كان اليوم الثاني من المؤتمر مخصصا لنقاش موقف الماركسيين من المنظمات الجماهيرية وأيضا لنقاش العمل من أجل بناء القوى الماركسية في باكستان. بالرغم من كل الهجمات التي يتعرض لها التيار الماركسي، فإن الرفاق تمكنوا من تحقيق نجاحات كبرى، والمزاج السائد هو التصميم على مواصلة البناء.
افتتح اليوم الثاني، كما هي العادة دائما، بإنشاد أغاني وأشعار ثورية، بينما كان المؤتمرون يفدون على القاعة، بعد تناول وجبة الإفطار التي قدمت في خيمة واسعة. إن مهمة تغذية وإيواء أكثر من 2000 مؤتمر، هي في حد ذاتها مهمة هائلة، يمكنها أن تضر بميزانية وقدرات حتى منظمات من البلدان الغنية، فبالأحرى في بلد يعيش فقرا رهيبا مثل باكستان. إن هذا النجاح شهادة تقدير للقدرات التنظيمية العظيمة والتفاني الكبير للماركسيين الباكستانيين.
قبل بداية الجلسة حول الماركسية والمنظمات الجماهيرية، قرأ الرفيق ياسر إرشاد، من كشمير، إعلان التيار الماركسي الأممي بخصوص الأممية الخامسة، باللغتين الإنجليزية والأردية، وهو ما تلقاه المؤتمرون بحفاوة.
المنظمات الجماهيرية
ترأس الرفيق لال خان الجلسة حول هذا الموضوع الهام. وقد تم توزيع وثيقة حول هذه المسألة على جميع الرفاق قبل المؤتمر (نفس الشيء فيما يتعلق بباقي الوثائق الأخرى الخاصة بالمنظورات العالمية والمنظورات الباكستانية وحول التنظيم). ذكر الرفيق لال خان المؤتمر بالأساس النظري الذي تقوم عليه حركتنا: أفكار ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي والرفيق تيد غرانت. وبدأ بالفقرة الشهيرة من البيان الشيوعي التي تقول: إن الشيوعيين لا يشكلون حزبا منفصلا ومعارضا لباقي الأحزاب العمالية الأخرى، وتتبع تاريخ مجهودات الماركسيين من أجل التحول إلى قوة جماهيرية.
شرح لال خان الوضع المعقد الذي عرفته مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تحولت القوى الماركسية الحقيقية إلى أقلية ضئيلة؛ آنذاك أنتج تيد غرانت التكتيكات والمنهجية الصحيحة التي يمكنها أن توطد الأواصر بين التيار الماركسي وبين المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة.
ثم ذكر بالنجاحات العظيمة التي حققها تيارMilitant في بريطانيا، والتي أخافت الطبقة السائدة بشكل جدي. لكن كل هذا تحطم بسبب السياسات العصبوية المغامراتية اليسارية المتطرفة. إلا أن التيار الماركسي الأممي استمر على نهج التقاليد الحقيقية التي أسسها تيد غرانت.
وشرح قائلا:
«حزب الشعب الباكستاني ليس حزبا عماليا، لكنه يمتلك قاعدة جماهيرية بين العمال والفلاحين. إن البرنامج الأصلي لحزب الشعب الباكستاني كان اشتراكيا وكانت له علاقة بالجماهير. هناك تقاليد ثورية علينا أن نأخذها بعين الاعتبار. لقد أكدت الأحداث، التي وقعت أثناء عودة بينازير بوتو، صحة منظوراتنا بخصوص حزب الشعب الباكستاني. حيث خرج ثلاثة ملايين شخص إلى الشوارع للترحيب بها. وقد أخافت هذه الحركة الجماهيرية الطبقة السائدة فعملت على اغتيالها.
«كان هناك نهوض جماهيري ذو أبعاد ثورية، إلا أن زرداري والقادة اليمينيين لحزب الشعب عملوا على خنقه في المهد. كانت بينازير بوتو تتباهى بكونها أول زعيمة في جنوب شرق آسيا تطبق سياسة الخصخصة. هذا مؤشر عن المدى الذي وصله قادة الحزب في التخلي عن الأهداف الاشتراكية الأصلية للحزب. والآن يوجد زرداري والقادة اليمينيون لحزب الشعب في السلطة وهم يطبقون سياسات معادية للطبقة العاملة، بما في ذلك الخصخصة. إن العمال يتلقون دروسا صعبة في مدرسة زرداري!
