«أيا كان موقف المرء من البلشفية، فإن الشيء الذي لا يمكن إنكاره هو أن الثورة الروسية واحدة من أعظم الأحداث في تاريخ البشرية، وأن حكم البلاشفة ظاهرة ذات أهمية عالمية»[1].
لقد مر ما يقارب عقدين من الزمن منذ نشر الطبعة الإنجليزية الأولى لكتاب “البلشفية: طريق الثورة”، عام 1999. تلقى الكتاب استقبالا حماسيا للغاية، حتى من طرف أشخاص لا يتفقون بالضرورة مع وجهة النظر السياسية لمؤلفه. وقد تمت ترجمته إلى الإسبانية والأردية. وها هي الآن طبعته الثانية، كما يتم تحضير عدد من الترجمات الجديدة له بلغات أخرى، بما في ذلك اليونانية والعربية والإندونيسية.
من المناسب للغاية إعادة نشر الكتاب لكي يتزامن مع الذكرى المئوية لثورة أكتوبر. تعتبر الثورة البلشفية، من وجهة النظر الماركسية، أعظم حدث في تاريخ العالم. لماذا؟ لأنها كانت المرة الأولى، إذا استثنينا تجربة كومونة باريس البطولية والمأساوية في نفس الآن، التي تمكنت فيها الجماهير من إسقاط النظام القديم وبدأت المهمة العظيمة للتغيير الاشتراكي للمجتمع.
قال كارل ماركس إن الفلاسفة لم يعملوا سوى على تفسير العالم بطرق مختلفة، لكن الهدف هو تغييره. وتحت قيادة لينين وتروتسكي قام الحزب البلشفي بتغيير تاريخ العالم كله بطريقة ما تزال آثارها ملموسة حتى اليوم. ولذلك فبغض النظر عما يعتقده المرء بخصوص الثورة الروسية ودور الحزب البلشفي، فإنه يتعين على كل شخص ذو تفكير مستقل أن يدرس ما كان أهم حدث تاريخي بكل معاني الكلمة.
لقد قضيت ثلاثين عاما أجمع المواد الضرورية لكتابة تاريخ شامل للبلشفية، وذلك لسبب بسيط هو أنني لم أجد أي عمل ينصف حقا هذا الموضوع المهم. المؤرخون البرجوازيون غير قادرين على كتابة عمل جاد حول الحزب البلشفي أو ثورة أكتوبر. فهم مدفوعون بمشاعر الكراهية والحقد، والتي لا يحاولون حتى إخفاءها تحت ستار “موضوعية” أكاديمية زائفة ومنافقة. وغني عن القول إن وراء هذه الكراهية تكمن عاطفة أخرى وهي: الخوف من الثورة، التي صارت، في ظل أزمة الرأسمالية الحالية، تهدد بالعودة إلى الظهور في جميع البلدان، الواحد منها تلو الآخر.
النقاش مع أورلاندو فيجز
يحاول المدافعون عن الرأسمالية، وعملاؤهم المخلصون داخل الحركة العمالية، أن يطمئنوا أنفسهم بفكرة أن انهيار الاتحاد السوفييتي دليل على نهاية الاشتراكية. لكن ما فشل في روسيا لم يكن الاشتراكية، بل صورة كاريكاتورية عن الاشتراكية. وعلى عكس الافتراءات المتكررة، فإن النظام الستاليني كان نقيض النظام الديمقراطي الذي أنشأه البلاشفة في عام 1917.
منذ وقت ليس ببعيد أتيحت لي الفرصة لأشاهد هذا النوع من “الموضوعية” عندما ناقشت مع أورلاندو فيجز، أستاذ التاريخ في جامعة بيركبيك بلندن، حول موضوع: “الثورة الروسية: نصر أم مأساة؟”، ولا بد لي أن أعترف بأنني كنت قد نسيت مدى سوء هؤلاء الأكاديميين البرجوازيين. كانت أقوى لحظة في مساهمة فيجز هي عندما أبلغني أنني تعرضت لغسيل دماغ، واعتبرَ أن دفاعي عن ثورة أكتوبر هو نتاج للجهل عكس علمه الأكاديمي الواسع. أما أضعف لحظة في مساهمته فلا داعي للإشارة إليها.
