دخلت الثورة السورية مرحلة أعلى في الأسابيع القليلة الماضية، عدد وحجم التظاهرات بلغ أرقاما قياسية، بلدات وقعت تحت سيطرة الجنود المنشقين بما في ذلك مناطق محيطة بالعاصمة دمشق وأشكال جنينية للسلطة الشعبية تظهر على الساحة على شكل مجالس شعبية.
بعد التوقف لفترة عادت المظاهرات في سوريا إلى مستوى قياسي من حيث حجمها وتوزعها الجغرافي. صفحة الثورة السورية على الفايسبوك قدرت عدد المتظاهرين بما يتراوح بين 3 الى 5 ملايين في أيام الجُمَع وعدد المواقع بالعشرات والمئات بحيث تغطي البلد بأكمله، التطور الأبرز هو أن الاحتجاجات أصبحت ظاهرة يومية في العديد من الأماكن والأهم أن الحركة تتوسع إلى حد كبير داخل أكبر مدينتين في البلاد، دمشق وحلب، وتشمل أحياء مثل المزة في قلب دمشق وصلاح الدين في حلب.
لم تتمكن قوات النظام، بعد المحاولة لأسابيع، من بسط سيطرتها على مناطق مثل بابا عمرو في مدينة حمص وخان شيخون في ريف أدلب، يبدو هذه الإخفاقات لقوات الأسد قد مهدت الطريق لقوات الجيش السوري الحر للسيطرة على بلدة الزبداني التي تبعد 45 كيلومترا عن دمشق، بعد بضعة أيام من ذلك سجل الجيش الحر انتصارا مؤقتا بطرده قوات أمن النظام من دوما إحدى ضواحي دمشق، هذا يشير بالتأكيد إلى تغيير في ميزان القوة بين النظام والثورة.
شهد اليومين الأخيرين تطورات دراماتيكية، هناك قتال عنيف يجري في جميع أنحاء سورية والأهم من ذلك في محيط العاصمة دمشق حيث يدعي الجنود المنشقون أن لديهم سيطرة جزئية على بعض المناطق التي تبعد فقط 8 كيلومترات عن القصر الرئاسي، اليوم تحدث الضابط ماهر نعيمي الناطق باسم الجيش الحر لقناة العربية وقال أن قوات الجيش الحر تتعزز وتتشجع بالانشقاقات اليومية في صفوف القوات المسلحة وذكر أنه في الساعات القليلة الماضية انشقت وحدات متمركزة في محيط دمشق مع مركباتها العسكرية (الدبابات الخ)، لو تأكد ذلك سوف تكون هذه أول مرة ينشق فيها الجنود مع المركبات والمدفعية الثقيلة.
هدد النعيمي بعواقب وخيمة اذا لم يوقف النظام هجومه على المناطق المحيطة بدمشق أو إذا تم استخدام القوة الجوية ضد الجنود المنشقين مذكرا النظام بأن القصر الرئاسي في متناول الجيش الحر على بعد 8 كيلومترات فقط، خبير عسكري من بيروت أوضح أن النظام يمتنع عن استخدام القوة الجوية خوفا من أن سلاح الجو نفسه قد ينشق! خبير آخر في القاهرة أشار الى أنه يتم الاحتفاظ بثلثي الجيش السوري في الثكنات خوفا من الهروب الجماعي والفوري إذا نشر ضد الشعب، أضاف النعيمي بأن لديه معلومات أن نحو 1500 من ضباط الجيش يقبعون في السجن بسبب اشتباه الاستخبارات السورية بولائهم.
كثير من هذه المعلومات تبقى غير مؤكدة ولكن هناك دلائل متزايدة على أنها تعكس الواقع الفعلي على الأرض، هذا من شأنه أن يشير إلى نقطة تحول في الثورة السورية، النظام في حالة رعب، للمرة الأولى يتم نشر القوات والدبابات بكثافة داخل دمشق، هنالك أيضا تقارير عن وقوع عدد من الانفجارات في ساحة العباسيين والسبع بحرات في دمشق، الطريق المؤدي إلى مطار دمشق الدولي قطع لعدة ساعات بسبب المناوشات بين قوات الأسد والجيش الحر على ما يبدو، في موازاة ذلك نشر النظام بلطجيته بأعداد كبيرة في حلب بعد أن اندلعت مظاهرات حاشدة في أحياء مثل صلاح الدين والفردوس وقد حصلت مواجهات مع المتظاهرين الذين قاتلوا بالحجارة وبأيديهم العارية، وقد ورد أن أحد بلطجية النظام قتل من قبل المتظاهرين الذين دمروا حافلة امنية أيضا.
