يكتسي الصراع الدائر في الصحراء الغربية أهمية كبرى بالنسبة للثوريين المغاربة سواء من الناحية النظرية (اعتبارا للأهمية القصوى التي توليها الماركسية لحق الشعوب في تقرير المصير) أو من الناحية السياسية العملية (حيث من المستحيل إنجاز مهام الثورة الاشتراكية في المنطقة دون إعطاء فهم واضح ماركسي أممي للمسألة القومية).
ومساهمة منا في هذا النقاش نطرح هذه الورقة التي سوف تحاول إعطاء نظرة أكثر تفصيلا حول تاريخ النزاع وحول العلاقة بين النضال الذي يخوضه الشعب الصحراوي من اجل حقه في تقرير المصير وبين النضال الذي تخوضه الطبقة العاملة في باقي المنطقة المغاربية ضد الاستغلال والقهر.ثم سوف نتطرق إلى الموقف الذي يتوجب على الماركسيين اتخاذه من مسالة الاستفتاء (المستبعد إجرائه) حول تقرير المصير.
الاستعمار الإسباني
تعود أولى اتصالات الأوروبيين بالصحراء الغربية إلى القرن الخامس عشر، عبر مملكتي قشتالة (Castilla)والبرتغال. لكن أي من هذين البلدين لم يعمل على استعمال قوة حقيقية من اجل تدعيم تواجد استعماري دائم في المنطقة واكتفيا بإقامة موانئ على الساحل، موجهة بالأساس لتجارة العبيد.
ولم يتجدد الاهتمام الفعلي بالصحراء الغربية إلا مع القرن التاسع عشر خلال "الصراع الكبير حول إفريقيا" الذي خاضته مختلف القوى الإمبريالية الأوربية. خلال سنة 1849، بدأ مؤتمر برلين يضع القواعد من اجل تقسيم إفريقيا. وابتداءً من شهر دجنبر من نفس السنة، أعلنت الحكومة الإسبانية فرضها للحماية على مناطق واد الذهب وAngra de cintra وباهية الغربية، وأسست سنة 1885، مستعمرة لها في الداخلة أطلقت عليها اسم Villa Cisneros. لقد تم رسم حدود الصحراء الواقعة تحت سلطة إسبانيا من خلال سلسلة من الاتفاقات الفرنسية الإسبانية خلال الفترة التي سبقت 1912. إذ طالبت إسبانيا بالحصول على وادي الذهب، الساقية الحمراء وفرض الحماية على جنوب المغرب، أي رقعة ارض إجمالية قدرها 112.000 كلم². لكن وبالرغم من ذلك كانت إسبانيا عاجزة عن السيطرة على كل المنطقة الصحراوية التي منحت لها، فحتى سنة 1916، بقيت Villa Cisneros، الموقع الأكثر تقدما لأسبانيا في المنطقة. وخلال سنة 1916 سيطرت إسبانيا على طرفاية، ومن تم، سنة 1920، أقامت مستعمرتها الثالثة في المنطقة المتواجدة ابعد إلى الجنوب والمسماة الكويرة.
خلال هذه الفترة، كانت ساكنة المنطقة مشكلة من سلسلة من القبائل التي تطلق على نفسها ويطلق عليها جيرانها اسم "أهل الساحل" (ساكنة المنطقة الساحلية). ولقد كان نشاطهم الاقتصادي الأساسي هو الرعي عبر الترحال وكذلك التجارة مع القبائل المجاورة. لقد كان هذا مجتمعا جد بدائي، ولم تسمح القاعدة الاقتصادية لهذا المجتمع بظهور تفاوتات اجتماعية كبيرة. وكانوا منظمين في قبائل يسيرون شؤون أنفسهم من خلال مجلس (الجماعة) مشكل من رؤساء العائلات الأكثر تميزا، وينتخب هذا المجلس شيخ المجموعة.
في القبيلة يعرف هذا المجلس (أو الجماعة) بآيت عربت Ait Arbit أو مجلس الأربعين، والذي يجتمع في زمن الحرب أو الأزمات الخطيرة.
لم تسمح الظروف الصحراوية القاسية، بظهور أي نوع من الحكومة أو القانون الفوق قبلي. ولم تظهر الأشكال الأكثر تطورا للتنظيم الاجتماعي إلا بعيدا في الجنوب، حيث ما يعرف بموريتانيا، التي أقيمت فيها بعض الدول الفوق قبلية الضعيفة، ابتداءَ من القرن 17.
كما رأينا اقتصر الإسبان وإلى حدود سنة 1934، على تركيز وجودهم في ثلاث نقط متقدمة على الساحل، لكنهم لم يدخلوا إلى المناطق الداخلية. ونتيجة لذلك صارت المنطقة الواقعة تحت النفوذ الإسباني معقلا للقوات القبلية المقاتلة ضد التقدم الفرنسي في موريتانيا والمغرب والجزائر. خلال هذه الفترة كان النضال مشتركا بين جميع قبائل البدو الرحل. وقد حاول الشيخ ماء العينين سنة 1910 قلب نظام السلطان العلوي الضعيف عبد الحفيظ في المغرب، الذي كان متعاونا مع الاستعمار الفرنسي. لم يكن الوعي القومي خلال هذه الفترة قد تشكل بعد باستقلال عن القبيلة في الصحراء. فحمل الشيخ ماء العينين على كاهله مهمة تحرير المغرب من الاستعمار وعملائه. لكن قواته تعرضت للهزيمة على يد الفرنسيين.
وأخيرا قامت سنة 1934، القوات الفرنسية المتواجدة في المغرب والجزائر وإفريقيا الغربية، بعمليات مشتركة مع القوات الإسبانية من اجل سحق المقاومة. ولقد أرغمت فرنسا حليفتها إسبانيا على احتلال بعض النقاط الاستراتيجية في الداخل من اجل الحيلولة دون أن تستعمل تلك الأراضي كقواعد لشن الغارات ضد المناطق الواقعة تحت النفوذ الفرنسي في باقي المنطقة المغاربية.
رغم هذا، بقيت الصحراء الواقعة تحت النفوذ الإسباني مجرد مستعمرة شبه منسية لضعف قيمتها بالنسبة للمتروبول. ويعود السبب الرئيسي لحفاظ إسبانيا على وجودها في هذه المنطقة، هو معاكسة الهيمنة الفرنسية على المنطقة وكذلك حماية جزر الخالدات ومياه الصيد الغنية المتواجدة بين هذه الجزر وبين الساحل الصحراوي. وحتى 1952، لم يكن في الصحراء الإسبانية إلا 216 موظفا و24 جهاز هاتف ولم يلج إلا 366 طفلا أبواب المدرسة في كل المنطقة. وواصل "أهل الساحل" حياة الرحل. ولقد استعملت سلطات الاستعمار الإسباني لحكمهم نفس البنى القبلية التقليدية(التي كانت ديمقراطية إلى حد بعيد) وسلطة الشيوخ..
النضال ضد الاستعمار
لقد تميزت الفترة التي تصل إلى حدود استقلال المغرب سنة 1956، كذلك بالنضال المشترك ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني. فلقد ناضل جيش التحرير في كل المنطقة التي تشكل الآن المغرب وبعض الأجزاء من الجزائر والصحراء الغربية وموريتانيا. وناضلت القبائل الصحراوية من اجل تحرير المغرب.
بعد نيل الاستقلال، عمل الإمبرياليون الفرنسيون على دعم ملكية محمدV المقامة حديثا من اجل الحفاظ على السيطرة على الثروات الطبيعية للبلاد. لكنهم في البداية حاولوا إخماد الثورات التي انفجرت سنة 1957 في شمال الريف وكذلك سحق بقايا جيش التحرير الذين رفضوا الالتحاق بالقوات المسلحة الملكية المشكلة حديثا، والذين تموقعوا أساسا في المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسبانية جنوب المغرب وفي الصحراء. وهنا ظهرت قوة هذه العصابات (Guerrillas) التي أجبرت الأسبان سنة 1957 على التراجع من عدة مواقع ساحلية وكذلك أجبرتهم على مغادرة السمارة.
لقد كانت هذه الحركة تهديدا حقيقيا لمسلسل منح الاستقلال بطريقة "متحكم فيها" الذي أزمعت عليه فرنسا فيما يخص المغرب، وهذا ينضاف إلى مشاكلها في الجزائر، وهي المنطقة التي تريد الحفاظ عليها بأي ثمن. وهكذا، من خلال عملية مشتركة فرنسية إسبانية شهر فبراير 1958 – أطلق عليها اسم ايكوفيون – وبمشاركة 14.000 جندي و130 طائرة حربية تمكنوا أخيرا بتعاون من طرف الجيش الملكي التابع لمحمدV، من سحق حركة المقاومة. وبمجرد ما تم سحق هذه البؤرة الأخيرة للمقاومة – أبريل 1958 – صارت إسبانيا مستعدة للقبول بدمج الجنوب المغربي بمنطقة نفوذ الرباط.
