، بتاريخ: 1 دجنبر 2003 www.lariposte.com ملاحظة: سبق لهذا المقال أن نشر على صفحات موقعنا:
و نظرا لما له من أهمية و راهنية، نقدم لقرائنا ترجمته العربية.
لقد جعل طرد التلميذات في اوبيرفيي و في طان (Aubervilliers et Than) مؤخرا، و احتمال فرض المنع الكلي لحمل الرموز الدينية في المدرسة، من مسألة "الحجاب الإسلامي"، مرة أخرى، واحدة من أكثر المواضيع تداولا من طرف الصحافة و الإعلام السمعي البصري. إذ تتوالى المقالات و البرامج الوثائقية و المقابلات الصحفية و الكتابات، واحدة بعد أخرى، متناولة من جميع الجوانب "الخطر الأصولي" و مقترحة للوسائل الكفيلة بالتصدي له. فجميع البرلمانيين و القادة السياسيين، و من بينهم رئيس الجمهورية، كان لهم ولا يزال رأيهم في هذا الموضوع. و بمجرد ما تم الإعلان عن إجراءات الطرد، سارع العديد من قادة الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي إلى تأييدها بنبرة "جمهورية" حادة.
بالنسبة للبعض، يمكن أن تبدو كل هذه الضجة حول تلميذات يحملن غطاء الرأس (foulard) مسألة سخيفة. لكن، و بالرغم من ذلك، سوف نكون مخطئين إذا ما نحن تعاملنا مع هذه المسألة بلا مبالاة. فلهذه "المسألة" و استغلالها السياسي تبعات هامة على الموقف من الدين. و من تم فإنها، بشكل أو بآخر، تهم عدة ملايين من الأشخاص الذين يعيشون في فرنسا. تترائ من خلف هذا المشكل، الذي يبدو صغيرا، سلسلة من القضايا الهامة جدا و التي من بينها مصلحة الرأسماليين فيها و مسألة العنصرية و مسألة العلمانية بتعدد تعريفاتها، و أخيرا السياسة التي يجب على أحزاب اليسار أن تدافع عنها فيما يخص المعتقدات الدينية و الحقوق الديمقراطية للمؤمنين.
مند 1989 و "المسائل" المتعلقة بوضع غطاء الرأس تثير النقاشات. و الآن كما في السابق، ليس طرح هذا الموضوع راجعا للصدفة المحضة. فمن وجهة نظر الحكومة و حركة MEDEF ( حركة أرباب العمل الفرنسيين ) يعتبر واحد من أهم إيجابيات هذه الضجة الإعلامية أن يتم تحويل انتباه الجماهير نحو الدفاع عن "القيم الجمهورية" المزعومة في وجه "الأصولية" ومن تم جعلها تنسى الحرب التي تخوضها الحكومة والباطرونا ضد القطاع الصناعي، ضد مناصب الشغل وضد الخدمات العمومية و ضد المكاسب الاجتماعية عموما. لقد اندلعت في جميع جهات فرنسا نضالات يشترك فيها عشرات الآلاف من الأجراء بغية الدفاع عن مناصب شغلهم و منع التدمير الممارس ضد الصناعة. إن هؤلاء العمال سيكونون سعداء جدا لو أنهم حصلوا ولو على جزء بسيط من الوقت الذي تخصصه القنوات التلفزية لمختلف المتدخلين حول مسألة الحجاب. لكنه، من وجهة نظر مالكي وسائل الإعلام و الصناعة السمعية البصرية، لا تستحق التسريحات الجماهيرية إلا إشارات موجزة جدا.
إلا أن استغلال الحجاب الإسلامي كوسيلة للتفرقة، لا يلغي شيئا من أهمية المسألة التي يطرحها. فطرد تلميذات، يحملن قطعة ثوب فوق رؤوسهن، يعتبر إجراءا مقيتا يشجع العنصرية و التهميش ضد الشباب و العمال المهاجرين. ليس في كل هذه الموجة، من الدعاية حول الدفاع عن "المدرسة العلمانية"، أو "المدرسة الجمهورية" و رغم المظاهر، أية ذرة من المضمون التقدمي أو الديمقراطي. إذ أن كل ما قدمته هذه الحملة على "الحجاب" هو أنها سمحت لشرذمة من الرجعيين كشيراك, رافران، جوبيه، وفيري بأن يعرضوا على الملأ مبادئهم و بأن يظهروا كـ "مدافعين عن المساواة"، هذا بينما ليس النظام الرأسمالي و "الجمهورية" الذي يعتبرون من أشد المدافعين عنه حماسة، إلا آلة كبيرة لإنتاج اللامساواة و الظلم والمعاناة الرهيبة لأغلبية الجماهير في الوقت الذي تسبح فيه طبقة صغيرة من الطفيليين في الرفاه و السلطة و ثمار الاستغلال اليومي للأغلبية.
