نختتم بياننا حول أزمة الرأسمالية بالإشارة إلى أن الموارد متوفرة لضمان ظروف عيش كريمة لجميع الرجال والنساء والأطفال على هذا الكوكب. إن السبب الحقيقي في الأزمة هو نظام الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، حيث يشكل ربح الأقلية القوة المحركة. يجب القضاء على الرأسمالية، لكن هذا ليس ممكنا إلا من خلال نضال أممي في سبيل الاشتراكية.
عالم آخر ممكن- عالم الاشتراكية
خلال مرحلة الازدهار، يقول بعض المغرر بهم إن تقدم العلوم هو المشكلة. يظنون أننا سنكون أكثر سعادة بجلوسنا مكدسين في أكواخ من الطين واستغراقنا في العمل الشاق في الحقول من الفجر حتى الغسق. هذه حماقة. إن الطريق إلى تحقيق القدرة الحقيقية على تطوير إمكانات الرجال والنساء على نحو كامل يتمثل بالتحديد في تطوير الصناعة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا إلى أقصى الحدود. إن المشكلة تتمثل في كون وسائل تحقيق التقدم البشري محتكرة بين أيدي أفراد يجعلونها رهينة بمصلحتهم في السعي نحو الربح، ويحرفون مسارها، ويحدون من إمكانيات تطبيقها، ويعرقلون تطورها. من الواضح أنه كان في إمكان العلم ومنذ زمن طويل أن يكتشف علاجا لمرض السرطان أو يعثر على بدائل رخيصة ونظيفة للوقود الأحفوري لو لم يكن مقيدا بالسلاسل إلى عربة الربح.
لن يكون في مستطاع العلم والتكنلوجيا أن يحققا إمكانياتهما الجبارة إلا إذا تم تحريرهما من قيود اقتصاد السوق التي تخنقهما ووضعهما في خدمة البشرية، في ظل نظام إنتاج ديمقراطي وعقلاني، مبني على خدمة حاجة المجتمع ككل وليس خدمة الربح. سوف يمكننا ذلك من تقليص ساعات العمل إلى أدنى الحدود، وبالتالي تحرير الرجال والنساء من عبودية الكدح ساعات طويلة، وتمكينهم من تطوير الإمكانات البدينة والعقلية والروحية التي يمتلكونها. ستكون تلك قفزة البشرية من "مملكة الحاجة إلى مملكة الحرية".
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، انتابت المدافعين عن النظام القديم موجة من الفرح. صاروا يتحدثون عن نهاية الاشتراكية، بل وحتى نهاية التاريخ. ووعدونا بعصر جديد من السلام والرفاه والديمقراطية، بفضل معجزات اقتصاد السوق الحرة. الآن، وبعد خمسة عشر سنة فقط، تحولت كل تلك الأحلام إلى كومة من الرماد. ولم يتبق حجر على حجر في صرح هذه الأوهام. إن المشاكل الجدية تتطلب اتخاذ إجراءات جدية. فليس من الممكن علاج السرطان بحبة الإسبرين! إن المطلوب هو إجراء تغيير حقيقي للمجتمع. المشكل الجوهري هو وجود النظام الرأسمالي نفسه. وقد تبين خطأ المحللين الاقتصاديين الذين كانوا يزعمون أن ماركس مخطأ وأن الأزمات الرأسمالية صارت من الماضي ("النموذج الاقتصادي الجديد")
كانت لفترة الازدهار الماضية كل مميزات الدورة الاقتصادية التي وصفها ماركس منذ زمن بعيد. وقد وصل مسلسل تركز الرأسمال أبعادا مذهلة. كانت هناك فورة في عمليات استيلاء الشركات على بعضها وارتفاع الميل نحو الاحتكارات أكثر من أي وقت مضى، وبلغت نسبا لم يسمع بها من قبل. لم يؤد هذا إلى تطوير القوى المنتجة كما كان الحال في الماضي. وأغلقت المصانع كما لو أنها علب أعواد الثقاب وطرد آلاف الناس من عملهم. والآن سيعرف هذا المسلسل تسريعا في وتيرته، مع ارتفاع عدد حالات الإفلاس والإغلاق يوما بعد يوم.
ماذا يعني كل هذا؟ إن هذا يعني أننا نشهد احتضار نظام اجتماعي لا يستحق الحياة، لكنه يرفض أن يموت. وهذا ليس غريبا، فكل التاريخ يبين أنه لم تتخل أية طبقة سائدة عن سلطها وامتيازاتها بدون صراع. هذا هو التفسير الحقيقي للحروب والإرهاب والعنف والموت، التي تعتبر أهم مميزات المرحلة التي نعيشها. لكننا نشهد أيضا آلام مخاض مجتمع جديد، مجتمع جديد وعادل، عالم ملائم لعيش الإنسان. فعبر كل هذه الأحداث الدموية التي تجتاح بلدان العالم الواحد منها بعد الأخرى، تنشأ قوة جديدة، قوة العمال والفلاحين والشباب الثورية.
جورج بوش مجنون بالقوة ويعتقد أن هذه القوة بدون حدود. ومع الأسف هناك بين صفوف اليسار من يعتقدون نفس الشيء. لكنهم مخطئين. هناك موجة ثورية تجتاح أمريكا اللاتينية. وقد كانت الثورة الفنزويلية زلزالا أدى إلى حدوث ارتدادات عبر كل القارة: إن الحركة الجماهيرية في أمريكا اللاتينية هي الرد النهائي على كل هؤلاء الذين زعموا أن الثورة لم تعد ممكنة. إن الثورة ليست ممكنة فحسب، بل إنها ضرورة ملحة، إذا ما أردنا إنقاذ العالم من الكارثة المحدقة.
ملايين البشر بدءوا يتحركون. وقد دفعت المظاهرات الحاشدة ضد حرب العراق بملايين الأشخاص إلى الشوارع. لقد كان ذلك مؤشر عن بداية استيقاظ الجماهير. لكن تلك الحركة كانت مفتقدة لبرنامج منسجم لتغيير المجتمع. لقد حان وقت كنس الكلبيين والمتشائمين عن طريقنا والتقدم إلى الأمام. إن الجيل الجديد يريد النضال من أجل تحرره، إنه يتطلع إلى راية وبرنامج وفكرة يمكنها ان تلهمه وتقوده إلى النصر. وهي الراية والبرنامج والفكرة التي لا يمكن أن تكون سوى راية وبرنامج وفكرة النضال من أجل الاشتراكية على الصعيد العالمي. إن الخيار المطروح أمام الجنس البشري هو الاشتراكية أو الهمجية.
من أجل الولايات الأوربية الاشتراكية المتحدة!
إن الإمكانيات الإنتاجية التي تمتلكها أوربا هائلة. فبساكنتها البالغ عددهم 497 مليونا، والدخل البالغ 32,300 دولار للفرد، تعتبر أوربا قوة عظيمة، يمكنها أن تتحدى قوة الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذه الإمكانية لن تتحقق أبدا في ظل الرأسمالية. ولقد انكسرت كل المحاولات الرامية إلى تطوير الوحدة الأوربية على صخرة المصالح الوطنية المتصارعة. وسيدفع الركود إلى تعميق هذه الانقسامات وطرح علامة استفهام حول مستقبل الاتحاد الأوربي نفسه.
كان تشكيل الاتحاد الأوربي قبولا ضمنيا بحقيقة أنه من المستحيل حل مشاكل الاقتصاد في إطار الحدود الضيقة للسوق الوطنية. لكن على أساس الرأسمالية لا يمكن أبدا تحقيق الوحدة الأوروبية. في ظل الأزمة، تظهر على السطح التناقضات الموجودة بين رأسماليي مختلف الدول الوطنية. وقد كشفت الأزمة الحالية خطوط الصدع الخفية وفضحت عقم كل الغوغائية حول الوحدة الأوروبية. وعلى الرغم من تأكيدات السيد ساركوزي، فإن العلاقات بين الزعماء الأوروبيين قد توترت بشدة، حتى بين زعماء فرنسا وألمانيا، البلدان الرئيسيان في الاتحاد الأوروبي.