مع سنوات الستينات، بدأت الصحراء الإسبانية تشهد تحولا سوسيواقتصاديا عميقا، مكن من تغيير طبيعة الحركة الصحراوية. لقد تم اكتشاف وجود عروق للفوسفاط في المنطقة منذ 1942، لكن التنقيب الحقيقي عنها بهدف استغلالها لم يبدأ إلا مع سنة 1962. وقد قدر حجم الاحتياطي الذي تحتويه تلك العروق في هذه الفترة بـ 10.000 مليون طن، خاصة في بوكراع. خلال سنة 1975 وبعد أن استثمر المستعمرون الإسبان مبالغ هامة وصلت الإنتاجية إلى حوالي 2,6 مليون طن سنويا.
ولقد أدت هذه التغيرات الاقتصادية إلى تمدين سريع للمجتمع الصحراوي، إذ عملت أغلبية الساكنة على هجر حياة الترحال الصعبة واستقرت في المدن الرئيسية. فصار العديد منهم عمال أجراء في الوقت الذي تحول فيه آخرون إلى تجار. وأصبح بعض من الرعاة الرحل يمارسون الزراعة والاستقرار. ونجد انه خلال إحصاء 1974 كان 55% من الصحراويين المسجلين يعيشون في المدن الثلاثة الرئيسية (الداخلة، العيون والسمارة) من ما مجموعه 73.497 صحراوي مسجل. بالرغم من ذلك، يعتبر الإحصاء الإسباني لسنة 1974، (والذي سيعتمد فيما بعد قاعدة للاستفتاء الموعود)، قد "أهمل" عدد كبيرا من الصحراويين الذين كانوا مستقرين خارج الحدود الاصطناعية – التي أقامها الاستعمار – في الصحراء الإسبانية. فخلال هذه الفترة كان يوجد على الأقل 75.000 من "أهل الساحل" في جنوب المغرب الإسباني وشمال موريتانيا والجنوب الغربي للجزائر.
نشأة البوليزاريو
على أي، لقد أدى الانتقال من حياة الترحال إلى الاستقرار في المناطق الحضرية، إلى ظهور حركة قومية شابة مستندة على الطبقة الوسطى الجديدة، خاصة منها الطلبة الصحراويين الذين كانوا قد استفادوا من التعليم الجامعي في الخارج والذين تأثروا بالأفكار المعادية للاستعمار المنتشرة آنذاك وكذلك تأثروا بالستالينية.
على أي، لقد أدى الانتقال من حياة الترحال إلى الاستقرار في المناطق الحضرية، إلى ظهور حركة قومية شابة مستندة على الطبقة الوسطى الجديدة، خاصة منها الطلبة الصحراويين الذين كانوا قد استفادوا من التعليم الجامعي في الخارج والذين تأثروا بالأفكار المعادية للاستعمار المنتشرة آنذاك وكذلك تأثروا بالستالينية.
ولقد جاءت المحاولة الثانية لإعادة تنظيم الحركة المناهضة للاستعمار، مرة أخرى بمبادرة من الطلبة، المتواجدين أساسا بالمغرب وكذلك بموريتانيا. ولقد تشكلت خلية للطلبة الصحراويين المناضلين سنة 72-1971 بالرباط. وقد كانت متأثرة بشكل واضح بالأفكار الراديكالية التي كانت مهيمنة في تلك المرحلة بين صفوف الطلبة الجامعيين بالمغرب. فبعد مرور عقد من الزمن من بداية منح الاستقلال للبلدان الإفريقية، صار واضحا للعديد من الطلبة البرجوازيين الصغار بان الطريق الذي اختارته الحكومات الإفريقية الجديدة للسير فيه لم يكن ليحل أيا من المشاكل الحقيقية للجماهير. وبالرغم من كل الخطابات حول "الاشتراكية الإفريقية" و"الاشتراكية العربية"، فلقد تحولت تلك البلدان إلى أنظمة بونابارتية برجوازية، تقمع بهمجية أي معارضة تقوم بها الطبقة العاملة. وكانت الأجيال الجديدة تشعر بالانجذاب نحو الستالينية، وخصوصا في طبعتها الماوية، التي كان ينظر إليها باعتبارها بديلا أكثر جذرية. ولقد كانت الوضعية في المغرب أكثر سوءا، حيث كان النظام تحت السيطرة الحديدية للملكية.
في المغرب ظهرت إلى الوجود العديد من المنظمات الماوية في صفوف الطلبة وتحكموا في الحركة الطلابية التي لعبت دورا أساسيا في النضال العام ضد الملكية العلوية. ولقد كان بعض من مؤسسي البوليزاريو مناضلين في صفوف هذه التنظيمات. وهكذا، فبمجرد تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليزاريو) سنة 1973، كان الأمر يتعلق بمنظمة حرب عصابات (Guerrilla) ستالينية كلاسيكية تربط مهام تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني بخلق "جمهورية ديموقراطية عربية". في الواقع، كانت مهمة تحرير الصحراء بالنسبة إليهم جزء من "الثورة العربية" التي من المفترض أن تكون معادية للإمبريالية والصهيونية وكذلك للحكومات الإقطاعية والرجعية في البلدان العربية والتي سوف تؤدي إلى توحيد الوطن العربي. ولهذا السبب كان لمؤسسي البوليزاريو علاقات وطيدة مع ليبيا التي أمدتهم بالدعم. وكذلك سعوا إلى كسب دعم مختلف التنظيمات القومية في المغرب لكنهم لم يحققوا أي نجاح يذكر. كانت هذه هي المرة الأولى التي تتبنى فيها الحركة القومية في الصحراء مهمة خلق صحراء مستقلة، بدلا من النضال المشترك ضد الإمبريالية في المغرب وبدرجة اقل في الجزائر وموريتانيا. وفي هذه الفترة المحددة، لم يكن النضال من اجل الاندماج بالنظام الملكي المغربي يمتلك أي جاذبية. لكن وبالرغم من ذلك كان مؤسسو البوليزاريو يعتبرون في الأصل أن النضال من اجل صحراء مستقلة، هو خطوة أولى نحو بناء مغرب عربي موحد، وكانوا يعتبرون انه جزء من النضال من اجل الثورة في المنطقة.لكن، لو أنهم، بدل تبني نظرة قومية لنضالهم، عملوا على ربطه بالنضال العام الذي تقوده الطبقة العاملة، والفلاحون والطلبة المغاربة ضد الملكية الرجعية في المغرب، لكانوا قدموا إسهاما مهما للحركة الثورية في المغرب، التي تعتبر في آخر المطاف هي الضمانة الوحيدة لاحترام حقوقهم الوطنية.
المغرب الكبير
خلال هذه الفترة، كان كل من المغرب وموريتانيا يطالبون بضم الصحراء الغربية. وبمجرد ما نال المغرب استقلاله عن فرنسا سنة 1956، أعلن حزب الاستقلال أن مهمة تحرير البلد لم تنته بعد ولن تنتهي إلا بعد تحرير كل الأراضي التاريخية للإمبراطورية العلوية. وهذا يعني منطقة تضم الجزء الأكبر من الصحراء الجزائرية والشمال الغربي لمالي وموريتانيا وجزء من السنغال.في الواقع، إن الحدود الحالية التي تفصل الصحراء الغربية، موريتانيا، الجزائر ومالي، هي حدود مصطنعة تم فرضها من طرف الإمبريالية الفرنسية والإسبانية. ويمكننا من خلال النظر إلى الخريطة، أن نرى أنها عبارة عن خطوط مستقيمية لا تنضبط لأي مقياس قومي أو جغرافي، ما عدا الرغبة في تقسيم النفوذ بين مختلف القوى الاستعمارية. وهذا هو في الحقيقة الحال بالنسبة لأغلب الحدود في إفريقيا.
لكن البرجوازية المغربية الناشئة، والمتمثلة في حزب الاستقلال، لم تكن مهتمة بضم الأراضي إلى الوطن بقدر ما كانت تستعمل ذلك من اجل توحيد كل البلاد (بالرغم من المصالح الطبقية المتناقضة) حول مشروع قومي يمكنها من تحويل انتباه الجماهير عن مشاكلها الاجتماعية. إن الملك محمد الخامس، الذي كان لا يزال يعمل على تقوية حكمه، لم يكن قادرا على استغلال الغليان القومي فقام بتبني قضية المغرب الكبير وهكذا، لم يعمل المغرب على الاعتراف بموريتانيا عندما نالت استقلالها سنة 1960. ولم تكن فكرة الدمج الترابي مقبولة من طرف جميع أقسام الحركة القومية خلال هذه الفترة. إذ أن الجناح الأكثر جذرية ذو النزعة اليسارية، والممثل من طرف بن بركة، والذي انشق عن حزب الاستقلال، سنة 1959، من اجل تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رفض بشكل علني فكرة المغرب الكبير ودافع عن استقلال موريتانيا وعارض الحرب ضد الجزائر 1963. أما المنظمات العمالية الرئيسية آنذاك، نقابة العمال المغاربة (الاتحاد المغربي للشغل) والحزب الشيوعي فلقد تبنوا (بسبب السياسة الستالينية الإجرامية للثورة عبر مراحل)، نفس موقف حزب الاستقلال (وبشكل ابعد من الملكية). حتى أنهم انتقدوا الملك عندما اعترف سنة 1970 بموريتانيا. لم تكن مسألة الصحراء، خلال هذه المرحلة، تطرح كنقطة في الصراع ضد الاستعمار الإسباني من اجل ضمها إلى المغرب.