إن "الاستيراد" المكثف لليد العاملة من البلدان المغاربية لاستغلالها في الصناعة و باقي القطاعات الأخرى حيث الأشغال الأشق و الأقل أجرا كان متوافقا، بشكل كامل، مع "قيم الجمهورية"، بالأحرى كان مطابقا لمصالح مالكي الرساميل. كما أن تقييدهم بقوانين عنصرية و تمييزية و منعهم من حق التصويت، حتى حدود الثمانينيات، و من حق تشكيل الجمعيات، لم يكن ليقلق ضمائر رجالات الجمهورية، لكن أن تسمح فتاة لنفسها بان تحمل الحجاب في المدرسة - سواء عن قناعة دينية أو بسبب التقاليد أو أي سبب آخر - فتلك هي المصيبة التي تهدد بتدمير أركان الحضارة الفرنسية !
إن la riposte جريدة ماركسية، و الماركسية هي طريقة علمية لتحليل جميع ظواهر الطبيعة، و المجتمع الإنساني من وجهة نظر مادية، و بالتالي فإنها تقف على طرف النقيض تماما مع جميع المذاهب الدينية و المعتقدات الخرافية. لكن la riposte تعارض مطلقا أي إجراء قمعي ضد الممارسات الدينية اليومية للمسلمين وللكاثوليك و لجميع فئات المؤمنين الأخرى. و عليه فإننا نعارض بحزم منع حمل "الحجاب" أو النقاب سواء في المدرسة أو خارجها. إذ يتعلق الأمر هنا، من وجهة نظرنا، بحق ديمقراطي أساسي يجب أن يدافع عنه بشراسة من طرف الماركسيين و من طرف مجمل الحركة الاشتراكية و الشيوعية و النقابية. إن إجراءات الطرد الأخيرة ( و بغض النظر عن الاعتبارات الشخصية للمسئولين عن التعليم الوطني الذين قرروها) تشكل مثلها مثل جميع الإجراءات السابقة، هجوما فادحا و غير مقبول ضد المصالح و الحقوق الديمقراطية للتلاميذ المعنيين و كذلك استفزازا تجاه مجمل مسلمي فرنسا.
إن اليمين يزعم الدفاع عن "العلمانية"، لكن ماذا تعني العلمانية لدى هؤلاء الرجعيين؟ نحن كماركسيين ندافع عن علمانية المدرسة العمومية، أي عن أنه لا يجب أن تصرف أموال من الميزانية لخدمة الدعاية لأفكار دينية. "العلمانية" بالنسبة لشيراك وشركائه تعني فرض إجراءات قمعية ضد الطوائف الدينية بسبب ممارساتها لشعائرها العادية. إن هذا يعتبر، من وجهة النظر الاشتراكية، مرفوضا تماما.
لقد أصرت الحركة العمالية تاريخيا على أن يظل الدين» مسالة شخصية« . و قد دافع مؤسسا الاشتراكية العلمية، كارل ماركس و فريدريك انجلز عن هذه الرؤية. لكن هذا الموقف غالبا ما تعرض لسوء الفهم أو لسوء الشرح. إن هدف هذا الشعار [الدين مسالة شخصية] هو تأكيد الطبيعة "الخاصة" للمعتقدات الدينية لدى العمال أمام الدولة، أي أنه ( الشعار) وسيلة لمقاومة تدخل الدولة في الأمور الدينية و الدفاع عن الحق في الممارسة الحرة للدين أو في عدم ممارسة أي دين. لقد كان ماركس و انجلز يعتبران أن هذا "الفصل بين الدين والدولة" يشكل خطوة إلى الأمام، لكنهما عارضا بحزم الحملات القمعية "المعادية للدين" و التي بحثت من خلالها الطبقة الرأسمالية، في ظل الجمهورية الثالثة في فرنسا، و ألمانيا و في ظل بسمارك، عن ترسيخ سيطرتها على جميع مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية للبلد. و قد مورست هذه السياسة عمليا تحت غلاف من الديماغوجيا الجمهورية ( وهي الفن الذي يعتبر اليوم على الموضة) عبر أشكال عدة من الاضطهاد و الملاحقات ضد الطوائف الدينية و الرهبان و ممثلي الكنيسة عموما. من خلال جذريتها المزيفة كانت تبتغي كذلك تحويل اتجاه الحركة العمالية، عبر إضفاء هالة "تقدمية" على الجمهورية الرأسمالية آنذاك و هي الجمهورية التي إنبنت - لا يجب أن ننسى- على جثث 50.000 باريسي ذبحوا أثناء سحق الكمونة الثورية سنة 1871 .
