في الوقت الذي أكتب فيه هذه الأسطر، يهيمن على عناوين الصحف الإعلان الصادم بأن روسيا ستكون “في حالة حرب” مع الولايات المتحدة وحلفائها إذا هم رفعوا القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للصواريخ الغربية بعيدة المدى لتوجيه ضربات في عمق الأراضي الروسية.
[Source]
فجأة، ومن دون أي إنذار، أصبحت الجماهير على دراية بحقيقة صادمة وهي أن: استمرار الصراع الأوكراني وتصعيده يضعهم أمام تهديد بالفناء النووي.
لقد جاءت هذه الأخبار، بالنسبة للغالبية العظمى من الناس في الغرب، كصاعقة في سماء صافية. ولسان حالهم يقول: من المؤكد أن الأمور لا يمكن أن تكون بهذا السوء؟ لماذا لم يتم إخبارنا بهذا من قبل؟
لكن هذا لم يشكل مفاجأة على الإطلاق بالنسبة لأي شخص تابع بجدية تطور الأحداث.
معظم الناس لديهم ذاكرة قصيرة للغاية، ويبدو أن الساسة ليست لديهم أي ذاكرة على الإطلاق بخصوص الحقائق عندما لا تناسبهم تلك الحقائق. هل نسينا حقيقة أن روسيا ليست مجرد دولة قوية جدا ذات جيش ضخم، بل هي أيضا أكبر قوة نووية في العالم، ومجهزة بصواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب أي هدف على كوكب الأرض؟
لذلك فإما أن زعماء العالم الغربي قد نسوا هذه الحقائق، وفي هذه الحالة هم حمقى وغير جديرين بالمناصب العليا؛ أو أنهم يدركون ذلك جيدا، وفي هذه الحالة هم مذنبون بالتهور الإجرامي الذي يعرض حياة الملايين من الناس للخطر، ويجب وضعهم في السجن أو إرسالهم إلى أقرب مستشفى للأمراض العقلية.
لكن ما هو تفسير هذا التطور الأخير المثير للقلق؟
هل يريد بوتن الحرب مع الغرب؟
التفسير الأول الذي يتم طرحه بشكل متكرر في وسائل الإعلام بسيط للغاية: فلاديمير بوتن دكتاتور مجنون يريد غزو العالم، فإذا لم يُهزم في أوكرانيا، فسوف يهاجم أوروبا ويخضعنا جميعا للعبودية. ونظرا لأنه مختل عقليا وغير قادر على اتخاذ قرارات عقلانية، فمن غير المجدي حتى التفكير في التفاوض معه.
نسمع مثل هذه الحجج بانتظام ممل من جانب من يسمون بـ”الخبراء في الشؤون الروسية”. لكن هذا التفسير لا يفسر أي شيء. يمكن أن تلعب نفسية الزعماء الأفراد، بطبيعة الحال، دورا كبيرا في تطور الأحداث، بما في ذلك الحروب. ونحن نرى هذا بوضوح شديد في حالتي أوكرانيا وإسرائيل.
لكن مثل هذه العوامل لا يمكنها أبدا أن تفسر بشكل كامل التحركات الأكثر جدية التي تقوم بها الأمم، وخاصة فيما يتصل بمسألة الحرب. ومن أجل فهم هذا، من الضروري الكشف عن الينابيع السرية التي تدفع الأمم إلى الحرب، أي مصالحها المادية.
لكن حتى لو حاولنا إيجاد تفسيرات للوضع الحالي من خلال الاستنجاد بالعالم الغامض للتحليل النفسي الفردي (وهو اقتراح محفوف بالمخاطر دائما)، فسوف نرى على الفور أن السيكولوجية المزعومة للرجل الموجود في الكرملين لا تتوافق على الإطلاق مع الحقائق المعروفة.
دعونا نوضح مقدما أننا لا نملك أية أوهام بشأن فلاديمير بوتين. فنحن لا ندعمه بأي شكل من الأشكال، ولم ندعمه نهائيا. إنه في واقع الأمر معادي للثورة عدو للطبقة العاملة، سواء في روسيا أو على المستوى العالمي.
يدافع بوتين عن مصالح الأوليغارشية الروسية، أي تلك العصابة الفاسدة من رجال الأعمال الذين أثروا أنفسهم بسرقة الممتلكات العامة للاتحاد السوفياتي. وبالتالي فإنه لا توجد ذرة من المحتوى التقدمي في سياساته، سواء في السلم أو في الحرب، سواء داخل حدود روسيا أو خارجها.