إن الادعاء القائل بأن “ثورة أكتوبر ليست سوى انقلاب نظمته مجموعة صغيرة من المتآمرين، بقيادة لينين وتروتسكي”، طفولي لدرجة أنني أندهش حقا عندما يكرره أي شخص له ذرة من الذكاء. لكن ذلك بالضبط ما قام به أورلاندو. عندها طلبت من خصمي أن يقدم لي الوصفة التي تمكنني من القيام بمثل ذلك الإنجاز الاستثنائي، حتى أتمكن من حسم السلطة في بريطانيا في صباح اليوم التالي. لكنه مع الأسف تركني أنتظر رده حتى الآن.
لقد شرحت بلغة بسيطة للغاية أن ثورة أكتوبر كانت حركة شعبية جماهيرية لملايين العمال والفلاحين الذين اقتحموا ساحة التاريخ، لكي يأخذوا مصائرهم بأيديهم. وبالاعتماد على روايات شهود عيان، وحتى كتاب فيجز نفسه، أوضحت كيف أن البلاشفة كانوا، بحلول أكتوبر 1917، الحزب الوحيد الذي يعمل وسط صفوف الجماهير ويتمتع بثقتها، وكيف أن نضالهم من أجل “السلام والخبز والأرض” و”كل السلطة للسوفييتات”، هو ما مكنهم من كسب الشعب إلى رايتهم.
كما أنه ليس صحيحا، ما يدعيه أورلاندو فيجز وغيره من منتقدي البلشفية الآخرين، أن لينين وتروتسكي كانا “وحشين دمويين صعدا إلى السلطة عبر بحر من الدماء”. في الواقع كانت الثورة البلشفية، على الأقل في بتروغراد، ثورة دون إراقة أي دماء تقريبا. بل حتى فيجز نفسه يصفها في كتابه بأنها تشبه “عملية مداهمة بوليسية”. والسبب في ذلك بسيط للغاية: لم يكن لدى النظام ببساطة من يدافع عنه. لقد حصل البلاشفة على دعم ساحق لدرجة أن جماهير الشعب دفعتهم إلى السلطة في انتفاضة شبه سلمية.
الدماء التي سالت كانت بسبب الحرب الأهلية التي أعقبت الانتفاضة، وذلك عندما غزت 21 من الجيوش الأجنبية روسيا لمحاولة الإطاحة بالبلاشفة. وتعبأت العناصر الأكثر رجعية في المجتمع: الملاكون العقاريون والطبقة السائدة القديمة، للإطاحة بالحكومة السوفياتية. لم يكن أمام البلاشفة من خيار سوى القتال للدفاع عن أنفسهم ضد الثورة المضادة، وإلا كانوا سيتعرضون للذبح ويعرضون كل مكاسب الثورة للدمار. لقد قاتلت الثورة وانتصرت، وهذا ما لا يستطيع أعداؤها أن يغفروه أو ينسوه.
البلشفية في هافانا – وكراكاس
قابلت هوغو تشافيز لأول مرة في أبريل 2004. وفي أول اجتماع لنا وجها لوجه، في قصر ميرافلوريس الرئاسي، قدمت له نسخة من كتاب “البلشفية” باللغة الإسبانية، قبلها بحماس كبير، وبدأ يقلب الصفحات ثم توقف.
قال لي: “أراك كتبت عن بليخانوف”.
قلت: “هذا صحيح”.
قال: “لقد قرأت كتابا لبليخانوف منذ فترة طويلة، وقد ترك عندي انطباعا جيدا. كان عنوانه: “دور الفرد في التاريخ”. هل تعرفه ؟”
قلت: “طبعا”.
قال وهو يتأمل: “دور الفرد في التاريخ، حسنا، أعلم أن لا أحد منا ضروري حقا”.
أجبته: “هذا ليس صحيحا تماما. هناك فترات في التاريخ يمكن للفرد فيها أن يحدث فيها فرقا جوهريا”.
فقال: “أجل، لقد أسعدني أنك قلت في كتابك “Reason in Revolt” إن الماركسية لا يمكن اختزالها إلى عوامل اقتصادية”.
قلت: “هذا صحيح. تلك صورة كاريكاتورية مبتذلة عن الماركسية”.
قال: “هل تعلم متى قرأت كتاب بليخانوف دور الفرد في التاريخ؟”.
أجبته: “ليست لدي أي فكرة”.