ولقد كان من الأسباب المهمة التي دفعت الطبقة السائدة في المغرب إلى رفع شعارات المغرب الكبير، هو خوفها من امتداد تأثير حركة التحرير الجزائرية (التي كانت تمتلك لغة أكثر يسارية بل و"اشتراكية") إلى المغرب وتؤدي إلى قلب الملكية. وهكذا دخل المغرب سنة 1963، سنة واحدة فقط بعد حصول الجزائر على استقلالها، في حرب معها أطلق عليها حرب شاطئ الرمال.
من جهة أخرى، أرادت موريتانيا أن تحول دون وقوع الصحراء الغربية في أيد مغربية، إذ أن هذا يعطي للنظام المغربي حدودا بطول 980 ميلا في الصحراء من الصعب حمايتها. بالإضافة إلى انه في الجزء الأكبر من الحدود بين موريتانيا والصحراء الغربية توجد خط السكة الحديدية الاستراتيجية التي تحمل معدن الحديد الذي يشكل 85% من صادراتها.
بالرغم من المطالبة المغربية بالصحراء الغربية، فإن الملكية العلوية لم تقم بأي حركة جدية طيلة أكثر من عقد من الزمان واكتفت باستعمال المواجهات الدائرة كورقة ضغط في المفاوضات. وكمثال واضح على هذا، قام المغرب بتشتيت قوات جبهة الصحراء التي كانت مدعومة من طرفه، عندما أراد أن يأخذ من إسبانيا مقاطعة افني الصغيرة. ومنذ هذه اللحظة أقام الملك الحسن الثاني علاقات جيدة مع دكتاتورية فرانكو في إسبانيا.
سنة 1974، كان النظام الإسباني يواجه مصاعب داخلية عويصة. فلقد انفتحت مرحلة ما قبل ثورية هناك. مع تحرك جماهيري للطبقة العاملة والتهديد بقلب الدكتاتورية الضعيفة. مما يفتح الطريق نحو حدوث تغيرات اشتراكية. ولقد كانت الطبقة السائدة الإسبانية مذعورة. إذ كانت تخشى انعكاسات حرب العصابات التي تواجهها في الصحراء على الأوضاع الداخلية في إسبانيا. خاصة وان مثال الثورة البرتغالية (التي حدثت في هذه السنة 1974)، والتي كانت في جزء منها مرتبطة بنتائج الحروب الاستعمارية المدمرة في أنغولا والموزمبيق، كان لا يزال حاضرا في ذهنها عندما قررت الإعلان عن استفتاء لتقرير المصير لسنة 1975.
منذ بداية سنوات الستينات، عملت إسبانيا على إتباع استراتيجيتين مختلفتين في الصحراء الغربية. فمن جهة، كان قسم من حكومة فرانكو ممثلا في غريرو بلانكو Garrero Blanco، يريد الحفاظ على تواجد استعماري مباشر مطلق، وكان مؤمنا بولاء الساكنة المحلية لإسبانيا بفضل التحديث الذي أدخلته إلى المنطقة. وهكذا عملوا على تشكيل حزب سياسي صحراوي معتدل: حزب الوحدة الوطنية الصحراوي. بينما أراد قسم آخر من النظام، وهو الذي كان الأقوى داخل الجيش أن يطبق مسلسلا لإزالة الاستعمار متحكما فيه عبر قوة موالية لإسبانيا، يمكنها حماية الثروات الطبيعية في المنطقة، وخاصة مناجم الفوسفاط ومياه الصيد الغنية. ولقد التقت كل من هاتين الاستراتيجيتين حول ضرورة خلق هوية صحراوية مستقلة من اجل تخطي الحركة الموالية للمغرب.
الأزمة الثورية المغربية
إلا أن هذا لم يلقى قبولا لدى النظام المغربي. لقد كانت الملكية تمر من سلسة من الأزمات الخطيرة بسبب التحركات الجماهيرية والإضرابات الكثيفة وعانت من محاولتين انقلابيتين 1971 و1972. أن موجة النضالات الجماهيرية في المغرب ابتدأت سنة 1965. إذ أن قمع المظاهرات الطلابية يوم 22 مارس فجر التمرد في الدار البيضاء خلال اليوم الموالي. لتنتشر مداه إلى المدن الرئيسية في البلاد. ولم يتم إخماد هذه الحركة إلا بعد قتل مئات الأشخاص من طرف الجيش، واعتقال أزيد من 3000. وتم حل البرلمان وأعلنت حالة الطوارئ. لم يتمكن القمع من القضاء على الحركة الجماهيرية، التي لعب الطلبة فيها دورا أساسيا. لكنها على العكس عرفت تصاعد الإضرابات النضالية أكثر فأكثر. خلال سنة 1968 قام 7000 عامل في مناجم خريبكة بإضراب بطولي. وفي صيف 1970/1971 انفجرت تمردات فلاحية في الغرب وسوس والحوز ومناطق أخرى. واعترفت القيادة النقابية، سنة 1971، بكونها فقدت السيطرة على الوضعية، وبكونها غير قادرة على التحكم في موجة الإضرابات، التي يشارك فيها عمال مناجم خريبكة وعمال النسيج في كل مناطق البلاد... الخ. وخلال شهر مارس من سنة 1973 شهدت خنيفرة (الأطلس المتوسط) وكولميمة (الأطلس الكبير) بداية تمردات مسلحة. وبتزامن مع كل هذا، تعرضت الملكية إلى محاولتين انقلابيتين 1971 و1972.
لقد أدى تظافر سلسلة كاملة من العوامل إلى خلق وضعية جد متفجرة. فبعد مرور عقد على الاستقلال، أصبحت البلاد خاضعة لحكم ملكي فردي، ولم يتم تلبية أي من المطالب الاجتماعية الملحة للجماهير. ولقد زادت الأزمة الخانقة والسياسة الاقتصادية للنظام (والتي كانت تهدف إلى تحويل مكثف للثروات من أيدي العمال والفلاحين إلى يد الملك) من مفاقمة الأوضاع. ولقد كانت هناك بالنسبة للشباب عوامل أخرى مؤثرة : أثارت هزيمة الفلسطينيين في حرب 1967 انتقادا قويا للأنظمة العربية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، بالإضافة إلى الانشقاقات داخل الحركة الوطنية الفلسطينية التي أدت إلى ظهور الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، المتأثرتين بالأفكار الماوية والثورة الثقافية. ثم الموجة العالمية للتجذر الطلابي بعد الإضراب العام في فرنسا سنة 1968. كل هذه العوامل كان لها انعكاس على الفكر السياسي لدى المغاربة. خلال سنة 1970، تعرض كل من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (أ، و، ق، ش) وحزب التحرر والاشتراكية (الاسم الجديد للحزب الشيوعي) لانشقاقات يسارية كبيرة بين صفوف الشباب الذين تحولوا إلى الماوية وعملوا على تشكيل "إلى الأمام" و"حركة 23 مارس". بل حتى (أ، و، ق، ش) نفسه كان متأثرا بالأفكار الراديكالية الماوية.
وهنا احتاج الحسن إلى استعمال ورقة الوطنية بشكل استعجالي من اجل تحويل انتباه الجماهير، وفي نفس الوقت ضمان سيطرة المغرب على ثروات الصحراء الغربية. في الواقع، لقد عملت كل الأحزاب والمنظمات المغربية من اليمين إلى اليسار، على تبني موقف النظام الرسمي حول مسألة "الوحدة الوطنية المغربية". بما في ذلك حزب (أ، و، ق، ش) والحزب الشيوعي الذي بتبنيه لنظرية "المرحلتين" اختار الانبطاح، وإتباع سياسة الملك في جميع المسائل، حتى درجة تغييره لاسمه مرتين تحت ضغط القصر.
إن المنظمة الوحيدة التي رفضت الالتحاق بتيار الشوفينية الوطنية كانت هي منظمة إلى الأمام الماوية، التي دافعت عن حق الصحراويين في تقرير مصيرهم. وهذا جد مهم لأنها كانت تمتلك الأغلبية بين صفوف المنظمة الطلابية القوية (اوطم) ونقاط ارتكاز ثابتة داخل الحركة النقابية. أما الجناح الآخر للحركة الماوية، حركة 23 مارس فلقد تبنت الموقف المعاكس وبررت تحركات المغرب في الصحراء من وجهة نظر الثورة الوطنية. ولقد كان أبراهام السرفاتي (وهو مهندس منجمي طرد بسبب مساندته لإضراب عمال المناجم) واحدا من أهم قادة حركة إلى الأمام. اعتقل سنة 1974 وحوكم سنة 1977 بتهمة الخيانة العظمى. ثم نفي سنة 1991 من البلاد وأسقطت عنه الجنسية المغربية. ليتم في النهاية إعادته إلى الوطن، خلال السنوات الأخيرة، ليقلد من طرف الملك منصبا رسميا للإشراف على أنشطة التنقيب عن البترول في البلد. وتحولت منظمة 23 مارس في النهاية إلى حزب شرعي تحت اسم منظمة العمل الديموقراطي الشعبي، يشارك اليوم في مهزلة الشرعية التي يمثلها النظام البرلماني المغربي. لقد أدى نجاح استراتيجية الملك الرامية إلى توحيد كل البلد خلف الملكية، إلى سحق المنظمات الثورية آنذاك.