ويترتب عن ذلك أنه أيا كانت السياسة التي ينتهجها في أوكرانيا فإنها لن تخدم مصالح العمال سواء في أوكرانيا أو روسيا. لكنه من الصحيح، وبنفس القدر كذلك، أن الزمرة الرجعية الحاكمة في كييف، لا تدافع عن مصالح الشعب الأوكراني، الذي تتم التضحية به بوحشية كبيادق في السياسات الكلبية التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلف الناتو .
هل بوتين غير عقلاني؟
إن حقيقة كون بوتين رجعيا لا تعني بالضرورة أنه مجنون أو غير عقلاني. بل وعلى العكس من ذلك، فإن كل ما نعرفه عن ذلك الشخص يشير إلى أنه رجل ماكر للغاية يعرف بالضبط ما يفعله ويستند دائما إلى استنتاجات، قد تكون كلبية، لكنها دائما نتيجة لحسابات باردة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن هؤلاء الرجال والنساء الجهلة والأغبياء بشكل لا يصدق، في الولايات المتحدة وأوروبا، والذين يتم الترويج لهم على أنهم سياسيون ودبلوماسيون، يقدمون صورة من العجز التام وانعدام الكفاءة.
إن هؤلاء السيدات والسادة كلبيون ومتلاعبون مثل سيد الكرملين؛ لكنهم وعلى عكسه، ليسوا غير عقلانيين فحسب، بل إنهم غير قادرين على مواجهة الحقائق على الإطلاق. إن تخبطهم المستمر في الشؤون العالمية يُظهر أنهم غير قادرين على وضع أي شيء قد يشبه خطة عمل أو استراتيجية متماسكة.
إنهم، بدلا من ذلك، يتفاعلون مع الأحداث بطريقة تجريبية محضة، ومن الواضح أنهم غير قادرين حتى على وضع قدم أمام الأخرى دون أن يتعثروا ويسقطوا في خندق. ونتيجة لذلك فقد انتهت السياسة التي نهجوها في أوكرانيا إلى كارثة كاملة، وعجزهم عن وقف الاستفزازات المتهورة التي يقوم بها نتنياهو، يهدد بجرهم إلى كارثة أكبر في الشرق الأوسط.
إن المرء لينظر بدهشة مطلقة إلى كيف يتم تحديد سياسات واشنطن من خلال تصرفات رجلين يائسين، أحدهما في كييف والآخر في القدس. إن هذين الرجلين، اللذين يعتمدان في الواقع بشكل كامل على الأموال والأسلحة التي تزودهما بها واشنطن، يشعران بوضوح بالحرية في متابعة سياسات تتناقض بشكل مباشر مع المصالح الاستراتيجية للإمبريالية الأمريكية.
وعند هذه النقطة، وعلى الرغم من أن الوضع يتحدى الخيال، فإنه يبدو أن الدمى قد قطعت الخيوط التي تربطها وبدأت ترقص بحرية وفقا لأهوائها الخاصة. من المدهش أن الذيل صار هو الذي يهز الكلب!
للوهلة الأولى، قد يبدو أن هذه الحقيقة تتناقض مع تصريحنا السابق بأنه من المستحيل فهم الحروب باعتبارها نتيجة لسيكولوجية فردية. ولكن هناك أوقات تكون فيها السيكولوجية الفردية مجرد تعبير عن المصالح المادية المحددة للغاية لبعض الأفراد. حيث يصبح الأمران مرتبطين بشكل وثيق.
دعونا نفحص هذه الظاهرة الغريبة عن كثب. وسوف نعود إلى نقطة البداية في وقت لاحق، أي إلى الإنذار الذي وجهه بوتين إلى الغرب، والذي نأمل أن يصبح بحلول ذلك الوقت واضحا ولو قليلا على الأقل.
ثلاثة أخطر رجال على وجه الأرض
في قلب الدوامة المرعبة للأحداث العالمية، يقف رجلان. يعيشان على بعد آلاف الأميال. يتحدثان لغات مختلفة. ولا يشبه أحدهما الآخر إلا قليلا، سواء جسديا أو فكريا. بل قد يقول المرء إنهما مختلفان تماما.
ومع ذلك، فإنهما متطابقان في جانب واحد. فهما يقتسمان هوسا مشتركا، هوس له عواقب خطيرة للغاية على العالم. إذا سألت معظم الرجال والنساء عن أعظم أمنياتهم للعالم، سيجيبون بلا شك بكلمة واحدة: “السلام”. لكن السلام شيء بعيد جدا عن ذهن هذين الشخصين. إذ أصبحت الحرب الهدف المركزي لوجودهما. إنهما يرغبان فيها بشدة. لأنهما معها يصيران كل شيء، وبدونها هما لا شيء.
