لقد أدى اندلاع الحرب، كما هو الحال دائما، إلى انطلاق كل أنواع النفاق والدعاية الكاذبة من قبل عملاء الإمبريالية. يجب على الماركسيين اختراق كل هذا وتوضيح المصالح الطبقية الحقيقية التي على المحك. وأنه للقضاء على أهوال الحرب، يجب القضاء على الرأسمالية.
[Source]
هذه الحقيقة معروفة منذ زمن بعيد، وما تزال صالحة حتى يومنا هذا. إننا نتعرض لقصف الدعاية الرسمية من قبل الإمبريالية الغربية الغارقة في النفاق والكلبية.
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى انطلاق صيحات الإدانة من قبل الإمبرياليين الغربيين، المتورطون هم أنفسهم في العديد من التدخلات الأجنبية والمغامرات الدموية.
وقد برزت الحكومة البريطانية، من موقعها الهامشي، باعتبارها الأكثر حرصا على إثارة ضجيج الشوفينية. وتصرخ لأجل اتخاذ إجراءات ضد العدوان الروسي. بينما يتم اتهام أولئك الذين يجرؤون على طرح فكرة أن هذه حرب رجعية من كلا الجانبين بأنهم “عملاء لبوتين”.
يجب أن نتذكر أن الحرب الدعائية يخوضها كلا طرفي الصراع لتبرير أفعالهما. دعونا لا ننسى أنه تم الكذب على الشعب البريطاني بشأن ما يسمى بـ”أسلحة الدمار الشامل” من أجل تبرير الحرب على العراق.
الإمبريالية
نحن الماركسيون نعارض حرب بوتين في أوكرانيا، لكننا نقوم بذلك من وجهة نظر طبقية، حيث أن تلك الحرب تزرع الانقسامات في صفوف الطبقة العاملة، وتؤجج الكراهية القومية، وتدفع الوعي الطبقي إلى الوراء.
لكننا أيضا نعارض الإمبريالية الغربية الغارقة في الدماء والتي لا تهتم بحياة الشعب الأوكراني.
بوريس جونسون، على وجه الخصوص، تفوح منه رائحة النفاق عندما يعلن الكفاح من أجل “القيم الديمقراطية”، بينما يتمدد بسعادة في فراش الأوليغارشيين الروس الذين يقدمون المال لحزب المحافظين.
لعبت الطبقة السائدة البريطانية دور المساعد للإمبريالية الأمريكية في التدخل في كل مكان لخدمة مصالحها القذرة.
وكما هو متوقع فإن حكومة المملكة المتحدة تصرخ بأعلى صوت في المعركة من أجل الدفاع عن أوكرانيا حتى آخر قطرة من دماء الآخرين.
لكن ليز تروس، وزيرة الخارجية، الطامحة إلى قيادة حزب المحافظين، ذهبت أبعد من اللازم وخلقت الذعر بقولها إنه على البريطانيين أن يتطوعوا لمحاربة الروس في أوكرانيا.
في هذه الجوقة الإمبريالية، يحظى حزب المحافظين بدعم كامل من السيد كير ستارمر والجناح اليميني لحزب العمال، الذين استبدلوا العلم الأحمر بعلم الناتو. جونسون وستارمر هما في الواقع الرئيسان المشتركان لـ “حزب الحرب”.
هذا مؤشر واضح على أن أي حكومة يترأسها ستارمر في المستقبل ستكون في جيب الإمبريالية الأمريكية، كما كان الحال مع حكومة توني بلير. ليست السياسة الخارجية سوى امتداد للسياسة الداخلية. والسياسة المعادية للطبقة العاملة في الداخل، تعني سياسة إمبريالية رجعية معادية للطبقة العاملة في الخارج.
إزدواجية المعايير
استعراض القوة هذا مليء بالطبع بالمعايير المزدوجة.
فهؤلاء الذين يصورون أنفسهم الآن على أنهم نموذج الفضيلة، هم الذين تكالبوا جميعا على دعم العدوان الإمبريالي على العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا، على سبيل المثال لا الحصر، والذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف من الأبرياء.
ما تزال الجماهير في العراق حتى اليوم تدفع ثمن الحرب الإمبريالية الأمريكية، مثلما هو الحال في البلدان الأخرى التي “تحررت” على يد قطاع الطرق الإمبرياليين.
