تلقينا هذا المقال الهام من الرفيق محمد حسام، المناضل الماركسي الثوري من مصر، يعرض فيه جوانب الأزمة الاقتصادية والسياسية في مصر جراء تفشي فيروس كورونا.
[Source]
الجميع يحبس أنفاسه في مصر، لا توقعات حكومية أو شعبية حول الأسابيع والشهور القادمة، حالة من عدم اليقين العام، الجميع يتابع بكثافة حالات الإصابات اليومية التي وصلت إلى 3659 حالة وحالات الوفاة التي وصلت إلى 276 وفاة (22 أبريل).
حكومة تحاول إيهام الجماهير أنها مسيطرة على الأوضاع بمزيج من الإجراءات الشكلية والخطابات العاطفية التي تركز على الوحدة والتلاحم الوطني في نفس الوقت الذي تترك فيه الجماهير والطبقة العاملة فريسة للفقر والبطالة من جانب، وأنانية وجشع رجال الأعمال من جانب آخر. وطبقة أثرياء ورجال أعمال يعانون من انحطاط مزمن يشجعوا على استمرار الحياة بشكل طبيعي ويطلقوا، من قصورهم الفارهة والمعزولة والمؤمنة، نداءات بضرورة عودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران. قوة عمل تقدر بالملايين من عمال اليومية يعملون في القطاع غير الرسمي والأعمال الموسمية والهامشية والريعية، مثل الخدمات والسياحة وغيرها، جميعهم الآن متروكين ليقعوا في هوة البطالة نتيجة فرض حظر التجوال وقرارات غلق المقاهي والمطاعم وأماكن الخدمات والترفيه. طبقة عاملة تتكالب عليها الطبقة الحاكمة وتضعها عرضة للإصابة بالفيروس من أجل “إنقاذ الاقتصاد الوطني”.
محاولة تصوير أن الأزمة سيدفع ثمنها كل المجتمع وأننا يجب أن نرضى أن نزداد فقراً أو نصبح عاطلين عن العمل، بالإضافة إلى أننا من سندفع ثمن هذا الوباء بفقداننا حياتنا أو حياة أحبابنا فهذا خداع قذر. الحقيقة هي أن هذه الأزمة لن يدفع ثمنها إلا الفقراء والعمال، سواء على المستوى الصحي، لعجزهم عن تنفيذ التباعد الاجتماعي في البيوت نظراً لضيق مساحاتها والمناطق شديدة الكثافة، هذا بالإضافة إلى ملايين المشردين وقاطني مدن الصفيح والعشش والذين يقدر عددهم بما يفوق 12 مليون شخص، أو على المستوى الاقتصادي حيث الآن جماهير العمال مهددين بالاقتطاع من مرتباتهم أو الطرد لينضموا إلى جيش العاطلين عن العمل.
هذا الأزمة تبرز بوضوح الفوارق الطبقية في المجتمع، حيث سيكون من ضحاياها الفئات الأكثر هشاشة وضعف في المجتمع، أي من هم في أسفل سلم الهرم الاجتماعي، أما الأثرياء ورجال الأعمال ليس فقط لن يتأثروا لكنهم يعملون على أن يستفيدوا من هذه الأزمة لتزيد ثرواتهم، وهم في مأمن من الوباء يقبعون في قصورهم البعيدة عن الازدحام والاختلاط ينفذون قواعد التباعد الاجتماعي والوقاية ليحافظوا على حياتهم وليهلك بقية المجتمع.
بالتالي نحن لسنا فقط أمام أزمة صحية ولكننا أمام مأساة اجتماعية مكتملة سوف تفجعنا تفصيلها إن استمر الوضع على ما هو عليه من تزايد معدل الإصابات والاستمرار في نفس النهج والسياسات التي لا تأبه بحياة الجماهير. سأحاول في هذا المقال أن أرسم ملامح تلك المأساة والجريمة الاجتماعية التي من الممكن أن تعصف بالمجتمع المصري في الشهور القادمة.