قال: “قرأته عندما كنت ضابطا في وحدة مكافحة حرب العصابات في الجبال. تعلم لقد كانوا يعطوننا كتبا لنقرأها حتى نتمكن من فهم أساليب التخريب. قرأت أن المخربين يعملون بين الناس ويدافعون عن مصالحهم ويكسبون قلوبهم وعقولهم. بدت لي فكرة جيدة!”
“ثم بدأت أقرأ كتاب بليخانوف وأعطاني انطباعا عميقا. أتذكر أنها كانت ليلة جميلة مضاءة بالنجوم في الجبال، وكنت في خيمتي أقرأ تحت ضوء مصباح. الأشياء التي قرأتها جعلتني أفكر وبدأت أتساءل عما أفعله في الجيش. صرت تعيسا للغاية”.
ولاحقا أخبرني أن كتاب “البلشفية” و”Reason in Revolt” ساعداه على التوصل إلى أن الاشتراكية هي الحل الوحيد لمشاكل البشرية.
إحدى أكثر التجارب التي لا تنسى هي عندما كنت بصدد تقديم كتاب “البلشفية” في معرض هافانا للكتاب، حيث أتيحت لي الفرصة لشرح ما حدث بالفعل خلال الثورة الروسية، ولا سيما التأكيد على دور ليون تروتسكي فيها. كان الحضور يضم العديد من الشباب، والمناضلين الشيوعيين المخضرمين، والأساتذة الجامعيين، والسفير الكوبي السابق، أوريليو ألونسو (عضو جماعة الفكر النقدي ”Pensamiento Crítico” في الستينيات)، وتروتسكيين كوبيين سابقين، وطلاب أجانب من عدد من بلدان أمريكا اللاتينية. كانت تلك بالنسبة للكثيرين منهم، هي المرة الأولى التي سمعوا فيها شرحا للدور الحقيقي الذي لعبه تروتسكي في الثورة الروسية، وعلى وجه الخصوص سردا مفصلا لمختلف المواقف التي كانت داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية تجاه فكرة الثورة الدائمة (أي مهام الثورة الروسية وقواها المحركة)، وكيف اتفق لينين وتروتسكي على هذا الأمر بعد أن نشر لينين كتابه موضوعات أبريل.
قلت في ملاحظاتي التمهيدية: «يجب أن نستعيد التقاليد الحقيقية للبلشفية من تحت كومة من الأكاذيب والتشويهات التي خلقتها البرجوازية، وكذلك الستالينيين». كانت إحدى الأفكار التي ركزتُ عليها هي الطبيعة الديمقراطية للحزب البلشفي، الذي كان يتميز دائما بنقاشات حرة أعدته للعمل الثوري. كانت تلك الديمقراطية الداخلية ضرورية للغاية لكي يتعلم الحزب من أخطائه. إن الفكرة التي تدعي أن الحزب البلشفي تطور من خلال مسيرة مستمرة دون أخطاء، حتى الاستيلاء على السلطة، هي أسطورة ستالينية لا يمكن لأحد أن يتعلم منها أي شيء.
وحقيقة أن كتب تروتسكي صارت معروضة للبيع مرة أخرى في كوبا، كانت إشارة واضحة إلى أن في الجزيرة تعطشا كبيرا للأفكار الماركسية الحقيقية. يجب أن تتم استعادة تلك التقاليد للجيل الجديد من المناضلين الثوريين الناشئين، ولا سيما في أمريكا اللاتينية. بهذا المعنى يعتبر كتاب “البلشفية” ليس مجرد كتاب عن التاريخ، بقدر ما هو أداة لبناء الحزب الثوري اليوم. وكما أشرت: «إن الحزب الثوري هو أولا وقبل كل شيء الأفكار وأساليب العمل والتقاليد، والذاكرة التاريخية للطبقة العاملة، وبعد ذلك فقط هو جهاز لوضعها قيد التطبيق».
كان هناك مشروع لنشر كتاب “البلشفية” في كوبا، لكني لا أعرف ما إذا كان قد تحقق بالفعل أم لا.