بالإضافة إلى ما يبدو بمثابة الانهيار السريع لقوات النظام في الساعات الماضية، تأتي الأخبار المثيرة للاهتمام من بلدة الزبداني. لعدة أسابيع توالت الأخبار عن تشكل لجان شعبية ومجالس ثورية في مناطق مثل درعا، حمص، دير الزور وأدلب، لكن لم تتوفر أية تفاصيل ملموسة في هذا الشأن، اليوم رأينا لمحة عن هذه العملية للمرة الأولى مع الإعلان القادم من "المجلس المحلي الحر في الزبداني"، ونضع هذا الإعلان في الفقرة التالية على النحو الذي تلقيناه:
«المجلس المحلي الحر في الزبداني
بعد أن عاشت الزبداني الحرية مدة شهرين، ثم بعد أن تمكن شبانها من رد الهجوم العنيف من قبل عصابات الأسد لاجتياحها وتخريبها، وبعد إصرارها على الصمود في وجه كل هجوم محتمل. سعت لبدء تجربتها الديمقراطية الخاصة بها.. فتنادى أهل البلدة / المدينة لوضع نظام انتخابي خاص اعتمد على الانتماء الأسري.. حيث خصص لكل ألف مواطن :مقعد واحد، وتوافقت الأسر والعائلات على تشكيل مجموعات من ألف تقريبا، وشاركت جميع مكونات المجتمع والطوائف وبشكل مميز المسيحيين في البلدة، وألقى الخوري كلمة مؤثرة في المجلس التأسيسي.. وطلب من كل عائلة او مجموعة عائلات ان تنتخب عن كل ألف فرد فيها مندوبا عنهم، فتم تشكيل الهيئة العامة،ترشح منهم 60 عضوا لانتخابات المجلس المحلي، وتشكل بناء على ذلك مجلس من 28 عضوا، توزعوا على عدة مكاتب وانتخبوا رئيساً للمجلس وأمينا للسر وعدد من المكاتب : مكتب سياسي، مكتب مالي. مكتب إغاثة وصحة. مجلس عسكري وأمني. مكتب إدارة وخدمات عامة. وبدأ المجلس والمكاتب بممارسة مهامهم.. وتوقف الإضراب العام، وأعادت المدارس فتح أبوابها ورفعت الأعلام الجديدة، التي تتم تحيتها كل صباح، مع الهتاف بسقوط بشار الأسد ونظامه البائس المجرم، واستبدل أئمة المساجد بأئمة منتمين للشعب وملتزمين بالثورة، وشكل فرع خاص للأمن والتحقيق وشكلت محاكم شعبية، وهيئ مكان للاحتجاز.. ووضعت آليات الجيش الحر اللوحات الخاصة بها،وبدأت تتجول وتشكل دوريات الرقابة والرصد، لكل تحرك للقوات المعادية المتربصة. وتقوم لجان بتسجل كل دخول وخروج للغرباء. ويقوم الجميع بورشة عمل جبارة للتحضير لكل الأشياء اللازمة لصد أي هجوم محتمل، بما فيها العسكرية والتموينية والصحية.. وكذلك لإيواء اللاجئين والفارين إليها طالبي الحماية من بطش الشبيحة ونظامهم، ومن ثم لإمداد المدن والقرى المنكوبة الأخرى ومساعدتها على التحرر.. ومنع مجلس المدينة الذي عينه النظام من الاجتماع تحت طائلة التوقيف والتعذير، والمحاكمة لكل سلطة لا تأتي عن طريق انتخابات حرة، وأعيدت تسمية الساحات والشوارع، بأسماء الشهداء الكرام، واعتمدت عيادة المعارض الدكتور كمال اللبواني مركزا لمجلس المدينة الحر.. حيث الجامع الكبير ووسط المدينة التجاري القديم الذي تنطلق منه التظاهرات.. والذي سقط فيه أوائل الشهداء. الديمقراطية تجربة جديدة ومولود جديد بحاجة لرعاية، والجميع يعرف أنه تنقصه الخبرة وثقافة الديمقراطية، وأنه لا بد من الانتقال للنظام الحزبي، لكن لا بد أولا من مناخ من الحريات لكي تتشكل وتتبلور وجهات النظر الحزبية،.. إنها بداية.. وبداية موفقة إنشاء الله، ونريدها أن تكون باكورة تحرر لكل ربوع وأبناء الوطن الأعزاء الأبطال الذين يستحقون كل خير واحترام ودعم.... والله الموفق»
