تعرضت بينازير بوتو للاغتيال جراء هجوم انتحاري
كانت زعيمة حزب الشعب الباكستاني قد انتهت للتو من إلقائها لخطاب في حشد من مؤيدي الحزب ببلدة روالبيندي، عندما شن الهجوم عليها. تحدثت أولى التقارير عن مقتل 100 شخص على الأقل في هذا الهجوم، لكن الأخبار الواردة حديثا حددت الرقم في 20 قتيلا.
يأتي هذا الهجوم المميت ضد حزب الشعب الباكستاني في أوج حملة انتخابية كانت الجماهير تناضل خلالها من أجل التغيير، بعد سنوات من الدكتاتورية العسكرية. كانت هناك موجة من التأييد لصالح حزب الشعب الباكستاني، الذي كان متأكدا من الفوز في الانتخابات الوطنية والإقليمية التي كان من المفترض أن تنظم يوم الثامن من يناير 2008.
كانت الحملة تحشد القوة، وكان الجناح الماركسي داخل حزب الشعب الباكستاني يحصل على تأييد حماسي بفضل الرسالة الاشتراكية الثورية التي دافع عنها في أماكن بعيدة ككاراتشي ومنطقة وزيرستان القبلية في الشمال. كانت هذه الانتخابات ستعكس انعطافة قوية نحو اليسار في باكستان. وكانت هذه الإمكانية تدق ناقوس الخطر لدى الطبقة السائدة. هذا هو السبب الكامن وراء الهجوم الفظيع الذي وقع اليوم.
إن هذا الهجوم جريمة ضد العمال والفلاحين الباكستانيين، إنه استفزاز دموي يهدف إلى إلغاء الانتخابات التي كان حزب الشعب الباكستاني متأكدا من كسبها، وتقديم مبرر لشن حملة جديدة من التضييقات واحتمال إعادة فرض قانون الطوارئ والدكتاتورية. إنه عمل رجعي يجب إدانته بدون أي قيد.
من المسئول؟ هوية القتلة لم تعرف بعد. لكنني عندما طرحت السؤال على الرفاق في كاراتشي، كان جوابهم على الفور هو: "إنهم الملالي[رجال الدين]". عادة ما ترتدي قوى الرجعية السوداء في بلدان مثل باكستان رداء الأصولية الإسلامية. بل إن هناك إشاعات تقول أن بينازير تعرضت لإطلاق النار من أحد المساجد، إلا أن وسائل الإعلام الغربية تصر على أن عملية الاغتيال كانت جراء هجوم انتحاري.
أيا كانت التفاصيل التقنية لعملية الاغتيال وأيا كان المنفذ المباشر لهذا العمل الإجرامي، فإن خيوط المؤامرة تمتد بدون شك إلى الأعلى. ليس من يسمون بالأصوليين الإسلاميين والجهاديين سوى دمى وقتلة مأجورين لدى القوى الرجعية التي تتحصن داخل صفوف الطبقة السائدة الباكستانية وأجهزة الدولة، ممولين بسخاء من طرف مصالح المخابرات الباكستانية (ISI) وبارونات المخدرات ذوي العلاقة مع طالبان والنظام السعودي المهتم دائما بدعم وتمويل جميع الأنشطة المعادية للثورة في العالم.
للحرب في أفغانستان آثار مدمرة على باكستان. كانت لدى الطبقة السائدة في باكستان مطامح في الهيمنة على البلد بعد طرد الروس منها. لقد تدخل الجيش الباكستاني ومصالح المخابرات هناك طيلة عقود. ولا يزالون مرتبطين بطالبان وبارونات المخدرات (الذين يشكلون شيئا واحدا). لقد تم تحقيق ثروات هائلة من خلال تجارة المخدرات التي تسمم باكستان وتضرب استقرار الاقتصاد والمجتمع والحياة السياسية.
ليس اغتيال بينازير بوتو سوى تعبير آخر على التعفن المطلق والانحطاط والفساد الذي ينخر أعضاء باكستان. بؤس الجماهير والفقر والمظالم تحتاج إلى حل. الملاكون العقاريون والرأسماليون لا يمتلكون أي حل لها. فكان العمال والفلاحون يتطلعون نحو حزب الشعب الباكستاني لكي يقدم لهم مخرجا.
سيقول بعض من يسمون أنفسهم بـ "اليساريين": لكن برنامج بينازير لم يكن ليقدم أي مخرج. يناضل الماركسيون داخل حزب الشعب الباكستاني من أجل برنامج اشتراكي من أجل البرنامج الأصلي لحزب الشعب الباكستاني. لكن الجماهير لا يمكنها أن تتعرف على البرنامج والسياسة الصحيحين إلا من خلال تجربتها الخاصة. كانت انتخابات يناير ستعطي للجماهير الفرصة لكي تتقدم خطوة على الأقل في الاتجاه الصحيح، من خلال إلحاق هزيمة ساحقة بقوى الرجعية والدكتاتورية. عندها كانوا سيمتلكون إمكانية التعرف على البرامج والسياسات على صعيد الممارسة وليس على صعيد النظرية.