أزمة الصحراء الغربية والمسيرة الخضراء
من اجل مضاعفة الضغط على إسبانيا، بدأ الحسن يكرر مطالبه حول الثغور الإسبانية في سبتة ومليلية، وبدأ يضايق مراكب الصيد الإسبانية، كما عمل على خلق فرقة صحراوية من الغوار Guerrilla موالية للمغرب، تدعى جبهة التحرير والوحدة، التي بدأت تشن الهجمات عبر الحدود ابتداء من 1975. بالإضافة إلى قيامه بتوقيع معاهدة سرية مع موريتانيا، تنص على اقتسام الصحراء الغربية بين البلدين. ولم يتمكن النظام الإسباني (المتضعضع بسبب موجة ثورية اجتاحت إسبانيا) من مقاومة الضغوطات المغربية ولم يكن يمتلك أي سياسة واضحة. فلقد وصل إلى الاقتناع بان الاستفتاء الموعود من طرف الأمم المتحدة، لن يتحقق، إذ أن النظام المغربي كان جاهزا لاجتياح البلد في الوقت الذي كانت فيه إسبانيا عاجزة عن الدفاع المسلح عن إنجاز هذا الاستفتاء.
وفي هذه الظروف انهار حزب الوحدة الوطنية الصحراوي ومعه انهارت استراتيجية إسبانيا في تطبيق حل متحكم فيه.
خلال هذه الفترة بدأت إسبانيا تحاول إيصال البوليزاريو إلى السلطة، وهدفها الرئيسي من وراء ذلك كان هو الحفاظ على نوع من النفوذ على الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية بعد الاستقلال. فبدأت إسبانيا والبوليزاريو عملية تبادل الأسرى، وشرعوا في إجراء مفاوضات حول نقل السلطة.
وفي النهاية، وصل المشكل (شهر يوليوز 1975) إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، فأعلنت هذه الأخيرة أن المزاعم المغربية حول الصحراء الغربية لا أساس لها. وكرد مباشر أعلن الحسن تنظيم المسيرة الخضراء، بمشاركة 350.000 شخص من اجل المطالبة "بالوحدة الترابية" للمغرب.
كما يحدث دائما، لم يكن لقرارات الأمم المتحدة أية قوة فعلية. إذ لم تكن مستعدة للدفاع عنها بالقوة. ولقد أتى التحدي المغربي في الوقت الذي كان فيه النظام الفرانكاوي يعيش أسوء لحظاته. فالحركة الجماهيرية في إسبانيا كانت تصير أقوى فأقوى، ومن ثم دخل مرض الجنرال فرانكو يوم 17 أكتوبر مرحلة النهائية ليموت يوم 20 نوفمبر.
لم يكن للنظام الإسباني عدة اختيارات، إذ خياره الوحيد كان هو الدخول في حرب مع المغرب، لكنه تحت ضغط فرنسا والولايات المتحدة، وقع مع الحسن اتفاقا سريا يعمل المغرب بموجبه على التخلي عن سبتة ومليلية مقابل الصحراء الغربية، وضمان المصالح الإسبانية في الصيد في السواحل المغربية والصحراوية، مع احتفاظها بـ 35% من الفوسفاط المستغل والحصول على فوائد مقابل 65% الباقية. لقد كانت المسيرة الخضراء في الواقع مجرد تمرين محدود توصل بعده النظام الإسباني إلى اتفاق يمكنه من تلافي وقوع مواجهة جديدة.
الانسحاب الإسباني
عملت إسبانيا على سحب قواتها ليقوم كل من المغرب وموريتانيا على وضع قواتهما هناك. لقد كان استعمار المغرب للجزء الذي حصل عليه من الصحراء جد وحشي كما كان عليه الشأن عندما سحق تمرد الريف سنة 1957. لقد انتهى المغرب إلى الحصول على حصة الأسد، مستوليا على عروق الفوسفاط الغنية في بوكراع وعلى المدينتين الرئيسيتين: السمارة والعيون. بينما حصلت موريتانيا على منطقة صحراوية قاحلة تضم المدينة الرئيسية الثالثة: الداخلة. وخلال المرحلة الانتقالية، قبيل وصول القوات المغربية والموريتانية، استولى البوليزاريو على عدة مواقع صغيرة وكان قادرا على الاحتفاظ بها طيلة شهور. لكن في النهاية، اضطر إلى الذهاب إلى المنفى الجزائري، بمخيم اللاجئين في تندوف.
في مواجهة التوسع المغربي، الذي رأت فيه تهديدا لأراضيها، دعمت الجزائر بحماس قوات البوليزاريو منذ البداية. وقد كان هذا نتيجة أيضا للحرب البادرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وهذا ما صرح به سكرتير الدولة هنري كيسنجر، بوضوح عندما قال « إن الولايات المتحدة لن تسمح بانغولا أخرى على الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي.» كما كتب سفير الولايات المتحدة بالمغرب آنذاك، في مذكراته، كان هذا هو موقف الولايات المتحدة، ولم تعمل الأمم المتحدة أي شيء لإعاقة انتصار المغرب في الصحراء الغربية، وهي المهمة « التي قلبت الصفحة بانتصار لم يكن بدون معنى ».
لقد كان النظام المغربي الحليف الأكثر ولاء وأهمية للإمبريالية الغربية في المنطقة، في الوقت الذي كان فيه النظام الجزائري اليساري يتلقى الدعم من الاتحاد السوفياتي. لكنه بالرغم من ذلك كان عليه أن يتحمل مسألة أن السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي، كانت دائما مدفوعة بمصلحة الدفاع عن المصالح المباشرة للبيروقراطية الستالينية وليس بمصالح الثورة العالمية. فهؤلاء لم يكونوا يريدون أي اصطدام مباشر مع مصالح الإمبريالية الأمريكية. وكلما وصل نظام ستاليني إلى السلطة في أحد البلدان، فإن الاتحاد السوفيتي لا يعمل على الاعتراف به إلا بعد أن يصير أمرا واقعا. في الواقع لم يقم لا الاتحاد السوفياتي ولا أي من دول المعسكر الشرقي، بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية المعلنة من طرف البوليزاريو سنة 1976 بعد خروج القوات الإسبانية.
ولقد كان لجوء قوات البوليزاريو ومعها 50.000 صحراوي إلى المنفى يعني بداية حرب طويلة. وكانت المرحلة الأولى للحرب موجهة بالأساس ضد موريتانيا. فجيشها الصغير كان مشتتا بشكل كبير ومطالبا بالدفاع عن رقعة أرضية شاسعة تقدر بـ 400.000 كلمتر مربع. وصلت هجومات البوليزاريو إلى داخل موريتانيا، بل وصلت مرتين إلى العاصمة – نواكشوط – وعطلت مناجم الحديد التي يتوقف عليها الاقتصاد الموريتاني.
ولقد سارعت الإمبريالية الفرنسية إلى مساعدة النظام الموريتاني، وكذلك المغرب قام بإرسال 9.000 جندي للدفاع عن البلاد. ولقد أدت الحرب إلى أزمة اقتصادية عميقة في البلد، والتي تفاقمت بسبب انهيار أسعار الحديد في الأسواق العالمية وارتفاع أسعار البترول. بالإضافة إلى أن هذه الحرب كانت فاقدة لأي دعم من طرف المسلمين الموريتانيين الذين يشكلون أغلبية الشعب، والذين يعتبرونها حربا بين الإخوة. وفي النهاية، حدث انقلاب عسكري، شهر يوليوز 1978، أنضاف إلى حركة الجماهير في الشوارع، فاسقط النظام الموريتاني. وقد وقعت اللجنة العسكرية من اجل إعادة التأسيس الوطني معاهدة للسلام مع البوليزاريو تنازلت بموجبها عن جزء موريتانيا في الصحراء الغربية. ولدينا هنا مثالا واضحا عن كيف أن الانتصار المهم الوحيد الذي حققته البوليزاريو في هذه الحرب لم يأتي عبر الوسائل العسكرية، بل عبر حدوث مسلسل ثوري في موريتانيا لكن رغم ذلك، فبمجرد مغادرة موريتانيا للجزء التابع لها من الصحراء الغربية، قامت القوات المغربية بسرعة بملء مكانها.