هذين السيدين هما فولوديمير أوليكساندروفيتش زيلينسكي، وبنيامين (بيبي) نتنياهو.
الحروب التي تورطا فيها لا تسير على ما يرام، وذلك لأسباب مختلفة تماما، تناولناها في مقالات منفصلة.
فإسرائيل ورغم تفوقها العسكري الهائل، قد فشلت طيلة عام تقريبا في تأمين إطلاق سراح الرهائن أو القضاء على حماس كقوة مقاتلة.
والموجة الحالية من الغضب الشعبي داخل إسرائيل تهدد مستقبل نتنياهو وحكومته. لكن نتنياهو ليست لديه نية في الاستسلام، لأنه يعلم أن ذلك سيعني انهيار حكومته. كما أنه مهدد بالمحاكمة بتهمة الفساد. ولذلك فهو يرغب في القتال حتى النهاية، بصرف النظر عن العواقب.
تلك العواقب ستكون خطيرة للغاية على العالم بأسره. إن الحرب مع إيران، التي يرغب فيها بشدة ويصمم على اشعالها، لن تكون مثل حمام الدم الذي يشنه من جانب واحد ضد عدو أضعف كثيرا في غزة.
إن إيران دولة عسكرية قوية ولديها جيش متمرس وذو دوافع معنوية عالية، ومخزون كبير من الصواريخ وغيرها من الأسلحة المتطورة. وإذا لم تكن تمتلك بالفعل أسلحة نووية، فهي قريبة جدا من امتلاكها.
لدى إيران العديد من الحلفاء في المنطقة. وتشمل هذه المجموعات حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن؛ فضلا عن العديد من المجموعات الأصغر حجما، لكن الأكثر عدوانية، في بلدان أخرى، وكلها مصممة على مهاجمة إسرائيل بكل الوسائل المتاحة لها.
لقد تم إثبات مدى قوة الصواريخ الإيرانية قبل بضعة أشهر فقط، عندما أطلقت وابلا من الصواريخ على أهداف في إسرائيل ردا على استفزاز آخر.
في تلك المرة قام الإيرانيون، بضغط من الولايات المتحدة وبلدان أخرى، بإعطاء تحذير مسبق بالهجوم وحددوا أهدافهم حتى لا يستفزوا حربا صريحة مع إسرائيل. ولكن في المرة القادمة -وسوف تكون هناك حتما مرة أخرى- لن يظهروا مثل هذا المستوى من ضبط النفس.
لكن هناك بعد آخر لهذا الوضع: فقد أقامت إيران مؤخرا روابط وثيقة للغاية مع روسيا والصين. ولذلك فإنه في حالة اتساع الصراع، والذي سوف يشمل حتما لبنان واليمن (على أقل تقدير)، فإن التدخل الأمريكي الحتمي سوف يواجه بالتأكيد بمساعدة الروس، وربما الصينيين، لإيران.
إن تداعيات هذا السيناريو لابد وأن تكون واضحة لأي شخص. فلنتخيل، على سبيل المثال، أن حاملة طائرات أمريكية غرقت بصاروخ روسي الصنع. إن خطر الاصطدام المفتوح بين القوتين العظيمتين موجود ضمنيا في مثل هذا الموقف.
ومع ذلك، فإن الخطر الأكثر إلحاحا يمثله الرجل الثاني في قائمة الأوغاد من دعاة الحرب سيئي السمعة، إنه: الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
رسول الحرب رقم اثنان
عرض التلفزيون البريطاني، مؤخرا، مسلسلا من ثلاثة أجزاء عن حياة فولوديمير زيلينسكي. من الطبيعي أن توقيت هذا المسلسل التلفزيوني المتملق ليس مصادفة. بل هو، على العكس من ذلك، جزء من هجوم دعائي مخطط بعناية، مصمم ليكون بمثابة غطاء للهجوم الحقيقي الذي يحضر له، في السر، السياسيون في لندن وواشنطن.
يصور الجزء الأول من المسلسل الشاب فولوديمير كرجل سلام بدأ مساره كوميديا ناجحا، حيث لعب دور رئيس خيالي على شاشة التلفزيون. ويبدو أنه حقق نجاحا كبيرا كممثل كوميدي. وبالنظر إلى تطوره اللاحق، لا يملك المرء إلا أن يتمنى لو أنه بقي في ذلك الدور.
لكن الكوميدي السابق، المسالم المحب للمرح، توقف منذ فترة طويلة عن كونه مضحكا. فهو مع رؤسائه في واشنطن ولندن، يطيل أمد صراع دموي لا معنى له تخسر فيه أوكرانيا، وفقا لبعض الروايات، ما يصل إلى 2000 رجل كل يوم، بين قتيل وجريح.
