مباشرة بعد إعلان بنكيران عن تشكيلته الحكومية الجديدة، انخرطت وسائل الإعلام البرجوازية و"الخبراء" في تقديم التحاليل التي لا تحلل شيئا والتفسيرات التي لا تفسر أي شيء. وبالرغم من أننا نحن الماركسيين لا نولي أهمية حاسمة لتوالي الحكومات، خاصة عندما يتعلق الأمر بأنظمة ليست الحكومات فيها سوى واجهة شكلية بدون صلاحيات، فإنه يتوجب علينا أن نقدم قراءة لمناورات الطبقة السائدة وممثليها السياسيين لكي نحدد تكتيكات عملنا بشكل دقيق، وفي هذا السياق تأتي هذه القراءة في التعديل الحكومي ودلالاتها والمهام الملقاة على عاتقنا.
يوم الخميس، وبعد 82 يوما من المناورات من أجل اقتسام الكعكة، خرجت الأحزاب المشكلة للحكومة إلى الشعب المغربي لتعلن له أسماء من سوف يقمعونه ويخدعونه وينهبون ثرواته من الوزراء خلال السنوات المقبلة.
82 يوما والبلد بدون حكومة. لكنها تسير مثلما كانت دائما تسير، لا شيء تغير ولا شيء تأثر، فماذا يعني هذا؟ إنه يعني بكل بساطة أن كل هؤلاء السادة والسيدات مجرد طفيليات يستنزفون ثروات الشعب المغربي دون أن يكون لهم أي دور. فلنتصور ولو للحظة أن يغيب عن شوارعنا هؤلاء العمال الشرفاء الساهرون على نظافتها، ليس لإثنان وثمانين يوما بل فقط ليومين أو ثلاثة، تصوروا لو يتوقف عمال النقل عن العمل ولو لأسبوع، أو أطباء المستشفيات، أو عمال المناجم أو الموانئ أو غيرهم من المنتجين الحقيقيين للثروات! لا بد أن التأثير كان سيظهر منذ الوهلة الأولى.
وهذا ما نؤكده دائما نحن الماركسيون: ليس هؤلاء السادة والسيدات سوى مجموعة من اللصوص والطفيليات، اقتضت حاجة الطبقة الرأسمالية السائدة ونظامها الدكتاتوري استخدامهم لإخفاء وجه الدكتاتورية البشع لخداعنا نحن العمال والفقراء.
ليست الديمقراطية البرجوازية، ولو في شكلها المتقدم مثلما هو الحال في فرنسا والولايات المتحدة وغيرها، سوى آلية لسيطرة الأقلية على الأغلبية. إن مركز القرار الحقيقي ليس موجودا في يد هؤلاء السيدات والسادة المهرجين، ولا هو في يد البرلمان، إنه موجود في مجالس إدارة كبريات الشركات الاحتكارية والأبناك، وقيادات الجيش، أي بين أيدي أناس وأجهزة لم ينتخبها الشعب، ولا يراقبها الشعب، وليس له أية سلطة ولو شكلية عليها.
أما في المغرب فالوضع أدهى وأمر، حيث تمارس الطبقة السائدة حكمها بوقاحة أكبر، عن طريق تركيز السلطات في يد الحاكم الفردي المطلق، والذي رغم ذلك لا يمكن نقده أو التعبير عن المعارضة له. لذا فإن الحكومات جميعها ليست سوى أدواة لتأثيث المشهد بينما القرارات الحقيقية في يد القصر.
في ظل الديمقراطيات البرجوازية يمارس الرأسماليون حكمهم مع احترام الشكليات، إذ يتركون للشعب الاستمتاع بوهم القدرة على انتخاب من يحكمونه ومحاسبتهم. أما في ظل النظام الدكتاتوري القائم بالمغرب فحتى هذه الشكليات لا تحترم، فالحاكم الحقيقي شخص غير منتخب يتم اختياره بطريقة التوالد الطبيعي ويتم عزله بالوفاة، ليجلس مكانه ابن صلبه وهكذا. فيبقى السؤال حول الوطن الذي تحكمه الأفخاذ الملكية هل هو وطن أم مبغى؟ آنيا وملحا.
