادة المنظمات الجماهيرية كخونة. في ظل أوضاع كهذه، وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، من الممكن أن يستغل حزب فاشستي، أو ما شابهه، الموقف ويستولي على السلطة.
في ظل هكذا أوضاع يجب علينا أن نتحمل العزلة المؤقتة. إلا أن الوضع السائد في فلسطين مختلف، وملائم جدا، إذ أن الجماهير في فلسطين، وكما سبق لنا أن شرحنا، قد صوتت على حزب رجعي لكن من أجل أسباب تقدمية.
خلاصة:
حماس حزب بورجوازي رجعي. يتوجب علينا أن نفضحه وأن نناضل ضده. وللقيام بذلك، يتوجب علينا النضال من أجل الاستقلالية الطبقية. يجب علينا أن نناضل من أجل جبهة موحدة للمنظمات الجماهيرية، أي النقابات والتيارات اليسارية، على قاعدة برنامج كفاحي ضد الهمجية التي تسببها هذه المواجهات، ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ومن أجل تحسين الأوضاع المعيشية للجماهير. ليست هذه سوى أفكار عامة يجب علينا أن نطور مثل هذا البرنامج بشكل ملموس.
نقول كل هذا بالرغم من أننا نعتقد أنه، خلال هذه المرحلة، لا يزال من المبكر الحديث عن تدخل في الحركة الجماهيرية في فلسطين. نعتقد أنه يتوجب علينا أن نركز قوانا على خلق علاقات مع العناصر الأكثر تقدما هناك وتكوينهم على قاعدة ماركسية، الخ. لكن يجب تكوينهم ككوادر ماركسية تناضل من أجل استقلالية الطبقة العاملة.
تحايانا الرفاقية
رابطة العمل الشيوعي (المغرب)
عنوان النص بالإنجليزية:
Why Marxists cannot support Islamic fundamentalism – the case of Hamas