لا يطبق اليوم منع استعمال الميزانية العامة لتشجيع الدين. فكل سنة تقدم الدولة مبالغ هامة من المال لصناديق المدارس الدينية التي يزعم أنها "خاصة". فعمليا، لا توجد أي واحدة من هذه المدارس قادرة على الاستمرار دون دعم من الدولة. و ليست هذه المدارس خاصة، إلا لكونها تتهرب من تطبيق قوانين "العلمانية" الجاري بها العمل في باقي المدارس الأخرى. لقد كان لليمين دائما موقف منافق تجاه هذه المسالة. إذ عندما أرادت حكومة بيير موروي Pierre Mauroy بين سنوات 1981- 1984، فرض التضييق على التمويل العمومي للمدارس الكاثوليكية، عمل نفس هؤلاء السياسيون اليمينيون، الذين يظهرون اليوم اشد الحماسة ضد "الرموز الدينية" في المدرسة، على تعبئة مئات الآلاف من المتظاهرين للدفاع عن "حرية التعليم" - أي حرية التعليم الكاثوليكي - و للإبقاء على التمويل العمومي للمدارس الدينية ! هذا الواقع لوحده كاف لإعطاء الدليل على الطبيعة العنصرية (أو "الموحدة" اذا ما أردنا استعمال مصطلح على الموضة) للحملة الحالية الرامية لمنع حمل "الحجاب الإسلامي".
إن القوانين الجاري بها العمل الآن، حول التعبير عن المعتقدات الدينية داخل المدرسة، تدع الباب مفتوحا على مصراعيه لممارسة التمييز الأكثر شططا. لقد أباح المجلس الوزاري سنة 1989، من جديد، للتلاميذ الحق في "التعبير و الإعلان عن المعتقدات الدينية داخل المؤسسات التعليمية" مع التأكيد آنذاك على أن هذا الحق "لا يسمح للتلاميذ بأن يحملوا رموزا ذات دلالة دينية يمكنها ( نظرا لطبيعتها، أو بسبب الظروف التي حملت فيها، لا سواء من طرف فرد أو مجموعة، أو بسبب طبيعتها التفاخرية أو المطلبية) أن تشكل وسيلة ضغط أو استفزاز أو تبشير أو دعاية، و تمس كرامة التلاميذ الآخرين المنتمين إلى طوائف أخرى"، أو أن تهدد "بخلخلة النظام" داخل المؤسسة. إن هذا النص يهدف بوضوح إلى إعطاء المبررات للسلطات من أجل شرعنة إجراءاتها ضد التلاميذ المؤمنين وخاصة ضد التلاميذ المسلمين. إذ بما أنه من الأسهل رؤية غطاء الرأس من رؤية قلادة تحمل صورة المسيح، فسوف يكون من السهل التشهير به باعتباره شكلا من أشكال "الاستفزاز" و "التبشير" أو "الضغط على الطوائف الأخرى من التلاميذ". و هكذا وبفعل قرار 1989 نجد بوضوح أن التلميذ أو التلميذة الكاثوليكيين الذين يحملان صليبا ليس لديهما ما يخشيانه لكن الفتاة التي تحمل حجابا مهددة بالطرد.
و اليوم ها هو رافران و حزب UMP ( اتحاد الحركات الشعبية) يحاولون فرض إجراءات اشد تضييقا. و قادة اليمين الذي يمكن الاستشهاد بهم في هذا الصدد كثيرون. لكننا سوف نقتصر على السيد فيليب دوست- بلازي Philippe Douste-Blazy التي تعتبر مقترحاته جد معبرة.