«لقد تعرض التيار الماركسي للهجوم داخل باكستان وعلى الصعيد الدولي من طرف عناصر تريد تدميرنا. لكنهم فشلوا. إننا أقوى من أي وقت آخر، لأننا نعبر عن المشاعر والتطلعات الحقيقية للجماهير التي صوتت لحزب الشعب من أجل التغيير والتي بدأت الآن تنخرط في الصراع. إن مكاننا يوجد بين هذه الجماهير.»
وأنهى لال خان ملاحظاته بإشارة إلى الدعوة من أجل تأسيس أممية خامسة، وهو ما استقبل بتصفيق حماسي وشعارات. بعد ذلك فتح المجال للنقاش.
كان الرفيق حيدر شوغاتي، من جنوب البنجاب، أول المتدخلين. وقال: «إن كل تكتيكاتنا وأساليب اشتغالنا لديها هدف واحد هو: الثورة الاشتراكية. يجب علينا دائما ألا نغفل عن هذا، وإلا فإننا سوف نضل الطريق. لقد دخل حزب الشعب الباكستاني في ائتلاف مع جميع أنواع العناصر البورجوازية. ويجب علينا أن نتخذ موقفا صارما من زرداري وشركائه.»
المتدخل الثاني كان هو الرفيق إلياس خان من مولتان، والذي أكد على صحة منظوراتنا بخصوص حزب الشعب الباكستاني ووجه نقدا حادا لزرداري والحكومة الحالية. أما المتدخل الثالث فكان هو الرفيق هريش من السند، والذي تحدث عن تاريخ الأمميات السابقة وتكتيكاتها.
وكان المتحدث التالي هو الرفيق آلان وودز. أشار آلان إلى أن قادة حزب الشعب الباكستاني احتاجوا الدخول في ائتلاف مع الأحزاب الأخرى من أجل تحريف اتجاه الانتقادات الآتية من قواعد الحزب. لكن نواز شريف، زعيم الرابطة الإسلامية اليمينية، كان أذكى من أن يسقط في هذا الفخ. حيث ترك الحكومة الفدرالية تقوم بالعمل القذر بينما اكتفى هو بلعب دور المعارضة المريح. إن الطبقة السائدة والإمبرياليين مجبرون، في الوقت الحالي، على الاعتماد على زرداري. لكنهم وبمجرد ما سوف تظهر حركة جدية من تحت، سيتخلصون منه ويضعون مكانه حكومة أكثر يمينية. وسوف يؤدي هذا إلى اندلاع أزمة داخل صفوف حزب الشعب وإلى صعود سريع لقوة التيار الماركسي.
بعد ذلك تدخل الرفيق زبير من كراتشي، وتلاه الرفيق ياسر إرشاد، وتحدث كلاهما عن الأممية الخامسة. ثم تحدث الرفيق رياض ليند، الزعيم العمالي البارز من كراتشي. وقال:
«لقد ارتكبت قيادة حزب الشعب خيانة تاريخية. لقد أفسدت أتباعها من العمال بإعطائهم رخص إنشاء مشاريع وقطع أرضية. في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية صارت الإصلاحات مستحيلة، والطريق الوحيد للتقدم هو الثورة. علينا أن نعمل بجد لكي لا تضيع فرصة ثورية أخرى، ولكي لا نبقى في موقع المتفرجين. إن الرفاق الذين يعملون داخل المنظمات الجماهيرية يوجدون في ظروف جد صعبة. يجب علينا أن نفضح سياسة الحكومة المبنية على تخصيص 12%، من أسهم الشركات المخصخصة، للعمال.»