حكومة البرجوازيين
إن الدولة، أي دولة، ما هي في آخر المطاف سوى أداة سيطرة طبقية. والدولة البرجوازية ليست بالرغم من كل مساحيق التجميل سوى أداة في يد الطبقة البرجوازية لحماية مصالحها وتأبيد سيطرتها الطبقية. لكن الدولة البرجوازية لكي تمارس دورها الطبقي بشكل أفضل تعمل على إبراز نفسها كدولة مستقلة عن كل الطبقات وباعتبارها دولة الجميع على قدم المساواة، الخ.
ولكي تقوم بذلك على أكمل وجه تميل إلى الاستنجاد بخدمات الإصلاحيين، ورجال السياسة المحترفين و"الخبراء"، وغيرهم. لكنها في وقت الأزمة تفقد الثقة في هؤلاء المرتزقة وتفضل أن تقبض على الزمام بأيديها. فترشح لمناصب المسؤولية أعضاء من صفوفها لا ارتباط لهم سوى بمصالحها. وهذا هو ما نجده في الحكومة الحالية حيث الأغلبية الساحقة من أعضاءها برجوازيون تربطهم بالطبقة السائدة آلاف الخيوط وقدموا الدليل في كل محطة على استماتتهم في خدمة مصالحها.
فصلاح الدين مزوار وزير الخارجية مثلا رجل أعمال صريح، حيث اشتغل مديرا عاما لشركة للنسيج وكان رئيسا للجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة ورئيسا لفدرالية النسيج والجلد داخل صفوف الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب، كما سبق له أن عين سنة 2004 وزيرا للصناعة والتجارة وتأهيل الاقتصاد، ثم وزيرا للاقتصاد والمالية سنة 2007، حيث ثبت عليه الفساد.
أما محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية الحالي، فقد اشتغل مستشارا في البنك التجاري المغربي ما بين 86 و92، ثم مدير عام مساعد في شركة لإنتاج المواد الكيماوية 92- 94. واشتغل سنوات 94-95 مكلفا بالعلاقة مع الشركات الكبرى في البنك المغربي للتجارة والصناعة، ومنذ ذلك الحين تقلد عدة مناصب في وزارات الاشغال العمومية والفلاحة والتجهيز والبيئة، ليتقلد 2001 و2004 منصب مدير الشركات العمومية والخصخصة في وزارة المالية والخصخصة. ثم والي بجهة سوس ماسة درعة سنة 2010 ثم ولاية البيضاء 2012، أي نفس الولاية التي تعرضت في الخطاب الأخير لمحمد السادس لانتقادات قاسية.
ولعل مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، هو الدليل الأوضح على ما نقوله، إذ أنه ببساطة رئيس سابق للكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب ما بين 2006 و2009. كما سبق له أن شغل منصب نائب رئيس الفدرالية المغربية لشركات التأمين وإعادة التأمين. سبق له أن اشتغل مستشارا عند وزارة المالية فالكيبك، ثم مديرا للأنظمة المعلوماتية في شركة للتأمينات بكندا. وعند عودته إلى المغرب اشتغل أمينا عاما في مجموعة أونا إلى جانب منصب المدير العام لقطاع التأمينات بها. وفي سنة 1995 أسس المجموعة القابضة "سَهَام" في مجال الخدمات والتأمينات، التي امتدت بسرعة في قطاعات اخرى (صناعة الأدوية، العقارات، الاتصالات...) في المغرب وإفريقيا والشرق الأوسط، ويصنف ضمن قائمة أغنى 40 شخصية إفريقية، التي تصدرها سنويا مجلة (فوربيس) الأمريكية المتخصصة. ويشهد له مساره بأنه مدافع شرس عن مصالح المقاولات الخاصة والرأسمال المالي المحلي والإمبريالي.