لقد عبر الأمين العام لحزب UMP، الذي لا تنضب "حميته الجمهورية"، عن وجهة نظره حول المدرسة العمومية في جريدة: le Figaro، 26 أكتوبر. فالبرلمان يجب، على حد تعبيره، أن يتحمل مسؤولياته إذ " يجب أن يمنع القانون في المدرسة حمل جميع الرموز ذات الدلالة الدينية أو الفلسفية أو السياسية.. من الحجاب الإسلامي حتى الصليب المسيحي مرورا بالقلنسوة اليهودية [kippa] أو المطرقة و المنجل. بل يجب علينا أن نفكر أيضا، كما يقترح كسافيير داركوس xavier darcos، في فرض اللباس المدرسي كما هو الشأن في انجلترا. إن المدرسة الجمهورية ليست قاعة مسرح ليكون من حق التلاميذ أن يعبروا فيها عن معتقداتهم أو للتباهي. إنها ليست مجالا للتعبير عن الهوية [...]. إن المدرسة ليست و لا يجب عليها أن تكون مرآة للمجتمع.
"إن المدرسة مجال مدني لا يعوض، لكنها لديها مهمة متميزة : إذ تهدف إلى نقل المعرفة و إلى تقدير الكفاءة، هذه المهمة الفريدة للمدرسة تبرر تطبيق قوانين خاصة داخلها، مختلفة عن تلك السائدة في المجتمع".
"ليست المدرسة شارعا عموميا [...] إنها مجال مستقل، يتوجب حمايته. يجب حمايته من حملات التبشير الفظة، حمايته من التعصب، حمايته من الجدال السياسي (polémique). إن الخلط بين المدرسة و المجال العمومي هو ما يؤدي إلى بث الغموض في العقول. فلأن التعبير علانية عن جميع المعتقدات مسموح به في المجال الثاني، شريطة عدم المساس بالنظام العام، يتوجب منع ذلك في المجال الأول."
يقدم لنا دوست- بلازي خدمة عظيمة بقوله هذا، فإليه يعود الفضل في التعبير بوضوح عن الأفكار التي يفضل السياسيون المنتمون إلى معسكره أن يخفوها. فلنلخص: يجب أن يتم منع جميع رموز الانتماء إلى أفكار دينية أو سياسية داخل المدرسة. لا يجب على المدرسة أن تكون مرآة للمجتمع. على التلاميذ أن لا يعبروا عن معتقداتهم و لا عن أي انتماء وأخيرا، نظرا لكون الناس يمتلكون حق التعبير خارج المدرسة، فإنهم لا يجب أن يمتلكوا الحق في التعبير داخلها. يتعلق الأمر هنا ببرنامج لفرض الدكتاتورية الإيديولوجية داخل المدرسة العمومية. لأن المدرسة ليست "مستقلة" طبعا. إن دوست- بلازي يريد أن تظل المدرسة مجالا خاصا للدولة، حيث "الدعاية الوحيدة" و "المعتقدات المعلنة" الوحيدة داخلها هي دعاية ومعتقدات الطبقة السائدة. فلأنه سوف يكون للتلاميذ حقوق فيما بعد، من الأفضل احتكار تكوينهم السياسي ما داموا في المدرسة. و هكذا لا تجد المطرقة و المنجل، اللذان يرمزان إلى اتحاد عمال وفلاحي العالم ضد الاستغلال، مكانا لهما داخل الثانوية. فلنشر عابرين إلى أن الوزير السابق، لم يعتبر من الضروري منع شارة حزبه UMP، رغم أن منعا كهذا سوف لن يصيب إلا عددا أقل ممن يصيبهم منع حمل الحجاب!
لو أن المسالة تتعلق بمقترح لإدخال الدعاية الدينية إلى البرامج التعليمية في المدرسة العمومية، لكان من الواجب طبعا معارضته. نحن نناضل من اجل وقف التمويل العمومي للمؤسسات الدينية. كما أن المؤسسات الخاصة، التي لا يمكنها أن تستمر بدون مساعدة من الدولة، يجب أن تدمج في القطاع العام. أما فيما يخص التعليم الديني فيمكن للتلاميذ المهتمين أن يخصصوا له وقتا خارج المدرسة في الكنائس أو غيرها. لكن العمل على منع الممارسة الدينية أو حمل "رموز" دينية، سواء داخل المدرسة أو خارجها، هو ممارسة غير مقبولة، على الإطلاق، من وجهة النظر الماركسية و النضال ضد الرأسمالية.