كتاب تروتسكي عن ستالين
كان الحزب البلشفي أكثر الأحزاب ثورية في التاريخ. لكن حتى أكثر الأحزاب ثورية لديه جانبه المحافظ. تتطور هذه النزعة المحافظة نتيجة لسنوات من العمل الروتيني، وهو أمر ضروري للغاية، لكنه يمكن أن يؤدي إلى نمو بعض العادات والتقاليد التي قد تصير، خلال الوضع الثوري، مثل فرامل، إذا لم تتمكن القيادة من التغلب عليها. في اللحظة الحاسمة، عندما يتطلب الوضع تغييرا حادا في توجه الحزب، تغييرا من العمل الروتيني إلى الاستيلاء على السلطة، يمكن أن تتعارض العادات القديمة مع احتياجات الوضع الجديد. وفي هذا السياق بالتحديد حيث يصير دور القيادة حاسما.
ربما يكون الإصدار الأخير للنسخة الكاملة للسيرة الضخمة التي كتبها تروتسكي عن ستالين، إضافة إلى أعمال لينين الكاملة، أفضل مصدر لدراسة تاريخ الحزب البلشفي. لسوء الحظ لم يكتمل ذلك العمل بسبب اغتيال تروتسكي في غشت 1940. واستمر على مدى 75 عاما الماضية متوفرا فقط في تلك النسخة المختصرة والمشوهة بشدة من طرف تشارلز مالاموث.
عمل فريق صغير متفان، لمدة عشر سنوات، لإعادة تجميع المواد المفقودة بهدف جعل أكبر قدر ممكن من كتاب تروتسكي متاحا لعامة القراء. وقد كان لي شرف وامتياز تحرير ذلك العمل، الذي نُشر أخيرا (باللغة الإنجليزية) في عام 2016، وتتم ترجمته الآن إلى الإسبانية والبرتغالية والإيطالية واليونانية والفرنسية والألمانية والأردية ولغات أخرى.
لقد شكل كتاب تروتسكي عن ستالين، حتى في نسخته السابقة غير المكتملة والمشوهة، مصدرا لا يقدر بثمن لأي شخص مهتم بتاريخ البلشفية، وقد استفدت منه كثيرا في تأليف كتابي هذا. لكنه بالإصدار الجديد المزيد بشكل كبير، كنز حقيقي لتاريخ وأفكار الحركة الثورية الروسية خلال النصف الأول من القرن العشرين.
في ذلك الكتاب كتب تروتسكي ما يلي:
«يصل الصراع بين الطبقات إلى نقطة تنشأ فيها توترات مستعصية. هذا هو الشرط الاقتصادي المسبق للثورة. وعلى أساس هذا الواقع الموضوعي، لابد أن تنشأ إعادة تجميع معينة، يتم التعبير عنها في علاقات سياسية معينة وحالات معينة من الوعي في العلاقة بين الطبقات. لهذه السيرورات طابع سيكولوجي. إنها، في التحليل الأخير، محكومة بالطبع بالأزمة الاجتماعية الموضوعية، لكن لديها منطقها وديناميتها الداخلية الخاصة: قوة الإرادة، والرغبة في النضال، أو، على العكس من ذلك، الارتباك والانحطاط والجبن. إن دينامية الوعي هذه بالضبط هي التي تحدد بشكل مباشر مسار الثورة ونتيجتها.
إن ما يميز حقبة المد الثوري هو، من ناحية، تزايد التناقضات والعداوات والارتباك بين صفوف الطبقات الحاكمة القديمة، في حين يكون هناك، من ناحية أخرى، تضامن متزايد بين صفوف الطبقة الثورية الرئيسية، التي تتجمع حولها جميع الطبقات المضطهَدة على أمل تحسين أوضاعها. وأخيرا الطبقات والشرائح الوسطى التي تظل محايدة أو يتم امتصاصها في دوامة الأحداث إلى جانب هذه الطبقة الرئيسية أو تلك.
يمكن للثورة أن تنتصر عندما تتمكن الطبقة الثورية من كسب أغلبية الفئات الوسطى، وبذلك تصبح المتحدث باسم غالبية الأمة. يمكن للمرء خلال الحقبة الثورية أن يميز الشعارات التي يجري في ظلها النضال ويميز الطبقة الثورية التي تناضل من أجل السلطة. تصبح الثورة ممكنة عندما تتمكن طليعة البروليتاريا، المنظمة في حزب، من أن تجذب الغالبية العظمى من الطبقة العاملة لتقف وراءها، وتعزل العناصر المسحوقة والمحبطة وتحولهم إلى هباء.