واختتمت الجلسة من طرف لال خان. قال إنه تلقى 150 سؤالا حول الموضوع وبالرغم من أنه أجاب على بعضها، فإنه اعتذر عن عدم القدرة على الإجابة على أغلبها. وأكد على نقطة هامة: «إن مكان الماركسيين هو بين الجماهير، بدءا بالفئات الطليعية للعمال.»
جلسة حول التنظيم
بعد ذلك ترأس الرفيق أدم بول جلسة حول بناء المنظمة. شرح أسلوب لينين بخصوص المركزية الديمقراطية وكيف أنها مهمة جدا اليوم لتحقيق النصر. وقدم تقريرا حول إصدارات الجرائد والمالية خلال السنة الأخيرة.
قال: «إننا نصدر جرائد ومجلات باللغة الأردية والإنجليزية (Asian Marxist Review)، والفارسية والسندية. وأيضا جريدة للشباب "أزام" تصدرها الفدرالية الوطنية لطلاب جامو كشمير (JKNSF ). وقد تمكنت المنظمة خلال السنة الماضية من توزيع عدد قياسي من جريدة الكفاح باللغة الأردية.
«عدد الأعضاء يتزايد في جميع المناطق وقد تجاوزنا رقم 2500 مناضل/ة. لدينا حوالي 40 مقرا في مختلف أنحاء البلد، بما في ذلك كشمير، وكويتا، وحيدر أباد، ودادو، وجوهي، وخيربور، ورحيم يار خان، ومولتان، وكوت أدو، ولاياه، ود. ج. خان، ولاهور، وفيصل أباد، وروالبيندي، وأتوك، وبيشاور، ورولكوت، ومظفر أباد، وملقند، الخ»
نوعية رفاقنا العمال في كاراتشي عالية جدا، وكذلك هي نوعية رفاقنا ببالوشيستان. لقد شهدت بالوشيستان خلال السنوات القليلة الماضية حربا بشعة. كل يوم يحدث هناك عنف طائفي واختطافات واغتيالات. ومؤسسات الدولة متورطة في كل هذه الجرائم. والآن تهدد الإمبريالية الأمريكية بتوسيع مجال ضرباتها الجوية إلى بالوشيستان أيضا. في ظل هذه الظروف الرهيبة يقوم رفاقنا بعمل رائع ومنظمتنا تتطور، ليس فقط في كويتا، حيث يتركز أغلب السكان، بل أيضا في البلدات والمدن الأصغر.
يواجه الرفاق في باختونخوا وضعا صعبا جدا. ففي كل يوم تحدث هناك هجمات انتحارية ويسقط عشرات القتلى من بين الأبرياء. الهجمات الجوية، وحضر التجوال، والعمليات العسكرية، ونقاط التفتيش، هي التهديدات التي يتعرض لها الرفاق في كل حين. لكن، وبالرغم من كل هذه الظروف، فإن هذه المنطقة قد شهدت أعلى معدل لنمو التيار الماركسي. والشيء الأكثر إثارة للفخر هو النمو الذي شهدته القوى الماركسية في مناطق القبائل جنوب وزيرستان، حيث تدور حرب دموية بين طالبان والجيش الباكستاني. ويحضر مؤتمرنا هذا ما لا يقل عن 200 رفيق ورفيقة من باختونخوا، بمن فيهم قادة عماليون بارزون من بيشاور، و20 رفيقا من جنوب وزيرستان.
هناك 76 رفيقا من كراتشي، بمن فيهم عمال من مصنع الصلب، وشركة الكهرباء، والسكك الحديدية، وأيضا طلاب. ومن السند (باستثناء كراتشي) حضر المؤتمر 166 رفيقا. والأكثر أهمية هو وفد كراتشي: البالغ حوالي 400 رفيقا.
وقد شهدت هذه الجلسة أيضا تقديم تقارير عن اجتماعات الورشات التي انعقدت الليلة الماضية. أعلنت الرفيقة سميرة حضور 95 رفيقة في المؤتمر وأعلنت الهدف المبتغى تحقيقه خلال السنة المقبلة. أكدت على أن تكوين كوادر ماركسية نسائية مهمة أساسية جدا بالنسبة لتيارنا. كما قدم الرفيق فرهاد تقرير ورشة الشباب. وأعلن أهداف حركة الشباب العاطل (BNT) بالنسبة للسنة المقبلة. كما قدم الرفيق قمر تقريرا عن أنشطة ومخططات العمل النقابي ومشاركة الرفاق في حملة الدفاع عن النقابة الباكستانية.
بعد الجلسة حول التنظيم، فتح المجال للتصويت على مجموعة من المسائل: المنظورات العالمية، المنظورات الباكستانية، إستراتيجية العمل الجماهيري، التقرير التنظيمي (بما في ذلك الأهداف) وانتخاب لجنة مركزية جديدة. كما صوت الرفاق على الموقف من تأسيس أممية خامسة. وقد كان التصويت بالإجماع حول كل هذه المسائل.
الجلسة الختامية
طلب الرفيق ظفر الله، الذي ترأس الجلسة الختامية، من الرفيق آلان وودز أن يقدم الملاحظات الأخيرة. قال آلان إنه عندما التحق بهذه المنظمة، قبل 50 سنة، لم يكن عددنا سوى 30 رفيقا ورفيقة في كل أنحاء العالم. لكننا كنا نمتلك أفكارا صحيحة، وقد تمكنا من بناء أكبر منظمة تروتسكية في العالم، بعد المعارضة اليسارية الروسية.
إن كل تاريخ الأمميات الماركسية هو تاريخ المعارك الدائمة. ونجاحاتنا تثير انتباه الأصدقاء والأعداء. وقد شن أعداءنا هجمات عنيفة ضدنا. وسخر الرفيق آلان وودز من الحملة الكاذبة القائلة بأن التيار الماركسي الأممي "يتصدع". وأشار إلى أن هذه الهجمات انطلقت من باكستان حيث حاولت بيروقراطية حزب الشعب الباكستاني والدولة الباكستانية تحطيم الفرع. وشرح كيف أن جميع الهجمات التي شنت طيلة السنة الماضية ضد التيار الماركسي الأممي قد فشلت، كما يثبت ذلك هذا المؤتمر الرائع.
وقال: «لقد قطعنا مع العناصر العصبوية اليسراوية المتطرفة والانتهازية. هل أدى ذلك إلى إضعافنا؟ كلا، على الإطلاق! إذا كنا جادين بخصوص منظوراتنا القائلة بأننا نقف على أعتاب نهوض عارم للصراع الطبقي، وبخصوص الدور الذي علينا أن نلعبه في تلك الأحداث، فإنه يتوجب علينا تنظيف بيتنا أولا.
«إذا كنا جادين بخصوص منظوراتنا حول الثورة الاشتراكية، ودورنا في الصراع الطبقي، فإنه يتوجب علينا التأكد من أن منظمتنا في حالة جيدة لإنجاز المهام العظيمة التي ستطرح علينا خلال الشهور والسنوات المقبلة. علينا أن نرتب بيتنا الداخلي وطنيا وأمميا.»
استقبل خطاب الرفيق آلان بتصفيق ووقف الحاضرون لتحيته، وتلا ذلك غناء جماعي حماسي لنشيد الأممية. بعد ذلك انطلق المؤتمرون والزوار، حاملين للأعلام الحمراء، في مسيرة أمام سفارة البنجاب رافعين شعارات ضد الخصخصة ومن أجل الاشتراكية.
لقد افتتح المؤتمر أشغاله تحذوه تطلعات عظيمة واختتم أشغاله في جو ملؤه الثقة القوية والحماس الشديد. وقد تبين ذلك من خلال القدر الكبير من المساهمات المالية التي تم جمعها لا سواء قبل أو أثناء المؤتمر، والتي بلغت 12,22768 روبية (10.726 أورو)، وهو المبلغ الذي يعتبر كبيرا، بالنظر إلى معدل الأجور في باكستان. إنه أوضح تعبير عن الرغبة القوية في التغلب على جميع العراقيل التي تقف في طريق الرفاق الباكستانيين، ويحق لجميع أنصار التيار الماركسي الأممي والمتعاطفين معه أن يكونوا فخورين بالإنجازات المحققة في هذا البلد الاستراتيجي في شبه القارة الآسيوية.