وضع النظام الصحي:
لنبدأ بما يمثل الأولوية في تفكير الجماهير المصرية في اللحظة الراهنة، وهو النظام الصحي. لا يخفى على أحد في مصر كلها مدى رداءة وسوء أحوال القطاع الصحي الحكومي، وهو ما حدا بمصر أن تتبوأ المرتبة الـ 103 من أصل 141 بلدا، في الصحة على مستوى العالم.
بعض الأرقام يمكنها أن تبين لنا وضع النظام الصحي الحكومي وتبين لنا أيضاً مدى استعداد ذلك النظام الصحي لذروة انتشار الوباء التي لا يعلم أحد، حتى الحكومة نفسها، متى ستأتي.
في مصر لدينا 691 مستشفى عام بها 36 ألف سرير، أي بمعدل 1,5 سرير لكل ألف مواطن، وهذا معدل أقل بمراحل من المتوسط العالمي، الذي يتراوح بين 10 إلى 15 سرير لكل ألف مواطن. نحن هنا نتحدث عن الأسِرَّة العادية وليس أسِرَّة العناية المركزية، التي هي بالطبيعة أقل بكثير من الأسِرَّة العادية. الدولة أقامت 26 مستشفى عزل صحي في أرجاء الجمهورية، هذه المستشفيات بها 395 سرير عناية مركزة فقط (حسب البيان الاحصائي الصادر عن وزارة الصحة بتاريخ 7 مارس). هذه الأرقام معناها أنه وطبقاً للمعدل الطبيعي أن هناك 10% من المصابين يحتاجون لعناية مركزية، فهذا معناه أن هناك الآن 211 سرير عناية مركزة مسكون من أصل 395، أي أن هناك 184 سرير عناية مركزة فقط شاغر. طبعاً المعلومات حول مستشفيات العزل تظل ناقصة بسبب غياب المعطيات. الدولة تتستر على الوضع الحقيقي لتلك المستشفيات. مثلاً نحن لا نعلم عدد أجهزة التنفس الصناعي الموجودة في مستشفيات العزل، لكن حسب تصريح لمسؤول في وزارة الصحة، في يناير الماضي، أن مستشفيات الجمهورية كافة، الحكومية والجامعية والخاصة، بها 4 آلاف جهاز تنفس صناعي، لو صح هذا الكلام فإنه ينبئنا بتفاصيل المأساة التي ستحدث عندما نصل لذروة انتشار الوباء. البلد كلها فيها على أقصي تقدير 5 آلاف جهاز تنفس صناعي فقط!!!
وما يكمل الصورة حول الوضع المزري للقطاع الصحي، هو أننا لسنا نعاني فقط من نقص في المعدات الطبية ولكننا نعاني أيضاً من نقص في الكوادر الطبية. لدينا 8,7 طبيب لكل عشرة آلاف مواطن، وهذا أقل بمراحل من المتوسط العالمي الذي هو 23 طبيب لكل عشرة آلاف مواطن، هذا لو قسمنا كل عدد الأطباء الموجودين في مصر على المواطنين، لكن هناك أطباء لا يعملون في المستشفيات الحكومية، ولو نظرنا إلى عدد الأطباء في المستشفيات الحكومية سنجد أن هناك طبيب لكل 1330 مواطن.
عقود من الخصخصة وفتح أبواب المجال الصحي للاستثمار المحلى والأجنبي وتملص الدولة من واجبتها الاجتماعية أنتج لنا وضعا فيه عدد المستشفيات الخاصة يقارب ضعف عدد المستشفيات الحكومية (1157: 691) مع عدد أسِرَّة متساو تقريباً (36 ألف: 35 ألف). عقود من الاقتطاعات في الخدمات العامة والتقشف أوصلنا إلى أن ميزانية الصحة في الموازنة العامة للدولة في العام الماضي 2019/2020 لا تتعدى 2% (4,7 مليار دولار) وهي التي كانت في العام المالي 2015/2016 (7,8 مليار دولار)، أي أن ميزانية الصحة انخفضت بنسبة 36% في خمس سنوات.