يتوافق المستوى العالي لتضامن الطبقة الثورية مع الانقسام والانشقاقات الداخلية في صفوف الطبقات القديمة. لكن الطبقات ليست متجانسة، سواء اجتماعيا أو أيديولوجيا. فداخل البروليتاريا، من الممكن دائما التمييز بين طليعتها وبين الفئات الوسيطة والمتوسطة، وأخيرا الفئات المتخلفة، بل وحتى الرجعية. وبمجرد أن تتحد البروليتاريا في أغلبيتها حول الطليعة الثورية، تكتسح قسما كبيرا من الطبقات الوسيطة والمشوشة والمضطهَدة والفئات الدنيا من البرجوازية الصغيرة، وتعمل على تحييد الشرائح الأخرى، ويدفع هجومها إلى تأزيم الطبقة السائدة التي استنفذت فرص بقائها. تَكسِر مقاومة الجيش وتكسب جزءا كبيرا منه إلى جانبها وتعمل على دفع البقية إلى لزوم الحياد، وتعزل أكثر العناصر رجعية. هذه، بشكل عام، هي صيغة الثورة البروليتارية»[2].
في هذه الفقرات القليلة الموجزة، يلخص تروتسكي ببراعة الدور الحقيقي للحزب الثوري.
الدور الحاسم للحزب
كان العامل الحاسم في نجاح ثورة أكتوبر هو بلا شك وجود حزب ماركسي: الحزب البلشفي بقيادة لينين وتروتسكي. لكن هذا الحزب لم يسقط من السماء، كما لم يتم ارتجاله في اللحظة الثورية. لقد تم بناؤه بصعوبة كبيرة على مدى عشرين عاما، معظمها في ظل ظروف العمل السري القاسية.
من المستحيل العثور في كل تاريخ الأحزاب السياسية على مثال لحزب نما في فترة قصيرة، تقدر بعشرين عاما، من مجموعة صغيرة جدا إلى حزب جماهيري قوي قادر على قيادة ملايين العمال والفلاحين إلى حسم السلطة. وتعتبر غايتي الأولى من وراء تأليف هذا الكتاب هي تقديم سرد دقيق لتاريخ البلشفية بكل إخفاقاته ونجاحاته وهزائمه وانتصاراته.
يعتبر هذا ترياقا ضروريا ضد التاريخ الستاليني الذي يصور صعود الحزب البلشفي كمسيرة ظافرة، كسيرورة تلقائية كان من الحتمي أن تنتهي بالنصر. ليست لتلك الرواية الميكانيكية الميتة أية علاقة بالتاريخ، بل هي أشبه بالقصص الخرافية بأبطالها الطاهرين وأشرارها السيئين. في الوقت الحاضر لم يعد أحد يأخذ تلك الكتب على محمل الجد، بل يتم التعامل معها بسخرية.
ومع ذلك فإني لم أؤلف هذا الكتاب ليكون مجرد تاريخ آخر، مجرد شيء ذا أهمية أكاديمية فقط تتم قراءته من أجل إشباع الفضول أو التسلية. لقد كان هدفي من تأليفه هو تزويد الجيل الجديد من المناضلين العماليين بالمعلومات الضرورية حول كيفية بناء حزب ثوري حقيقي. وبعبارة أخرى، فإن هذا الكتاب ليس هدفه أن يكون تذكارا للماضي، بل أن يشكل دليلا ومرشدا للثوريين في الحاضر والمستقبل.
هل نجحت في هذا الهدف؟ سأقتبس فقرة واحدة فقط من دراسة نقدية إيجابية للغاية صدرت في مجلة “التاريخ الثوري” التي تحظى باحترام كبير، حيث قالت:
«أيا كان رأي القارئ في دفاع المؤلف عن النموذج الكلاسيكي للحزب اللينيني، فإنه سيكون من الظلم عدم الاعتراف بالسلطة التي يمتلكها هذا الكتاب. يحتوي تاريخ الحزب البلشفي على دروس قيمة للكفاح من أجل الاشتراكية اليوم، وقد قام آلان وودز بخدمة جليلة من خلال جعل هذا التاريخ في متناول جيل جديد من المناضلين».
وخلاصة القول: إن البلشفية ليست تاريخا مضى، بل هي مستقبل البشرية، إنها طريق الثورة.
آلان وودز
لندن، 07 شتنبر 2017
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي
هوامش:
[1] J. Reed, Ten Days that Shook the World, p. 13.
[2] Trotsky, Stalin, The Thermidorian reaction, pp. 651-2, the new English edition