حكومة مشكلة بهذه الطريقة وبكل هؤلاء الضباع البشرية المتعطشة للربح ومراكمة الثروات على حساب الشعب الفقير، ستكون بلا شك حكومة حرب لشن أشرس الهجمات على مكاسب الطبقة العاملة وتدمير شروط عملها وعيشها واعتصارها لصالح أرباب العمل.
يظهر هذا جليا في فرحة أرباب العمل بمجيئها من خلال تصريح رئيسة مقاولاتهم، ففي تصريح لها لموقع (Médias 24) الالكتروني عبرت السيدة مريم بنصالح شقرون، رئيسة الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب، عن فرحتها بتشكيل الحكومة الجديدة وطالبت بتسريع الإصلاحات من أجل تحسين تنافسية المقاولات، وقالت: "الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب تحيي تشكيل الحكومة الجديدة وستعمل معها بروح من المسؤولية والتشاور، مثلما كان الحال مع الحكومات الأخرى"، وأضافت فيما يشبه الأمر لخدامها الأوفياء: "إن ما ننتظره من الحكومة هو تسريع وتيرة الإصلاحات في اتجاه خلق تنافسية أفضل للمقاولات".
"إنصاف النساء"؟؟
حكومة بن كيران في نسختها الثانية جاءت بخمسة وزيرات جديدات، وهو ما يرفع عدد النساء في حكومته إلى ستة وزيرات. وهو الشيء الذي يتم تصويره باعتباره انجازا هاما في مسار "إنصاف النساء" المغربيات. فمع بن كيران الكل سعيد فرحان.
أول المبتهجات بطبيعة الحال هن الوزيرات الجديدات. فالسيدة امباركة بوعيدة، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، أكدت أن "تعزيز تمثيلية النساء في الحكومة يعد نجاحا للمرأة المغربية". أما السيدة شرفات افيلال الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء فقد عبرت عن أملها في أن يؤدي وصولها وصديقاتها إلى الحكومة إلى "دعم عمل الحكومة وترسيخ وتطبيق مضامين الدستور خاصة الشق الخاص بالمناصفة". (موقع اليوم 24)
وفي نفس السياق قالت السيدة الحقاوي في حديث مع موقع (موقع اليوم 24) "إن إضافة خمسة وزيرات إلى الحكومة، دليل على حسن نية الحكومة، والى إنصاتها للشعب"، وأضافت أن نسبة النساء في المراكز العليا بدأت ترتفع شيئا فشيئا.
أما السيدات الأنيقات المدافعات عن حقوق المرأة في الجمعيات النسوانية فإنهن وإن امتعضن من ضآلة عدد المناصب المخصصة "للمرأة المغربية" فإنهن لم ينسين واجب التنويه بالخطوة الايجابية. حيث صرحت السيدة نزهة العلوي، النائبة البرلمانية السابقة، ومنسقة شبكة"نساء من أجل النساء" للـ «الشرق الأوسط» قائلة: "إن وجود ست نساء في الحكومة مسألة إيجابية، لأنه على الأقل انتقلنا من وزيرة واحدة في التشكيلة السابقة إلى ست وزيرات حاليا". لكن دون أن تنسى طبعا الاشارة إلى أن "ليس كل النساء اللواتي انضممن إلى الحكومة يحملن صفة وزيرات بل اثنتان فقط منهن وزيرات، أما النساء الأربع الأخريات فهن وزيرات منتدبات."، كما تمنت للوزيرات الجديدات النجاح في مهامهن.