كانت الإمبريالية الأمريكية هي المحرض الرئيسي على هذا العنف. إنها القوة الأكثر وحشية على هذا الكوكب، ولها تاريخ طويل من التدخلات الإمبريالية في مجموعة من البلدان: فيتنام وكمبوديا ونيكاراغوا والسلفادور وهندوراس وكوبا، وفي بلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث مات الملايين من الناس.
إنها زعيمة أقوى تحالف عسكري في العالم -الناتو- الذي هو أداة عدوانية في يد الإمبريالية الغربية.
إن تبرير المدافعين الإمبريالية لتلك الويلات، تحت راية “الحرية” و”الديمقراطية”، أمر متوقع بالطبع. فالمعتدون الإمبرياليون يهاجمون “اعتداء” الآخرين، الذين يجرؤون على معارضة مصالحهم.
وهم في هذه العملية يتلاعبون بحياة الملايين من الأبرياء، الذين يتم استخدامهم ثم التخلص منهم بشكل انتهازي عندما يحين الوقت المناسب.
كلا طرفي هذا الصراع متورطان في دعاية كاذبة لتبرير أفعالهما، من أجل التأثير على الرأي العام بأفضل طريقة ممكنة.
علينا ألا نقع في قبضة هذه الديماغوجية الرجعية، بل أن نمتلك فهما طبقيا للمصالح التي هي على المحك. فالحرب هي، في آخر المطاف، استمرارية للسياسة بوسائل أخرى.
التوسع
لقد واصل الإمبرياليون الغربيون، ولا سيما الإمبريالية الأمريكية من خلال حلف الناتو، السعي لتوسيع مناطق نفوذهم نحو الشرق، خاصة نحو المناطق التي كانت تحت هيمنة الاتحاد السوفياتي سابقا أو كانت تشكل جزءا منه. وهو ما اعتبره الروس تهديدا وجوديا لهم.
وكما أوضح ستروب تالبوت، النائب السابق لوزير الخارجية، فإن: ” العديد من الروس ينظرون إلى الناتو على أنه من بقايا من الحرب الباردة، وموجه بطبيعته ضد بلادهم. ويشيرون إلى أنهم قد حلوا حلف وارسو، الذي كان حلفهم العسكري، ويتساءلون لماذا لا يقوم الغرب بالشيء نفسه”.
إن ما يحدد موقف الإمبرياليين هو قوتهم المادية وأرباحهم وامتيازاتهم وهيبتهم. ولذلك فإنهم يحتاجون إلى غزو الأسواق، وكذلك الاستيلاء على مجالات النفوذ ومصادر المواد الخام والطاقة.
ويشكل توسع الناتو، الذي هو حلفهم العسكري، جزء لا يتجزأ من هذا. مع انهيار الاتحاد السوفياتي توغلوا أكثر في اتجاه الشرق، وخلقوا مناطق نفوذ جديدة.
لديهم الجرأة للادعاء بأن هذه الحرب في أوكرانيا هي الأولى التي تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
لقد نسوا بسهولة حروب البلقان في التسعينيات، التي حرضت عليها الإمبريالية -وخاصة الإمبريالية الألمانية- مع التطهير الاثني الذي صاحبها أثناء التفكيك الرجعي ليوغوسلافيا. كان الغرض من ذلك هو استعادة مناطق النفوذ المفقودة، ولم تكن له أية علاقة بالدفاع عن حقوق الشعوب التي شكلت يوغوسلافيا السابقة.
فتح ذلك فترة جديدة من الاضطرابات والحروب -التي تشكل “الوضع الطبيعي” الجديد- حيث تدخلوا في العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا، مع عواقب وخيمة.
لقد بدت غطرستهم بدون حدود. كان من المفترض أن يكون ذلك “نهاية التاريخ”، حيث انتصرت الرأسمالية أخيرا ووصلت الإنسانية إلى أعلى شكل ممكن من أشكال المجتمع. كم تغيرت الأشياء منذ ذلك الحين!
لكنهم الآن لا يواجهون القوى الضعيفة في البلقان، بل يتعين عليهم التعامل مع المقاومة القوية من طرف روسيا، التي رسمت خطا أحمرا أمام المزيد من التقدم الغربي.
لقد سبق للروس أن قدموا بالفعل تحذيرا في جورجيا ثم القرم، لكن الإمبرياليين الغربيين تجاهلوا ذلك. هذا باختصار ما يفسر الحرب الحالية.