فلنتخيل فتاة تحمل غطاءا للرأس بطريقة تعتبرها السلطات "مستفزة" أو "متباهية" أو كشكل "للتبشير". أين تكمن المشكلة؟ إذ ليس على فتاة مؤمنة أن تخفي معتقداتها. يجب أن تمتلك الحق في الحديث بحرية عن دينها بل وتعمل، إذا أرادت، على محاولة إقناع محيطها به. كما أنه من حق الشيوعي رغم انف السيد دوست- بلازي أن يعبر عن مواقفه في المدرسة و خارجها.
بطبيعة الحال مع معارضة الشيوعي لجميع أشكال الاعتداء على الممارسات الدينية اليومية، فإنه لا يمكن أن يقف موقف المدافع عن جميع ما يرتكب باسم الدين. و يتوجب على هؤلاء الناس الذين يعملون، لشرعنة منع الحجاب، على الإشارة إلى ختان النساء أو غيره من الممارسات الهمجية الأخرى، أن يمتلكوا الشعور بالنسبية. فالختان ممنوع قانونيا و هذا أمر جيد. و على الحركة الشيوعية طبعا أن تدين مثل هذه الممارسات و تناضل للدفاع عن ضحاياها فالحق في المعتقد، كما نفهمه نحن، لا يجب أن يكون حقا مطلقا إلى حد فتح الباب أمام الممارسات اللاإنسانية و الإجرامية.
لقد منح الكثير من الوقت، لأشخاص جاؤوا لدعم أنصار منع الحجاب، ليقولوا لنا أن هذا اللباس يرمز لاضطهاد النساء و ينكر الأنوثة و بأنه شكل من أشكال الاضطهاد المفروض من طرف الآباء و المسجد، أو من طرف "الزعماء" في الأحياء الجامعية و بأنه وسيلة للدعاية الأصولية. و هكذا دواليك. لكن كل هذه الحجج لا تبرر، بأي حال من الأحوال، منع الحجاب. فإذا ما ارتدت إحدى التلميذات الحجاب بملء إرادتها و انضباطا للمعتقد الديني، فإنها سوف لن تشعر به اضطهادا، بل سوف يكون على العكس تماما، اضطهادا لها منعها من حمله تحت طائلة الطرد من المدرسة. أما إذا كان الحجاب مفروضا عليها ضد إرادتها، فان واجبنا آنذاك هو مساندتها في نضالها ضد هذا الاضطهاد، لكي تتحرر بأسرع وقت. لكن هنا أيضا سوف لن يكون فرض قانون يمنع حمل الحجاب على جميع المسلمات، بغض النظر عن عقيدتهن الدينية، ديمقراطيا. و عليه يجب ألا يتم القبول به من طرف الحركة الاشتراكية و الشيوعية و النقابية.
من بين "المفكرين الأحرار" الأكثر حمية، الذين يطالبون بمنع الرموز الدينية، نجد البنائين الأحرار [الماسونيين] إذ يكافح أعضاء هذه الجماعة السرية، بدون انقطاع ضد "الطائفية" التي، على حد تعبيرهم، تهدد برمينا في ظلمات العصور الماضية. هذا في الوقت الذي نجد فيه بين صفوفهم عددا كبيرا من الرأسماليين الذين صنعوا ثرواتهم عبر عمليات مضاربة بورصوية "عقلانية"، حيث "الحجاب" الذي يستر العمليات المالية و الاتجار بالنفوذ و مختلف أشكال الفساد هي العملية الرائجة لدى هذه "الطائفة"، مما سهل على العديد منهم الإثراء بشكل فاحش. إن رؤيتهم "لرمز" الحجاب في المدرسة يصيبهم بالسعار، هذا في الوقت الذي ليست طقوسهم السرية و احتفالاتهم الشعائرية و "رموزهم"، الغريبة هي أيضا، مختلفة في شيء عن أشد معتقدات المسلمين أو المسيحيين خرافية.
مع الأسف لم تقتصر الهجمات القمعية ضد الدين على ممثلي حزب السيد دوست- بلازي أو على الماسونيين وحدهم. بل حتى في أحزاب اليسار أيضا و باسم الدفاع عن "العلمانية"، ارتفعت الأصوات المؤيدة للتعامل بصرامة مع جميع المظاهر الدينية في المدرسة. إن التيار السائد داخل "اليسار" - أو التيار المسموع أكثر- يمثل في الواقع نوعا من القومية "الجمهورية". إن لممثلي هذا التيار نظرة إلى مؤسسات الدولة لا تقل خرافية عن النظرة الدينية لعالم المعجزات و الملائكة و الأرواح الشريرة.