وقد أصبح الآن يشكل أعظم خطر على السلام في العالم أجمع.
حالة زيلينسكي مختلفة عن حالة نتنياهو، لكنها في الوقت نفسه هي نفسها. فقد صار، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الحرب، يواجه الهزيمة الآن. وتلك الدعاية الحمقاء السابقة التي صورت انتصار أوكرانيا على روسيا باعتباره أمرا حتميا تقريبا، قد انتهت، كما توقعنا، في كومة من الرماد.
بعد فشل مقامرته الحمقاء في كورسك، أصبح الآن رجلا يائسا. والرجال اليائسون يفعلون أشياء يائسة. فهو يصرخ ويصيح في وجه جنرالاته، ويتهمهم بأنهم يخبرونه بالأكاذيب. إن الرجل قد أظهر، في الواقع، كل أعراض المريض الذي فقد كل اتصال بالواقع.
من الصعب دائما تفسير تصرفات شخص بعقل غير متوازن، لكن هناك شيء واحد واضح بشكل صارخ: لم يتبق أمام زيلينسكي سوى خيار واحد للفوز بالحرب، وهو استفزاز حرب أوسع نطاقا تجر إليها الولايات المتحدة. وعندها من الممكن أن يتولى الأمريكيون كل تبعات القتال نيابة عن أوكرانيا.
يشن زيلينسكي، منذ فترة طويلة، حملة صاخبة، يطالب فيها الأمريكيين بمنحه الإذن باستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لشن ضربات عميقة داخل روسيا. ومن الطبيعي أن يؤيد مشعلو الحروب الحمقى في لندن هذا الاقتراح الجنوني. لكن الأمريكيين، الذين يخشون الرد الروسي عن حق، ما زالوا يرفضونه، حتى الآن.
إنه نفس الخيار المتاح لنتنياهو، فهو يستفز إيران عمدا على أمل إشعال حرب شاملة في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيجبر الأمريكيين على التدخل من أجل “إنقاذ إسرائيل”.
وهذه طريقة أخرى للقول: إنهم يحاولون إشعال الحرب العالمية الثالثة.
رسول الحرب رقم ثلاثة
الرجل الثالث في عصابة مشعلي الحروب الخطرين لدينا هو حالة مختلفة تماما. إنه يلعب الآن دور الرجل غير المرئي، لكن هذا لا يعني أن دوره في الأحداث العالمية قد انتهى تماما.
إنه رجل عجوز حانق وساخط بسبب ما يراه تقاعدا مبكرا وغير مبرر، فرض عليه من قبل أشخاص كان يعتبرهم أصدقاءه، والذين انتهى بهم الأمر إلى منحه نفس الدفعة اللطيفة التي ساعدت، في الأيام الخوالي، يوليوس قيصر على اتخاذ قراره بالتنحي إلى الأبد.
لكن جو بايدن لم يرحل بنفس الهدوء الذي رحل به سلفه الروماني، فقد صارع بكل ما أوتي من قوة ضد قرار طرده، ولم يستسلم إلا على مضض عندما هدده داعموه الماليون بسحب دعمهم. وقد أثبت ذلك أنه سلاح متفوق بكثير من أي خنجر، وأقل إساءة لمشاعر الرأي العام.
لكن وحتى في ذلك الوقت، ورغم أنه استسلم وتخلى عن التقدم لمنصب المرشح الديمقراطي في انتخابات نوفمبر، فقد رفض بعناد التخلي عن منصب رئيس الولايات المتحدة. وهذا يعني أن أقوى منصب في العالم سيظل، وطيلة عدة أشهر، حتى يناير 2025، مشغولا من طرف سياسي فاشل، مليء بالاستياء والرغبة الملحة في الانتقام، ومهووس بمسألة أوكرانيا.
إن فكرة أن أصبع رجل عجوز حاقد وغاضب موجودة على زر يمكن أن يرسل الكوكب بأسره إلى العالم الآخر، ليست فكرة مطمئنة على الإطلاق. ليس سرا أن بايدن مهووس تماما بكراهيته لروسيا. من الواضح أنه لعب دورا رائدا في دفع أوكرانيا إلى حرب خاسرة ضد جار قوي، من خلال إصراره على انضمامها إلى حلف الناتو . ولا يوجد أي مؤشر على أنه قد غير موقفه بشأن ذلك، أو بشأن أي شيء آخر.
