في الليلة الماضية، أطلقت القوات الجوية الأمريكية والبريطانية عشرات القنابل المتطورة على رؤوس أحد أفقر الشعوب في العالم. إن أيدي الإمبرياليين الغربيين ملطخة بدماء شعب غزة، لكنهم حتى الآن يستطيعون الاختباء وراء حقيقة أنهم، نعم، ربما زودوا هذه المذبحة بالأسلحة والقنابل والمال والغطاء السياسي، إلا أنهم لم يضغطوا الزناد مباشرة. كلا فقد أصروا دائما على ضرورة تنفيذ المذبحة “باعتدال” و”قوة متناسبة”. لكنهم الآن في اليمن، تدخلوا بشكل مباشر، مما أدى إلى تصعيد الصراع في المنطقة بشكل متهور. نحن نقول: ارفعوا أيديكم عن اليمن! فليسقط القتلة الإمبرياليون!
[Source]
يجب أن نعترف للإمبرياليين الغربيين بأنهم كانوا صريحين تماما بشأن سبب تدخلهم.
لقد أعلنوا بغطرسة في بيان مشترك لهم صدر بعد القصف أن تلك الهجمات تمت “وفقا للحق الأصيل في الدفاع الفردي والجماعي عن النفس” وأن “هذه الضربات الدقيقة تهدف إلى تعطيل وتقليل القدرات التي يستخدمها الحوثيون لتهديد التجارة العالمية وحياة البحارة في واحدة أهم الممرات المائية في العالم”.
و قد أكد بايدن أنه لن يتردد في اتخاذ إجراءات إضافية لحماية “التدفق الحر للتجارة الدولية”.
بينما قال وزير القوات المسلحة البريطاني، جيمس هيبي، إنه “بغض النظر عما تعتقد في قضية الحوثيين ومبرراتهم، فإنه لا يمكننا السماح لهم بمحاولة قطع التجارة العالمية كفدية لتحقيق أهدافهم السياسية والدبلوماسية أيا كانت”.
لذا، فبينما يقوم سكان غزة بتجميع موتاهم، وننتظر نحن بفارغ الصبر حكم محكمة العدل الدولية بشأن ما إذا كانوا ضحايا إبادة جماعية أم مجرد قتل جماعي، لا بد من مواجهة تهديد أخطر بكثير للعالم الحر: وهو الحق المقدس لشركات الشحن والنفط في أن تشتغل وتحقق الأرباح.
أي حق يملكه شعب فقير للانتقام من المذبحة التي تحدث في غزة غير إطلاق أجهزة بدائية الصنع على السفن الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر؟ تقترح حكومة المملكة المتحدة، في إطار قيامها بواجبها، اللجوء إلى… “القانون الدولي”!
يتعرض الشعب اليمني، منذ عام 2015، لمذبحة جماعية على يد التحالف الذي تقوده السعودية، والمدعوم والمسلح من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب، والذي شهد مقتل 150 ألف شخص بسبب الأسلحة المستوردة من الغرب، إضافة إلى مئات الآلاف من القتلى الآخرين بسبب الجوع والمرض. إن قصة الحرب ضد الحوثيين هي سلسلة طويلة من جرائم الحرب: مجاعة من صنع الإنسان، و قصف حفلات الزفاف، والجنازات، وحتى الحافلات المدرسية، ومحو عائلات بأكملها.
والآن يلجأ الإمبرياليون الغربيون إلى “القانون الدولي” لتجديد قصفهم لليمن من أجل التحذير من التدخل في العمليات الإسرائيلية الجارية ولحماية الأرباح والتجارة، كما يعلنون صراحة. النفاق كاف ليجعلك تختنق.
مسرحية
على الصعيد الاستراتيجي، من الصعب أن يتصور المرء أن هناك تخطيط مبني على تفكير عميق وراء شن هذا القصف الأهوج، الذي يدفع المنطقة بشكل أكبر نحو الهاوية.