لقد قدم كل من بيرنار تابي Bernard teper رئيس اتحاد العائلات العلمانية (UFAL) و "منسق ATTAC للصحة والضمان الاجتماعي" و بيير كاسن Pierre Cassen "منسق النداءات الخمس من اجل قانون ضد الرموز الدينية في المدرسة العمومية" عينة مثالية للدعاية لهذا التيار، من خلال مقال ظهر مؤخرا في مجلة Démocratie et Socialisme يؤكد فيه انه "مند سقوط الشيوعية السوفيتية، دخلت الرأسمالية مرحلة جديدة تتشكل من العولمة النيوليبرالية التي تتميز، من بين ما تتميز به، بربطها لتعميم عمليات التبضيع و الخوصصة مع دعمها المباشر، أكثر فأكثر، للنزعات الطائفية العرقية و الدينية و الاجتماعية. مما يمكنها من ضرب آخر الحواجز التي تجدها في طريقها، أي المبادئ العالمية للتضامن و المساواة و العلمانية المرتبطة بالخدمات العمومية و مؤسسات الجمهورية. إن عدم فهم هذا الواقع يعني رفض فهم أن الشرط ( الغير كاف في حد ذاته لكنه الضروري) لهذا النضال هو ربط النضال الاجتماعي بالنضال من اجل العلمانية".
"إن الدفاع عن مصالح الشرائح الشعبية، لكي تمارس تحالفها الضروري مع الشرائح الوسطى، عبر نضال اجتماعي مستميت، يجب أن يصاحب بدعم كامل لعشرات الآلاف من الفتيات والشابات الخاضعات لاضطهاد لا يحتمل من طرف التوتاليتارية الإسلامية و اللائي يرفض حمل الحجاب".
"فلندع للتاريخ مهمة الحسم في عمى بعض الإسلاميين اليساريين ( إذا ما أردنا استعمال تعبير بيرنار كاسن [ مؤسس ورئيس سابق لأطاك] ) الذين يقبلون بالتضحية بالمبادئ العالمية و التحررية للحرية و المساواة و الأخوة و العلمانية و التضامن، إما لاعتقادهم أن الإسلام دين الفقراء، أو لاعتقادهم أنه المعارض الجدي الوحيد للإمبريالية الأمريكية. و من ثم فان هذا كاف للتحالف معه".
ليست هذه الطريقة في الاستدلال، سوى خداع من أولها إلى آخرها. إن الخصم المشار إليه هنا هو "النيوليبرالية" و "التبضيع". كما أنهم يريدون الإيهام بأن "الجمهورية" و قيمها المزعومة يشكلان "معقلا" ضد هذه التيارات. هذا بينما نجد أن تلك "الجمهورية" بالذات، أي الدولة القائمة، هي التي نهجت الخوصصة بشكل مكثف مند عدة سنوات إلى درجة أنها عملت بين 1993 و 2002 على تحويل قرابة 60 مليون أورو من الممتلكات العمومية نحو القطاع الرأسمالي. إن الجمهورية مرتبطة كليا بمصالح الرأسماليين الذين هي من يمثلهم لا سواء على الصعيد الداخلي و لا على الصعيد الخارجي. و ليس شعار الجمهورية - الحرية، المساواة، الأخوة - سوى خداع كبير و هذا ما يعرفه جيدا كل من السيدين تابي و كاسن. إذ أن هذا الشعار لا يعني للأغلبية سوى حرية العيش في البؤس و البطالة و المساواة أمام قانون يستبطن اللامساواة و أخوة الرأسماليين ضد باقي المجتمع.
إن هذين المؤلفين يسخران من "اليسار الإسلامي"، الذي يرى في الإسلام قوة معادية للإمبريالية. نعم إن هذا التيار موجود بالرغم من كونه هامشي. لكن la riposte لا تنتمي إليه على كل حال. ماذا يمكننا أن نقول إذن عن هذه الجمهورية التي يجعل منها هذين السيدين متراسا ضد "الإسلاموية"، لكنها تقدم السلاح و المعارف العسكرية و الدعم الدبلوماسي لدكتاتوريين إسلاميين، لا سواء في السودان أو العربية السعودية أو قطر أو الإمارات العربية المتحدة؟ كلا، ليس الإسلام سلاحا ضد الإمبريالية الأمريكية، لكن هذا لا يعتبر مبررا للإدعاء بكون الإمبريالية "الجمهورية" الفرنسية هي السلاح ضدها!