إن ما نشهده في الزبداني هو من الواضح ظهور لسلطة بديلة، النظام لم يعد لديه أي وسيلة لفرض سلطته والجماهير خلقت أدوات السلطة الخاصة بها والمنتخبة ديمقراطيا، في كل ثورة في تاريخ الرأسمالية، بدءا من كومونة باريس عام 1871، تظهر هذه الأشكال من سلطة المجالس، في روسيا كانت تسمى "السوفييت" وقد شكلت الأساس للحكومة الثورية بعد ثورة 1917 وبالتالي "الاتحاد السوفياتي"، لقد ظهرت مجالس مماثلة أيضا في الثورات المصرية والتونسية، من غير الواضح ان تطورت مجالس مماثلة الى نفس الدرجة في مناطق أخرى من سوريا ولكن ذلك من المرجح، الزبداني أصبحت نقطة محورية لاهتمام الجماهير التي تكافح في جميع أنحاء سورية ولذلك فمن المحتمل أن تكون أماكن أخرى قد ألهمت بها وتحذو حذوها، هذه المجالس تعني بداية حالة من الازدواجية في السلطة على الأقل على المستوى المحلي، إذا تطورت إلى مستوى أعلى فإن أيام النظام قد انتهت.
للأسف فإن سياسة معارضة البرجوازية الصغيرة الذين عينوا أنفسهم "قادة" للشعب ليس لديهم إيمان أو ثقة في الجماهير، والأكثر تحديدا هو أنهم خائفون من الحركة المستقلة للجماهير نظرا لأنها تهدد موقعهم "القيادي"، على الرغم من هذه التطورات الرائعة والإرادة الحديدة للجماهير لا يزال كل من المجلس الوطني والهيئة العامة للثورة يدعون الى التدخل الخارجي لحماية الثورة من التسلح! في الوقت الذي تأخذ فيه الجماهير زمام المبادرة وتسلح نفسها وتخلق سلطتها الخاصة فإن هؤلاء السادة من المعارضة الليبرالية يدعون إلى "السلمية" مما يعني، بمعنى آخر، ترك شعب أعزل في مواجهة قمع عسكري ووحشي.
الامور تتغير بسرعة ومن الصعب قياس مرحلة الحركة بدقة، ما هو واضح للعديد من النشطاء في سوريا هو أنه ليس هناك عودة إلى الوراء، السلطة المزدوجة التي تنمو في الزبداني وغيرها من الأماكن يمكن أن تنتهي بإحدى طريقتين: إما أن تأخذ الجماهير زمام المبادرة بجرأة أو يغرق النظام الحركة بالدم.
مطالب اليوم هي:
- يجب الدعوة الى اضراب وطني عام على الفور. يجب احتلال أماكن العمل والمصانع والمكاتب. وشل ما تبقى من قوة النظام.
- حان الوقت لعصيان عام مسلح. يجب تعبئة الجنود الأحرار، وتسليح الجماهير. يجب دعوة الجنود والرتب الدنيا من الضباط للانشقاق والانضمام للثورة. حان الوقت للسيطرة على دمشق. اهجموا على فرساي.
- لا للتدخل الأجنبي. الجماهير السورية قادرة ويجب عليها إتمام هذه المهمة بأنفسها. فليسقط الزعماء السياسيين الذين يزرعون الأوهام بين الجماهير. الجماهير أكثر من قادرة على إسقاط الأسد.
- يجب تشكيل مجالس عمالية في جميع المصانع وأماكن العمل.
- يجب تشكيل مجالس منتخبة ديمقراطيا في كل حي وربط المجالس الثورية في جميع القرى والبلدات والمدن وأماكن العمل ضمن مجلس وطني منتخب ديمقراطيا من ممثلين معبرين عن إرادة الشعب ومصالح الثورة. فليسقط المجلس الوطني وهيئة التنسيق المصابين بالعجز والإفلاس. نعم لتشكيل حكومة ثورية مبنية على لجان من المزارعين والعمال والشباب.