ولقد استمرت الحرب طيلة عدة سنوات، دون أن يتمكن أي من الجانبين من تحقيق تفوق حاسم. بدأ الجيش المغربي، سنة 1980، ببناء جدار دفاعي في الصحراء من اجل منع البوليزاريو عن القيام بغارات في الصحراء الغربية وخاصة في الشمال، حيث تتواجد عروق الفوسفاط ببوكراع. يبلغ طول هذا الجدار 2700 كلم، ويحمي الجزء الأكبر من حدود الصحراء الغربية.
القوى العظمى
طيلة الفترة الزمنية التي استغرقتها الحرب، ظلت الولايات المتحدة تدعم المغرب، لكن وفي نفس الوقت حاولت دائما الحفاظ على علاقات مفتوحة مع الجزائر. بعد السنوات الأولى للغليان الثوري والتي لم يكن واضحا خلالها ما إذا كان النظام الجزائري سيصل إلى إلغاء كلي للرأسمالية وسيتحول إلى نظام بونابارتي بروليتاري. سارع النظام إلى دعم الرأسمالية ومن تم قام بعدة مفاوضات مربحة. وهذا هو السبب الذي جعل أغلبية البلدان المعنية بهذا الصراع، تسعى من جهة إلى دعم وتسليح المغرب في هذه المواجهة (فقبل كل شيء كان المغرب الحليف الرئيسي لها) ومن جهة أخرى إلى نهج سياسة الأبواب المفتوحة اتجاه الجزائر (من اجل القيام بمفاوضات). لكن في النهاية، وخلال كل الفترات الحاسمة، كانت تقف بجانب المغرب. وهكذا، قام الحزب الاشتراكي الفرنسي بالاعتراف بالبوليزاريو في الوقت الذي استمر فيه، عندما كان في الحكومة في بداية الثمانينيات، يمد النظام المغربي بالأسلحة. ونفس الشيء حدث بالنسبة لإسبانيا حيث اعترف الحزب اليميني الحاكم (UCD) بالبوليزاريو سنة 1979، كما كان شأن الحزب الاشتراكي، لكن حكومات كل الحزبين حافظوا على علاقات جيدة مع نظام السفاح الحسن الثاني، الذي كان بالنسبة إليهم أكثر أهمية.
لقد كانت الملكية المغربية دائما، احد الحلفاء الرئيسين للإمبريالية الأمريكية في العالم العربي، كما أن المغرب يحتل موقعا استراتيجيا مهما جدا كبوابة على البحر الأبيض المتوسط. وقد كان للولايات المتحدة الأمريكية في المغرب قواعد عسكرية إلى حدود 1963، ثم حصلت على تسهيلات فيما يتعلق بالاتصالات للجيش الأمريكي. سنة 1982 وقّع المغرب اتفاقا يسهل مرور قوات التدخل السريع الأمريكية من خلال تقديم القواعد العسكرية المغربية، التي استعملت طيلة حرب الخليج سنة 1991. كما قدمت الملكية العلوية خدمات كبيرة للإمبريالية الأمريكية والفرنسية في إفريقيا من خلال تدخلاتها المتتابعة في الزايير وحملت على كاهلها الدعاية للمخططات الإمبريالية حول الاتفاق بين البلدان العربية وإسرائيل داخل العالم العربي.. الخ.
أما الاتحاد السوفياتي، فبالرغم من امتلاكه علاقات وثيقة مع النظام الجزائري، فإنه وقع اتفاقيات عديدة مع المغرب، مكنته بالإضافة إلى عدة أشياء أخرى من الحصول على الفوسفاط المغربي. لقد لعبت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والإمبريالية الأمريكية دورا في هذا الصراع، خاصة خلال السنوات الأولى للحرب، لكن كمكمل للصراع الجزائري المغربي للهيمنة على المنطقة المغاربية.
ليبيا
لقد قام نظام معمر القدافي بليبيا بمساندة البوليزاريو منذ بدايات الحرب. استمرارا لمحاولته مد نطاق "الثورة العربية". لكن سرعان ما قررت ليبيا، خلال سنة 1984، أن الثورة ليست بالضرورة الشكل الأكثر فاعلية لإنجاز طبعتها الخاصة للوحدة العربية، فتخلى عن مساندة البوليزاريو، ووقّع "معاهدة وحدة" مع المغرب. ولقد كان هذا المحور موجها بالخصوص ضد الجزائر. فلقد تعرضت ليبيا لفيتو جزائري ضد دخولها في المعاهدة المغاربية "للسلام والتوافق"، التي تم توقيعها سنة 1983 بين الجزائر وتونس وموريتانيا. كما أن ليبيا كان لها أيضا أطماع ترابية في رقعة على الحدود الصحراوية مع الجزائر.
ولقد أراد القدافي، من خلال اتفاقيته مع المغرب، أن يحول دون إرسال الملك الحسن قواته لمساندة النظام التشادي في حربه ضد ليبيا التي تدعم المتمردين. من خلال قصة تخلي ليبيا عن البوليزاريو وأسباب تحالفها مع المغرب، يمكننا أن نستخلص خلاصتين أساسيتين، من جهة إن وجود الحدود الاصطناعية التي خلفها الاستعمار (خاصة الاستعمار الفرنسي) لا يمكن القضاء عليها من طرف أي من الأنظمة العربية السائدة في المنطقة، بما فيها الأكثر وطنية، بالرغم من كونها جميعا تدعي إخلاصها لمبدأ الوحدة المغاربية. إن هاته الوحدة هي مهمة ديموقراطية لا يمكنها أن تحل إلا باعتبارها جزء من النضال من اجل الاشتراكية. ومن جهة ثانية إن نضال الشعب الصحراوي، ليس بالنسبة لمختلف الأنظمة المغاربية إلا عملة صغيرة للتبادل تستعملها في علاقاتها البينية، بما في ذلك النظام الجزائري.
العلاقات الجزائرية المغربية
يوجد هناك في المغرب والجزائر دائما شعور قوي بأن الشعبين قد تعرضا لتقسيم تعسفي من طرف الإمبريالية الفرنسية والإسبانية. ولقد كانت إحدى أولى المنظمات الوطنية في الجزائر تسمى "نجمة شمال إفريقيا". وعندما قررت فرنسا أخيرا إعطاء الاستقلال لمحميتيها المغربية والتونسية أواسط الخمسينيات، عملت جبهة التحرير الوطني الجزائرية على وضع قواعد لها في كلا البلدين. وقد قدم العديد من المغاربة والتونسيون حياتهم وهم يناضلون جنبا إلى جنب مع إخوانهم وأخواتهم الجزائريين. إن الأغلبية الساحقة من القادة الوطنيين لهذا الجيل الأول تبنوا بشكل واضح موقف بناء مغرب موحد ومستقل.
بعد أن حصلت الجزائر على استقلالها، ساد الشعور بان المسلسل الثوري لا يجب أن يتوقف إلا عندما يتم القضاء على الملكية الشبه إقطاعية المغربية، العميلة للإمبريالية. ولقد فسر هذا الموقف الرئيس الجزائري هواري بومدين قائلا: « في الواقع، يعتقد إخواننا المغاربة، إنهم قد ساعدونا في تحقيق استقلالنا عن فرنسا، والآن يتوجب علينا أن نساعدهم في التحرر من الملكية الإقطاعية التي باعتهم للغرب » وهكذا، أحست الملكية المغربية بكونها مهددة بشكل مباشر من طرف الأفكار الثورية آلاتية من الجزائر (الإصلاح الزراعي، اللغة المعادية للإمبريالية، توسيع رقعة تأميم الاقتصاد، الاشتراكية العربية.. الخ.) وسنة 1963 أعلن الملك حربا قصيرة على الجزائر. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن أحزاب اليمين المغربية، وخاصة حزب الاستقلال، دعموا القصر وأعادوا ترديد مواقفهم حول المغرب الكبير، بينما عارض يسار حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هذه الحرب. ولقد أدان بن بركة قائد (أ، و، ق، ش) من منفاه في الجزائر « الاعتداء على الثورة الجزائرية من طرف الملكية الفيودالية. » فتم اعتقال قيادة (أ، و، ق، ش) واختطاف بن بركة واغتياله، سنتين من بعد، في باريس من طرف عملاء مغاربة بتعاون مع الأجهزة السرية الفرنسية. ولقد كانت الملكية المغربية تخشى من احتمال نشوء حركة وطنية يسارية داخل الجيش تسير على نموذج الثورة الجزائرية بتحالف مع (أ، و، ق، ش). وهذا الخوف لم يكن بدون أساس، على اعتبار أن محاولة الانقلاب سنة 1971 كان هدفها إرساء "الجمهورية الشعبية المغربية".
ومع مرور السنوات، فقدت المواجهة بين المغرب والجزائر طابعها كمواجهة بين نموذجين إيديولوجيين مختلفين، فالغليان الثوري للنظام الجزائري صار يخبو شيئا فشيئا، ابتداء من 1965 مع الانقلاب ضد بن بلا وخاصة بعد موت بومدين الذي تزامن مع ركود الاقتصاد الجزائري. وهكذا لم تعد الثورة الجزائرية تشكل تهديدا جديا للملكية المغربية. ولقد صارت حرب المغرب ضد البوليزاريو مكلفة وصعبة خلال الفترة التي دعمت فيها الجزائر الصحراويين. فقد اضطر الملك الحسن إلى الاحتفاظ بجيش كبير يفوق 140.000 شخص في الصحراء من اجل ردع العشرة آلاف شخص مسلحين من البوليزاريو. فتحول تمويل هذه الحرب إلى ثقل غير محتمل على الاقتصاد المغربي. حسب بعض الإحصائيات كانت التكلفة تعادل مليونا من الدولارات يوميا.