عقود طويلة من إهمال القطاع الصحي وقلة مرتبات الكوادر الطبية أنتج لنا هذا النقص في الموارد البشرية. هناك 100 ألف طبيب مصري خارج البلاد، 65 ألف منهم في السعودية فقط، في الأربع سنوات الماضية، أي منذ العام 2016 وحتى العام 2019 خرج من البلاد 10 آلاف طبيب، في 2019 فقط خرج 3500 طبيب. وهذا منطقي في ظل هزال مرتبات الكوادر الطبية، حيث أن متوسط دخل الطبيب في المستشفيات الحكومية هو ما بين 1800 جنيه (134 دولار) و2700 جنيهاً (171 دولار)، ودخل الممرض كحد أقصي 1300 (82 دولار) للممرض الجديد و3000 جنيه (190 دولار) للممرض المتمرس، مع امكانيات ضعيفة، نتيجة نقص التمويل الحكومي، تجد الكوادر الطبية نفسها مجبرة على الهجرة بحثاً عن لقمة العيش الكريمة.
يأتي الوباء ليضع أعباء مضاعفة على الكوادر الطبية. ساعات عمل اضافية نتيجة نقص الموارد البشرية، أجور هزيلة حتى مع الزيادة المخادعة التي أعلن عنها الديكتاتور السيسي التي لا تتعدى الـ 400 جنيهاً (25 دولار)، نقص في أدوات الوقاية والتعقيم. ما يقارب 15% من مجمل عدد الاصابات المكتشفة هي من الكوادر الطبية، أي أكثر من 500 مصاب من الكوادر الطبية. من الجدير بالذكر أنه تم فصل طبيب في مستشفى العزل في ديرب نجم في محافظة الشرقية لأنه تحدث علناً عن نقص أدوات التعقيم والوقاية في المستشفى.
يجب تأمين الكوادر الطبية التي يقع على عاتقها الجهد الأكبر في مجابهة الوباء. يجب توفير معدات الوقاية والتعقيم، ويجب عمل تحليلات الكشف عن الفيروس بصفة دائمة ودورية لكل العاملين في القطاع الصحي. يجب أن يرفض العاملون في القطاع الصحي العمل في ظل ظروف العمل خطرة. الدولة تستطيع أن تؤمن لهم الموارد الكافية، تلك الدولة وفرت في يوم وليلة مليار جنيه من أموال الجماهير للمصدرين الذين تضرروا من إيقاف الاستيراد والتصدير، في نفس الوقت الذي تترك فيه الكوادر الطبية بدون معدات وقاية كافية ويحصلون فيه على بدل عدوى لا يتعدى ال 30 جنيهاً!!!
أعلنت وزارة الصحة أنها ستحول مساكن الطلبة الجامعية لمراكز عزل، في الوقت الذي فيه 1157 مستشفى خاص، مجهزة بالمعدات، فارغة، وفي الوقت الذي فيه الفنادق، التي جزء منها مملوك للقوات المسلحة، فارغة أيضاً. يجب تأميم تلك المستشفيات بلا تعويض ووضعها تحت رقابة العاملين فيها، يجب استخدام الفنادق الخاصة بالقوات المسلحة والفنادق المملوكة لرجال الأعمال بدون تعويض لأصحابها كأماكن عزل أكثر آدمية من مساكن الطلبة التي تشبه الزنازين، يجب تسكين المشردين وقاطني مدن الصفيح والعشش في تلك الفنادق. كما يجب تأميم مصانع وشركات توزيع الأدوية ومصانع المعدات الطبية ووضعها تحت رقابة العاملين فيها من أجل توفير كل المعدات الطبية اللازمة في أسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة ممكنة.