و أخيرا، ماذا يعني "التحالف الضروري" للفئات الشعبية مع الفئات الوسطى؟ يمكننا أن نفترض لاعتبارات وجيهة، أن السيدين تابي وكاسن يتموقعان في الفئة الثانية. في الواقع يعطي هذا "التحالف"، تفسيرا لفهم تطورهما القومجي. و تستخدم هنا الطائفة الإسلامية كفزاعة "خارجية" موجهة لدفع "الفئات الشعبية" إلى قاطرة "الفئات الوسطى" التي هي بدورها مربوطة إلى قاطرة "الجمهورية" المقدسة للرأسمال الكبير.
في عدد 25 أكتوبر 2003، يعبر كاتب افتتاحية l'Humanité ، بيير لورنت Pierre Laurent بنفس النبرة. " فبما أن مسألة الحجاب قد انطرحت مجددا بطريقة علنية في النقاش العام [...] فإنه يجب الآن الدفع بهذا النقاش إلى حدوده" "إن عدم القيام بهذا، إنما يعني المخاطرة برؤيته يتعفن أمام أعيننا مع كل ما يمكن أن يكون لهذا من تبعات كارثية. إن الأخطار و الحالة هذه عظيمة. إذ يقسم هذا النقاش المجتمع الفرنسي و عالم الأجراء و سكان الهوامش و العلمانيين و الحركات النسائية و المناضلين اليساريين. إنه يقدم مجالا نموذجيا لمناورات كل من لهم المصلحة في استغلال هذه الانقسامات للرجوع بفرنسا و أفكارها الجمهورية إلى الوراء [...] ليس هناك أسوء من القيام بهذا الدور الهامشي و الكاريكاتوري: أي إخلاء المكان للتشدد و الخرافات، للردة من كل نوع". و يقول بأن هناك نساء، من العالم بأسره، يناضلن من أجل التحرر من الحجاب. " و من بينهن حصلت الإيرانية شيرين عبادي Chirine Ebadi مؤخرا على جائزة نوبل للسلام. فهل هذه هي الفترة المناسبة لفرنسا لكي تعلن استسلامها؟" و يتساءل "هل من الممكن النجاح في بناء فرنسا المستقبل، فرنسا المتعددة الثقافات، المتعددة المعتقدات، بدون التشبث بقوة بالمبادئ الأساسية للحرية و المساواة التي تقوم عليها الجمهورية، بدون رفض كل ما يؤدي إلى العزلة و التفرقة و الانغلاق و التناقض؟ إن العلمانية، كما نفهمها، هي مجال للحرية و يتوجب عليها أن تحتضن و تضمن لكل واحد حريته في الاعتقاد، و لهذا بالضبط فإنها لا يجب أن تنمحي أمام المطالب التي تنكر مبادئها".
أما هنا، فسنسرد مبررا مقدما من طرف قائد للحزب الشيوعي، يقوم على التهديد التي يشكله "التشدد" و "الخرافات" على "المبادئ الأساسية للحرية و المساواة المؤسسة للجمهورية". عن أي جمهورية يتم الحديث؟ فإذا ما كانت الجمهورية الحالية قائمة حقا على مبادئ الحرية و المساواة. فلأي شيء نحتاج الحزب الشيوعي؟ إن واجب الحزب الشيوعي هو أن يشرح أن مسألة "الحجاب" هذه، ليست، في الواقع، سوى وسيلة لبث الفرقة و التضليل في يد الطبقة الرأسمالية و الدولة "الجمهورية" التي تمثلها. نعم، يتوجب بالطبع النضال ضد أفكار الأصوليين الرجعية، لكن هذا مجال للتثقيف السياسي، للشرح الصبور، للنقاش الأخوي مع الشباب الذين يسقطون تحت تأثيرهم. بينما، على العكس، سوف لن تؤدي الإجراءات القمعية سوى إلى تقوية الأصولية الإسلامية.