خلال سنوات الثمانينات، تعرض كلا النظامين الجزائري والمغربي لانتفاضات جماهيرية للفقراء ضد ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وانعدام الشغل.. الخ. وقد كانت هذه الانتفاضات أكثر عنفا في المغرب سنة 1981وأخرى سنة 1984. كل هذه العوامل أدت إلى حدوث تقارب بين البلدين. وانعقدت أول قمة دبلوماسية بين البلدين، منذ بداية الحرب، سنة 1983 ومرة أخرى سنة 1987. وسنة 1988 عمل البلدان على إعادة العلاقات الدبلوماسية العادية، ليعمل كل من الجزائر والمغرب سنة 1989 مع ليبيا وموريتانيا وتونس على تأسيس اتحاد المغرب العربي. وقد أدى اندلاع الحرب الأهلية في الجزائر سنة 1992، بعد حصول أصوليي جبهة الإنقاذ الإسلامية (ج، إ، إ) على الأغلبية في الانتخابات البلدية، إلى المزيد من إضعاف رغبة الجنرالات الجزائريين في دعم البوليزاريو.
وقد كان لهذا، بوضوح، ضغط كبير على البوليزاريو. فبعد عشرين سنة من الحرب في الصحراء توصلوا إلى فهم أنهم ولو استطاعوا احتمال ضغط قوي من طرف الجيش المغربي، فإنهم لن يتمكنوا من ربح الحرب. وإذا ما سحبت الجزائر دعمها لهم، فآنذاك سيكون مصيرهم قد حسم. إن استراتيجية البوليزاريو في الاعتماد على مختلف الأنظمة في المنطقة (ليبيا، الجزائر) وعلى حرب العصابات، لم تحقق أيا من أهدافها. وبالإضافة إلى هذا، فمنذ انهيار الستالينية، بدأ البوليزاريو يتخلى تدريجيا عن أي إشارة إلى الاشتراكية أو الثورة، وكل يوم يتورط في بذل المجهودات الدبلوماسية من اجل ضمان نتيجة إيجابية لنضاله.
سنة 1986 شرع في إجراء مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، ليصل كلا الطرفين سنة 1998 إلى اتفاق على خطة سلام. وظهر كما لو أنه لا وجود لأي عراقيل أمام اتفاق متفاوض عليه. لكن تضافر عاملين رئيسيين أدى إلى منع حدوث مثل هذا الاتفاق. فمن جهة جميع البلدان والقوى الإمبريالية المعنية بهذا الصراع، تريد ضمان سيطرتها على ثروات احتياط الفوسفاط في الصحراء الغربية وسواحل الصيد. ومن جهة أخرى كون الملكية المغربية قد تأسست على استغلال المشاعر القومية لدى الجماهير، ومن ثم فإن إعطاء تنازلات في مسألة الصحراء اليوم سيزعزع أسس النظام بمجمله ويمكن أن يؤدي إلى قلبه.
الاستفتاء؟
سنة 1991 تم توقيع اتفاق يتضمن التراجع التدريجي للقوات المغربية ومرابطة ما تبقى منها في ثكناتها، العودة التدريجية للاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف وإرسال قوات للمراقبة تابعة للأمم المتحدة (المينورسو) وأخيرا إجراء استفتاء حول تقرير المصير سنة 1992. عشرة سنوات من بعد هذا الاتفاق، والاستفتاء لم ينظم بعد، وحتى الأمم المتحدة تصرح اليوم بكونه لن يتم تنظيمه. فما الذي حدث؟.
لقد تأسست استراتيجية البوليزاريو مرة أخرى طيلة هذا المسلسل على الدبلوماسية. فلقد أراد فصل الولايات المتحدة عن فرنسا والتوصل إلى أي نوع من الاستقلال مقابل تمكين الولايات المتحدة من استغلال الثروات الطبيعية. في الواقع أن إفلاس البوليزاريو وصل إلى حد أنهم ينوون منح الولايات المتحدة كل هذا! إن الشيء الذي يمكن الملكية المغربية من ضمان سيطرتها كان بالضبط هو منحها الصحراء الغربية للولايات المتحدة! إنهم صاروا على استعداد للقبول بالسيطرة الديكتاتورية للنظام المغربي على ملايين إخوتهم وأخواتهم من اجل الحصول على استقلال شكلي لكي يصيروا عملاء محليين للإمبريالية الأمريكية. إن هذا الموقف مشابه لما قام به مؤخرا حزب العمال الكردستاني في علاقته مع تركيا. لكن هذه الحالة في الواقع هي نتاج للنظرة القومية البرجوازية الصغيرة التي تبناها البوليزاريو منذ نشأته سنة 1973.
بالإضافة إلى عرضهم هذا المقدم للإمبريالية الأمريكية، وقف قادة البوليزاريو موقف جد معتدل وملتزم أمام الطبقة السائدة الإسبانية، موقعين على اتفاق تفضيلي معها حول الثروات المعدنية ومياه الصيد. لكن ولسوء حظهم، فإن المغرب في المشروع العام للإمبريالية، أكثر أهمية من أي تنازل يقدم لهم بخصوص الصحراء.
لقد كان العائق الرئيسي أمام مسألة الاستفتاء هو إحصاء الساكنة التي تمتلك الحق في التصويت. فالذين يملكون الحق في التصويت حسب اتفاق السلام، هم هؤلاء الذين يستطيعون إعطاء الدليل عن كونهم مسجلين في الإحصاء الإسباني لسنة 1974 أو الذين ينحدرون منهم. ولقد فهم المغرب أنه إذا ظل هذا هو المقياس الوحيد المعتمد، فإن الاستفتاء سوف يعرف تصويتا مكثفا لصالح الاستقلال وهكذا بدأ سلسلة من المناورات بهدف وقف المسلسل. وقبل كل شيء جادل بان السجلات التي تعود لسنة 1974 لا تشكل قاعدة صالحة لأن 45% من الصحراويين لم يسجلوا فيها خلال إحصاء تلك السنة، لأنهم كانوا خارج حدود الصحراء الإسبانية. ولقد تم دمج أغلبية هؤلاء داخل المغرب ومن المحتمل أنهم في الغالب سوف يصوتون ضد الاستقلال. من الواضح أن المغرب ومن خلال اعتراضه هذا لم يكن مدفوعا باهتمامه بالديموقراطية، لكن كمناورة لضمان أن يصل الاستفتاء إلى نتيجة لصالحه.
طيلة مسلسل تحديد الهوية، كان موقف الأمم المتحدة والولايات المتحدة لصالح المغرب بشكل واضح. وسنة 1995، استقال المبعوث الأمريكي للمينورسو جاك رودي Jack Rudy احتجاجا على الموقف المفضوح الموالي للمغرب خلال كل عملية المينورسو. ومباشرة بعد تقلده منصب الأمين العام للأمم المتحدة عمل بيريز ديكويار، بشكل مفاجئ على توسيع المعيار لكي يصير شاملا في الإحصاء الانتخابي. والآن صار جميع أعضاء الثمانية والثمانين عشيرة المكونة للعشرة قبائل المسجلة في الإحصاء الإسباني لسنة 1974 مشمولين رغم كونهم غير مسجلين مباشرة في المركز. والمشكل الثاني كان هو كيفية تحديد هوية من لهم الحق في التصويت. ولقد أصر البوليزاريو على الوثائق الصالحة هي فقط تلك الوثائق الأصلية التي أصدرتها السلطات الاستعمارية الإسبانية، وفقط في الحالة الاستثنائية تقبل الشهادة الشفوية لشيوخ الثمانية والثمانين عشيرة. بينما أصر المغرب على أن حتى الوثائق المكتوبة والمقدمة من طرف المغرب تعتبر هي أيضا صالحة.
ولم تكن مواقف الطرفين كلاهما مدفوعة بالمبادئ الديموقراطية من أي نوع، بل فقط بالرغبة في الحصول على إحصاء انتخابي يخدم مصلحة كل واحد منهما. وهناك مسألة حقوق المائة ألف مغربي الذين استوطنوا الصحراء الغربية طيلة السنوات الخمسة والعشرين الأخيرة والتي لا يمكن أن تحل فقط بالقول بأنهم يستخدمون كأدوات سياسية من طرف المغرب. هذا صحيح، لكن هل سيكون من الديموقراطية إنكار حقوقهم، كما حصل مؤخرا خلال استقلال جمهورية البلطيق، التي تم حرمان الساكنة ذات الأصول الروسية من حقوقهم السياسية؟
المهزلة والتأخر
تحول مسلسل تحديد هوية الناخبين إلى مهزلة، حيث يقدم كل من الطرفين شيوخا ويطعن في آخرين. وأخيرا، قام كلا الطرفين سنة 1997 بالتوقيع على اتفاق هيوستن الذي كان يعني تسريع مسلسل تحديد الهوية وتليين المواقف فيما يتعلق بنقاط الخلاف. وتم تعيين جيمس بيكر، السكرتير السابق في الحكومة الأمريكية مبعوثا خاصا للأمم المتحدة للصحراء الغربية. ولقد كان تعيين شخص بهذا الوزن في الدبلوماسية الأمريكية، إشارة إلى كون واشنطون تريد اتفاقا. فالولايات المتحدة لها مصالح في الجزائر، وتريد الوصول بشكل أو بآخر إلى الثروات الطبيعية في الصحراء وعموما هي مهتمة بالاستقرار في المنطقة. لكن حدوث هذا غير ممكن إلا شريطة أن لا يؤثر جوهريا على حليفها الرئيسي والأكثر أهمية، أي المغرب، إن قادة البوليزاريو في الواقع، يعتقدون في "حسن نية" الممثلين الأمريكيين. فرئيس المنظمة محمد عبد العزيز صرح سنة 1997 أن « بيكر رجل كفئ وشجاع » و« قد صرح بوضوح طيلة لقاءه مع بوش أن الولايات المتحدة تحترم القانون الدولي وتدافع عنه». من حرب العصابات إلى دبلوماسية "العالم الجديد" كل هذا خلال 23 سنة فقط!
سنة 2000 تمكنت المينورسو من تحديد هوية 86.380 ناخب من مجموعة 147.249 طلب. ومن هؤلاء 40.000 تابعون لمخيمات البوليزاريو اللاجئين في الجزائر وموريتانيا، والباقي هم صحراويون يعيشون في الصحراء الغربية والذين من المحتمل أن يصوتوا لصالح الاستقلال. فتبين للنظام المغربي بوضوح أنه سيخسر إذا ما تم الاستفتاء على أساس هذا الإحصاء. ومن تم عمل على استئناف حكم إقصاء 79.000 ناخب مقصي وأكثر من 65.000 منهم أعضاء في القبائل القاطنة في المغرب (لم يقبل إلا 2000 منهم كناخبين). ليبلغ العدد 130.000 طلب في مسلسل سيدوم، في أحسن الأحوال، ثلاث سنوات. لقد صار مخطط الاستفتاء، بوضوح، مجرد خرقة بالية.
خلال شهر فبراير 2001، أعلن البوليزاريو الذي أحس بالضجر من كل هذا المسلسل، بان رالي باريس دكار سيتعرض للاعتداء من لدنه إذا ما عبر الصحراء الغربية بدون ترخيص منه. وتصريحه هذا يعكس الإحباط الكبير الذي يعيشه الصحراويون في مخيمات اللاجئين، بعد عشرة سنوات من انتظار الاستفتاء الموعود. لكن وفي النهاية، عندما أعلن المقاتلون موقفهم بكونهم مستعدين للعودة إلى الحرب، جاء الضغط الجزائري ليجبر قيادات البوليزاريو على التراجع وتأجيل المواجهة ولقد عكست هذه الحادثة بشكل جيد الوضعية التي يوجد عليها قيادة البوليزاريو بعد 20 سنة من حرب العصابات. فهم رهائن عند مضيفهم الجزائري، هذا النظام الذي لديه ما يكفيه من المشاكل الداخلية الخاصة والذي ليس لديه أية نية للتورط أكثر في هذه المرحلة من الحرب ضد جاره الغربي. لينضاف إلى عزلة البوليزاريو، الذي كان ممثله في نواكشوط قد تم إبعاده شهر فبراير 2000، من طرف الحكومة الموريتانية بعد أن تم اتهامه بالإساءة إلى حيادها.
ومن المهم الملاحظة أيضا أن النظام الجزائري، الذي يعتمد عليه قادة البوليزاريو، هو اليوم جد مختلف عن ذلك النظام الذي نتج مباشرة عن الثورة الجزائرية. فنظام بومدين كان نظام برجوازيا وطنيا، يمتلك سمعة ثورية أكيدة، ويستعمل الجمل الثورية، وعمل على إدخال سلسلة كاملة من الإصلاحات على الاقتصاد. وفي النهاية اصطدم النظام البونابارتي الجزائري مع الحدود الرأسمالية. ومع الأزمات الاقتصادية لسنوات الثمانينات فقد النظام شعبيته وواجهته عدة تمردات. وقد أدى انحطاط اليسار المستند على البرجوازية الوطنية إلى انتعاش الأصولية الإسلامية سنوات التسعينيات. واليوم، فقدت الأصولية في الجزائر جاذبيتها ولم تعد قادرة على أن تلعب دور المعبر عن غضب الجماهير. ولقد سجل تمرد القبايل خلال ربيع وصيف 2001، بداية موجة جديدة من تحركات العمال والشباب المناضلين ضد نظام الجنرالات الجزائريين، الملتزمين بقوة بسياسات صندوق النقد الدولي، المتعلقة بالخوصصة وتقليص النفقات الاجتماعية. ولقد تعرضت هذه الحركة لقمع شديد. ورغم حدوث كل هذه التحولات والنضالات الاجتماعية في الجزائر، حافظ قادة البوليزاريو على الصمت، ولم يقوموا بإبداء أي نقد اتجاه سياسة النظام الجزائري. وما الذي يمكن أن يفعلوه غير ذلك؟ وهم رهينون بالدعم الجزائري من اجل البقاء. في الواقع، لقد تحولوا إلى حلفاء شرعيين للنظام الرأسمالي المجرم، الممقوت من طرف شعبه بالذات والذي يتوجب عليه اللجوء إلى القمع السافر من اجل ضمان بقائه في السلطة.
ولقد اعترفت الأمم المتحدة في النهاية، بأنها يجب أن تجعل المسائل واضحة منذ البداية: فالاستفتاء لن يتم إلا إذا أراد المغرب ذلك. وفي بلاغ لكوفي عنان، يونيو 2001، أوصى مجلس الأمن بتجميد كل المسلسل من اجل دراسة اقتراح جديد يقضي بـ: إعطاء استقلال ذاتي محدود وتقاسم السلطة خلال مرحلة من خمسة سنوات، يعقد بعد انتهائها استفتاء حول الوضع النهائي.ويجب أن يتم الاستفتاء مباشرة على قاعدة 86.000 ناخب محدد الهوية وبعد خمسة سنوات يمكن من التصويت جميع السكان الذين يعيشون في المنطقة.
ولقد رفض البوليزاريو هذا الاقتراح، المسمى طريقا ثالثا، واعتبره مجرد مسرحية وطالب بتنظيم الاستفتاء على قاعدة الاتفاق الأول. أما في المغرب فلقد كان هناك العديد من المواقف. فلقد وقف جزء من النظام، بما فيهم القائد الماوي السابق أبراهام السرفاتي، موقفا مؤيدا للاقتراح، معتبر ينه، في آخر المطاف، يخدم مصالح المغرب، بينما عارضه آخرون، لخوفهم من أن أي تنازل فيما يخص مسألة الصحراء، يمكن أن يؤدي إلى حدوث اضطرابات.
إن المشكل الأساسي الذي واجه قادة البوليزاريو هو كونهم لا يرون بديلا آخر: فإما القبول بما يقدم لهم، أو العودة إلى الحرب، وفي هذه الحالة بدون الاعتماد على الدعم الجزائري. إن هذا يشكل كارثة حقيقية. ليس هذا فقط، بل أبدو في نفس الوقت الذي اقترحت فيه الأمم المتحدة، الحل الثالث، أعلنت أن وكالة اللاجئين التابعة لها قد استنفدت الميزانية المخصصة لمخيمات الصحراويين في تندوف. ولقد كانت هذه رسالة واضحة من الأمم المتحدة بأنه في حالة رفض البوليزاريو الاقتراح سوف يخسرون كل المساعدات الموجهة لمخيماتهم. قامت صحافة البوليزاريو، برفض مخطط الحل الثالث، معطية إشارة واضحة عن لا فعالية القيادة. ولقد وصلت هذه الصحافة إلى حد التأوه بالشكوى والاستنجاد "بالشرعية الدولية" و"كل المهتمين باحترام العدالة والقانون" "لإدانة الألاعيب المخربة التي يقوم بها المغرب وحليفته فرنسا" و"المساعدة على إنقاذ الشرعية الدولية والسلام".
التقسيم؟
لقد أدت معارضة الجزائر والبوليزاريو لاقتراح الحل الثالث، مباشرة إلى إصدار الأمم المتحدة لبيان (شهر فبراير 2002). وهذه الوثيقة جد مهمة، مكتوبة بطريقة مباشرة وصريحة وهو الشيء الغير معتاد في الأوراق الدبلوماسية المشابهة. إذ تعمل الوثيقة على وصف مفصل للوضعية الحالية للمسلسل الجاري وتستنتج أنه « من المستبعد أن يُعمل على تطبيق المخطط المقترح، في شكله الحالي. بسرعة، ومن المستبعد كذلك التوصل إلى حل دائم، شامل ومتوافق عليه بالنسبة للصراع حول الصحراء الغربية » وهذا يعني أن الاستفتاء لن يتم تنظيمه. ويواصل الأمين العام للأمم المتحدة قائلا أنه يوجد هناك أربعة خيارات ممكنة. الخيار الأول هو مواصلة العمل بالمخطط المتفق عليه ومتابعة الاستفتاء. لكن « المغرب أعلن أنه غير مستعد لمواصلة العمل بهذا المخطط. والأمم المتحدة ليست قادرة على تنظيم استفتاء عادل وحر، بنتائج يمكنها أن تكون مقبولة من جميع الأطراف، وفي كل الحالات فإنها لا تمتلك آلية لتطبيق نتائج استفتاء كهذا ». والنقطة الأخيرة التي تم التأكيد عليها، جد مهمة وتحدد وجه الاختلاف الموجود بين الصحراء الغربية وتيمور الشرقية. حيث تعترف الأمم المتحدة بان المغرب يمتلك القوة العسكرية من اجل منع تنظيم الاستفتاء ومن اجل عدم تطبيق نتائجه ومن تم فإن الأمم المتحدة لا تستطيع فعل أي شيء في هذه المسألة. إن جميع الخطابات حول "الشرعية الدولية" انفضحت بشكل كامل. وبعبارة أخرى، كما صرح بذلك ممثلو الأمم المتحدة لقادة البوليزاريو « لا يمكنكم مقارنة هذه الوضعية بتيمور الشرقية، لأنه لا توجد هنا استراليا المستعدة للتدخل ».
أما الخيار الثاني فيقتضي مراجعة مخطط الحل الثالث. والأمم المتحدة ليست متفائلة جدا بآفاق هذا الحل، لكن مع ذلك لديه فضل كونه « يمكّن من تقليص حجم بعثة المينورسو ». لقد كتب هذا الإعلان في الواقع تحت ضغط الولايات المتحدة، التي تعتقد أنها أنفقت الكثير من الأموال على بعثة الأمم المتحدة دون الوصول إلى أي نتيجة وأنه قد آن الأوان لوضع حد لهذه المسرحية والحيلولة دون المزيد من إضاعة الوقت والثروات من طرف موظفي الأمم المتحدة.
والخيار الثالث هو اقتراح جديد يهدف إلى تطبيق تقسيم للصحراء الغربية، يضمن إلى هذا الحد أو ذاك نفس خطوط التقسيم الذي وقع سنة 1976 بين المغرب وموريتانيا، مع اختلاف واحد هو كون البوليزاريو اليوم هو من سوف يحتفظ بأغلبية الجزء حيث يوجد الفوسفاط بالإضافة إلى اثنين من المدن الرئيسية الثلاث في المنطقة. كما أن هذا الاقتراح يوائم الجزائر التي سوف تكسب جارا صديقا مع منفذ على الأطلسي. ويمكن أن يجد البوليزاريو نفسه مجبرا على القبول بهذا الفتات الساقط من مائدة القوى العظمى خوفا من عدم الحصول على أي شيء. وفي الواقع، أشار نفس البيان أنه بخصوص اقتراح جيمس بيكر (مبعوث الأمم المتحدة) « فإن الجزائر والبوليزاريو كانا مستعدين للتفاوض حول تقسيم للأراضي كحل سياسي ». لقد صرح كل من الجزائر وقادة البوليزاريو علانية برفضهم لهذا الخيار، لكن من الممكن أن هذا ليس موجها إلا للاستهلاك الإعلامي، أو من اجل الحصول على جزء اكبر من الكعكة. ويخدم هذا الاقتراح حتى مصالح الإسبان أيضا، لكونه يترك في يد البوليزاريو الجزء الأغنى بمياه الصيد في الصحراء الغربية. ولقد كانت إسبانيا دائما تدخل في مواجهة مع المغرب من اجل هذه المسـألة، بالإضافة إلى أن البوليزاريو قد عبر عن استعداده للوصول إلى اتفاق مع إسبانيا حولها.
أما الحل الرابع فيتمثل في الاعتراف بالفشل الكلي للأمم المتحدة و"القبول بهذا الشكل بكون أنه وبعد اثني عشر سنة وبعد إنفاق حوالي 500 مليون دولار، فإن الأمم المتحدة لم تتوصل لأي حل في الصحراء الغربية".
ما يمكننا ملاحظته بجلاء هنا هو الإخفاق التام لاستراتيجية البوليزاريو وسياسته طوال الخمسة والعشرين سنة الأخيرة. وسياسته طيلة فترة وقف إطلاق النار ليس في الواقع إلا استمرارا منطقيا لسياسته طيلة سنوات الحرب، بمعنى أنه اقتصر على نظرة قومية خالصة معتمدة بالأساس على طلب دعم هذا البلد أو ذاك. واليوم لا يوجد هناك أي بلد مستعد لمساعدتهم بشكل جدي، بالرغم من نوايا قيادة البوليزاريو الهادفة إلى خدمة مصالح الولايات المتحدة وإسبانيا.
إن السياسة الوحيدة التي تمتلك دلالة هي العودة إلى توحيد النضالات (الذي ساد خلال سنوات الخمسينات، وما بعدها) بين القوات التي تناضل ضد الإمبريالية وعملائها المحليين في شخص الملكية العلوية بالمغرب. فقط عبر توحيد مصالح الصحراويين بمصالح إخوانهم وأخواتهم في المغرب والجزائر، يمكن تحقيق الاحترام لحقوقهم الوطنية. إن الوضعية في كلا البلدين وضعية متفجرة. وهي التي اتضحت من خلال التمرد الشعبي في الجزائر سنة 2001، كما أن الوضعية في المغرب تحتوي نفس العناصر التي أثارت تلك التحركات في الجزائر. والملكية في المغرب اليوم ليست أقوى مما كانت عليه قبل موت الحسن الثاني، الذي وجد نفسه مضطرا لوضع الحزب "الاشتراكي" (إ، إ، ق، ش) في الحكومة. ويعاني اقتصادها أزمة خانقة تجبر مئات الآلاف من المغاربة للهجرة نحو أوربا.
إن الحل الوحيد العقلاني، هو النضال الثوري المنطلق من الصحراء الغربية، وفي الجامعات المغربية حيث يوجد الطلبة الصحراويون. ويتوجب على هذا النضال أن يتأسس على التحرك من اجل التشغيل، والخبز والديموقراطية، ولا يقتصر فقط على المطالب القومية من اجل التمكن من الوصول إلى جماهير العمال والفلاحين والشباب المغاربة، الذين هم الوحيدين القادرون على قلب الملكية العلوية الرجعية التي تضطهدهم كما تضطهد الصحراويين.
وهناك نقطة أخرى، تبدو واضحة، هي أنه قبل الحرب لم يكن توجد هوية قومية منفصلة للشعب الصحراوي ولا أي تطلع نحو الاستقلال. أما الآن فنعم، لقد ظهرت بعد أكثر من 20 سنة من الحرب الوحشية والاضطهاد للجماهير الصحراوية في الصحراء الغربية. وهذا شيء يجب أخذه بعين الاعتبار. لكن يجب أن نكون واضحين جدا عندما نشرح للصحراويين أن المخرج الوحيد والطريقة الوحيدة لكسب الاعتراف بالحقوق القومية، يمر عبر النضال الثوري للجماهير المغربية تحت قيادة الطبقة العاملة.
الاستفتاء
أما عن الموقف الذي يتوجب على الماركسيين اتخاذه في حالة ما إذا قررت الأمم المتحدة تنظيم الاستفتاء حول تقرير المصير. فمن جهة أولى، قد وضحنا الأسباب التي تجعل إمكانية تنظيم الاستفتاء مستبعدة. ومن جهة ثانية، فإنه إذا تم تنظيم الاستفتاء فإن موقف الماركسيين يجب أن لا ينحصر في الاختيار بين الاستقلال أو الاندماج في المغرب. فخلال مثل هذه الحالة، يكون واجب الماركسيين هو شرح حقيقة الوضعية بوضوح. يجب علينا أن نقول، انظروا ماذا حدث في تيمور الشرقية، لا تثقوا في الأمم المتحدة. فإذا ما كانت نتائج الاستفتاء في صالح الاستقلال فإن المغرب سيعرقل تطبيقه بقوة السلاح. فمن سوف يدافع آنذاك عن الصحراويين؟ هل الأمم المتحدة؟ ليس هذا سوى وهم. يتوجب علينا التأكيد مرة أخرى على موقف أن الوسيلة الوحيدة التي ستمكن الصحراويين من تحقيق أهدافهم، هي خلق تحالف مع الطبقة العاملة المغربية. حتى لو حدث الشيء المستبعد وهو صحراء مستقلة في ظل الرأسمالية، فإنها سوف تسقط في يد هذه أو تلك من القوى الإمبريالية. هذا هو ما يتوجب على الماركسيين قوله للصحراويين في حالة الاستفتاء.
Translation: marxy.com