يزعم الإمبرياليون في بيانهم حول الهجمات أن هدفهم كان “تعطيل وتخريب قدرات” الحوثيين، الذين يستهدفون السفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر. لكن إذا كان هذا هو السبب الحقيقي، لماذا استهلت الهجوم ببيانات صحفية رسمية تعلن فيها عن القصف بكل هذا الضجيج؟
قبل يومين على شن الهجوم قال غرانت شابس [وزير الدفاع البريطاني] للصحافة “ترقبوا هذا”. بينما صرح المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض للصحف قائلا: “سنقوم بما يتعين علينا فعله للتصدي لهذه التهديدات”، وذلك قبل بضع ساعات على انطلاق الهجوم، وهو وقت كاف للحوثيين لإخفاء معداتهم بشكل آمن.
كان الأمر برمته بمثابة عمل مسرحي لإخفاء عجز الإمبرياليين، إلا أنه عمل مسرحي باهظ الثمن ومحفوف بالمخاطر. ولن يحل المشاكل التي ورط الإمبرياليون أنفسهم فيها، بل إنه في الواقع، يتضمن خطر جعلها أسوء بكثير.
إن قصف بعض المواقع في أنحاء اليمن لن يكون له أدنى تأثير على قدرات الحوثيين. إذ أن القصف الشديد لسنوات على يد السعوديين فشل في إلحاق الضرر بالحوثيين. بل حتى القصف الجوي والغارات البرية التي قامت بها إسرائيل على محافظة غزة الصغيرة لم تفلح في إضعاف حماس، وهي محكومة بالفشل.
وحده الغزو البري الكامل هو الذي يمكنه أن يكسر قدرات الحوثيين، لكن الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها، بعد الكارثة التي تعرضوا لها في العراق وأفغانستان، لم يعد لهم مزاج للقيام بذلك. استراتيجية الردع الأميركية كانت حتى الآن بمثابة فشل ذريع. صحيح أن السفن الحربية الأمريكية قد تمركزت في المنطقة “لحماية” السفن التجارية، لكن هذا لم يعمل سوى على فضح عجز أقوى قوة بحرية في العالم.
لا يعتمد الحوثيون على معدات متمركزة في عدد قليل من المرافق التكنولوجية المتقدمة التي يمكن “تعطيلها” بسرعة. إنهم يستخدمون قوارب مسيرة رخيصة، يتم التحكم فيها عن بعد، محملة بأجهزة تفجير يمكن إخفاؤها بسهولة، وطائرات بدون طيار مكونة من قطع يمكن شراؤها ويمكن إخفاؤها بجهد ضئيل، ويمكن استبدالها بسرعة وبتكلفة منخفضة.
تشير التقديرات إلى أن متوسط تكلفة بناء الطائرة الحوثية المسيرة تبلغ حوالي 2000 دولار. لكن كل صاروخ موجه تطلقه البحرية الأمريكية للقضاء على تلك الطائرة المسيرة يكلف حوالي 02 مليون دولار للقطعة الواحدة. وليست تلك الصواريخ متوفرة بشكل غير محدود.
اشتكت مجلة فوربس في دجنبر الماضي من: “أنه رد استراتيجي ضعيف للغاية وحساب خاطئ”، وأضافت: “لكنه يخبرنا الكثير عن حالة القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية وتراجع القوة الأمريكية”.
كان على الإمبرياليين الغربيين أن يفعلوا شيئا لحفظ ماء الوجه، وكانت هذه الخطوة هي ما توصلوا إليه.
لا يوجد حل معقول
الوضع يفضح الإمبرياليين. فمجموعة صغيرة من المتمردين ذوي التسليح الضعيف تعيق حركة الشحن في بحر تمر منه 15% من التجارة العالمية. وقد بدأت شركات الشحن الكبيرة وشركات النفط، بما في ذلك بريتش بيتروليوم، بتحويل حركتها نحو رأس الرجاء الصالح، مما يضيف أسابيع إلى وقت النقل ويرفع التكاليف.