ومن جهتها، قالت خديجة الرباح، منسقة «الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة» لنفس الصحيفة: "إن رفع عدد النساء في الحكومة إلى ست وزيرات خطوة إيجابية تحققت بفضل نضال الحركات النسائية التي اشتغلت كثيرا على هذا الملف، وراسلت رئيس الحكومة بهذا الصدد".
لكنها مثل صديقتها نزهة العلوي احتجت على هامشية المناصب المسندة "للمرأة المغربية"، وقالت: «كنا نرغب في أن تسند حقائب وزارية كاملة للنساء من أجل إظهار إرادة حقيقية لإشراكهن في القرار السياسي".
وذلك لأن "المنظمات النسائية تطمح بأن تسند وزارات وازنة ذات منحى استراتيجي للنساء مثل الاقتصاد والمالية والداخلية والتعليم العالي وحتى الفلاحة، مشيرة إلى أن عددا كبيرا من النساء يعملن داخل هذه الوزارات لديهن كفاءة عالية لشغل مثل هذه المناصب".
المشكلة إذن ليست في طبيعة النظام الدكتاتوري ولا في طبيعة الحكومة وطبيعة السياسات التي ستنفذها، بل المشكلة فقط في العدد الذي كان يجب أن يكون أكبر قليلا، وكذلك في قيمة الوزارات المسندة. ما يهم تلك الوصوليات هو فقط الحصول على نصيبهن في الكعكة. إنهن غاضبات فقط لأنهن لم يحصلن على وزارات "ذات منحى استراتيجي" كوزارة الداخلية التي سيتمكن من خلالها من كسر عظام العاملات والعمال المضربين، وقمع المعطلات والمعطلين والطالبات والطلاب المطالبين بحقوقهم. ووزارة الاقتصاد لخدمة مصالح الطبقة السائدة وصندوق النقد الدولي، وتجويع العاملات والعمال وعموم الفقراء.
لم نتوقف نحن الماركسيون مطلقا عن فضح الطبيعة الرجعية للحركات النسوانية التي تقوم على تشويه حقيقة الصراع بإبرازه وكأنه صراع جنسي (نوعي) بين الرجل عموما والمرأة عموما، بينما الصراع الحقيقي هو بين الطبقة العاملة وحلفاءها الكادحين، بنسائهم ورجالهم، وبين الطبقة الرأسمالية الحاكمة برجالها ونسائها. وإخفاء الأصل الحقيقي لاضطهاد المرأة الكادحة: المجتمع الرأسمالي القائم.
إن الجمعيات النسوانية، وبغض النظر عن نوايا هذه المنخرطة أو تلك، ليست سوى أدوات في يد الطبقة الحاكمة، بنسائها ورجالها، لتقسيم صفوف الطبقة العاملة وإضعافها. كما انها ليست سوى وسيلة في يد بعض الوصوليات البرجوازيات الصغيرات لتحقيق التسلق الطبقي والحصول على مناصب مربحة من خلال الاسترزاق بالعمل الجمعوي أو في البرلمان أو (لما لا؟) الوزارة.
ليس هدف تلك الجمعيات تحقيق تحرر المرأة الكادحة؛ ولا طريقة اشتغالها ومطالبها ستمكن، ولو بعد ألف عام، من تحقيق أي إصلاح جدي في أوضاع المرأة العاملة. إن هدفها الحقيقي وأفقها الوحيد هو تمكين حفنة من الوصوليات البرجوازيات الصغيرات من صنع مسار مهني وسياسي لأنفسهن على حساب القضايا الحقيقية للمرأة.
دعونا ننظر عن كثب إلى الوضع الحقيقي للمرأة المغربية والتي تدعي تلك الوصوليات أنهن يمثلنها ويدافعن عن حقوقها، وأن وصولهن إلى الوزارات ومقاعد البرلمان يعني انتصارا لها. وسنركز في هذه العجالة على وضع المرأة القروية من خلال أرقام مؤسسة رسمية لا بد أن أرقامها تخفي أكثر مما توضح.