يبدو الآن غالبا أنهم سيحرمون من هذه الفرصة. هدف هذا الاستفزاز الإجرامي واضح جدا: إلغاء الانتخابات. لم أتمكن بعد من التعرف على موقف السلطات الباكستانية، لكنه سيكون من غير المتوقع أن تجري الانتخابات الآن خلال الثامن من يناير. سوف يتم تأجيلها على الأقل لمدة من الزمن.
أي تأثير سيكون لهذا الحادث على الجماهير؟ لقد تحدثت للتو مع رفاق منظمة The Struggle [الكفاح: الفرع الباكستاني للتيار الماركسي الأممي -المترجم-] في كاراتشي، حيث يصارعون العصابات الرجعية المنتمية ل MQMفي حملة انتخابية شرسة. أخبروني أنه تسود هناك مشاعر صدمة عامة بين الجماهير. قال الرفيق: « الناس يبكون والنساء ينتحبن في منازلهن: يمكنني أن أسمع عويلهم الآن».
لكن مشاعر الصدمة قد بدأت منذ الآن تتحول إلى غضب: « هناك انتفاضة في شوارع كاراتشي ومدن أخرى. الجماهير تغلق الطرقات وتحرق إطارات السيارات.» هذا تحذير موجه للطبقة السائدة بأن صبر الجماهير قد نفذ الآن. لا يمكن وقف حركة الجماهير عبر اغتيال أحد قادتها أو حتى الآلاف.
تلتحق الجماهير دائما بمنظماتها الجماهيرية التقليدية. لقد تطور حزب الشعب الباكستاني في خضم الحركة الثورية لسنوات 1968- 1969، عندما كان العمال والفلاحون أقرب إلى حسم السلطة.
لقد قتل الدكتاتور ضياء والد بينازير. لكن هذا لم يمنع من انبعاث حزب الشعب الباكستاني خلال سنوات الثمانينات. وقد اغتالت قوى إرهاب الدولة أخ بينازير، مرتزار. عندها أرسلوا بينازير إلى المنفى وأقاموا نظاما دكتاتوريا جديدا. لكن هذا لم يمنع حزب الشعب الباكستاني من أن يعرف انبعاثا جديدا عندما خرج ما بين 2 و3 ملايين شخص إلى الشوارع للترحيب بعودتها.
سوف تتعافى الجماهير من الصدمة المؤقتة والآلام. وستعوض هذه المشاعر مع مرور الوقت بمشاعر الغضب والرغبة في الانتقام. لكن ما يجب ليس هو الانتقام الفردي، بل الانتقام الجماعي. ما يجب هو تحضير الجماهير من أجل القيام بهجوم ثوري جديد سيقضي على مشاكل باكستان من الجذور.
يمكن للطغمة الحاكمة أن تؤجل توقيت الانتخابات، لكنهم سيضطرون إن عاجلا أو آجلا إلى تنظيمها. لقد حسب الرجعيون أن إقصاء بينازير سوف يضعف حزب الشعب الباكستاني. لكن هذا حساب خاطئ تماما! لا يمكن اختزال حزب الشعب الباكستاني في شخص واحد. لو أنه كان من الممكن ذلك، لكان قد اختفى بعد إعدام ذو الفقار علي بوتو.
حزب الشعب الباكستاني ليس شخصا واحدا، إنه المعبر التنظيمي عن رغبة الجماهير في تغيير المجتمع. إنه هؤلاء الثلاثة ملايين شخص الذين خرجوا إلى الشوارع للترحيب بعودة بينازير. إنه هؤلاء العشرات ملايين الإضافية الذين كانوا يستعدون للتصويت لصالح إحداث تغيير خلال انتخابات يناير. إنه هؤلاء الملايين الذين يعيشون الحداد الآن. لكن الحداد لن يستمر إلى الأبد. سوف يجدون طرقا فعالة للنضال من أجل جعل صوتهم مسموعا.
يجب على الجماهير أن تحتج على اغتيال زعيمة حزب الشعب الباكستاني من خلال تنظيم حركة احتجاج وطنية تتوج بإضراب عام احتجاجي. يجب عليهم أن يرفعوا راية الديمقراطية. ضد الدكتاتورية! لا لحالة الطوارئ! الدعوة فورا إلى تنظيم انتخابات جديدة!
يجب على قيادة حزب الشعب الباكستاني أن لا تستسلم لأي ضغط يهدف إلى تأجيل الانتخابات. الدعوة إلى انتخابات وطنية وإقليمية! اجعلوا صوت الشعب مسموعا! يجب على حزب الشعب الباكستاني، قبل كل شيء، أن يعود إلى برنامجه الأصلي ومبادئه الأصلية.
يتضمن البرنامج التأسيسي لحزب الشعب الباكستاني مطلب التغيير الاشتراكي للمجتمع. يتضمن تأميم الأرض والأبناك والصناعات تحت الرقابة العمالية، وتعويض الجيش الدائم بميليشيات العمال والفلاحين. إن هذه الأفكار أكثر صحة وراهنية الآن مما كانت عليه عندما كتبت أول مرة!
ليس هناك ما هو أسهل من سلب حياة رجل أو امرأة. نحن البشر مخلوقات هشة ويمكننا أن نُقتل بسهولة. لكن لا يمكن لأي كان أن يقتل فكرة حان أوانها!