يبدو أنه منذ أن تم تهميشه من قبل أصدقاءه السابقين، صار يقضي أغلب أوقاته في لعب الغولف أو الاستلقاء تحت الشمس على الشاطئ. ومع ذلك، فلا بد أن عقله يغلي طوال الوقت. كيف يمكنه تلقين جميع أعدائه درسا لن ينسوه أبدا؟ فهو، بعد كل شيء، ما يزال الرئيس، ويمتلك كل سلطات رئيس الولايات المتحدة.
وإدراكا من بعض الأشخاص لهذه الحقيقة، فهم ما زالوا يحاولون الحصول على دعمه في أشياء يتردد سياسيون آخرون في الموافقة عليها. ومن بين هؤلاء هناك فولوديمير زيلينسكي، الذي اعتمد بشكل كبير ولفترة طويلة على الدعم غير المشروط للرجل الساكن في البيت الأبيض.
إنه يسعى إلى إجراء مناقشات مع صديقه القديم جو بايدن. وما الذي تتخيلون أنهم يتحدثون عنه؟
التسليم أو عدم التسليم، هذه هي المسألة!
لم يضيع رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، بدوره أي وقت فقفز على متن طائرة وعبر المحيط الأطلسي لإجراء محادثات مع الرجل الذي ما يزال يسمي نفسه رئيسا للولايات المتحدة. إن محتوى تلك المحادثات غير واضح حتى الآن، لكن لا شك على الإطلاق في أنها ستناقش المسألة الشائكة المتمثلة في السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى لضرب أعماق روسيا.
كانت أوكرانيا تهاجم أهدافا داخل روسيا منذ مدة. وهي تستخدم أسلحتها الخاصة لضرب أهداف بعيدة في الداخل الروسي، حيث شنت، يوم الثلاثاء، واحدة من أكبر الهجمات بالطائرات المسيرة على الأراضي الروسية مستهدفة مناطق متعددة، بما في ذلك موسكو. كانت تلك الهجمات، في الواقع، لأغراض دعائية بحثة. وكان تأثيرها الفعلي على الإنتاج الحربي الروسي ضئيلا، كما أن تأثيرها على الحرب نفسها منعدم تماما.
لم تكن تلك الهجمات أكثر من وخزات صغيرة، خاصة إذا قورنت بالهجمات المدمرة التي يشنها الروس على أوكرانيا. لكنه لا توجد طريقة يمكن أن يأمل بها الأوكرانيون في شن هجمات على نفس النطاق.
ولم يخف البنتاغون حقيقة معارضته لمنح الأوكرانيين الإذن بإطلاق الصواريخ الأمريكية في عمق روسيا. كما تبنت أجهزة الاستخبارات الأمريكية نفس الموقف تماما. وهو ما يشير بوضوح إلى وجود انقسام جدي في الإدارة والدولة.
لكن يبدو أنه ليس لكل ذلك أي تأثير على العقل المتخشب للرئيس. وهو ما يزال بوسعه أن يتغلب على جنرالاته ورؤساء الاستخبارات. فهو يحظى داخل الإدارة بدعم مجموعة صغيرة من العناصر المتطرفة من دعاة الحروب، والتي تعتبر كل حديث عن السلام والمفاوضات مع روسيا لعنة كاملة.
والواقع أن أوكرانيا تستخدم الصواريخ الغربية لضرب أهداف داخل روسيا منذ بعض الوقت. فقد تعرضت مدن، مثل بيلغورود، بشكل روتيني للقصف بالطائرات المسيرة. لكن الاتفاق على استخدام صواريخ بعيدة المدى، مثل Storm Shadows البريطانية، وصواريخ ATACM الأمريكية، لشن ضربات في عمق روسيا، فهي مسألة أخرى تماما.
ما لا يدركه أغلب الناس هو أن تلك الأسلحة المتطورة للغاية لا يمكن استخدامها دون المشاركة النشطة من جانب خبراء غربيين، في مجال الاستخبارات والتشغيل والخدمة. وبعبارة أخرى، فإن هذا يعني تورط العسكريين الغربيين بشكل مباشر في حرب ضد روسيا. وقد تجاهلت وسائل الإعلام الغربية هذه الحقيقة بشكل مقصود، على الرغم من أن بوتين قد أشار إليها بوضوح شديد قبل أشهر. وقد كرر نفس النقطة أمس فقط، حيث قال: “نحن لا نتحدث عن السماح أو عدم السماح للنظام الأوكراني بضرب روسيا بهذه الأسلحة، نحن نتحدث عن تحديد ما إذا كانت بلدان الناتو متورطة بشكل مباشر في الصراع العسكري أم لا”.