تقول أرقام مندوبية التخطيط (حسب تقريرها الصادر سنة 2011) إن 58.2% من الفتيات والنساء القرويات البالغات 10 سنوات أو أكثر، لا تتوفرن على أي مستوى تعليمي، و0.6% من بينهن فقط تتوفرن على مستوى تعليمي عالٍ.
كما أن معدل وفيات الأمهات بالقرى بلغ خلال الفترة 2009-2010، 148 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، مقابل 73 وفاة في المدن، وهي المأساة التي سببها الرئيسي عدم توفر الخدمات الصحية أو ترديها، بسبب سياسة التخريب والخصخصة والتقشف
وقد بلغ معدل الفقر لدى الأسر القروية التي تترأسها نساء سنة 2007 ما يقرب من 15%. وتضرب الهشاشة أسرة قروية تترأسها امرأة من أصل كل أربعة أسر.
والآن، هل سيعني وصول تلك السيدات إلى الوزارات والمناصب المريحة أي تحسن لتلك المرأة القروية الأمية الفقيرة المهمشة؟ كلا على الإطلاق. ليس بوصول تلك الوصوليات إلى المناصب والوزارات، ولا برفع عدد المرتزقات في البرلمان ومجالس إدارة الشركات ستحقق المرأة الكادحة تحررها. إن تحقيق المرأة المغربية الكادحة لتحررها ولتحسين حقيقي في شروط عيشها وعملها رهين بانخراطها في النضال الثوري إلى جانب رفيقها الرجل الكادح في نفس المعركة ضد نفس العدو المشترك.
فقط بالقضاء على طبقة الرأسماليين، الذين يستغلون عمل نساء ورجال الطبقة العاملة، ويعيشون على حسابهم وعلى امتصاص عرقهم، وبناء مجتمع اشتراكي توضع فيه الأرض والمصانع والأبناك وكل القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية تحت الرقابة الديمقراطية للعاملات والعمال، سيصير تحرر المرأة ممكنا.
من خلال تشييد حضانات أطفال ومصابن عمومية ومطاعم عمومية، تكون كلها ذات جودة عالية وخدماتها في متناول الطبقة العاملة وعموم الكادحين في البوادي والمدن، وتحويل أشغال البيت إلى عمل عمومي مقابل أجر، حيث ستتمكن المرأة من التخلص من عبودية المنزل التي تقيدها وتحكم عليها بالشقاء الأبدي، فتحقق انطلاقها والمقدمات المادية الأساسية لتحررها ومساواتها مع رفيقها الرجل.
"الوزارء التكنوقراط"
المثير للانتباه في التشكيلة الجديدة هو العدد الكبير لوزراء ليست لهم أية علاقة بأي حزب سياسي وبعضهم الآخر تمت صباغته في اللحظة الأخيرة بلون حزب ما. وزراء ولائهم الوحيد هو للطبقة السائدة وجهاز الدولة والقصر. وخاصة محمد حصاد وزير الداخلية، ومولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، وعبد اللطيف لوديي : الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، والشرقي الضريس : الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية
إن هذا العدد الكبير من الوزراء التكنوقراطيين دليل آخر على شكلية الديمقراطية المحمدية (نسبة إلى محمد السادس)، ووقاحة الحكم المطلق.
ورغم أنهم يسيطرون على وزارات هامة ويتصرفون في ميزانيات ضخمة، فإنهم غير منتخبين من أي أحد وليس من الممكن محاسبتهم "عبر صناديق الانتخابات". فميزانية وزارة الداخلية مثلا تقدّر بـ23 مليار درهم، إضافة إلى تحكمها المباشر وخارج أية رقابة في صناديق "خاصة" تقدّر قيمتها بأكثر من 40 مليار درهم. والتعليم أكثر من 50 مليار درهم، أي أكثر من رُبع الميزانية العامة للدولة (ولا حاجة إلى القول إن أهمية هذا القطاع تتجاوز الجانب المادي)، وكذلك وزارة عبد اللطيف الوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، والتي رصدت لها ميزانية 31.3 مليار درهم، أي حوالي 12 في المائة من مجموع ميزانية الدولة. ناهيك بطبيعة الحال عن أغنى الوزارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والتي تسيطر على ممتلكات وثروات كبيرة ومداخيل هائلة.