لقد أخذ إعلان الحكومة الألمانية الأحادي الجانب بتكفل الحكومة بضمان ودائع الأبناك الألمانية الخاصة البالغة تريليون دولار، باقي الحكومات الأوربية الأخرى على حين غرة، وبدا أنها ستدوس على تعهدات التعاون الأوروبي التي قدمت سابقا في قمة باريس المصغرة بين الزعماء الفرنسيين والبريطانيين والألمان والإيطاليين. لقد هددت هذه الخطوة الألمانية بسحب الودائع من مصارف البلدان الأخرى. فأصيبت البلدان الأخرى بالغضب. لكن ما هو الفرق بين هذا وبين إعلان الحكومة الايرلندية أنها ستكفل جميع ديون بنوكها الرئيسية الستة لمدة سنتين، أو وعود الحكومة البريطانية المتكررة بأنها ستتخذ "جميع التدابير الممكنة" لحماية المدخرين، أو تعهد ساركوزي بأن المدخرين الفرنسيين الخواص لن يخسروا ولو "أورو واحد"؟
لقد أظهر هذا التحرك نفاق المفوضية الأوروبية، التي تتصدى للخطوة الايرلندية، بينما صرحت في وقت لاحق أنها لا ترى مشكلة في "وعد " برلين. ما هو الفرق بين ايرلندا وألمانيا؟ الفرق هو فقط أن ايرلندا بلد صغير وألمانيا بلد كبير، وهو علاوة على ذلك يسيطر على مفاتيح خزانة أموال الاتحاد الأوربي. ولقد تم تقديم ضمانات مماثلة من عدد من حكومات الاتحاد الأوربي الأخرى، بما في ذلك السويد والنمسا والدنمرك والبرتغال، لمنع فرار المدخرين إلى البنوك الألمانية (أو الأيرلندية).
في الواقع تسعى كل حكومة وطنية إلى وضع مصالحها في المقدمة. وبمجرد ما تواجههم الأزمة تصعد كل الشكوك المتبادلة بين حكومات الاتحاد الأوروبي إلى السطح، يجب على كل حكومة أن تبذل جهدها للتعامل مع الرعب القادم من وراء المحيط الأطلسي إلى المؤسسات المالية الأوروبية. وقد وجدت واشنطن بحكومة واحدة ونظام سياسي واحد، من الصعب عليها بما يكفي التعامل مع أزمة الائتمان العالمية. أما الاتحاد الأوروبي فيمتلك عملة واحدة وسوق واحدة، لكنه مشكل من سبعة وعشرين حكومة ويفتقد نظاما شاملا للرقابة المصرفية أو للإدارة الاقتصادية.
من المستحيل توحيد اقتصادات يجذب كل واحد منها في اتجاهات مختلفة، والحكومات الأوروبية تدفع الثمن لإنشاء عملة موحدة دون مؤسسات أو نظام رقابة لإدارة اقتصاد موحد. خلال المرحلة المقبلة ستصعد النزعات الحمائية لا محالة إلى السطح. ومحاولات الحكومات استقطاب مليارات الأورو من المدخرات من بلدان أخرى تشكل استباقا لـ"سياسة سرقة الجار" التي يمكن أن نتوقع تزايدها مع تفاقم الأزمة.
قال المستشار المالي لدى البرلمان الأوربي، سيلفستر إيفنغر، من جامعة تيلبورغ: "هذه دعوة للاستيقاظ. في البداية كان لدينا التكامل الاقتصادي، ثم كان التكامل النقدي. لكننا لم نطور أبدا التكامل السياسي والتنظيمي الموازي الذي من شأنه أن يسمح لنا بأن نواجه أزمة مثل تلك التي نواجهها اليوم. " هذا هو التوتر الحاصل بين الدول القومية والذي يمكن أن يضع وجود عملة الأورو نفسها موضع تساؤل في الفترة القادمة. ليس من المستبعد أن يتعرض الاتحاد الأوروبي إلى التفكك، أو على الأقل حدوث تغييرات جذرية في هياكله وتقلص الاتحاد الأوروبي إلى ما يزيد قليلا عن اتحاد جمركي فضفاض.
إن الاتحاد الأوربي هو في الحقيقة ناد رأسمالي تهيمن عليه المصارف والاحتكارات الكبرى للدول الأعضاء. ويتم التعامل مع الأعضاء الجدد، أي دول أوروبا الشرقية، كمنجم لليد العاملة الرخيصة، مع "الأسعار" الأوروبية والأجور "الشرقية". كما أن الاتحاد الأوربي، من ناحية أخرى، هو كتلة إمبريالية يستغل المستعمرات الأوروبية السابقة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا ومنطقة الكاريبي. إنه ليس اتحادا تقدميا على الإطلاق. إن السبيل الوحيد لتحقيق الإمكانيات التي تتوفر عليها أوروبا يمر من خلال إنشاء فدرالية اشتراكية، من شأنها أن تدمج القوى المنتجة في أوروبا في إطار خطة مشتركة. سوف يقترن ذلك بالحد الأقصى من الحكم الذاتي لجميع شعوب أوروبا، بما في ذلك إقليم الباسك، وبرشلونة، وأسكتلندا وويلز وجميع القوميات والأقليات القومية واللغوية الأخرى. وستضع الأساس للتوصل إلى تسوية سلمية وديمقراطية للمسألة القومية في بلدان مثل ايرلندا وقبرص. سوف تتشكل الفدرالية الاشتراكية على أساس طوعي تماما مع المساواة التامة لجميع المواطنين.
إننا نطالب بما يلي:
-
لا لأوربا البيروقراطيين والأبناك والشركات الاحتكارية!
-
من أجل مصادرة الأبناك والشركات الاحتكارية وخلق خطة إنتاج اشتراكية متكاملة وديمقراطية.
-
وقف جميع أشكال التمييز ضد المهاجرين، والنساء والشباب. أجر متساوي لقاء عمل متساوي!
-
من أجل تطوير العلاقات بين المناضلين النقابيين على الصعيدين الأوربي والعالمي. من أجل جبهة عمالية كفاحية ضد الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات!
-
من أجل الولايات الأوربية الاشتراكية المتحدة!
أوربا الشرقية وروسيا والصين
اندلاع الركود الاقتصادي في أوروبا الغربية يزيد من تفاقم المشاكل التي تعاني منها ما تسمى بالاقتصاديات الناشئة في أوروبا الشرقية، حيث يبيع المستثمرون الأصول الخطرة ويرحلون إلى وجهات أكثر أمنا. سوف تدفع الاقتصاديات الضعيفة نسبيا في أوروبا الشرقية ثمنا باهظا نظير انخراطها في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. ومن المتوقع حدوث انخفاض حاد في النمو وزيادة في الفقر في روسيا وأوكرانيا ورومانيا. وبالرغم من النمو الذي تشهده بعض مناطق أوروبا الشرقية، فمن المتوقع أن يسجل النمو في الناتج الوطني الإجمالي بالنسبة للفرد في المنطقة ككل، صفر.
تستعد هنغاريا لـ "واقع الركود"، وهي تتوقع، وفقا لتصريح رئيس الوزراء فيرينك جيوركساني، حدوث انكماش في الناتج الوطني الإجمالي خلال العام القادم. كانت الحكومة تتوقع نمو الناتج الوطني الإجمالي بنسبة 3 % سنة 2009 عندما طرحت للمرة الأولى ميزانية العام المقبل. وهي الآن أنها تواجه اقتطاعات عميقة وارتفاع معدل البطالة. لقد جاءت الأزمة المالية بعد سنتين فقط من قيام جيوركساني بفرض زيادات ضريبية وتخفيضات في وظائف القطاع العام ودعم أسعار الطاقة من أجل تقليص عجز الميزانية الذي يعتبر الأكبر في الاتحاد الأوروبي.
اضطرت الحكومة الهنغارية للحصول على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات أورو من البنك المركزي الأوروبي. إن هنغاريا التي استنزفتها الأبناك الدولية، ستضطر إلى خفض الإنفاق العام من أجل خفض العجز في الميزانية. وكما هو الحال دائما، سيكون العمال والفلاحون هم من سيدفعون الثمن. تقترح الحكومة تجميد الأجور وإلغاء العلاوات للعاملين في القطاعين العام وتخفيض المعاشات التقاعدية لخفض عجز الموازنة إلى 2.6 % من الناتج الوطني الإجمالي، وليست بولندا وغيرها من بلدان أوروبا الشرقية بعيدة جدا عن هنغاريا.