وكما حذر تيد جالان كاربنتر، من معهد كاتو فإن: “التاريخ سيظهر أن معاملة واشنطن لروسيا خلال العقود التي أعقبت زوال الاتحاد السوفياتي كانت خطأ سياسيا فادحا. كان من المتوقع تماما أن يؤدي توسع الناتو في النهاية إلى انتهاك مأساوي، وربما عنيف، للعلاقات مع موسكو… ونحن ندفع الآن ثمن قصر نظر وغطرسة السياسة الخارجية الأمريكية”. (الجارديان، 28/2/22)
الارتباك
يسود بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم من اليسار في بريطانيا ارتباك كبير حول هذه المسألة. هناك بول ماسون، على سبيل المثال، الذي يقول ببساطة إن بوتين هو من بدأ هذه الحرب وهو الطرف المذنب، وبالتالي يجب علينا معارضته ودعم وتعزيز حلف الناتو.
يقول ماسون: “نحن في صراع عالمي بين الأنظمة”، ويرى أن الصراع هو بين: “الديمقراطية والعلم وسيادة القانون مقابل الديكتاتورية والتضليل والفوضى المسلحة”.
أو بعبارة أخرى فإن الصراع، بالنسبة لماسون، هو ببساطة صراع بين “الخير” و”الشر”، لا أكثر. حيث يقف هو، بالطبع، إلى جانب “الخير”، أي الإمبريالية الغربية.
والبعض، من أمثال جورج مونبيوت، الذين يسعون إلى نوع من “التوازن”، فينتهي بهم الأمر أيضا في معسكر دعم الإمبريالية الغربية. فهو يعتبر روسيا الطرف “المعتدي”، في حين أن حلف الناتو لا يقوم سوى برد الفعل على التهديد الروسي.
يقول مونبيوت: “لقد كان توسع الناتو مدفوعا جزئيا بعدوانية بوتين”، مُلقيا بذلك اللوم على روسيا. وهذا ما يضعه، مرة أخرى، في صف الإمبريالية الأمريكية، مما يعني أنه استلقى في فراش إحدى عصابات اللصوص والنهب الإمبريالي -حلف الناتو- ضد عصابة إمبريالية أخرى.
بالنسبة لكل من مونبيوت و بول ماسون، يجب على الطبقة العاملة التخلي عن أي موقف طبقي مستقل واختيار طرف في هذه الحرب الرجعية. هذه هي الفوضى التي تجد نفسك فيها عندما تتخلى عن الموقف الطبقي.
وبدلا من السعي لفهم الأسباب والمصالح الموضوعية التي أدت إلى هذه الحرب، أي الصراع المستمر منذ عقود على مناطق النفوذ والسيطرة، يتم دفعنا إلى البحث عن “من بدأها”. هؤلاء الناس لم يتعلمون أي شيء من التاريخ.
النزعة السلمية
من ناحية أخرى هناك يساريون بينما ينتقدون الغزو ورد فعل الناتو، يتبنون نهجا سلميا.
ويتلخص هذا في الدعوة إلى “حل دبلوماسي” واحترام “القانون الدولي” ونداءات مجردة من أجل “السلام” كطريق للمضي قدما. نجد هنا النداءات المعتادة من أجل أن يسود “التعقل” و”الحس السليم” هذا العالم الرهيب. يشبه هذا مناشدة النمر بأن يصبح نباتيا.
كلما كان هناك تهديد بنشوب حرب، سارع السلميون والإصلاحيون اليساريون إلى مناشدة الأمم المتحدة للتدخل وتأمين السلام. لكن الأمم المتحدة عاجزة تماما، ولم يسبق لها أبدا أن لعبت أي دور مهم في الحروب. ودعوتها اليوم للتدخل فيما يتعلق بأوكرانيا شيء مثير للضحك.
تتولى روسيا في الوقت الحالي رئاسة الأمم المتحدة. لذلك عندما عقدت الأمم المتحدة اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن بشأن النزاع، فقد كان السفير الروسي هو من يترأس الاجتماع!
في مجلس الأمن الدولي، قدمت الولايات المتحدة قراراً يدين روسيا، بدعم من بريطانيا وفرنسا، لكن روسيا رفضته على الفور، مع امتناع الصين والهند والإمارات عن التصويت.
قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إنه: “يجب أن نعطي السلام فرصة أخرى. يجب على القادة العودة إلى طريق الحوار والسلام. أدعو، في هذه اللحظة الحرجة، إلى وقف فوري لإطلاق النار وإعادة إرساء سيادة القانون”.
كان لهذه الكلمات الهادئة تأثير كبير على الموقف مثل التأثير الذي كان لكلمات الملك كانوت عندما حاول أن يأمر البحر بالتراجع. تلك المناشدات لا تلاقي آذانا صاغية.
الأمم المتحدة عاجزة، مثلها مثل عصبة الأمم قبل الحرب العالمية الثانية. لم يسبق لها أبدا أن حلت أي صراع كبير. ويمكن، في أحسن الأحوال، حل القضايا الثانوية فقط من خلال الحوار في الأمم المتحدة، ولكن حتى هذا بشكل محدود. فالقوى الكبرى في مجلس الأمن تستخدم ببساطة حق النقض (الفيتو) على الأشياء التي لا تريدها.
لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال اجتماع طارئ، قرارا يدين روسيا، لكن هذا القرار بلا جدوى مثله مثل القرارات العديدة ضد الحصار الأمريكي لكوبا أو ضد اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين.
أوقفوا الحرب
موقف دعم الأمم المتحدة والدبلوماسية هو الموقف الذي يتبناه تحالف “أوقفوا الحرب”. لكن حتى هذا الأمر هو شيء يتجاوز ما يمكن لداعم الناتو المتعصب، كير ستارمر، أن يتحمله.
وفي محاولة من ستارمر ليظهر أنه مؤيد أكثر ولاء للإمبريالية الغربية من جونسون، شن هجوما على تحالف أوقفوا الحرب لأنه “يقدم العون للقادة الاستبداديين الذين يهددون الديمقراطيات”. لكنه في الواقع، هو، باعتباره كلبا بليريا مخلصا، من يتوق إلى “العون” من الطبقة السائدة.
بينما نقف ضد تنمر ستارمر وكل ما يمثله، بما في ذلك هجومه الحاقد على تحالف “أوقفوا الحرب”، فإن بيان التحالف يكشف عن ضعفه عندما يشير إلى فضائل الدبلوماسية والأمم المتحدة والتعقل الجميل.
يعكس هذا الضعف بوضوح حقيقة أن التحالف المناهض للحرب يضم مجموعة واسعة من الناس، بمن في ذلك الليبراليين وجماعات دينية مختلفة، مع آراء سلمية “ضد الحرب”. كما انضمت شريحة كبيرة من اليسار البريطاني، من ذوي النوايا الحسنة، إلى هذه المعارضة الواسعة. لكن هنا يكمن ضعفها.
يحاول التحالف بناء حركة غير متجانسة بناء على عدد قليل من النقاط الأساسية التي تتجنب المسألة المركزية المتمثل في أن الرأسمالية والإمبريالية تخلقان حتما ظروف الحرب. إنها ليست مسألة أخلاقية، بل مسألة طبقية.
مسألة طبقية
لقد أوضح الماركسيون دائما أن الحرب والثورة مسألتان أساسيتان تعكسان مصالح طبقية مادية قوية. كل هذا تم تناوله باستفاضة في كتابات ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي.
لكن ولسوء الحظ فإن هذه الأفكار، التي صارت تعتبر قديمة الطراز، قد تمت تنحيتها جانبا من قبل العديد من اليساريين لصالح جميع أنواع أفكار الطبقة الوسطى و أنصار النزعة السلمية. لقد تخلوا عن وجهة النظر الطبقية فيما يتعلق بالمسائل الأممية، كما في القضايا المحلية.
مهمتنا هي فضح نفاق الطبقة السائدة، وخاصة في بلداننا، وتوضيح المصالح المشتركة للطبقة العاملة. يجب أن تكون نقطة انطلاقنا هي أن أي شيء يعمل على رفع الوعي الطبقي للطبقة العاملة هو مبرر، في حين أن أي شيء ينتج عنه تأثير معاكس يجب إدانته.
وبعبارة أخرى فإنه يجب دعم كل ما يرفع الحس الأممي ويعزز قوى الطبقة العاملة؛ بينما يجب معارضة أي شيء يؤدي إلى تدهور الوعي الطبقي ومفاقمة الانقسامات القومية.
إن ما يجب أن يحدد سياسة وموقف الاشتراكيين هو المصالح الطبقية للعمال في مواجهة مصالح الرأسماليين. هذا هو معيارنا.
أما كل ذلك الحديث عما يسمى بالدبلوماسية والاتفاقيات المتبادلة فلا يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه.
إن الفكرة القائلة بأن الطبقة السائدة البريطانية يجب أن تحذو حذو الحكام الفرنسيين والألمان في متابعة الجهود الدبلوماسية هي ببساطة بناء أوهام بأن هناك امبرياليين “جيدين” وامبرياليين “سيئين”، مجموعة من العقلاء ومجموعة أخرى من المتهورين.
هذا يقودنا مباشرة إلى الوهم بأن الطبقة العاملة يمكنها أن تجد حلولا لمشاكلها بالتحالف مع هذا الجناح أو ذاك من أجنحة الطبقة السائدة.
واجبنا هو أن نعمل دائما على قول الحقيقة للطبقة العاملة، وهي أنه لا ينبغي لها أن تثق بأي قسم من أقسام الطبقة السائدة. وأنه لا ينبغي لها أن تثق بأي من القوى الإمبريالية التي، في التحليل الأخير، تسعى فقط لخدمة مصالحها الطبقية ووفقا لميزان القوى في وقت معين.
يحاول الإمبرياليون إخفاء أهدافهم الحقيقية باستعمال كل أنواع الحيل والدعاوي الأخلاقية. لكن المصالح المادية هي التي تحدد، في الواقع، سياسة الرأسمالية البريطانية والأمريكية والفرنسية واليابانية والألمانية والروسية وغيرها.
يعتقد الاصلاحيون اليساريون أن بإمكانهم ممارسة الضغط على حكام العالم. لكن كل الاحتجاجات التي تندلع حول العالم لا قيمة لها من وجهة نظر الطبقة السائدة.
يجب أن نتذكر أن المظاهرة الجماهيرية ضد الحرب على العراق التي شارك فيها مليونا شخص في لندن، في فبراير 2003، والتي نظمها تحالف “أوقفوا الحرب”، لم تمنع التدخل العسكري الإمبريالي.
تواصل آنذاك ما سمي بسياسة “الصدمة والرعب” في العراق لتحقيق مصالح ومكاسب مادية. إن الحرب، باستخدام كلمات كلاوزفيتز مرة أخرى، هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. وعندما تقرر الطبقة الرأسمالية أن الحرب هي الخطوة التالية التي يجب عليها اتخاذها، لا يبقى للكلمات اللطيفة أي تأثير.
وعندما يؤدي الصراع بين القوى الكبرى إلى اندلاع الحرب، فإن البلدان الصغيرة -أوكرانيا في الحالة الراهنة- تعتبر مجرد بيدق صغير بالنسبة للإمبرياليين.
في الحرب العالمية الأولى، تم استخدام “بلجيكا الصغيرة الضعيفة” مبرر خوض الحرب الإمبريالية. بل إنهم استخدموا حتى عباءة “تقرير المصير” لتغطية جرائمهم. لم تكن أوكرانيا بالنسبة لإمبرياليي الناتو سوى وسيلة لمزيد من توسعهم شرقا، ليست أكثر من ذلك.
أوهام
إن أي دعوة لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات وطلب الدعم من الأمم المتحدة، هي دعوة تخلو من الموقف الطبقي والتحليل الطبقي والحلول الطبقية.
إن تصريحات تحالف “أوقفوا الحرب”، رغم احتوائها على نقاط صحيحة حول السياسة التوسعية للناتو، هي، لسوء الحظ، غارقة في النزعة السلمية والأوهام حول الدبلوماسية.
جاء في بيانهم: “ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار إلى جانب استئناف المفاوضات الدبلوماسية لحل الأزمة. يمكن وينبغي حل هذا النزاع سلميا…”.
لكن كيف يمكن تحقيق ذلك في حين أن بوتين، الذي يمثل مصالح الرأسمالية الروسية، يرى في توسع الناتو تهديدا وجوديا، بينما لا يمكن لإمبرياليي الناتو أن يفقدوا هيبتهم؟ إنهم لا يستطيعون أن يغيروا مواقفهم.
ويضيف البيان إن “الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى الناتو الأخرى قد قوضت القانون الدولي والأمم المتحدة”.
لقد سبق لنا أن أشرنا إلى العجز الكامل للأمم المتحدة، والتي كانت على أية حال مجرد ستار للتدخلات الإمبريالية.
دائما ما تدوس القوى الكبرى على القانون الدولي عندما يعيق سعيها لتحقيق مصالحها. إنه مجرد خيال في عالم رأسمالي تهيمن عليه المصالح الرأسمالية.
كما يوجه البيان الدعوة لبريطانيا لمعارضة توسع الناتو شرقا، والعودة إلى اتفاقية مينسك 2.
ويضيف إنه: “علاوة على ذلك، هناك الآن حاجة إلى بذل جهد موحد لتطوير ترتيبات أمنية لعموم أوروبا تلبي احتياجات جميع الدول … البديل هو صراع لا نهاية له بين القوى العظمى مع كل ما يصاحب ذلك من إهدار للموارد وخطر إراقة الدماء والدمار”.
إن هذا النهج السلمي، المفتقر بشكل كامل للموقف الطبقي، هو نهج طوباوي تماما.
أولا، إن الحكومات الرأسمالية الإمبريالية تطبق سياسات لخدمة مصالحها الخاصة، وتعزيز سلطتها ومكانتها وأرباحها. على أساس الرأسمالية سيكون هناك دائما تنافس وصراع وحروب بين القوى المختلفة.
إن المصالح المادية هي الموجه لممارسات كل الطبقات السائدة. ونتيجة لذلك لم يشهد العالم تقريبا أي يوم هدنة منذ الحرب العالمية الثانية.
ليس لمسألة اندلاع الصراع من عدمه أية علاقة بـ”الترتيبات الأمنية لعموم أوروبا” أو أي ترتيبات أخرى؛ ولا بعودة “الدبلوماسية” التي تكمن وراءها المصالح الطبقية لجميع الدول. ومن الوهم أن نقول إن السلام يمكن تحقيقه أو الحفاظ عليه بهذه الوسائل.
الصراع الطبقي
يجب أن نرى الواقع كما هو. يجب علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة. عندما تتصاعد التوترات بين القوى الرأسمالية على السلطة ومناطق النفوذ والأسواق، لدرجة أن المنافسة “العادية” لم تعد كافية لتحديد من سيهيمن، تصبح الحرب هي الخيار التالي. وعندما تكون مصالحهم الحيوية على المحك يتجهون نحو خوض الحرب.
لهذا يجب علينا، قبل كل شيء، أن نقول الحقيقة وأن نستند على أساس الصراع الطبقي.
إن الطريق الوحيد المجدي للنضال ضد الحرب الإمبريالية هو طريق النضال من أجل تغيير المجتمع، والقضاء على التناقضات والمصالح المادية التي تنتج الحرب. على أساس برنامج اشتراكي ثوري حقيقي وجدي قادر على حشد الطبقة العاملة والمضطهَدين.
لا يمكن إيجاد حل لمشكلة الحروب والعداوات القومية وجرائم الإمبريالية إلا من خلال الإطاحة بالرأسمالية وإنشاء فدرالية ديمقراطية عالمية للدول الاشتراكية. هذا هو الحل الحقيقي الوحيد والدائم لمشاكل العالم وصراعاته.
طالما أن الرأسمالية موجودة، فإن الحرب حتمية عند نقطة معينة. وبمجرد انتهاء هذه الحرب، سيتم تهيئة الظروف لحروب جديدة، بينما يغوص النظام الرأسمالي أعمق وأعمق في الأزمة.
لذلك فإننا نبني موقفنا على أساس التحليل الطبقي الماركسي، الذي يخترق النفاق والدعاية الهستيرية للطبقة الرأسمالية ووسائل إعلامها الفاسدة.
يوفر لنا هذا منظورا أمميا وفهما للمشاكل القومية والأممية. إنه سلاح في النضال من أجل تغيير المجتمع لصالح الطبقة العاملة.
وكما أوضح تيد غرانت فإن: “تحليل المصالح الطبقية التي تكمن وراء الصدامات والتناقضات العالمية هو الوحيد الذي يمكن من فهم العالم الحديث وإعداد الطبقة العاملة للقيام بالتغيير الضروري للمجتمع”.
روب سيويل
15 مارس 2022