لا بد أن المواطن المغربي البسيط يتسائل الآن: ما معنى أن تجرى الانتخابات، ونصوت نحن المخدوعين على هذا الحزب أو ذاك، وفي النهاية تأتي حكومة بتشكيلة لا علاقة لها بمن اخترناهم؟
في البداية لا بد أن نوضح أن من يطلق عليهم اسم "التكنوقراط" ليسو أناسا غير منتمين لأي طبقة اجتماعية، أو أشخاصا محايدين فوق الصراع. إنهم لا يشكلون طبقة قائمة بذاتها. إنهم فئة اجتماعية من الموظفين الكبار، تدين بالفضل في موقعها الاجتماعي وامتيازاتها لتفانيها في خدمة أسيادها، مالكو الأبناك والشركات الكبرى والمناجم وأساطيل الصيد الكبرى الخ.
إنهم فئة تنحدر في الغالب من صفوف الطبقة الوسطى، أو حتى الصغرى وفي بعض الأحيان من أسر فقيرة جدا، حققوا نجاحهم الشخصي وتسلقوا المراتب عبر إبداء أشد أشكال الولاء للطبقة السائدة والتفاني في خدمتها بدون تردد. إنهم طفيليات ويعرفون ذلك، أو على الأقل يشعرون بذلك في أعماقهم، ينبطحون كليا أمام الطبقة السائدة التي كل أملهم أن يصيروا جزءا منها، ينظرون بإعجاب لجرائمها (الاستغلال، التهرب من الضرائب، النهب، الخ) ويساعدونها عليه ويعملون على تبريره بألاعيبهم المتنوعة. وفي المقابل يحتقرون الطبقات الكادحة، لأنها تذكرهم بأصلهم ويعتبرونها تستحق الواقع الذي تعيشه لأنه راجع لـ"كسلها" و"غبائها"، الخ. والدليل على ذلك هو أنهم نجحوا في تغيير واقعهم "بفضل الجد والعمل"، و"الذكاء"...
هذه الفئة مستعدة لارتكاب كل أنواع الجرائم الاقتصادية والسياسية والفكرية لإرضاء أولياء نعمتها وتحقيق المزيد من النجاح الشخصي. إنها أشبه بربان الطائرة الحربية الذي يعتبر إلقاء القنابل، بما فيها القنبلة النووية، مهمة يجب أن تنفذ ويحسب نجاح مهمته بعدد القتلى والدمار الذي خلفه وردة فعل رؤسائه ورضاهم عنه.
وهي بالإضافة إلى كل هذا فئة معادية للديمقراطية تمجد القمع وتكميم الأفواه، تعتبر النقابات والأحزاب اليسارية مجرد عراقيل في وجه تنفيذ المهام، ومثيري شغب ينبغي التخلص منهم ليتركوها تشتغل في صمت. وهذا بالضبط هو ما تحتاجه الطبقة السائدة خلال المرحلة المقبلة. إن الطبقة السائدة تحضر لهجمات شرسة على شروط عيش الطبقة العاملة وعموم الكادحين، أكثر شراسة من كل ما شهدناه لحد الآن. وتعلم علم اليقين أن الجماهير سترد دفاعا عن خبز يومها ومكتسباتها الديمقراطية. مما ينذر بتصاعد حدة الصراع الطبقي إلى مستويات غير مسبوقة.
سيكون القمع الهمجي لكل الاحتجاجات الشعبية (عمال، فلاحون، طلاب، معطلون، الخ) هو العنوان العريض للمرحلة المقبلة. وهو ما يفسر تخلي كل الأحزاب عن وزارة الداخلية وإعطاءها لبوليسي صريح. فحتى هؤلاء المجرمون (قادة الأحزاب المشاركة) يخشون من تحمل مسؤولية الدماء التي ستراق في الشوارع، ليس طبعا لرقي مشاعرهم الإنسانية ورهافة إحساسهم، بل لخوفهم على مستقبلهم السياسي والانتخابي، ولأن النظام القائم سيحتاجهم لاحقا لتنظيف الساحة وإعادة إنتاج اللعبة، وهو ما لا يمكنهم القيام به بشكل ملائم إذا ما تلوثت أيديهم بالدماء بشكل كبير، على عكس "التكنوقراط" الذين يعودون إلى الكواليس بمجرد ضغطة زر.
حكومة التقشف
لا يتوقف بنكيران عن الحديث عن عمق الأزمة الاقتصادية وضرورة قيام الشعب المغربي بتقديم التضحيات من أجل تجاوزها. ولذلك قرر فرض حزمة من السياسات التقشفية الصارمة: الرفع من الأسعار وتجميد الأجور، ويستعد للقيام بإجراءات أخرى أكثر شؤما. لكنه بالرغم من كل ذلك، خرج علينا بحكومة من 39 وزيرا ووزيرة!
بمنطق ذلك الدجال يصبح من الواجب على الشعب المغربي أن يقدم المزيد من التضحيات، في الوقت الذي يتفضل هو بتقاضي 9 ملايين سنتيم شهريا -الراتب والتعويضات- (حيث أن رئيس الحكومة المغربي يتقاضى أجراً أكبر من أجر نظيره الإسباني مثلا). بينما يحصل كل وزير من الوزراء 39 على راتب يصل إلى 7 ملايين سنتيم، أما كتاب الدولة فيصل راتبهم إلى 6 ملايين سنتيم. هذا دون الحديث عن سيارات الدولة الموضوعة رهن إشارة كل واحد منهم والطباخون والمساعدون ووو، الخ.
وهو ما يمكن أن نضيف إليه ميزانية القصر حيث الأجر السنوي للملك يصل إلى 600 مليون سنتيم سنويا، إضافة إلى 100 مليار سنتيم المخصصة لمعدات ونفقات مختلفة لصالح القصر الملكي، و35 مليون سنتيم لموظفي مصالح القصر الملكي، و28 مليون سنتيم تهم الأموال الخاصة والاستقبالات والمكافآت والكؤوس والجوائز، و18 مليار سنتيم لأسفار الملك، و6.5 ملايير سنتيم للديوان الملكي. (goud.ma)
إضافة إلى كلفة البرلمان بغرفتيه والتي تصل إلى حوالي 256 مليون درهم في السنة، ويحتسب فيها أجر أعضاء البرلمان وعددهم 525 برلمانيا ويصل إلى 30 ألف درهم شهريا، يُضاف إليها تعويض شهري لتغطية مصاريف الدراسات والأبحاث ومهام السكرتارية... وتصل قيمته إلى 6000 درهم للفرد. دون الحديث عن الامتيازات العديدة التي يتمتعون بها، من قبيل الإعفاء التام من أداء مصاريف التنقل عبر القطار، وتخفيض بقيمة 60% من مصاريف التنقل عبر الطائرة داخل البلاد وخارجها، وتعويض الإقامة عن كل يوم عمل، خارج البلاد بقيمة 2500 درهم... والتعويضات العائلية، والتعويضات عن نهاية الخدمة، والتي تصل قيمتها إلى 5000 درهم عن كل ولاية تشريعية.
بينما يتقاضى رئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين، أجرا لكل واحد منهما يبلغ حوالي 80 ألف درهم في الشهر، دون الحديث عن الامتيازات الأخرى. وليس هذا سوى غيض من فيض.