لقد انضمت شعوب أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبي على أمل التمتع بنفس مستويات المعيشة التي رأتها في ألمانيا وفرنسا. لكن سرعان ما اتضح أنها مجرد أوهام كاذبة. لقد تمكنت أقلية صغيرة من الاغتناء عبر نهب ممتلكات الشعب من خلال صفقات الخصخصة المخادعة. لكن غالبية البولنديين والتشيك والسلوفاك والهنغار لم يحصلوا على أية فائدة من العودة إلى الرأسمالية. فخلال فترة الازدهار كانوا مستغلين كعمالة رخيصة في الدول الأكثر ثراء، والآن تقف بلدان أوروبا الشرقية على حافة الإفلاس. وسوف يؤدي الانهيار الاقتصادي في أوروبا الشرقية إلى تباطؤ اقتصاديات النمسا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى المعرضة للخطر.
تعتبر منطقة البلقان أكثر مناطق أوربا تضررا من إعادة الرأسمالية. كان تفكيك أوصال يوغوسلافيا عملا إجراميا، مما أدى إلى سلسلة من الحروب بين الأشقاء، والإرهاب والقتل الجماعي والإبادة الجماعية. ترتبت عن هذا الوضع الرهيب آثار كارثية بالنسبة لملايين من الناس الذين كانوا يتمتعون سابقا بمستوى عيش جيد وبالسلام والتشغيل الكامل. والآن يتطلع الكثير من الناس بحنين إلى يوغوسلافيا القديمة. لم تجلب الرأسمالية لهم شيئا سوى الحرب والبؤس والمعاناة.
ليست الحالة التي تواجه روسيا أفضل بكثير. بل إن التناقض هنا هو أكثر تجليا مما هو عليه في أوروبا الشرقية. لم تفد إعادة الرأسمالية الغالبية العظمى من مواطني الاتحاد السوفيتي السابق. لقد أوجدت أوليغارشية فاحشة الثراء، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعصابات الإجرامية. لكنها تشكل أقلية ضئيلة. بالنسبة للملايين من الروس، لم يحمل لهم العقدان الماضيان سوى البؤس والجوع والمعاناة والذل. حملا لهم انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، التي كانت مجانية لجميع المواطنين في زمن الاتحاد السوفيتي، فضلا عن انهيار الثقافة، وانتشار الفقر وعدم المساواة.
اعتقد الناس لفترة من الوقت أن الأسوأ قد انتهى، وأن الاقتصاد بدأ يتعافى من أعمق فترة الركود شهدتها مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. لكن روسيا تواجه الآن أسوأ أزمة مالية منذ انهيار 1998. وقد دفع انخفاض سعر النفط، الذي يعكس تراجع الطلب العالمي، بالاقتصاد إلى الأزمة. تبخر مزاج التفاؤل في موسكو بعد الانهيار الحاد الذي شهدته البورصة، التي تعين إغلاقها بسبب الاضطراب الشديد الذي عرفته. إن الرأسمالية الروسية كوخ من ورق. وتعبر الأزمة عن نفسها عبر الانخفاض في حجم عمليات البناء، والقيود المفروضة على فتح خطوط ائتمانية جديدة للشركات الخاصة.
لقد أجبرت الأزمة الحكومة على إتباع نفس الطريق الذي سارت عليه حكومتا واشنطن ولندن، بإنفاق ملايير الدولارات من المال العام لإنقاذ الشركات الخاصة. وقد تم تخصيص أكثر من 200 مليار دولار على شكل قروض وتخفيضات ضريبية وغيرها من التدابير. لكن المواطنين الروس العاديين سيتساءلون لماذا يجب استخدام المال العام لإنقاذ الأوليغارشية التي راكمت الثروات عبر نهب الدولة في الفترة الماضية. وإذا كان من المفترض أن تكون المؤسسات الخاصة والسوق الحرة متفوقة على الاقتصاد المخطط المؤمم، فلماذا القطاع الخاص بحاجة الآن إلى أن يكون مدعوما من الدولة؟
إن الوضع أكثر سوءا في الجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى، مثل أوكرانيا، حيث يرافق الفقر انعدام الاستقرار السياسي، والفساد والفوضى. لقد شكلت عودة الرأسمالية كارثة بكل المقاييس لشعوب القوقاز وآسيا الوسطى. تعيش جورجيا وأرمينيا وأذربيجان في حالة حرب دائمة، ويتوجب على الجماهير تحمل عبئ الإنفاق العسكري الثقيل. الإرهاب ينتشر من الشيشان المحتلة إلى الجمهوريات الأخرى، وتهدد الحرب الدائرة في أفغانستان بزعزعة استقرار ليس باكستان وحدها فقط بل كل آسيا الوسطى.
هناك مثل قديم يقول: "الحياة تعلم". والكثير من الناس في روسيا وأوكرانيا وأوروبا الشرقية يقولون: كانت لدينا مشاكل من قبل، لكن كان لدينا على الأقل التشغيل الكامل، والحق في المسكن والصحة والتعليم المجانيين. أما الآن فإن هذه البلدان تواجه البطالة والخراب الشامل. وشعوب القوقاز أبعد ما تكون عن عودة السلام والاستقرار. لا أحد يرغب في العودة إلى البيروقراطية والديكتاتورية الشمولية، لكن نظاما اشتراكيا حقيقيا، مثل نظام الديمقراطية العمالية الذي شيده لينين وتروتسكي بعد ثورة أكتوبر، لا يشترك في أي شيء مع الدكتاتورية الستالينية البشعة التي نشأت بعد وفاة لينين.
لقد كان صعود الستالينية نتيجة لعزلة الثورة في ظل ظروف التخلف الشديد. لكن الآن، وعلى أساس هذه الصناعة المتطورة والعلوم والتكنولوجيا التي تراكمت على مدى السنوات التسعين الماضية، تمت تهيئة الظروف الموضوعية لتقدم سريع نحو الاشتراكية. إن المطلوب هو إقامة فدرالية اشتراكية طوعية سيكون الاقتصاد في ظلها في يد الدولة، وستكون الدولة تحت الرقابة الديمقراطية للعمال والفلاحين. لكن الشرط المسبق لذلك هو مصادرة أملاك الأوليغارشية والأبناك والرأسماليين.
سيكون لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي تأثير كبير على الاقتصاد الصيني. إن النمو الاقتصادي الصيني يعتمد اعتمادا كبيرا على الصادرات وفي ذروة الطفرة الأخيرة بلغ معدل النمو السنوي للصادرات نسبة 38 % (في الربع الثالث من عام 2003). أما الآن فقد انخفض الرقم الفصلي الأخير إلى حوالي 2 %، ومعها شهدنا أيضا تباطؤا حادا في طلبيات التصنيع خلال الأشهر القليلة الماضية. والآن يناقش المحللون البرجوازيون الجديون ما إذا كان الإنتاج الصيني سيعرف "تباطؤا تدريجيا" أو "انهيارا حادا مفاجئا".
توقع ستيفن غرين، الخبير في الاقتصاد الصيني في بنك ستاندرد تشارترد، أن الصادرات قد تتراجع إلى "الصفر أو أن تكون حتى سلبية" بحلول العام القادم. ويبين تقرير أخير لشركة جي بي مورغان تشيس (JP Morgan Chase) إلى أي حد أصبحت الصين مرتبطة بإحكام بالاقتصاد العالمي، حيث قال بانخفاض الصادرات الصينية بنسبة 5.7 % مقابل كل تراجع بواحد في المائة يشهده النمو الاقتصادي العالمي. وهذا ما سيؤدي إلى إغلاقات كثيفة للمصانع في كل أنحاء الصين مع رمي ملايين العمال إلى البطالة.
في عام 2007 بلغ النمو 12 %، وفي عام 2008 تباطأ بالفعل ليصل إلى 9 % ويمكنه أن يشهد المزيد من الانخفاض. في منطقة هونغ كونغ يمكن لأكثر من مليوني عامل أن يفقدوا وظائفهم في الأشهر القليلة المقبلة. ويتزامن هذا مع انفجار فقاعة الإسكان مع انخفاض أسعار المنازل بصورة حادة، الشيء الذي ترك العديد من العائلات الصينية بقيم سلبية، أي برهن عقاري تبلغ قيمته أكثر من المنازل التي اشتروها. لهذا الواقع تأثير على السوق المحلية. وجاء رد فعل الحكومة الصينية على شكل خطة اقتصادية لتحفيز النمو.