- من أجل تأميم المستشفيات الخاصة ووضعها تحت رقابة العاملين فيها
- من أجل استخدام الفنادق كأماكن عزل صحي
- من أجل تأميم صناعة الدواء وصناعة المعدات الطبية
- يجب توفير أدوات الوقاية اللازمة للأطقم الطبية
- يجب رفع رواتب الأطقم الطبية
التبعات الاقتصادية والاجتماعية:
تبعات ذلك النهج الذي تنتهجه الدولة اقتصادياً واجتماعياً لا حدود تدميرية له. من ترك الطبقة العاملة فريسة في أيدي رجال الأعمال لتذبح على مذبح زيادة الثروات، وليهلك العمال وأسرهم تحت وطأة الوباء، ومن لا يذعن لرب العمل سُيطرد ليهلك بالفقر والجوع هو وأسرته. وعمالة بالملايين كانت تعمل بالأعمال الهامشية والموسمية الآن ترزح تحت وطأة البطالة والعوز. تحالف جناحي الطبقة الحاكمة، من رجال أعمال وجنرالات الجيش، يظهر بوضوح في تلك الأزمة. مثلاً الديكتاتور عبدالفتاح السيسي قرر التضحية بأربعة ملايين عامل بناء للاستمرار في تشييد مشاريعه “القومية”، مثل العاصمة الإدارية الجديدة. هكذا يضحيَ بالملايين، ويتركون يعملون في أماكن غير معقمة وبدون اتخاذ أي تدابير صحية، من أجل بناء مجد الديكتاتور الحاكم، وهو ما يتلاقى مع مصالح امبراطوريات البناء والتشييد التي تعمل على بناء العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشاريع، مثل أوراسكوم للإنشاءات المملوكة لعائلة ساويرس.
رجال الأعمال:
طبقة رجال الأعمال المصرية هي طبقة تمتلك من الخسة والنذالة والحقارة وقلة الطموح والأنانية ما يجعلها تفضل جني الأرباح اليوم حتى ولو على حساب حرق البلاد غداً، حتى لو على حساب ملايين الضحايا الذين اتفقوا جميعاً أنهم ضحايا “ضروريين من أجل انقاذ الاقتصاد”. ونظرة بسيطة على تصريحات عينة من هؤلاء الحقيرين تعطينا فكرة عما يضمرونه من كره للجماهير العاملة ويجعلنا ندرك مدى إجرامهم واستعدادهم للتضحية بالطبقة العاملة من أجل استمرار تدفق أرباحهم وزيادة ثرواتهم، ويجعلنا أيضاً ندرك ضرورة التخطيط والعمل من أجل هدم سيطرة رأس المال على المجتمع.
رؤوف غبور، وهو العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة جي بي أوتو (GB auto)، عاشر أغنى رجل في مصر، بثروة تقدر بـ 440 مليون دولار، يقول في مداخلة تلفزيونية على قناة القاهرة والناس «لو قعدت الناس في البيت هتأمن عدم إصابة الآلاف، ولكن هذا الإجراء سينتج عنه دمار اقتصادي، ورجال الأعمال يعانون، وتحملوا ضريبة التعويم، وأي حد يقولي اتبرع هقوله آسف ماقدرش… واللي يحتاجه البيت يحرم ع الجامع». هكذا يرى رؤوف غبور أن تأمين حياة الآلاف من البشر أقل أهمية من أن يخسر هو الآلاف من الدولارات.
الملياردير حامد الشيتي، مالك شركة ترافكو للسياحة والانشاءات، مع بداية الأزمة خفض مرتبات جميع العاملين في الشركة بنسبة 20%، وسرح جميع العاملين بسلسلة فنادقه جاز التابعة للشركة، وخفض رواتب مهندسي وإداريي الانشاءات بنسبة 50%. هل لجأ الملياردير حامد الشيتي لهذا الاختيار لأنه لا يملك أموال كافية لدفع رواتب العمال؟ إطلاقاً، بل لأنه في بداية شهر مارس استحوذ على 3,4% من أسهم شركة توي جروب (Toy group) الالمانية للسياحة بعد انخفاض سعر أسهمها نتيجة أزمة توقف حركة السياحة والطائرات. هكذا رمى الملياردير حامد الشيتي بالعشرات في هوة البطالة والفقر لتزداد ممتلكاته وثرواته. صحيح أن ازدياد الثروة في قطب هو ازدياد الفقر والبؤس في القطب الآخر.
أما نجيب ساويرس، أغنى أغنياء مصر وأشهر رجال أعمال في البلد وصاحب الثروة التي تتعدى الثلاثة مليار دولار، وثاني أغنى مالك في العالم لمناجم الذهب، والمدافع الصلب عن الليبرالية اقتصادياً وسياسياً، يقول «كورونا تتسبب في تسريح عدد كبير من العمال وتخفيض أجور آخرين، والقطاع الخاص سيُفلس إذا استمر في دفع المرتبات دون إنتاج، والحكومة لن تستطيع تعويض الجميع… اللي بيتعب مش لازم يموت، فيه ناس هتبقى معندهاش شغل، فيه ناس كتير هيتوقف رزقها الشهر ده، الناس دي شهر ولا اتنين هينتحروا… أنا بفكر في اقتصاد بلد، قاع النكد موصلنلوش، والأسبوع المقبل هيبقى فيه دماء اقتصادية». هكذا يحذر الملياردير نجيب ساويرس من انتحار جماعي في البلاد نتيجة الارتفاع غير المسبوق في نسب البطالة التي سنشهدها في الشهور والسنين القادمة!!!!
هذا الذي يتحدث عن إفلاس القطاع الخاص هو ثاني أكبر رجال أعمال في العالم من حيث الاستثمار في مناجم الذهب. هكذا يفصح نجيب ساويرس عن وجهة نظره ويدافع بشراسة عن مصالحه الذاتية كرجل أعمال يعتاش على مص دماء الطبقة العاملة. يدعو نجيب ساويرس، وهو في قصره الفاره، العمال لمواصلة العمل بدعوى أنه ليس كل من سيصاب بالفيروس سيموت. ليس هذا فقط، بل اقترح أيضاً مؤخراً أن تقام أماكن مبيت للعمال في أماكن العمل لكي لا يختلطوا بمن هم في الخارج. هكذا يود نجيب ساويرس إرجاع ظروف العمل لما يشبه ظروف عمل الأقنان أو العبيد في القارة الأمريكية الشمالية. هذا هو الشخص الذي كان ولا يزال محط اعجاب الليبراليين المصريين.
هذه هي طبقة رجال الأعمال المصرية، التي لم يخرج واحد منها ليقدم حلا للأزمة الصحية التي تواجه الملايين، بل كل ما جال في خاطرهم هو ضرورة عودة العمل لطبيعته. هذه الطبقة، التي تقدر ثروة أغنى 10 أشخاص فيها بـ 24 مليار دولار، تتحدث عن الافلاس!!!
يجب وقف العمل فوراً في كل الأعمال غير الضرورية مع ارغام رجال الأعمال على دفع رواتب العمال والموظفين كاملة بانتظام. ورجل الأعمال الذي يتعنت مع عماله في اعطائهم اجازات مدفوعة الأجر يجب أن تصادر مصانعه وتوضع تحت رقابة وإشراف العاملين فيها. يجب أن لا ننتظر أن تحدث الكارثة ويموت الآلاف، يجب أن نتعلم من تجارب رفاقنا في الطبقة العاملة الايطالية الذين كانوا ضحية رجال أعمال وحكومة لا يقلون حقارة وأنانية عن الحكومة ورجال الأعمال في مصر، يجب أن تستخدم الطبقة العاملة المصرية نفس السلاح الذي استخدمته الطبقة العاملة الايطالية من أجل وقف العمل في القطاعات غير الضرورية، وهو الإضراب. كما يجب توفير الرعاية الطبية الكاملة للعمال في القطاعات الأساسية، مع توفير أدوات الوقاية والتعقيم وإجراء تحاليل دورية للعمال فيها.
- الإضراب من أجل وقف كل القطاعات الغير ضرورية.
- من أجل إجازات مدفوعة الأجر في كل القطاعات الغير ضرورية.
- من أجل حد أدنى للأجور في القطاع الخاص يساوي القطاع العام.
الإجراءات الحكومية:
هنا الجانب الآخر من الطبقة الحاكمة -ممثل في الدولة- يظهر انحيازاته الطبقية الواضحة من خلال اجراءاته. حزمة من المساعدات المالية السخية والاعفاءات الضريبية لصالح رجال الأعمال وكبار التجار والمستوردين والمصدرين، في الوقت الذي خسر فيه الملايين عملهم نتيجة الاغلاق الكلي أو الجزئي لقطاع الخدمات وتوقف السياحة.
الديكتاتورية العسكرية الحاكمة قررت انقاذ رجال الأعمال بأموال الجماهير. خفض سعر الغاز الطبيعي والكهرباء للصناعة، توفير مليار جنيه للمصدرين لسداد جزء من مستحقاتهم للبنوك، تأجيل سداد قيمة الضرائب العقارية على المصانع والشركات لمدة ثلاثة أشهر، خفض ضريبة الدمغة في البورصة، خفض ضريبة الأرباح الرأسمالية للشركات المصرية بقيمة 50% لتصبح 5% وتأجيل ميعاد استحقاقها لأول 2022، إعفاء غير المقيمين (المستثمرين الأجانب بشكل أساسي) من ضريبة الأرباح الرأسمالية نهائياً!!!!
كل هذه الإجراءات التي لا تهدف سوى محاباة الأغنياء ورجال الأعمال تأتي في وقت تبحث الدولة فيه عن موارد مالية كافية تمكنها من سد احتياجات النظام الطبي المتهالك. هذه الاجراءات ستدر أرباح خيالية على رجال الأعمال في نفس الوقت الذي يفقد فيه يومياً الآلاف وظائفهم. الدولة ستعطي مجموعة من الأثرياء الذين يعملون في التصدير والاستيراد مليار جنيه لتنقذهم من الديون في نفس الوقت الذي ترفع فيه يدها عن جماهير العاطلين عن العمل ومن سوف يفقدون أعمالهم في المستقبل القريب. وما سيحدث بعد نهاية الأزمة أن الدولة ستخرج علينا لتقول لقد استنفذنا كل مواردنا في مجابهة الوباء والآن حان وقت مزيد من التقشف لسد عجز الموازنة، لنبدأ سلسلة من الاقتطاعات والخصخصة للخدمات العامة والاقتراض ستدفع ثمنها الجماهير غالياً.
وكل هذا باسم “المحافظة على الاقتصاد”، ولكي تُكمل الدولة تضليلها قالت إنها ستعطي إعانة بطالة تقدر ب 500 جنيه لمن تضرروا من الاغلاقات، أي أقل من مستوى خط الفقر الذي قررته الدولة بنفسها، بدعوى أننا لا نملك أموال كافية، وأننا نفعل كل ما نستطيع.
في الوقت الذي تقدم فيه الدولة التنازلات لرجال الأعمال والأثرياء كان يجب أن يحدث العكس. يجب أن تفرض ضرائب فورا على الثروات والودائع التي تتعدى المليون جنيه على أن تكون ضرائب تصاعدية تبدأ من 5% لتصل لـ40%. في الوقت نفسه، يجب تأميم البنوك الكبرى ووضع ثرواتها ومواردها تحت تصرف المجتمع. هكذا كان يمكن للدولة أن تجني أموال كافية، ليس فقط لدعم البنية الصحية المتهالكة لحماية أرواح الجماهير، ولكن أيضاً لإنشاء شبكة أمان اجتماعي لضمان توفير حد أدنى من الحياة للجماهير، لا أن تدعم أرباح رجال الأعمال وتترك الجماهير العاملة والعاطلة عن العمل ليقعوا بين سندان الموت بالوباء ومطرقة الموت بالفقر والجوع. في الوقت نفسه، يجب تأميم البنوك الكبرى ووضع ثرواتها ومواردها تحت تصرف المجتمع. يجب توجيه كافة الصناعات للداخل، لسد احتياجات المجتمع وليس لسد جشع رجال الأعمال.
- من أجل فرض ضرائب تصاعدية في الحال.
- يجب تأميم البنوك!
- من أجل إعانة بطالة تساوي الحد الأدنى للأجور.
- يجب توفير مستلزمات الوقاية والتعقيم مجاناً للمواطنين المسجلين في بطاقات التموين الحكومية.
- يجب وقف تحصيل الفواتير الشهرية.
- يجب وقف سداد إيجارات المنازل.
المشهد السياسي
تأتي هذه الأزمة العامة في وقت تشهد فيه البلاد حالة مؤقتة من التصحر السياسي. عدد من المجازر راح ضحيتها الآلاف من القتلى واعتقال ما يزيد عن 60 ألف معتقل كفيل لقتل الممارسة السياسية في البلاد. استغلت الديكتاتورية العسكرية الحاكمة حالة الكره العام المُستحق للإخوان المسلمين لتقتل كل أنواع المعارضة بما فيها الاضرابات العمالية بحجة “محاربة الإرهاب”، لكن مؤخراً ظهر أن هذه الحجة وغيرها من ادعاءات النظام لم تعد تنطلي على الجماهير، وهو ما ظهر في احتجاجات سبتمبر 2019.
اليوم، جاء الوباء ليعطي الديكتاتورية الحاكمة فرصة على طبق من ذهب، فرصة إحكام قبضة حديدية على البلاد بحجة “محاربة الوباء”. وهو ما بدأت تستغله الديكتاتورية الحاكمة، في شهر مارس المنقضي اعتقلت السلطات الأمنية اثنين من المناضلين اليساريين، اخفتهما قسرياً لمدة من الزمن، ثم ظهرا وخضعا للتحقيق بتهم واهية “نشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة ارهابية” وغيرها من التهم التي يقبع بسببها الآلاف في السجون حالياً.
بدل أن تفرج الدولة عن المساجين لتقليل فرص تفشي الوباء في السجون المكدسة، ها هي تستغل حالة الخوف العام من الوباء لتصفية حساباتها مع المناضلين اليساريين بشكل خاص والمعارضة بشكل عام، حملة اعتقالات مستمرة منذ بداية مارس وإلى الآن، أكثر من 6 نشطاء اعتقلوا، بعضهم لازال يخضع للإخفاء القسري.
مصر بها 68 سجن و 382 مقر احتجاز من أقسام ومراكز شرطية. يقبع في هذه الأماكن أكثر من 60 ألف سجين سياسي وأكثر من ضعفهم سجناء جنائيين. يعني أننا عندما نتحدث عن مجمل الموجودين في السجون سواء على ذمة قضايا سياسية أو جنائية فإننا نتحدث عن ما بين 180 ألف و200 ألف شخص. هؤلاء جميعاً يقبعون في أماكن شديدة القذارة محرومين من التهوية في أغلب الأحيان ومحرومين من مياه نظيفة ومحرومين من أي رعاية طبية (في سنة 2019 وحدها توفي 14 مسجون نتيجة الإهمال الطبي) ومحرومين أيضاً من أدوات النظافة الشخصية ومن أدوات التعقيم، خصوصاً وأن مصلحة السجون علقت الزيارات للمساجين منذ يوم 15 مارس وإلى أجل غير مسمى. هذا في ظل تواتر أنباء من داخل السجون عن وجود حالات إصابة بالفيروس بين المساجين. هؤلاء المساجين ليسوا فقط غير قادرين على تنفيذ التباعد الاجتماعي، بل إنهم ينامون ملاصقين لبعضهم البعض من شدة التكدس: نسبة التكدس في السجون 160% ونسبة التكدس في أقسام الشرطة 300%، حسب بيانات المجلس القومي لحقوق الإنسان الحكومي.
الديكتاتورية العسكرية التي تحكمنا تدفع نحو حدوث كارثة انسانية داخل السجون المصرية، بتعريضها لـ 200 ألف شخص مكدسين لخطر الإصابة بالفيروس.
- يجب الإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين.
- يجب الإفراج عن كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
- يجب الكشف عن عدد حالات الإصابة بالفيروس داخل السجون.
- يجب توفير الرعاية الطبية اللازمة في مستشفيات العزل المدنية لمن تظهر عليه الأعراض.
- يجب تقديم أدوات التعقيم والوقاية للمساجين.
خاتمة:
الشهور القادمة مليئة بالأحداث، التي ستكون مفجعة في أغلب الأحيان. نحن نسير بخطى ثابتة نحو مأساة حقيقية لا أحد يستطيع التنبؤ بتفاصيلها.
ديكتاتورية عسكرية حاكمة تسعى للاستفادة سياسياً من الأزمة الحالية عن طريق إحكام قبضتها التي كانت قد بدأت تتخلخل مجدداً على المجتمع، طبقة رأسمالية لا تأبه سوى بزيادة ثرواتها وحساباتها البنكية يومياً، عمالة هشة تقع في هوة البطالة والفقر، وعمال يتعرضون لخطر الموت هم وأسرهم من أجل زيادة ثروات رجال الأعمال الأثرياء.
يجب أن نستعد للأحداث القادمة. إضراب عمال الإنشاءات العاملين في العاصمة الإدارية الجديدة (من أجل أدوات وقاية وتعقيم واجازات مدفوعة الأجر لمن يبدو عليهم الأعراض) ليس سوى لبنة جنينية لما تحمله الشهور القادمة. سنشهد تصاعدا للوعي الطبقي الجمعي بعد أن رأى العمال أن هؤلاء الأثرياء رجال الأعمال والدولة يضحون بهم من أجل أن تزيد ثرواتهم، وهو ما يمكن أن تفاجئنا نتائجه وتبعاته في أي لحظة من اللحظات.
إن النظام الرأسمالي عاجز عن حل المشاكل التي يواجهها المجتمع. بدلاً من إيجاد علاج للفيروس، فإنه يجعل المزيد من الناس يمرضون. بدلاً من مساعدة الناس على النجاة أثناء الوباء، يدفعهم إلى الفقر واليأس. ولكن كل هذا بدوره لن يمر مرور الكرام وسيكون له آثر في وعي الجماهير والطبقة العاملة. العالم كله، ومصر في قلبه، يقبع فوق برميل بارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة تحت وطأة الأزمات الاجتماعية المتلاحقة المتراكمة والشاملة.
يجب أن نعمل على أن نكون جاهزين لهذه اللحظة. فقط عن طريق تنظيم صفوفنا يمكننا ذلك، عن طريق دراسة النظرية الماركسية الثورية يمكننا أن نفهم أسباب بؤسنا وفقرنا واحتمالات الخلاص منه. عن طريق تكوين منظمة ثورية تهدف للقضاء على النظام الجمهوري الرأسمالي يمكننا أن نكون جاهزين للاشتباك مع الأحداث الفارقة القادمة.
إذا كانت الطبقة الحاكمة لا تستطيع تحمل وحماية صحتنا وسلامتنا وتدعيم مستوى معيشتنا، فلا يمكننا تحملها! يجب الإطاحة بها: يجب تأميم ثروتها – البنوك والمصانع والشركات الكبرى – ووضعها تحت سيطرة الطبقة العاملة لتعمل لصالح المجتمع على قاعدة الاقتصاد المخطط لتلبية احتياجات الشعب وليس زيادة ثروات الأغنياء. أكرر الأيام حبُلى، وعلى الثوريين أن يستعدوا وينظموا أنفسهم ليستطيعوا أن يشتبكوا مع الجماهير والطبقة العاملة لمحاولة تنظيمهم للاستعداد للحظة الفارقة، لحظة هدم النظام الجمهوري الرأسمالي.
- ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان، في المصانع والأحياء والجامعات والمدارس!
- تسقط الديكتاتورية العسكرية الحاكمة!
- ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان
- تسقط قوات قمع الجماهير(الشرطة والجيش)
- تسقط حكومات رجال الأعمال
- لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية