أيها العمال الطليعيون، أيها الشباب والمثقفون الثوريون، نضع بين أيديكم هذا العدد الجديد من جريدتكم الشيوعي، بعد فترة توقف عن الصدور سببها الإكراهات الهائلة التي تواجه الإعلام الثوري في ظل ظروف النضال الصعبة التي تعرفونها. إن وعينا، في هذا المرحلة العاصفة، التي نشهدها محليا وجهويا وعالميا، بأهمية النظرية ونشر الأفكار الماركسية الثورية هو ما يجعلنا مصرين رغم كل الصعاب على إصدار جريدتنا لتقدم منظورا ثوريا وبديلا اشتراكيا للعمال الطليعيين والشباب الثوري الباحث عن بديل، لأن وضوح الرؤية هو الضمانة ضد السقوط في مستنقع الإحباط والعبثية والكلبية والانحطاط الأخلاقي والمعنوي.
إننا نوجد اليوم في خضم المرحلة الأكثر اضطرابا في تاريخ البشرية، الرأسمالية تعيش حاليا أزمتها الدائمة البنيوية العميقة، والتي تعتبر أعمق واخطر أزمة تعرفها في تاريخها. إنها تحتضر وتتحلل، وليس كل هذه الحروب والمآسي التي نراها في كل مكان في العالم سوى تمظهر لهذا الاحتضار والتحلل، لكنها، وككل الأنظمة الأخرى التي عرفها التاريخ، ترفض أن تموت وطبقة الرأسماليين الذين لهم المصلحة في بقائها مستعدون لرمي العالم بأسره في هاوية الخراب لكي يحافظوا على امتيازاتهم وثرواتهم التي يراكمونها من كدح ملايين العمال والفلاحين والشعوب المقهورة. وهم، لكي يخرجوا من أزمتهم، يطبقون أقسى برامج التقشف والتجويع ويشنون أشد الهجمات شراسة على مكتسباتنا نحن الفقراء ويشعلون الحروب المدمرة.
ما أشبه اليوم بالبارحة، فقبل 100 سنة بالضبط، أي: سنة 1915، كان العالم غارقا في أتون حرب همجية مدمرة أشعلتها القوى الرأسمالية الامبريالية الكبرى من أجل اقتسام العالم فيما بينها، ملايين القتلى والجرحى والمعطوبين الأبرياء ذهبوا ضحية لجشع الرأسماليين وسعيهم المسعور نحو الربح.
آنذاك بقيت أقلية صغيرة من المناضلين الاشتراكيين الثوريين متشبثين بشعار الثورة الاشتراكية والأممية البروليتارية، بينما سقط البعض في هوة الإحباط واليأس وانتقل البعض الآخر إلى معسكر الثورة المضادة، فصاروا خدما أوفياء للرأسماليين ومشاركين لهم في جرائمهم ضد العمال والشعوب المستعمرة. كان الوضع يبدو ميؤوسا منه لضيقي الأفق والجبناء، وصارت الثورة الاشتراكية بالنسبة لهم حلما مستحيل التحقيق.
لكن لم يمر سوى أقل من سنتين، وبالضبط في مثل هذا الشهر، أي شهر أكتوبر، من سنة 1917، حتى اندلعت الثورة الاشتراكية في روسيا، أي في معقل الرجعية الأشد شراسة، وحيث كان حتى أكثر المتفائلين عاجزا عن توقع إمكانية حدوث ذلك. وتمكنت الطبقة العاملة من حسم السلطة وأخذ مصيرها بين أيديها.
الطبقة العاملة العالمية اليوم أقوى بما لايقاس مما كانت عليه قبل 100 سنة، وهي ليست مستعدة لتحمل فاتورة أزمة الرأسماليين. وقد بدأت بالفعل في التعبير عن ذلك من خلال نهوض عالمي جديد ومبشر للثورة في العديد من المناطق في العالم. قبل حوالي خمس سنوات اندلعت الثورة التونسية وبعدها الثورة المصرية وبعدها العديد من الثورات في العديد من بلدان المنطقة، ومن بينها المغرب مع حركة 20 فبراير، بل حتى إسرائيل نفسها شهدت نهوضا نضاليا للعمال والشباب بشعارات مستمدة من شعارات الطبقة العاملة والشباب المصري.
لكن وبالرغم من كل البطولات والتضحيات كان غياب القيادة الثورية، أي الحزب الماركسي الثوري، عاملا حاسما في فشل تلك الثورات في تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على أنظمة الاستغلال والقهر.
وسرعان ما انتقل مركز ثقل الثورة إلى أوربا نفسها، حيث نشهد غليانا ثوريا في العديد من البلدان، وخاصة اليونان وإسبانيا، والذي عبر عن نفسه على شكل صعود سريع للتيارات اليسارية (حزب سيريزا، حركة بوديموس) وانتخاب اليساري جيريمي كوربين رئيسا لحزب العمال في بريطانيا، الخ. مما يشكل ظاهرة عامة لها نفس الأسباب: أي حاجة الجماهير إلى التغيير وبحثها عن هذا التغيير في اتجاه اليسار.
لكن الأوهام الإصلاحية التي تسيطر على عقول قادة تلك الحركات يجعلها غير قادرة على تقديم منظور ثوري وحل حقيقي للمشاكل العويصة التي تعيشها الجماهير. إن الإصلاحيين أناس يؤمنون بالخرافات والمعجزات إلى درجة الاعتقاد في إمكانية إصلاح الرأسمالية وتقديم حلول جدية ودائمة لمشاكل الجماهير، المتمثلة في الفقر والبطالة والاستغلال والتلوث الخ، في ظل النظام الرأسمالي. لكن مشروعهم الخيالي هذا سرعان ما يظهر على حقيقته بمجرد ما ينتقل من عالم الخُطب والغرف المكيفة والمقالات، إلى عالم التطبيق القاسي، وهو ما حصل مع قادة سيريزا الإصلاحيين وهو ما سيحصل مع الآخرين في بلدان اخرى.
إن الأزمة التي نعيشها الآن سببها أن القوى الماركسية ما تزال ضعيفة وصوتها ما يزال غير مسموع على نطاق واسع من طرف العمال والفقراء، بينما قادة الحركة هم إصلاحيون يقدسون الملكية الخاصة وحدود النظام الرأسمالي بالنسبة لهم خط أحمر لا يمكن تجاوزه. هذا الواقع هو ما سيجعل من المرحلة التي نعيشها مرحلة طويلة نسبيا ومؤلمة، مرحلة غليان تتزامن فيها فترات المد الثوري وأروع الانتصارات، بفترات الجزر وأبشع الهزائم، مرحلة سيرقص خلالها البندول في اتجاه اليسار حينا وفي اتجاه اليمين حينا آخر، وهي مرحلة ستطول ما طالت حالة ضعف القوى الماركسية الثورية.
إلا أنها مرحلة الصراع التاريخي الحاسم بين معسكر الثورة، الذي يضم العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين والمثقفين الثوريين، أي القوى الحية في المجتمع وكل من هو شريف وطاهر؛ وبين معسكر الثورة المضادة، الذي يضم طغمة الرأسماليين والملاكين العقاريين والحكام الدكتاتوريين وصناع الحروب والمثقفين المرتزقة، من صحفيين و"خبراء" ورجال دين و"مفكرين"، الخ أي كل ما هو متعفن ورجعي.
وجيلنا هذا له الحظ في ان يكون الجيل التاريخي الذي في مقدوره حسم الصراع لصالح الاشتراكية ضد الرأسمالية، لصالح الثورة ضد الثورة المضادة، لصالح التقدم ضد الهمجية والخراب.
إننا نقف بوعي وبحزم ووضوح في معسكر الثورة الاشتراكية ضد معسكر الثورة المضادة، وندعو كل المتفقين مع أفكارنا وبرنامجنا ومشروعنا، من عمال ومثقفين وشباب ثوريين، إلى الالتحاق بنا وضم قبضتهم إلى قبضتنا في هذا النضال العظيم النبيل والذي هو أهم من الحياة نفسها: النضال من أجل الثورة الاشتراكية!
أيها العمال الطليعيون، أيها الشباب والمثقفون الثوريون، ابتداء من العدد المقبل سيصير اسم الجريدة هو الثورة. وذلك لأننا نريد لاسمها أن يكون شعار حرب، مثلما كان اسم جريدة لينين "الشرارة" شعار حرب، وجريدة تروتسكي "الحقيقة" شعار حرب وإعلانا عن هوية واضحة. لقد اخترنا تغيير اسم جريدتنا إلى الثورة لأننا نريد أن تكون فعلا صوت الثورة وترفع راية الثورة عاليا وتخاطب جيل الثورة وتوضح طريق الثورة من أجل القيام بالثورة الاشتراكية.
الاشتراكية أو الهمجية
عاشت الاشتراكية
فلتسقط الهمجية الرأسمالية