سيزيد ذلك من ضغوط التضخم على الاقتصاد العالمي، والعديد من الشركات تواجه اضطرابات شديدة. وقد أعلنت تسلا أنها ستضطر إلى تعليق تصنيع المركبات في مصنعها في ألمانيا نتيجة لنقص في المكونات التي عادة ما تصل عبر ذلك الطريق التجاري.
كل هذا يأتي في وقت تشهد فيه منسوبات المياه في قناة بنما أدنى مستوياتها على الإطلاق، مما يعيق التجارة البحرية في ممر اقتصادي كبير آخر، وفي وقت يواجه فيه الرأسمالية رياحا اقتصادية قوية قد تهدد بدفع العالم إلى الركود.
لكن تدخل الإمبرياليين، الذين يحاولون إنقاذ ماء وجههم وفي نفس الوقت إرسال تحذير للابتعاد عن حرب إسرائيل وإبقاء ممرات التجارة مفتوحة، لن يؤدي الى استقرار الوضع. بل إنهم يصبون المزيد من البنزين على النيران.
وقد ارتفعت أسعار النفط بالفعل بنسبة 2% أخرى منذ تفجيرات الليلة الماضية. وفوق كل شيء، فإنهم يصبون البنزين على غضب الملايين من الناس في جميع أنحاء المنطقة التي تتأرجح العديد من الأنظمة فيها بالفعل على حافة الهاوية.
وهكذا نرى مشهد أنتوني بلينكن وهو يهرول في كل الشرق الأوسط مثل دجاجة مقطوعة الرأس في محاولة لتهدئة القادة العرب وتجنب التصعيد، في حين أن ذلك الرجل الخرف في البيت الأبيض يبطل تلك الجهود من خلال إصدار أوامره بقصف الحوثيين، الذين هم الوحيدين في المنطقة من اتخذ إجراءات ضد إسرائيل.
كيف نفسر هذا؟ هل الإمبرياليون الأمريكيون مجانين؟ ربما، ولكن هناك مثل يقول: إن الذي يقف على حافة الهاوية يفقد القدرة على التفكير. الوضع الحالي خارج عن سيطرتهم ويصبح يوما بعد يوم أكثر جموحا. ومهما فعلوا، فإنه لا يوجد حل معقول. إنهم يرغبون في تجنب التصعيد، هذا صحيح، لكن عدم القيام بأي شيء ليس خيارا أيضا، لأنه لن يؤدي إلا إلى فضح عجزهم الحالي.
إن المسؤولية عن الحرب في غزة، وتقويض الأوضاع في الشرق الأوسط وردود الفعل الحتمية و تعطيل التجارة البحرية -التي ستقع تكلفتها على عاتق الفقراء في شكل زيادة في الأسعار- كلها يجب أن توضع على عاتق الطبقة السائدة الإسرائيلية وقبل كل شيء الإمبرياليين الغربيين.
لن يتم إجبارهم على الانضباط من خلال قرارات المحكمة الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية، ولا من قبل الأمم المتحدة، ولا من خلال الاحتجاجات السلمية في العواصم الكبرى. وعلى الرغم من أن بايدن وسوناك قد تجاوزا الكونغرس والبرلمان، فإننا لا نشك في أنه حتى لو كانا قد منحا تلك المؤسسات تعاملا أفضل، لكان سياسيو الطبقة السائدة قد وافقوا على مخططاتهما الإمبريالية.
إن الأصدقاء الحقيقيين الوحيدين للشعب الفلسطيني واليمني ضد الإمبريالية هم المليارات من المضطهَدين والطبقة العاملة في العالم. فمن أجل وقف الحرب على غزة، ومن أجل تحرير فلسطين، ومن أجل منع الإمبرياليين من جر المنطقة إلى الجحيم، يجب علينا أن نسقط الإمبريالية. وحدها الثورة الاشتراكية يمكنها أن تنقذنا من كل هذا. نحن نقول:
- ارفعوا أيديكم عن اليمن!
- فلسطين حرة!
- من غزة الى لندن الى واشنطن: انتفاضة حتى النصر! ثورة حتى النصر!