إنها إذن سياسة فرض التقشف على الشعب الكادح، أي على العمال والفلاحين الفقراء، أي الطبقات الأكثر تضررا من الأزمة والأقل قدرة على تحملها، بينما تقدم للأغنياء والأقوياء كل الامتيازات الممكنة وغير الممكنة.
موقفنا
ستكون هذه الحكومة بكل تأكيد حكومة لشن أشرس الهجمات على الطبقة العاملة وكل مكتسباتها. إنها حكومة حرب على الطبقة العاملة وعموم الفقراء سواء في ظروف عيشهم أو عملهم، أو النزر القليل من الحريات الديمقراطية التي حققها الشعب المغربي بتضحيات هائلة.
ستكون حكومة القمع الرهيب لكل الاحتجاجات النقابية والشعبية والحقوقية والطلابية، الخ. قمع حتى محند العنصر غير قادر على تحمل مسؤوليته، فتركه "لابن الدار" على حد تعبير بنكيران.
كما ستكون حكومة حرب شرسة على الطبقة العاملة ومكتسباتها، حكومة الرفع من الأسعار وقمع الحريات النقابية والاقتطاعات من ميزانية الخدمات الاجتماعية والتسريحات، الخ. وهي المهمة التي ليس هناك من يقوم بها أفضل من محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية ومولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، بسيرتهما الذاتية التي تثبت طبيعة المصالح التي ينتميان إليها ويدافعان عنها بشراسة.
لكن الطبقة العاملة وعموم الكادحين من طلاب وفلاحين فقراء وعاطلين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الهجمات. إنهم سيردون بقوة، وهذا ما يجعل المرحلة التي نقف على أعتابها، مرحلة نهوض عارم للصراع الطبقي في أماكن العمل والجامعات والشوارع والأحياء الفقيرة والمناطق المهمشة. مرحلة ستعرف فترات مد وفترات جزر، لكن الاتجاه العام هو التصاعد. ستكون التضحيات جسيمة والسيرورة مؤلمة، لكنها ستكون أيضا حافلة بالدروس التاريخية.
إن هذه الحكومة ورغم كل مظاهر القوة التي تحاول استعراضها، ورغم ابتسامات السيدات والسادة أعضائها وسعادتهم، هي حكومة أزمة. وكل المؤشرات تدل على أن وحدتها الشكلية ستنفجر عند أول منعطف جدي.
كما أن النقابات ستدخل في أزمة خانقة لأن خيانة قيادتها ستنفضح أكثر فأكثر. لقد تمكنت لحد الآن من خداع جزء من الطبقة العاملة وإقناعهم بتقبل الهجمات بوعدهم أن الوضع مؤقت، وأن الانفراج قريب للأزمة، وبدعواتها للحوار "العقلاني" مع أرباب العمل وحكومتهم. لكن كل هذا لن يجدي نفعا في مستقبل الأيام. وستجد القيادة النقابية نفسها بين نار الطبقة الرأسمالية التي تطالبها بالمزيد من التنازلات، وعدم تعكير صفو هجومها، وبين نار الطبقة العاملة المصرة على النضال.
لو توفرت القيادة الثورية في ظل هذه الشروط لكان من الممكن توحيد نضالات الطبقة العاملة وعموم الكادحين في هجوم موحد عارم سيكون قادرا ليس فقط على إسقاط نظام تلك الطفيليات ومصاصي دماء البشر، بل أيضا على تطهير البلد من كل فقر وكل اضطهاد وكل تخلف. لكن هذا بالضبط هو ما ينقص وهذا بالضبط ما يجب على العمال الطليعيين والشباب الثوري أن يركزوا على بناءه.
إن كنت تتفق وتتفقين مع أفكارنا التحق والتحقي بنا في النضال من أجل مسار بناء تلك القيادة، التحقوا بنا في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي.