يوم 15 فبراير سوف تشهد فنزويلا تنظيم استفتاء هام. والمسألة المحورية فيه هي إلغاء القيود على عدد المرات التي يمكن فيها للرئيس الترشح للانتخابات.
نفاق البرجوازية والإمبريالية
لقد صورت البرجوازية التعديلات الدستورية المقترحة وكأنها محاولة من طرف تشافيز لتنصيب نفسه رئيسا مدى الحياة. هذا كلام فارغ ويرتبط بحملة الأكاذيب والافتراءات التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية ضد الثورة البوليفارية منذ البداية.
لقد تحرك فقراء المدن والشباب والعمال المرة تلو الأخرى من أجل إنقاذ الثورة والدفاع عن مكتسباتها. لكن وبعد عشرة سنوات من النضال المتواصل، لم يتم إنجاز الثورة حتى النهاية بعد. تصوير: Immigrante a media on Flickr
يثير الرجعيون والإمبرياليون الجلبة قائلين: "تشافيز مستبد". ليس هذا سوى نفاق. ففي فرنسا وإسبانيا وبريطانيا ليست هناك أية قيود على عدد مرات الترشح للرئاسة. إن المسألة المقترحة خلال هذا الاستفتاء ليست تنصيب تشافيز رئيسا مدى الحياة، أو حتى لمدة أطول من فترة ولايته الحالية. إن المسألة المقترحة هي أن يكون لشعب فنزويلا الحق في التصويت لتشافيز خلال الانتخابات المقبلة. يجب أن يكون للشعب الحق في التصويت لأي مرشح يختاره. هذا حق أساسي، ندافع عنه. إضافة إلى أنه يجب تطبيق هذه القاعدة أيضا على رؤساء البلديات وحكام الولايات.
في ظل نظام ديمقراطي يجب أن يمتلك الشعب الحق في اختيار الرئيس الذي يريده. لكن في بعض البلدان الغربية التي تحب اعتبار نفسها دولا ديمقراطية، لا يكون رئيس الدولة منتخبا أبدا. هذه هي حالة اسبانيا، حيث لم ينتخب أي أحد الملك خوان كارلوس، بل تم تعيينه من طرف الدكتاتور فرانكو. إلا أن هذا البوربوني الغير المنتخب يعتقد أن لديه الحق في أن يقول: "اسكت" لرئيس فنزويلا، الذي تم انتخابه مرارا وتكرارا بأغلبية ساحقة.
أي نوع من الديمقراطيات هذه حيث يتم تنصيب رئيس الدولة ليس بالانتخابات بل بصدفة الميلاد؟ ومع ذلك يبقى هذا هو حال بريطانيا وبلجيكا وبلدان أخرى تدعي أنها ديمقراطية. في بريطانيا وغيرها من البلدان ليست هناك أيضا أية قيود على عدد المرات التي يمكن فيها لرئيس الوزراء أن يترشح للانتخابات. هذا واقع لا خلاف حوله ولا أحد يذكره أصلا. لكن عندما يتعلق الأمر بفنزويلا يتم تطبيق مقاييس أخرى. لماذا؟ الجواب واضح: إنهم لا يريدون أن يترشح تشافيز مرة أخرى، لأنهم يخشون أنه سيفوز.
لحظة حاسمة
ينظم هذا الاستفتاء خلال لحظة حاسمة بالنسبة للثورة الفنزويلية. فبعد عشرة سنوات من الثورة صارت التناقضات أكثر احتدادا من أي وقت مضى. لقد تحرك فقراء المدن والشباب والعمال المرة تلو الأخرى من أجل إنقاذ الثورة والدفاع عن مكتسباتها. وفي العديد من المناسبات تمكنت تحركاتهم من منع حدوث ثورة مضادة صريحة (انقلاب أبريل 2002، إغلاقات المعامل التي نظمها أرباب العمل خلال دجنبر 2002، الخ.)
لكن وبعد عشرة سنوات من الصراع المتواصل لا تزال الثورة لم تكتمل بعد. لا يزال الجزء الأكبر من الصناعة والأراضي والأبناك في يد الخواص. تخوض الثورة المضادة صراعا شرسا من أجل تقويض أسس الاقتصاد، وتنظم التخريب المتعمد الذي يتسبب في نقص المواد الغذائية خصوصا ويصب الماء في ناعورة التضخم. إنهم ينظمون إضرابا للرساميل يؤدي إلى وقف عجلة الإنتاج في المصانع في كل أنحاء البلد.