سيكون ذلك، دون أدنى شك، عملا حربيا من جانب الدول الأعضاء في حلف الناتو، وهي حقيقة من شأنها أن تؤدي بالضرورة إلى إعلان الحرب من جانب روسيا.
هذا العمل المتهور من التصعيد من جانب الغرب ليس له أي معنى على الإطلاق من وجهة النظر العسكرية. لقد تم نقل الأهداف التي ذكرها الأوكرانيون منذ فترة طويلة إلى الداخل، مما يجعلها خارج نطاق كل من Storm Shadows و ATACM. وبالتالي فإن الأهداف الوحيدة ستكون أهدافا مدنية. وهذا من شأنه أن يسبب مشاكل سياسية خطيرة للغرب، دون تحقيق أي مزايا عسكرية على الإطلاق.
كما أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت تلك الصواريخ الموعودة سوف تصل إلى أوكرانيا. إن مخزونات كل من صواريخ Storm Shadows وATACM منخفضة للغاية في الوقت الحالي، وهو ما يعكس حقيقة مفادها أن ترسانات الغرب قد أصبحت مستنفدة بشكل خطير بسبب المطالبات المستمرة من قبل حكومة كييف.
وهذا يعني أن إمدادات الصواريخ ستكون نادرة للغاية بحيث يصبح من المستحيل على الأوكرانيين شن هجوم صاروخي خطير ضد أهداف في روسيا. وعلاوة على ذلك، فإنه لكي تصل إلى أهداف في عمق الأراضي الروسية، يجب أن تكون تلك الصواريخ المذكورة أعلاه وقاذفاتها متمركزة بالقرب من الحدود وهو ما سيجعلها أهدافا سهلة للروس لتدميرها بهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة وحتى المدفعية.
تلقي الولايات المتحدة وحلفاؤها اللوم على روسيا في “تصعيد” الصراع بسبب حصولها على صواريخ باليستية من إيران. وبدأت أنباء عمليات النقل المزعومة من إيران في الظهور خلال نهاية الأسبوع. ووصفها لامي (Lammy ) بأنها جزء من “نهج مزعج نشهده. إنه بالتأكيد تصعيد كبير”.
لكن الإيرانيين نفوا ذلك، وهو أمر لا معنى له، خاصة وأن روسيا تمتلك بالفعل مخزونات ضخمة من الصواريخ والأسلحة الأخرى، وتتفوق على الغرب في إنتاج الأسلحة والذخائر بشكل عام.
إن التصعيد الحقيقي، كالعادة، يأتي من حلف الناتو والأمريكيين.
صورة لكارثة نهاية العالم
يمكن التعبير بسهولة عن المشكلة التي تواجه حلف الناتو . فقد وصلت الحرب إلى نقطة صار من غير الممكن فيها وقف التقدم الروسي. وهذه الحقيقة أصبحت تعترف بها وسائل الإعلام الغربية على نحو متزايد. فقد ذكرت مقالة نشرتها شبكة سي إن إن مؤخرا أن: “الجيش الأوكراني المستنزف عددا وعتادا يعاني من انخفاض الروح المعنوية والفرار من الخدمة”.
إن الدفاعات الأوكرانية تنهار بوضوح وربما تصل إلى نقطة الانهيار. الوقت الذي قد يستغرقه ذلك هو مسألة تكهنات. لكن النتيجة النهائية ليست موضع شك، ولا يوجد على الإطلاق أي شيء يمكن للغرب أن يفعله لمنع ذلك.
إن هؤلاء السيدات والسادة حريصون على القتال حتى آخر قطرة من الدم الأوكراني. وهم عازمون على مواصلة الحرب، بصرف النظر عن الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب الأوكراني الذي يزعمون زورا أنهم يمثلون مصالحه.
ومع تزايد احتمالات ذلك الخطر في الأفق، تسيطر حالة من الذعر، تصل إلى حد الهستيريا، على الحكومات الغربية.
وفجأة، تنطلق موجة من التصريحات المثيرة للقلق من الدوائر السياسية والعسكرية الأوروبية، وتاني كلها تؤكد على اقتراب معركة نهاية العالم (Armageddon).
لم يتمكن دعاة الحرب في أي مكان آخر من تحقيق رؤية أكثر أصالة وجمالا لكارثة نهاية العالم من بريطانيا. فالثرثرة والتفاخر الغبي الذين حلا، منذ زمن بعيد، محل فن الدبلوماسية، يزدادان هنا حجما كلما اقترب نفوذ بريطانيا وقوتها الحقيقية في العالم من الصفر.
قبل فترة ليست بالبعيدة، قدمت صحيفة الديلي ميل البريطانية اليمينية لقرائها تنبؤا مستقبليا، خياليا للغاية، بهجوم روسي ساحق على الغرب.
تضمن التنبؤ إشارات إلى “دبابات روسية يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي” والتي ستبدأ الغزو. واحتوت الخريطة المصاحبة على تفاصيل مروعة عن الهجمات الروسية على جميع البلدان الأوروبية التي يمكن تصورها (والعديد من البلدان التي لا يمكن تصورها).
من الواضح أن هذا العمل المرعب من الخيال العلمي كان مصمما لإحداث حالة اختناق بين قراء صحيفة الديلي ميل من الطبقة المتوسطة المحافظين في منتصف العمر، بسبب رقائق الذرة التي يتناولونها أثناء تصفحهم لعدد الصباح.
إن التقارير المثيرة من هذا النوع تتجاهل تماما حقيقة مفادها أنه لا يوجد أي دليل على الإطلاق على وجود خطط روسية لمهاجمة أي بلد عضو في حلف الناتو ، وأنه لا توجد لدى روسيا أية مصلحة في القيام بذلك. البلدين الوحيدين في أوروبا الذين تهتم بهما روسيا هما بيلاروسيا وأوكرانيا، والذين لا يمكن السماح لهما أبدا بالانضمام إلى حلف الناتو .
إن الأمر برمته ليس أكثر من نتاج لخيال مريض، تغذيه حالة من الذعر والشعور بالعجز في مواجهة روسيا التي، عوض أن تكون مهزومة (كما تنبأت في السابق صحيفة الديلي ميل وكل الصحف الغربية الأخرى بثقة)، فقد خرجت من الصراع في أوكرانيا أقوى بشكل هائل، عسكريا واقتصاديا.
إن الهدف من مثل هذه المقالات هو أن يصير القراء، الذين يخشون احتمال الغزو الروسي الفوري، على استعداد لدفع مبالغ ضخمة للغاية لتسليمها للجنرالات حتى يتمكن هؤلاء الأخيرين من الحصول على ألعاب جديدة وأكثر فتكا ليلعبوا بها.
هل هذه بداية الحرب العالمية الثالثة؟
لقد تم، لعدة عقود بعد الحرب العالمية الثانية، الحفاظ على حالة من التوازن الهش بين القوتين العالميتين العظيمتين آنذاك: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وقد كان ذلك نتيجة للتكافؤ التقريبي في القوة النووية بين الخصمين الرئيسيين.
وأيا كان حجم غباء وقصر نظر قادة تلك القوتين آنذاك، فإنهم لم يكونوا عميانا إلى الحد الذي يجعلهم يفشلون في إدراك أن الحرب النووية من شأنها أن تعني التدمير الكامل لكلا الجانبين، وربما للجنس البشري بأكمله. وقد عُرفت تلك العقيدة بالاختصار: MAD (التدمير المتبادل المؤكد).
لكن مع سقوط الاتحاد السوفياتي، دخل العالم فجأة في فترة جديدة ومضطربة للغاية. وصار من الصعب بشكل متزايد التنبؤ بآفاق العلاقات بين القوى.
في البداية، بدا كل شيء وكأنه جميل ومشرق. وكان من المفترض أن تبشر نهاية الحرب الباردة بفترة جديدة من السلام والازدهار في العالم. وبمجرد انتهاء سباق التسلح، قيل لنا إن ما يسمى “عائد السلام” سوف يأتي، حيث سيتم استبدال الإنفاق المسرف على الأسلحة باستثمارات إنتاجية مفيدة.
وكان من المفترض أن يكون الصدام المباشر بين القوى الكبرى ضئيلا. وقد أدى ذلك إلى تحرير موارد هائلة: حيث تم تقليص حجم الجيوش في جميع أنحاء العالم (وليس فقط في أوروبا) وتحويل انتباهها بدلا من ذلك إلى أشياء أخرى مثل مكافحة التمرد، والتي لا تتطلب إنفاقا عاما كبيرا.
لكن النشوة لم تدم طويلا.
شرع حلف الناتو في مسيرة لا هوادة فيها نحو الشرق، منتهكا الوعود التي قدمها مرارا للروس بعدم الامتداد إلى ما هو أبعد من أراضي ألمانيا الشرقية. وكان التهديد بضم أوكرانيا إلى حلف الناتو هو القشة الأخيرة التي أثارت الصراع الدموي الحالي في ذلك البلد البئيس.
والآن دارت العجلة دورة كاملة. ومرة أخرى، يتم وضع تهديد الحرب النووية على رأس جدول الأعمال. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحرب حتمية، أو حتى محتملة.
يبدو أنه على الرغم من كل شيء، لم يتم التوصل إلى قرار نهائي بعد. وتجري مفاوضات محمومة في واشنطن، حيث توجد، كما رأينا، شكوك جدية بشأن الأمر برمته. إن دعاة الحرب في عجلة من أمرهم لأنهم يخشون أنه إذا فاز ترامب بالانتخابات في نوفمبر، فقد يقرر التخلي عن أوكرانيا تماما، وربما حتى الانسحاب من حلف الناتو .
ويبدو من المرجح أن يحاول الأمريكيون كل أنواع الحيل الدبلوماسية لتخليص أنفسهم من هذه المعضلة. وأظن أنهم قدموا الآن للأوكرانيين قائمة طويلة من الأسئلة، طالبين توضيحا بشأن نواياهم الدقيقة لاستخدام تلك الصواريخ، في حالة ما إذا أعطيت لهم.
وعندما سُئل بلينكن عما إذا كانت الولايات المتحدة ستسمح للأوكرانيين باستخدام الأسلحة التي زودتهم بها لضرب أهداف في عمق روسيا، قال إن كل استخدام للأسلحة يجب أن يكون مرتبطا باستراتيجية.
قال إن أحد أهداف الزيارة هذا الأسبوع: “هو السماع مباشرة من القيادة الأوكرانية، بمن في ذلك… الرئيس زيلينسكي، بشأن رؤية الأوكرانيين لاحتياجاتهم في هذه اللحظة، وأهدافهم، وما يمكننا القيام به لدعم تلك الاحتياجات”.
تكمن الصعوبة في أن زيلينسكي وأعوانه ليست لديهم أي إجابة عن هذه الأسئلة. فهم يزداد نفاد صبرهم وإحباطهم مما يعتبرون أنه تردد من جانب واشنطن. ولهذا السبب كان زيلينسكي حريصا جدا على لقاء جو بايدن، على أمل تحريك الأمور مرة أخرى.
مسألة ما إذا كان سينجح في ذلك أم لا، تبقى مسألة تكهنات. شبكة المؤامرات والمكائد المتشابكة التي تسمى دبلوماسية في واشنطن، لا يسهل فهمها أبدا. لكن وبالنظر إلى التجارب السابقة، فإن الأمريكيون يميلون في البداية إلى رفض مطالب الأوكرانيين، ثم يغيرون موقفهم في النهاية ويستسلمون لهم.
ما يزال الذيل يهز الكلب!
لكن أيا كان ما سيقررونه، فلن يحدث أي فرق جوهري سواء في مسار الحرب في أوكرانيا أو في نتيجتها النهائية.
ومع ذلك، كما ترون، فإن دعاة الحرب لا يرضون أبدا. وسوف يستمرون في مسارهم الخطير والمتهور حتى النهاية المريرة، وسوف يدفع الناس العاديون الفاتورة كاملة.
إن واجبنا الأساسي نحن الشيوعيين، وجميع العمال والشباب المتقدمين، هو النضال ضد الحرب والإمبريالية. فمصير العالم بأسره والإنسانية نفسها على المحك.
لقد دعت الأممية الشيوعية الثورية إلى حملة أممية واسعة النطاق لمحاربة العسكرة والإمبريالية. ونحن نقول لأي شخص جاد في النضال من أجل إنهاء الحرب والعسكرة والإمبريالية، سواء كان فردا أو منظمة: دعونا نعمل معا، لقد حان الوقت الآن!
يجب أن تموت الرأسمالية، حتى تتمكن الإنسانية من العيش!
يسقط دعاة الحروب!
توقفوا عن دعم إسرائيل وأوكرانيا! الوقف الفوري لجميع المساعدات والأسلحة لدعاة الحرب الرجعيين نتنياهو وزيلينسكي!
يسقط الناتو والإمبريالية الأمريكية، السبب الرئيسي للحروب والاضطرابات في العالم اليوم!
لا للإنفاق على التسلح. نعم لبرنامج للأشغال العامة المفيدة!
من أجل المزيد من المنازل والمدارس والمستشفيات، وليس القنابل والصواريخ وغيرها من وسائل التدمير!
ناضلوا من أجل مصادرة ممتلكات أصحاب الأبناك والرأسماليين الذين يشكل جشعهم المفرط للربح سببا دائما للحروب والأزمات.
من أجل خطة إنتاج اشتراكية متناغمة، تقوم على تلبية الاحتياجات الإنسانية، وليس أرباح القلة وحروبهم الرجعية.
ناضلوا من أجل عالم اشتراكي خال من آفة الفقر والاستغلال والحروب والقمع!
الحرب العادلة الوحيدة هي الحرب الطبقية!