بطبيعة الحال كان من الأفضل، من وجهة نظرنا، لو أن جميع الشباب و جميع الشغيلة تحرروا من كل أشكال المعتقدات الخرافية. من الأفضل لو يكرسوا أنفسهم للنضال من أجل القضاء على الاضطهاد على الأرض بدل رفع أنظارهم إلى فوق حيث ستسود العدالة. لكنه يتوجب الانتباه إلى أن: سواء أردنا ذلك أم لا، فإن قسما غير ضئيل من الجماهير لا يزال متدينا. لهذا فإن المؤمنين يجب أن يتمكنوا من ممارسة دينهم دون التعرض للتمييز من طرف الدولة. قد يستغرب بعض الناس في كون الماركسيين، الذين يمتلكون تصور مادي للعالم و يقفون على طرف النقيض مع الفلسفات الدينية، يدافعون (رغم ذلك) عن حق المؤمنين في التعبير و في التباهي بمعتقداتهم الدينية في المدرسة و خارجها. لكنه رغم ذلك، لا يوجد أي تناقض في هذا الأمر. إذ أن الماركسي الحقيقي يعارض كل أشكال التمييز و جميع أشكال القمع القومي، الجنسي أو الديني.. بالضبط من أجل تسهيل عملية خلق أوسع إتحاد بين جميع من لهم المصلحة في النضال ضد الرأسمالية.
لا تعبر فكرة إمكانية القضاء على المعتقدات الدينية، أو حتى "الأصولية" عبر بيداغوجية "عقلانية" و إجراءات قمعية، إلا عن وهم مطلق ليس له على كل حال أية علاقة مع الإيديولوجية الاشتراكية. إن تجذر المعتقدات الدينية في المجتمع هي أشد عمقا من أن يتم اجتثاثها بواسطة إجراءات ذات طبيعة بيروقراطية و بواسطة المنع. إذ يتعلق الأمر، قبل كل شيء، بظاهرة اجتماعية سوف لن تبدأ بالاختفاء نهائيا إلا عندما ستتغير، بطريقة جذرية، الشروط الاجتماعية التي تعيش في ظلها جماهير الشعب. إن الأساس الاجتماعي و النفسي للدين هو، قبل كل شيء، الطموح لعالم أفضل، عالم أكثر كرامة و أكثر عدلا، معبر عنه بشكل مثالي مجرد. و عليه فإنه يتوجب على هؤلاء الذين يهتمون حقا بتحرير الإنسانية من تأثيرات الأديان أن يهاجموا، قبل كل شيء، جذوره الاجتماعية و الاقتصادية و ليس إعلان الحرب ضد الدين بمساعدة الأصدقاء البرلمانيين دوست- بلازي و شركائه.
على رأس قائمة العوامل المساعدة في انتشار الأصولية الإسلامية، هناك أزمة الرأسمالية و غياب منظور ثوري عن البرامج السياسية للحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي الفرنسي. يتوجب على الحركة الاشتراكية و الشيوعية و النقابية، أن تتقدم ببرنامج لإجراء تغييرات جذرية للمجتمع و أن تقدم منظورا للنضال ضد جميع أشكال الاضطهاد و تعمل بصبر على إقناع جميع الشباب و جميع الشغيلة ( بغض النظر عن معتقداتهم الدينية) بصحة هذا البرنامج و هذا المنظور. إن هذا المسعى لا يستبعد، بل على العكس من ذلك يفترض، ضرورة أن نشرح كيف تستغل الطبقات السائدة المشاعر الدينية للشعب من اجل ترسيخ سلطتها الخاصة و امتيازاتها، كما هو الشأن في البلدان الإسلامية، لكن كذلك في البلدان حيث لا تزال الكنيسة المسيحية تحتل موقعا مهيمنا ( أمريكا اللاتينية، مثلا..) أو، أيضا، في إسرائيل.
لكنه يتوجب على الحركة الشيوعية و الاشتراكية أن لا تغفل أهدافها الحقيقية. إن ما سوف يمكن من هزم المعتقدات الدينية، و يحرم الأصوليين من جمهورهم، هو نداء للنضال موجه إلى الشباب - سواء كانوا مؤمنين أم لا و سواء كانوا مع حمل الحجاب أو ضده - من أجل قلب النظام الحالي و تنظيم المجتمع على قواعد اشتراكية جديدة.
العنوان الأصلي للنص بالفرنسية:
Socialisme et religion - L'affaire du foulard islamique à l'école
Greg Oxley
2003/12/01