بالرغم من أن الثورة حققت مكتسبات هامة، فإنها لا تزال غير عصية على التراجع. جاء أول تهديد جدي خلال شهر دجنبر 2007، مع هزيمة الاستفتاء على التعديلات الدستورية. وشهر نوفمبر 2008 فقدت الثورة رئاسة بلديات هامة لصالح المعارضة. ورغم أن حزب تشافيز (الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد) نال 58 % من الأصوات، فإنه كانت هناك معدلات مرتفعة من الامتناع عن التصويت في المعاقل التقليدية للحركة البوليفارية. هذه هي الأسباب التي أدت إلى خسارة مناطق استراتيجية من قبيل ميراندا وبلدية كاراكاس.
لقد جاء التحذير الجدي الأول خلال شهر دجنبر 2007 مع الهزيمة في الاستفتاء حول الاصلاحات الدستورية. المناطق الزرقاء تمثل المناطق الكثيفة السكان التي صوتت بلا على التعديلات.
الجماهير تريد أفعالا. إنها تدافع عن المكاسب التي حققتها الثورة، لكنها سئمت من الخطابات والكلام الفارغ حول الاشتراكية، بدون أن ترى أي تغير جوهري في المجتمع. الجماهير تطالب بحل لمسألة التضخم ونقص المواد الغذائية وسوء ظروف السكن والفساد. إنها تعبت من بطئ سير الأحداث وتدفع بكل قواها من أجل تحقيق تغيير عاجل. إنها بدأت تفهم أن "الثورة داخل الثورة" مسألة ضرورية، ليس بالكلمات فقط، بل في الواقع.
من الواضح أن الثورة الفنزويلية تقف في مفترق الطرق. فإما أن تتقدم إلى الأمام في مهمة مصادرة القوة الاقتصادية للرأسماليين، والملاكين العقاريين وأصحاب الأبناك أو أنها عاجلا أو آجلا ستنتهي بهزيمة. هذا هو السياق الذي يجب أن نرى فيه هذا الاستفتاء على التعديل الدستوري.
منظور طبقي
هناك بعض المثقفين بل وحتى بعض المنظمات التي من المفترض فيها أنها ’يسارية‘ ممن سوف يقفون صامتين خلال الاستفتاء. أو أنهم سوف يقفون ضد الاستفتاء، على أساس أنه يعبر عن ’عدم احترام القرارات السابقة‘، أو أنه ’ضد تقاليد البلد الديمقراطية‘ وما إلى ذلك. إن أدعياء اليسار والديمقراطية هؤلاء يعكسون ضغوط ’الرأي العام‘ البرجوازي. إنهم ينظرون إلى كل شيء على أساس قانوني، ويشيرون إلى هذا التفصيل أو ذاك باعتباره ’مشكلة ديمقراطية‘.
لقد سبق لنا أن أجبنا على هؤلاء الناس مسبقا، خلال شهر دجنبر 2007، في مقال يشرح أسباب الهزيمة الانتخابية، حيث كتبنا:
"يعتقد الإصلاحيون أنه يجب على الطبقة العاملة دائما أن تحترم التفاصيل القانونية. لكن سبق لسيسرو، منذ زمن بعيد، أن قال: Salus populi suprema est lex (مصلحة الشعب هي القانون الأسمى). ويمكننا نحن أن نضيف أن: مصلحة الثورة هي القانون الأسمى. لم يبدي المعادون للثورة مطلقا أي احترام للقانون أو الدستور سنة 2002 ثم إنهم لو نجحوا لكانوا قد ألغوا فورا دستور 1999. وهاهم الآن يصرخون جميعا دفاعا عن نفس ذلك الدستور."
ليست هذه مسألة ديمقراطية شكلية. يعني انتخاب تشافيز بالنسبة لعمال وفقراء فنزويلا تحقيق الإصلاحات الاجتماعية والمكاسب التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية، ومناخ ثوري تمكنت خلاله النقابات من الانتعاش ووجد أبناء الشعب العاديين، الذين كانوا مقصيين من الحياة السياسية، أنفسهم قد امتلكوا صوتا وهدفا. هذا هو ما يجعلهم يريدون إعادة انتخاب تشافيز.
إن الجماهير أناس عمليون جدا. إنهم سيقولون: "إذا ما خسرنا الانتخابات الرئاسية فسوف يسحق اليمين جميع المشاريع الاجتماعية وغيرها من مكاسب الثورة". وهذه التخوفات مبررة جدا. فعندما تمت خسارة رئاسة حكومة ميراندا خلال شهر نوفمبر من السنة الماضية، كان أول شيء قام به رادونسكي، الحاكم الجديد المنتمي للمعارضة، هو أن هاجم البعثات (misiones) وترك العصابات الفاشستية تصول وتجول، تهدد الأطباء الكوبيين الذين يشتغلون في مشاريع Barrio Adentro. هذا يفضح الوجه الحقيقي البشع للثورة المضادة. إن هذا أيضا تحذير لما يمكننا أن نتوقعه، إذا ما تمكنت الثورة المضادة من وضع يدها على منصب الرئاسة.
سوف تناضل الجماهير من أجل كسب هذا الاستفتاء. إنه مسألة ملموسة جدا. إنها تعلم بشكل جيد جدا أن تشافيز هو المرشح الوحيد الذي يمكنه أن يهزم اليمين خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومن ثم فإنها تنظر إلى الاستفتاء باعتباره نضالا مباشرا بين الثورة والثورة المضادة. وينظر إليه الرجعيون بنفس الطريقة تماما. فقط البرجوازيون الصغار اليائسون والعصبويون العميان من يعجزون عن فهم هذا الواقع.
الثورة الاشتراكية، مثلها مثل الحروب بين البلدان، تتشكل من سلسلة من المعارك والمواجهات الجزئية. فقط من خلال النضال وكسب مثل هذه المعارك يتمكن العمال والفلاحون من اكتساب الثقة في قوتهم الخاصة ومن ثم خوض معارك أكبر. وبالتالي فإن الماركسيين سيقفون إلى جانب العمال والفلاحين وضد الأوليغارشية والإمبريالية والرجعيين وسيخوضون الحملة لصالح التصويت بنعم.
مسألة الدولة
مؤخرا حدث هجوم على العمال المحتلين لمصنع ميتسوبيشي من طرف بوليس ولاية أنزواتيغي، مما أسفر عن مقتل عاملين اثنين. واتضح لاحقا أن هذه الجريمة كانت من تنفيذ عناصر فاسدة ورجعية داخل صفوف البوليس. فتم توقيفهم واعتقالهم من طرف الحاكم البوليفاري، طارق صعب. لكن هذا ليس حادثا معزولا. فقد تم اكتشاف حالات أخرى لاختراق البوليس الفنزويلي خلال الفترة الأخيرة، كما حصل عندما تم قتل ثمانية شباب عزل مؤخرا في ميريدا على يد عناصر معادية للثورة داخل صفوف البوليس.
العمال احتلوا مصنع الصمامات إنفيفال، في كاريزال، ولاية ميراندا، ومن خلال نضالهم الطويل من أجل تأميم المصنع ووضعه تحت الرقابة العمالية أعطوا الدليل على إمكانية تحقيق مبادئ لينين الأربعة.
لقد حذرنا نحن الماركسيون طيلة سنوات من أنه من المستحيل استعمال نفس أجهزة الدولة البرجوازية لخدمة الأهداف الثورية. والأحداث الأخيرة دليل لا يدحض على هذا! من الضروري إلى أقصى الحدود تحطيم أجهزة الدولة هذه المتعفنة الموروثة عن الجمهورية الرابعة السيئة الذكر. إن التدابير الجزئية من قبيل تطهير هذه المؤسسة أو تلك لا يمكنها أن تحل المشكلة على المدى البعيد. لكن يجب علينا أن نستبدلها بشيء آخر. ما الذي نضعه في مكان الدولة البرجوازية القديمة المتعفنة والفاسدة؟
لقد سبق للينين أن قدم الجواب على هذا السؤال منذ وقت طويل في كتابه "الدولة والثورة". لقد حدد نموذجا مبنيا على المبادئ التالية:
-
انتخابات حرة وديمقراطية لجميع موظفي الدولة مع الحق في عزلهم.
-
لا يتقاضى أي موظف أجرا أعلى من أجرة عامل مؤهل.
-
لا جيش دائم ولا بوليس دائم، بل الشعب المسلح.
-
تدريجيا، يجب أن تنجز كل مهام الإدارة من طرف الجميع: عندما يصير الجميع بيروقراطيا، لا يبقى هناك أي بيروقراطي.
إنه من الممكن جدا أن يتم تطبيق هذا عمليا في فنزويلا. لقد شهدنا بالفعل كيف أن عناصر من هذا النوع من التنظيم كانت حاضرة خلال الصراع ضد الثورة المضادة. شهدنا خلال سنة 2004 تنظيم وحدات المعركة الانتخابية (UBE) وبعد ذلك كوماندو مايسانتا (Commando Maisanta)، وأجهزة منتخبة بشكل مباشر من طرف القواعد من تحت، مع الحق في عزل الممثلين المنتخبين إذا ما خانوا النضال.
مثال رائع آخر هو مصنع إينفيفال بكاريزال، ولاية ميراندا، حيث احتل العمال الشركة وبعد نضال طويل تمكنوا من تأميمها. والآن صار رئيس الشركة عاملا منتخبا من طرف زملائه ويتلقى نفس الأجر مثله مثل باقي العمال الآخرين في المصنع. لقد بين عمال إينفيفال أيضا أن النقطة الثالثة التي أشار إليها لينين (بخصوص تسليح الشعب) ممكنة جدا. لقد نظموا كتيبتهم الخاصة للاحتياطيين، وهكذا بينوا في الممارسة أن تسليح الطبقة العاملة ممكن للغاية.
صوتوا بنعم وتقدموا لإنجاز الثورة حتى النهاية!
يجب علينا أن نواجه الوقائع ونتكلم بصدق: إن قتل عمال ميتسوبيشي يبين أن المشاكل الجوهرية لم تحل بعد. لازالت الثورة تتمتع بتعاطف جماهيري كبير (خلال الانتخابات الأخيرة كسب أنصار تشافيز 5,5 مليون صوت و17 ولاية من بين 23)، لكنهم فقدوا بعض المواقع. لماذا؟ لأن الجماهير بدأت تفقد صبرها. لقد كان الاستحقاقان الانتخابيان الأخيران (دجنبر 2007 ونوفمبر 2008) تحذيرا جديا. يقول الإصلاحيون داخل صفوف الحركة البوليفارية أن هاتين الهزيمتين جاءتا بسبب أن الثورة سارت أبعد مما يجب، وأسرع مما يجب. بينما يقول الماركسيون أعضاء التيار الماركسي الثوري [الفرع الفنزويلي للتيار الماركسي الأممي]: على العكس تماما، لقد حدثت الهزيمة لأن الثورة سارت بسرعة أبطأ مما يجب ولم تصل إلى حيث يجب عليها أن تصل!
يجب علينا أن نكسب الاستفتاء من أجل توجيه هزيمة أخرى للمعادين للثورة والتقدم نحو إنجاز المهام الرئيسية للثورة الاشتراكية.
لقد تم تنظيم الكثير جدا من الانتخابات والاستفتاءات وألقيت العديد من الخطابات وقيل الكثير من الكلام حول الثورة والاشتراكية، في الوقت الذي لم يتم فيه إنجاز المهمة الرئيسية المتمثلة في مصادرة أملاك الأوليغارشية. لقد تم تطبيق بعض الإصلاحات لكن مشاكل الجماهير الأكثر ملحاحية لا تزال بدون حل. إن هذه المشاكل ستتفاقم بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية. سوف يكون لتراجع أسعار البترول تأثير جدي على فنزويلا. الرأسماليون الفنزويليون ينظمون إضرابا عن الاستثمار من أجل خلخلة الأوضاع. إن هذا يبين إفلاس محاولات الإصلاحيين لإقامة ’اقتصاد مختلط‘ على قاعدة ’اشتراكية النفط‘. إن أنصاف التدابير لن تحل المشاكل بل ستؤدي فقط إلى مفاقمة الأزمة.
أيها الرفاق! إن استفتاء فبراير معركة أخرى من معارك الحرب الثورية. يجب علينا أن نكسب هذه المعركة من أجل توجيه هزيمة جديدة لمعاديي الثورة والتقدم نحو إنجاز المهام الرئيسية للثورة الاشتراكية. إن ما يلزمنا هو إنجاز الثورة حتى النهاية، مصادرة أملاك الأوليغارشية وإسقاط الدولة البرجوازية وتوجيه الدعوة إلى عمال وفلاحي أمريكا والعالم بأسره من أجل الالتحاق بنا في مسيرة التغيير الاشتراكي للمجتمع.
لهذه الأسباب نقول للشعب العامل الفنزويلي:
-
صوتوا بنعم خلال استفتاء 15 فبراير!
-
واصلوا النضال من أجل الثورة الاشتراكية!
-
تأميم الأرض والأبناك والصناعة ووضعها تحت الرقابة العمالية!
-
التحقوا بالتيار الماركسي الثوري، الجناح الماركسي للحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد وناضلوا من أجل هذا البرنامج!
-
عاشت الثورة الاشتراكية!
Source: Marxy.com