يحتاجون إلى الحفاظ على النمو فوق 8 % للحفاظ على درجة معينة من الاستقرار الاجتماعي. صحيح أن الصين التي راكمت احتياطيات ضخمة، لكن هذا لن يعوض عن فقدان الأسواق الخارجية مع غرق الاقتصاد العالمي في المزيد من الركود. ونتيجة لذلك بدأت الاضطرابات العمالية تنتشر، وقد بدأنا نشهد بالفعل موجة من الاحتجاجات للمطالبة بالأجور، مصاحبة بوضع الحواجز على الطرق والمتاريس في المصانع. كما هو الحال في روسيا وأوروبا الشرقية، ستكون هناك حتى في الصين، ردة فعل عنيفة ضد الرأسمالية. إن الأفكار الماركسية ستكسب المواقع، ممهدة الطريق لحركة جديدة لا تقهر نحو الاشتراكية.
إننا نطالب بما يلي:
-
بوقف الخصخصة والتخلي عن اقتصاد السوق.
-
فلتسقط الأوليغارشية والأثرياء الجدد! من أجل إعادة تأميم الشركات المخصخصة بدون تعويض.
-
من أجل ديمقراطية عمالية!
-
فلتسقط البيروقراطية والفساد! يجب على النقابات أن تدافع عن مصالح العمال!
-
يجب على الأحزاب الشيوعية أن تدافع عن سياسات شيوعية! من أجل العودة إلى برنامج ماركس ولينين!
-
من أجل إعادة تطبيق احتكار الدولة على التجارة الخارجية!
أزمة "العالم الثالث"
إن الأزمة الحالية سوف تضرب بشكل أشد ولا شك البلدان الفقيرة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية. حتى خلال فترة ازدهار لم تستفد الأغلبية الساحقة سوى النزر اليسير أو لم تستفد أصلا. كان هناك استقطاب شديد بين الأغنياء والفقراء في جميع البلدان. حيث يمتلك 2 % من سكان العالم الآن أكثر من نصف الثروة العالمية، بينما يعيش مليار ومائتا مليون من الرجال والنساء والأطفال في ظروف الفقر المدقع، ويموت ثمانية ملايين شخص بسبب الفقر كل عام. كان هذا أفضل ما يمكن للرأسمالية أن تقدمه في فترة الازدهار. ماذا سيحدث الآن؟
بالإضافة إلى انهيار الصادرات، الذي سيمس جميع السلع (باستثناء الذهب والفضة)، بما في ذلك النفط، تواجه تلك البلدان ارتفاع تكاليف المواد الغذائية، الذي يعود في جزء كبير منه إلى المضاربة. وقد حذر تقرير أصدره مؤخرا بنك أنترأمريكانو (Banco Interamericano) من أن ارتفاع تكاليف المواد الغذائية سيدفع 26 مليون شخص في أمريكا اللاتينية إلى الفقر المدقع. كما حذر رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، من أن سكان العالم الأكثر فقرا سيواجهون "الخطر الثلاثي" المتمثل في نقص الغذاء والوقود والمال : "لا يمكن مطالبة الناس الأكثر فقر بدفع الأسعار الأعلى. وتشير تقديراتنا إلى أن 44 مليون شخص إضافي سيعانون من سوء التغذية هذا العام نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية. لا يمكننا أن ندع أزمة مالية تصير أزمة إنسانية." هذه كلمات الجميلة، لكن وكما يقول المثل، الكلمات لا تشتري خبزا.
سوف يتزايد الفقر والجوع في العالم نتيجة للأزمة المالية العالمية وسياسات "التقويم الهيكلي" الرأسمالية التي يمليها صندوق النقد الدولي. هذا هو الاستنتاج الحتمي الذي جاء في آخر تقرير عن الفقر في العالم الذي أصدره البنك العالمي. وجد البنك العالمي أن عدد الأشخاص المجبرين على العيش بأقل من دولار في اليوم آخذ في الازدياد، ويمكن أن يصل إلى 1.5 مليار شخص بحلول نهاية هذا العام. وقد سقط حوالي 200 مليون شخص في الفقر المدقع منذ آخر إحصاء جرى عام 1993. ومن المتوقع أن يكون نمو الناتج الوطني الإجمالي للفرد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سلبيا. وفي تلخيصه للوضع قال مدير البنك العالمي لتخفيض الفقر والإدارة الاقتصادية، مايكل والتون: "إن الصورة العامة التي تبرز في نهاية عقد التسعينات هي صورة تقدم متعثر نتيجة لأزمة شرق آسيا، وارتفاع أعداد الفقراء في الهند، ومواصلة ارتفاع عدد الفقراء في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتدهور حاد في أوروبا وآسيا الوسطى. "
في إندونيسيا وحدها، ارتفعت نسبة السكان المجبرين على العيش بأقل من دولار في اليوم من 11 % سنة 1997 إلى 19.9 % سنة 1998، مما يعني زيادة قدرها 20 مليونا في صفوف "الفقراء الجدد"، أي ما يعادل سكان بلد مثل استراليا. في كوريا الجنوبية، ارتفعت حالات الفقر في المناطق الحضرية من 8.6 % سنة 1997 إلى 19.2 % سنة 2007. كما ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون دون مستوى دولار واحد في اليوم في الهند من حوالي 300 مليون، أواخر عقد الثمانينات، إلى 340 مليون. وتظهر البيانات الصادرة حديثا عن ركود الأجور في الريف زيادة أخرى في معدلات الفقر في ذلك البلد. كان هذا مع اقتصاد مزدهر يسجل معدلات نمو تقارب 10 % سنويا. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن النمو الاقتصادي قد بدأ يتجه بالفعل نحو التوقف. في شهر غشت 2008 كان النمو الصناعي يساوي 1.3 % سنويا، وهو المعدل البائس مقارنة مع النمو في العام السابق والذي كان يساوي أكثر من 10 %.
يطالب صندوق النقد الدولي الدول الفقيرة بفتح أسواقها لدخول الرساميل الدولية. ويطالب بالتخفيض من الإنفاق الحكومي، وإلغاء الإعانات على المواد الغذائية وغيرها من السلع الاستهلاكية الشعبية وخصخصة المؤسسات العمومية. الهدف المعلن لهذه الإجراءات هو تعزيز "النمو الاقتصادي المستدام."، لكن هذا يعني في الواقع تدمير الصناعات والزراعة الوطنيتين والزيادة الحادة في معدلات البطالة والفقر.
وجدت دراسة حديثة أن هناك انتقال صاف للمدفوعات تبلغ أكثر من مليار دولار من الحكومات الإفريقية إلى صندوق النقد الدولي بين عامي 1997 و 1998. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التسديدات، واصل مجموع الديون الأفريقية في الارتفاع، حيث ارتفع بنسبة 3 %. وفي حين أن البلدان الأفريقية في حاجة ماسة إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية، والتعليم، والصرف الصحي، تجبرها سياسات التقويم الهيكلي، التي يفرضها صندوق النقد الدولي، على خفض الإنفاق على هذه القطاعات، ويشهد الإنفاق على التعليم بالنسبة للفرد تراجعا في الواقع بين عامي 1986 و1996.
مأساة "العالم الثالث" هي من صنع الإنسان. لا يوجد أي شيء قدري بخصوص هذا الموضوع. في الواقع، ليست هناك حاجة لأن يجوع أي أحد في العقد الأول من القرن 21. كان يمكن للأموال التي منحت للبنوك أن تحل مشكلة الجوع في العالم، وإنقاذ حياة ملايين البشر. وفي يونيو 2008، طلبت منظمة الأغذية العالمية 30 مليار دولار لتنمية الزراعة والحيلولة دون حدوث نقص الغذاء في المستقبل. لكنها لم تتلق سوى سبعة مليارات دولار ونصف، تدفع خلال أربع سنوات، مما يعني حوالى 1.8 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل دولارين في اليوم لكل شخص يتضور جوعا.
جرت العادة في الغرب على تصوير "الحل" لمشاكل هذه البلدان في شكل مساعدات. والبلدان "الغنية" مطالبة بتقديم المزيد من الأموال للبلدان "الفقيرة". ولكن في المقام الأول، لا تمثل المبالغ الضئيلة من ما يسمى بالمساعدات سوى جزء صغير جدا من الثروة التي تنهب من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ثانيا، كثيرا ما يتم ربط هذه المساعدات بالمصالح التجارية أو العسكرية أو الدبلوماسية للبلدان المانحة، وبالتالي تمثل وسيلة لزيادة تبعية الأمم المستعمرة سابقا لأسيادها السابقين.
وعلى أية حال، فإنه من غير المقبول أن يتم تحويل بلدان ذات موارد هائلة إلى باحثة عن الصدقة مثل متسولين يهرولون لالتقاط الفتات المتساقط من مائدة الأغنياء. إن الشرط المسبق لتحرر تلك البلدان هو كسر هيمنة الامبريالية والإطاحة بسيادة الحكام المحليين الفاسدين الذين ليسوا أكثر من السماسرة المحليين للإمبريالية والشركات الكبرى المتعددة الجنسيات. فلا المساعدات ولا الصدقة بل فقط التغيير الجذري في المجتمع هو الجواب على الفقر في العالم.
في كثير من البلدان، وبعد سنوات من اليأس والإنهاك، بدأت الطبقة العاملة تسلك طريق النضال، ولا يزال كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاضطهاد الإسرائيلي مستمرا. لكن الطبقة العاملة الجبارة في بلدان مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا ومصر هي التي تحمل مفتاح المستقبل. في مصر، شهدنا موجة من الإضرابات وعمليات احتلال المصانع ضد الخصخصة ودفاعا عن مناصب الشغل، بما في ذلك الإضراب الناجح المصاحب باحتلال المصنع الذي نظمه أكثر من 20،000 عامل في مجمع نسيج المحلة. ويسير العمال الإيرانيون بدورهم على هذه الخطوات. حيث كانت هناك موجة من الإضراب الكبيرة، التي شملت قطاعات كثيرة من الطبقة العاملة: عمال حافلة، وعمال أحواض بناء السفن والسكك الحديدية والمنسوجات، وعمال مصنع السكر هفت- تابه (Haft-Tapeh) والنفط وغيرها من القطاعات. يمكن لهذه الإضرابات أن تنطلق على أساس مطالب اقتصادية، لكن ونظرا لطبيعة النظام فإنها ستتخذ حتما طابعا سياسيا وثوريا على نحو متزايد.
في نيجيريا، نظم العمال سلسلة من الإضرابات العامة (ثماني إضرابات خلال الثمانية سنوات الأخيرة!)، مما أدى إلى شل البلاد وطرح مسألة السلطة، لكنها تعرضت مرة أخرى للخذلان من طرف القادة النقابيين. وفي جنوب أفريقيا أيضا، نظمت الحركة العمالية القوية إضرابات عامة الواحد منها بعد الآخر، وخاصة في الآونة الأخيرة في يونيو 2007 وغشت 2008. كما رأينا تحركات مثيرة للإعجاب من جانب العمال في المغرب، والأردن، ولبنان، وأيضا في إسرائيل، معقل الرجعية في الشرق الأوسط. كما كانت هناك تحركات جماهيرية للعمال والفلاحين في باكستان والهند وبنغلاديش، والنيبال حيث أدت إلى الإطاحة بالنظام الملكي.
تعيش أمريكا اللاتينية مخاض حركة ثورية من تييرا ديل فويغو إلى ريو غراندي وتقف فنزويلا في الطليعة. ولم تضع نداءات هوغو تشافيز من أجل الاشتراكية هباء، ففكرة الاشتراكية عادت مرة أخرى إلى جدول الأعمال. في بوليفيا والإكوادور تتقدم الحركة الجماهيرية ضد الرأسمالية والإمبريالية على الرغم من المقاومة الشرسة للأوليغارشيات المدعومة من واشنطن. من الضروري أن يدرج على رأس جدول الأعمال النضال من أجل سياسة عمالية، ومن أجل التضامن الأممي البروليتاري، والنضال من أجل الاشتراكية باعتبارها الحل الدائم الوحيد لمشاكل الجماهير.
إننا نطالب بما يلي:
-
الإلغاء الفوري لكل ديون العالم الثالث.
-
فلتسقط الإقطاعية والرأسمالية!
-
من أجل مصادرة ممتلكات كبار الملاكين العقاريين وتطبيق إصلاح زراعي. تسيير المزارع الكبرى، حيثما أمكن، على أساس جماعي، باستخدام الطرق الحديثة في الزراعة لزيادة الإنتاج.
-
التحرر من السيطرة الإمبريالية! تأميم ملكيات الشركات المتعدد الجنسيات.
-
من أجل برنامج عاجل للقضاء على الأمية، وخلق قوة عاملة مؤهلة ومتعلمة.
-
من أجل الحق في الحصول على خدمة صحية مجانية وشاملة للجميع.
-
فليسقط اضطهاد المرأة! المساواة القانونية والاجتماعية والاقتصادية الكاملة للنساء!
-
فليسقط الفساد والاضطهاد! من أجل الحصول على كامل الحقوق الديمقراطية والإطاحة بالسماسرة المحليين للإمبريالية.
فلتسقط الإمبريالية!
الميزة الأكثر لفتا للنظر في الوضع الراهن هي الفوضى والاضطرابات التي اجتاحت العالم بأسره. هناك عدم استقرار على جميع الأصعدة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية. في كل مكان هناك حرب أو تهديد باندلاع حرب: وقد أعقب غزو أفغانستان احتلال أكثر دموية وإجرامية للعراق. وهناك حروب في كل مكان: في البلقان وفي لبنان وقطاع غزة والحرب في دارفور وفي الصومال وأوغندا. في الكونغو تم ذبح حوالي خمسة ملايين شخص خلال السنوات القليلة الماضية، بينما وقفت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المزعوم موقف المتفرج.
قامت واشنطن المدركة لقوتها الهائلة، باستبدال الدبلوماسية "العادية" بالبلطجة الأكثر وقاحة. ورسالتها همجية واضحة: "افعلوا كما نقول لكم، أو أننا سوف نقصفكم ونغزوكم". وقد كشف الرئيس الباكستاني السابق ، الجنرال برويز مشرف، أنه بعد وقت قصير من وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، هددت الولايات المتحدة بقصف بلاده و"إعادته إلى العصر الحجري"، إذا لم يبد تعاونه في محاربة الإرهاب و طالبان. والآن ذهب مشرف إلى حال سبيله والقوات الجوية الأمريكية تقصف أراضي باكستان فعلا.
غزت الامبريالية الأمريكية العراق تحت ذريعة كاذبة بأنه يمتلك أسلحة للدمار الشامل. وقالوا إن صدام حسين كان دكتاتورا وحشيا يمارس القتل والتعذيب ضد شعبه. والآن تجد الأمم المتحدة نفسها مجبرة على الاعتراف بأن القتل الجماعي والتعذيب في العراق المحتل صار واقعا يوميا. ووفقا لاستطلاع للرأي أجري مؤخرا يعتقد 70 % من العراقيين أن الحياة صارت أسوء الآن مما كانت عليه في عهد صدام.
لقد أدت "الحرب على الإرهاب" إلى اندلاع مزيد من الإرهاب على الصعيد العالمي أكثر من أي وقت مضى. وفي كل مكان تضع الامبريالية الأمريكية قدمها فيه تتسبب في أشد أشكال التدمير والمعاناة. تذكرنا مشاهد الموت والدمار المروعة في العراق وأفغانستان بعبارة المؤرخ الروماني تاسيتوس الذي قال: "عندما خلقوا الهمجية أسموها السلام". لكن ليست قوة الإمبراطورية الرومانية بالمقارنة مع جبروت الامبريالية الأمريكية سوى لعبة أطفال. وقد عملت واشنطن التي لم تكتف بتدمير العراق على تهديد سوريا وإيران، وحملت الاضطرابات إلى آسيا الوسطى. إنهم يحاولون باستمرار الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا في فنزويلا، واغتيال الرئيس تشافيز، ويخططون لتحويل كوبا مرة أخرى إلى شبه مستعمرة وتنظيم أعمال إرهابية ضدها. يشعر معظم الناس بالاشمئزاز من هذه الأعمال الوحشية. و يبدو أن العالم قد سقط فجأة في لجة الجنون. لكن مثل هذا القول لا طائل منه ويؤدي إلى نتائج عكسية. لا يمكن تفسير الوضع الحالي الذي تواجهه البشرية على أنه تعبير عن الجنون أو عن نوازع شر متأصلة في الرجال والنساء. لقد سبق للفيلسوف الكبير سبينوزا أن قال ذات مرة: "لا تبكي ولا تضحك، لكن إفهم!" وهذه نصيحة جيدة جدا، لأننا إذا لم نكن قادرين على فهم العالم الذي نعيش فيه، لن نكون أبدا قادرين على تغييره. ليس التاريخ بدون معنى، بل يمكن تفسيره والماركسية توفر تفسيرا علميا له.
من العبث أن ننظر إلى الحرب من وجهة نظر عاطفية. وقد سبق لكلاوزفيتز أن أشار منذ فترة طويلة إلى أن الحرباستمرار للسياسة بوسائل أخرى. إن هذه الفوضى الدموية تعكس شيئا ما. إنها انعكاس للتناقضات الغير القابلة للحل التي تواجه الامبريالية على النطاق العالمي. إنها تشنجات نظام اجتماعي واقتصادي يجد نفسه في طريق مسدود. لقد شهدنا حالات مماثلة لهذا من قبل في تاريخ العالم، كما كان الحال خلال مرحلة الانحطاط الطويلة للإمبراطورية الرومانية أو مرحلة تراجع الإقطاع. إن الاضطراب العالمي الحالي ليس سوى انعكاس لحقيقة أن النظام الرأسمالي قد استنفد كل إمكاناته التاريخية ولم يعد قادرا على تطوير القوى المنتجة كما كان في الماضي.
احتضار الرأسمالية، المحاصرة بتناقضات غير قابلة للحل من جميع الجهات، تجد تعبيرها في النزعة الإمبريالية الأكثر وحشية على الإطلاق التي شهدها العالم. يستهلك سباق التسلح المتسارع جزءا متزايدا من الثروة التي تنتجها الطبقة العاملة. وتنفق الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي الآن القوة العظمى الوحيدة في العالم، نحو 600 مليار دولار كل عام على التسلح. مما يمثل تقريبا 40 % من مجموع النفقات العسكرية العالمية. بينما تمثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا نحو 5 % لكل منها، في حين أن روسيا، وبشكل لا يصدق، لا تمثل سوى 6 %. إن هذا الوضع يشكل خطرا على مستقبل البشرية.
إن المبالغ الهائلة التي تنفق على التسلح، يمكنها لوحدها أن تكون كافية لحل مشكلة الفقر في العالم. ووفقا لبعض التقديرات بلغت التكلفة الإجمالية للحرب في العراق وحدها 3 تريليون دولار. يعرف الجميع أن هذا جنون. لكن نزع السلاح لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إحداث تغيير جذري في المجتمع. ولا يمكن القضاء على الإمبريالية إلا عن طريق القضاء على الرأسمالية وعلى سيادة الأبناك والاحتكارات، وإقامة نظام عالمي عقلاني، مستند إلى متطلبات الشعب، وليس الصراع النهم على الأسواق والمواد الخام ومناطق النفوذ، والذي هو السبب الحقيقي للحرب.
نحن نطالب بما يلي:
-
معارضة الحرب الرجعية التي تشنها الإمبريالية.
-
الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية من العراق وأفغانستان.
-
تخفيض كبير في نفقات التسلح وتطبيق زيادة كبيرة في الإنفاق الاجتماعي.
-
الحقوق المدنية الكاملة للجنود، بما في ذلك الحق في الانضمام إلى النقابات والحق في الإضراب.
-
الدفاع عن فنزويلا وكوبا وبوليفيا ضد المخططات العدوانية الأمريكية!
-
ضد العنصرية! ومن أجل الدفاع عن حقوق جميع الشعوب المضطهدة والمستغلة! ومن أجل وحدة جميع العمال، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الجنسية أو الدين.
-
من أجل نزعة أممية بروليتارية! يا عمال العالم اتحدوا!
من أجل عالم اشتراكي!
لا يمكن للسوق أن يخضع للتخطيط أو التنظيم. إنه لا يستجيب للتدابير التي تتخذها الحكومات الوطنية. وقد كاد رئيس البنك الدولي أن يقر بهذه الحقيقة عندما قال: "إن قمة السبع الكبار لا تعمل. نحن في حاجة إلى مجموعة أفضل لوقت أفضل ". لكن الوقت الأفضل لا يبدو في الأفق. ولا يمكن لصندوق النقد الدولي ربما الاكتتاب في العالم بأسره. والأزمة التي صارت اليوم واقعا، تشمل جميع أنحاء العالم. ولا يمكن لأي بلد الفرار من شباكها. إن الأزمة أزمة عالمية وبالتالي فإنها تتطلب حلا عالميا. والاشتراكية وحدها من تقدم الحل.
في العصور الوسطى كان الإنتاج يقتصر على السوق المحلية. وكان مجرد نقل البضائع من بلدة إلى أخرى يتطلب دفع الرسوم الجمركية والضرائب وغيرها. وقد كان إلغاء هذه القيود الإقطاعية وإقامة السوق الوطنية والدولة القومية الشرط المسبق لتطور الرأسمالية الحديثة. لكن خلال القرن الواحد والعشرين صارت الدول القومية والسوق الوطنية ضيقة للغاية لاحتواء التطور الرائع للصناعة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا. وانطلاقا من مجموعة من الاقتصاديات الوطنية نشأت السوق العالمية. كان كارل ماركس قد تنبأ بهذا بشكل بارع في البيان الشيوعي قبل أكثر من 150 عاما مضت. إن الهيمنة الساحقة للسوق العالمية هي الآن أهم سمة من سمات العصر الحديث.
في أيام شبابها لعبت الرأسمالية دورا تقدميا في القضاء على الحواجز والقيود الإقطاعية البالية وخلق سوق وطنية. وفي وقت لاحق أدى توسع الرأسمالية إلى إنشاء السوق الرأسمالية العالمية، وهيمنة السوق العالمية هو أهم سمة من سمات العصر الحديث. إن ظهور العولمة تعبير عن حقيقة أن نمو القوى المنتجة قد تجاوز الحدود الضيقة للدولة القومية. لكن ومع ذلك فإن العولمة لا تلغي تناقضات الرأسمالية، بل فقط تعيد إنتاجها على نطاق أوسع بكثير. نجحت الرأسمالية لبعض الوقت في التغلب على تناقضاتها من خلال زيادة التجارة العالمية (العولمة). وللمرة الأولى في التاريخ وضع العالم كله في بوتقة السوق العالمية. حيث عثر الرأسماليون على أسواق جديدة وسبل استثمار في الصين وبلدان أخرى. لكن كل هذا قد وصل الآن إلى حدوده القصوى.
الأزمة الحالية هي، في آخر التحليل، تعبير عن تمرد القوى المنتجة ضد قيود الملكية الخاصة والدولة القومية. إن الأزمة الحالية عالمية بطبيعتها. وتظهر العولمة نفسها بكونها أزمة عالمية للرأسمالية. من المستحيل إيجاد حل لها على أساس وطني. كل الخبراء متفقون على أنه لا يمكن حل المشاكل التي تواجه كوكب الأرض على أساس وطني. ولقد تفاقمت مشكلة الجوع في العالم بشكل كبير بسبب إنتاج الولايات المتحدة للوقود البيئي. ولا يخدم هذا سوى مصلحة الشركات الزراعية الكبرى، لا غير. فقط الاقتصاد العالمي المخطط هو ما سيمكن من وضع حد لهذا الجنون.
بسبب الجشع الذي لا ينضب من أجل الربح، وضع النظام الرأسمالي الكوكب كله في خطر. إن النظام الاقتصادي الذي يدمر الكوكب بحثا عن النهب، ويدمر البيئة، ويقضي على الغابات المطيرة، ويلقي السموم في الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والطعام الذي نأكله، هو نظام لا يستحق البقاء. الطرق في مدننا الكبيرة مختنقة بالسيارات الخاصة. وقد أدت الاختناقات المرورية سنة 2003 وحدها إلى إضاعة سبعة ملايير ساعة وإهدار خمسة ملايير غالون من الوقود. إن عدم وجود تخطيط يؤدي إلى انهيار البنية التحتية للنقل، وتدهور البيئة بسبب انبعاث الغازات المسئولة عن الاحتباس الحراري وتلوث الهواء، ما بين 60-70 % منها ينجم عن السيارات وغيرها من المركبات.
هذا بغض النظر عن التكلفة البشرية الهائلة الناجمة عن هذا الجنون: الحوادث، والأشخاص الذين قتلوا وشوهوا على الطرق، والتوتر الذي لا يطاق، والظروف الغير الإنسانية، والضجيج والفوضى. إن الخسائر في الإنتاجية ضخمة للغاية. لكن يمكن حل كل هذا بسهولة من خلال اعتماد نظام متكامل للنقل ذو النوعية الجيدة المجاني أو الشبه المجاني. وينبغي أن تكون وسائل النقل الجوي والطرقي والسكك الحديدية والنقل النهري في ملكية قطاع عام متكامل بشكل عقلاني لتلبية الاحتياجات الإنسانية.
استمرار الرأسمالية لا يشكل فقط تهديدا لمناصب الشغل ومستويات المعيشة، إنه تهديد لمستقبل كوكب الأرض والحياة على الأرض.
هل هذا حلم طوباوي؟
من خلال زيادة المشاركة في الأسواق العالمية، حققت البنوك والرأسماليون أرباح فاحشة في الفترة الماضية. لكن هذه العملية قد وصلت الآن إلى حدودها. وجميع العوامل التي ساعدت على دفع الاقتصاد العالمي صعودا في الفترة الماضية قد اجتمعت الآن لدفعها إلى الأسفل. والطلب، الذي توسع بشكل مصطنع عن طريق انخفاض معدلات الفائدة في الفترة الماضية، قد انهار الآن بشكل حاد. تعكس شدة "التصحيح" انهيار الثقة المبالغ فيها و"الوفرة الغير عقلانية" التي ميزت الفترة السابقة.
تماما كما كان الحال عليه في مرحلة الإقطاعية صارت الحواجز القديمة، والرسوم في الطرق، والضرائب المحلية والعملات، عقبات لا تطاق في وجه تطوير القوى المنتجة، وبالتالي فإن الدول القومية الحالية مع حدودها الوطنية وجوازات السفر وضوابط الاستيراد، والقيود المفروضة على الهجرة والتعريفات الجمركية الحمائية أصبحت حواجز تعيق حرية حركة البضائع والبشر. إن التطور الحر للقوى المنتجة – الذي يشكل الضمان الحقيقي الوحيد لتطوير الحضارة الإنسانية والثقافة- يتطلب إلغاء كل الحدود وإنشاء رابطة تعاون بين شعوب العالم.
مثل هذا التطور لن يكون ممكنا إلا في ظل الاشتراكية. والشرط المسبق لتحقيقه هو إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وتطبيق ملكية مشتركة للأرض والبنوك والصناعات الكبرى. إن خطة مشتركة للإنتاج هي السبيل الوحيد لتعبئة الإمكانات الهائلة للصناعة والزراعة والعلوم والتقنية. سيعني هذا نظاما اقتصاديا يقوم على الإنتاج لتلبية احتياجات الأغلبية وليس تحقيق الأرباح للأقلية.
ومن شأن أوروبا اشتراكية، وفدرالية اشتراكية في أمريكا اللاتينية، أو في الشرق الأوسط، أن يفتح آفاقا جديدة هائلة للتطور البشري. والهدف النهائي هو إقامة فدرالية اشتراكية عالمية، حيث ستتم تعبئة وتسخير موارد الكوكب بأسره لصالح البشرية جمعاء. لتصير الحروب والبطالة والجوع والحرمان مجرد ذكريات مؤلمة من الماضي، مثل كابوس لا نكاد نتذكره.
يمكن للبعض أن يقول إن هذا مجرد حلم طوباوي، شيء لا يمكن أن يتحقق. لكن لو أننا شرحنا لفلاح من العصور الوسطى منظور الاقتصاد العالمي مع كل ما تحقق من أجهزة الكمبيوتر وإمكانية السفر إلى الفضاء، لكان رد فعله مشابها تماما. وعندما يفكر المرء في الأمر، هل تحقيق هذا صعب إلى تلك الدرجة؟ إن إمكانات القوى المنتجة تجعل من الممكن بسهولة حل جميع المشاكل التي تعذب الجنس البشري - من فقر وتشرد وجوع ومرض وأمية -. إن الموارد متوفرة، وكل ما نحتاج إليه هو نظام اقتصادي عقلاني يمكن من تعبئتها.
إن الشروط الموضوعية للاشتراكية موجودة بالفعل. هل هذا حقا حلم طوباوي؟ وحدهم الأشخاص المتشككون الأكثر ضيقا للأفق، والذين ليست لديهم أية معرفة بالتاريخ أو رؤية للمستقبل، من يمكنهم أن يقولوا ذلك. إن السؤال الذي ينبغي طرحه هو: هل من المقبول، في العقد الأول من القرن 21، أن يتم التقرير في الحياة وفرصة العمل والحق في المأوى لكل شخص في هذا العالم بنفس الطريقة التي يرمي بها المقامر النرد في الكازينو؟ هل نعتقد حقا أن الإنسانية لا يمكنها أن تبتكر نظاما أفضل من لعبة قوى السوق العمياء؟
لا يمكن للمدافعين عما يسمى بالسوق الحرة إنتاج أية حجة معقولة يمكنها أن تبرر مثل هذا الافتراض الأخرق. وبدلا من تقديم حجة منطقية يلجئون فقط إلى القول بأن هذه هي الحالة الطبيعية والحتمية للأمور، وأنه لا يوجد أي بديل على كل حال. هذه ليست حجة متماسكة بل فقط حكم مسبق أعمى. إنهم يأملون أن يؤدي تكرار نفس المزاعم باستمرار إلى جعل الناس يصدقونها في النهاية. ولكن الوقائع نفسها كشفت زيف الكذبة القائلة بأن " اقتصاد السوق الحرة يعمل". إن تجربتنا الخاصة، والأدلة أمام أعيننا تخبرنا أنه نظام لا يعمل، وأنه نظام التبذير والفوضى والهمجية التي تدمر حياة ملايين البشر من أجل تحقيق أرباح الأقلية.
يقف النظام الرأسمالي مدانا لأنه ليس قادرا حتى على إطعام سكان العالم. واستمرار وجوده يهدد مستقبل الحضارة والثقافة، بل ويهدد حتى استمرار الحياة نفسها. يجب على النظام الرأسمالي أن يموت من اجل أن يعيش الجنس البشري. خلال المجتمع الاشتراكي المستقبلي، سينظر الرجال والنساء الأحرار إلى الوراء إلى عالمنا الحالي بنفس مشاعر عدم التصديق التي تنتابنا عندما نفكر في عالم أكلة لحوم البشر. وبالنسبة لأكلة لحوم البشر يبدو العالم الذي لا يأكل فيه الرجال والنساء بعضهم البعض مجرد عالم طوباوي.
أزمة القيادة
سنة 1938 كتب تروتسكي ما يلي: «إن شتى أنواع الثرثرة حول عدم "نضج" الشروط الموضوعية للاشتراكية ليست إلا حصيلة الجهل، أو ضرب من الخداع الواعي. فالمقدمات الموضوعية للثورة البروليتارية ليست ناضجة وحسب، بل أخذت تتعفن. بدون الثورة الاشتراكية في الفترة التاريخية القادمة، تتعرض الحضارة الإنسانية بكاملها لخطر الكارثة. كل شيء مرهون بالبروليتاريا، أي بطليعتها الثورية في المقام الأول. إن الأزمة التاريخية التي تعاني منها الإنسانية تتلخص في أزمة القيادة الثورية.»
لقد شيدت الطبقة العاملة منذ فترة طويلة أحزابها للدفاع عن مصالحها وتغيير المجتمع. بعض تلك الأحزاب تدعى اشتراكية والأخرى عمالية، أو شيوعية أو يسارية. لكن أيا منها لا يدافع عن سياسة شيوعية أو اشتراكية. وقد حكمت مرحلة الازدهار الطويلة التي عرفها النظام الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية على قيادة المنظمات الجماهيرية للبروليتاريا بالانحطاط البيروقراطي والإصلاحي. وقع زعماء النقابات العمالية، فضلا عن قادة الأحزاب الاشتراكية والشيوعية، تحت ضغط البرجوازية وتخلى معظمهم منذ فترة طويلة عن كل انتماء إلى قضية تغيير المجتمع.
اندمج قادة الأحزاب العمالية التقليدية والاشتراكية الديمقراطية تماما بالرأسماليين ودولتهم. لقد اضطروا، ضد رغبتهم، إلى تأميم البنوك، لكنهم فعلوا ذلك بطريقة مكنت أصحاب الأبناك من الحصول على منافع هائلة وليس خدمة مصالح المجتمع. نحن نطالب بتأميم القطاع البنكي والقطاع المالي بأكمله، بدون تعويض إلا على أساس الحد الأدنى وفقط في حالة إثبات الحاجة.
لقد تخلى قادة الأحزاب الشيوعية السابقة في روسيا وأوروبا الشرقية وبلدان أخرى كثيرة تماما عن البرنامج الثوري لماركس ولينين. ونحن نواجه التناقض الصارخ المتمثل في أنه بالضبط في اللحظة التي تعيش فيها الرأسمالية في أزمة في كل مكان، وحيث يبحث ملايين الرجال والنساء عن إحداث تغيير جذري في المجتمع، نجد قادة المنظمات الجماهيرية يتشبثون بعناد أكبر بالنظام القائم. وكما أشار تروتسكي منذ زمن طويل : يتميز الوضع السياسي العالمي في مجمله أساسا بأزمة تاريخية للقيادة البروليتارية.
لا يجوز للقادة الذين يتحدثون باسم الاشتراكية والطبقة العاملة، أو حتى "الديمقراطية"، ترؤس عمليات الإنقاذ الضخمة للبنوك الخاصة، والتي تعني زيادة كبيرة في الدين العام من شأنها أن تؤدي إلى سنوات من الاقتطاعات والتقشف. لقد تم ذلك باسم "المصلحة العامة"، لكنه في الواقع إجراء لخدمة مصالح الأغنياء وضد مصالح الأغلبية. إلا أن هذا الوضع لا يمكنه أن يستمر.
لا يوجد أي بديل للطبقة العاملة خارج الحركة العمالية والنقابية. في ظل ظروف الأزمة الرأسمالية سوف تهتز المنظمات الجماهيرية من أعلى إلى أسفل. وبداية من النقابات العمالية سيتعرض قادة الجناح اليميني لضغوط من طرف القواعد. آنذاك إما سيخضعون لذلك الضغط ويبدءون في التعبير عن الضغط من الأسفل، وإلا فإنه سيتم طردهم والاستعاضة عنهم بقادة أكثر ارتباطا بوجهات نظر العمال وتطلعاتهم. إن مهمتنا تتمثل في أن نحمل الأفكار الماركسية إلى الحركة العمالية وكسب الطبقة العاملة لأفكار الاشتراكية العلمية. قبل أكثر من 150 عاما مضت، أعلن ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي ما يلي :
« ما هي علاقة الشيوعيين بالبروليتاريين عموما ؟
لا يشكل الشيوعيون حزبا منفصلا في مواجهة الأحزاب العمالية الأخرى.
وليست لدبهم مصالح منفصلة عن مصالح عموم البروليتاريا.
وهم لا يطرحون مبادئ خاصة يريدون قَولَبَة الحركة البروليتارية بقالبها.
لا يتميز الشيوعيون عن الأحزاب البروليتارية الأخرى إلاّ بأنهم: أولا، خلال الصراعات القومية لبروليتاريي مختلف البلدان، يُبرزون ويُغلِّبون المصالح المشتركة للبروليتاريا بأسرها، بغض النظر عن جميع القوميات. ثانيا، يمثِّلون دائما وفي كل مكان مصالح مُجمل الحركة خلال مختلف مراحل التطور التي يمر منها صراع الطبقة العاملة ضد البرجوازية.
إن الشيوعيين إذن من جهة هم عمليّا الفريق الأكثر تقدما وحزما بين أحزاب الطبقة العاملة في جميع البلدان، الفريق الذي يدفع دوما كل الآخرين إلى الأمام، وهم من جهة أخرى يتميزون نظريا عن سائر جُموع البروليتاريا، بالفهم الواضح لخط سير الحركة البروليتارية ووضعها ونتائجها النهائية العامّة.»
يفهم الماركسيون دور المنظمات الجماهيرية. نحن لا نخلط بين القيادة وبين جماهير العمال الذين يقفون وراءها. هناك هوة واسعة تفصل بين الانتهازيين والوصوليين في القيادة وبين الطبقة التي تصوت لصالحهم. وسوف تبين الأزمة المتصاعدة هذه الهوة وستوسعها إلى أن تصل إلى نقطة الانهيار. لكن ومع ذلك، تتمسك الطبقة العاملة بالمنظمات الجماهيرية، على الرغم من سياسات القادة، لأنه لا يوجد بديل. لا تفهم الطبقة العاملة المنظمات الصغيرة. وقد فشلت جميع محاولات العصبويين فشلا ذريعا في خلق "أحزاب ثورية جماهيرية" خارج المنظمات الجماهيرية، وتلك المحاولات محكوم عليها بالفشل في المستقبل.
سنناضل ضد السياسات المفلسة وسنواجه القيادة القديمة. نحن نطالبهم بأن يقطعوا مع الأبناك والرأسماليين ويطبقوا سياسات لمصلحة العمال والطبقة الوسطى. في عام 1917 قال لينين والبلاشفة لزعماء المناشفة وحزب الاشتراكيين الثوريين: "اقطعوا مع البرجوازية، واحسموا السلطة!" لكن المناشفة والاشتراكيين الثوريين رفضوا بعناد الاستيلاء على السلطة. لقد تشبثوا بالبرجوازية، وبالتالي وفروا الظروف لانتصار البلاشفة. وعلى نفس المنوال، نحن ندعو هذه الأحزاب والمنظمات التي تستند على العمال وتتحدث باسمهم، إلى القطع سياسيا مع البرجوازية والكفاح من أجل تشكيل حكومة اشتراكية ببرنامج اشتراكي.
سوف نقدم دعما نقديا للأحزاب العمالية الجماهيرية ضد أحزاب أصحاب الأبناك والرأسماليين. لكننا نطالبهم بأن يطبقوا سياسات في مصلحة الطبقة العاملة. ليست هناك إمكانية لوقف السقوط بنهج التدابير الملطفة التي اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية. لن تقدم التدابير الجزئية أي حل. المشكلة هي أن قيادات المنظمات العمالية الجماهيرية في جميع البلدان ليس لديهم منظور لإحداث تغيير جوهري في المجتمع، لكن هذا بالضبط هو ما يستلزمه الوضع.
الوجود الاجتماعي يحدد الوعي. والطبقة العاملة بصفة عامة تتعلم من التجربة، وتجربة الأزمة الرأسمالية تعني أن الطبقة العاملة تتعلم بسرعة. ونحن سنساعد العمال على استخلاص الاستنتاجات الضرورية، ليس من خلال الاستنكارات الحادة بل عن طريق شرح صبور وعمل منهجي داخل المنظمات الجماهيرية. إن الناس يطرحون الأسئلة ويبحثون عن الأجوبة، ومهمة الماركسيين هي فقط تحويل الرغبة العفوية أو الشبه واعية للطبقة العاملة في تغيير المجتمع إلى رغبة واعية.
-
فلنناضل ضد العصبوية!
-
فلنتوجه إلى المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة
-
فلنناضل من أجل تغيير النقابات!
-
فلنناضل من أجل برنامج ماركسي!
ساعدونا على بناء التيار الماركسي الأممي!
ليست كافيا أن يقوم المرء بالشكوى من الوضع السائد في العالم، بل من الضروري الانتقال إلى الفعل! أما هؤلاء الذين يقولون : "إن السياسة لا تعنيني" فقد كان يجب أن يولدوا في زمن آخر. لا يمكن اليوم الهروب من السياسة. فقط حاول! يمكن لك أن تفر إلى منزلك، وتقفل الباب على نفسك، وتختبئ تحت السرير. لكن السياسة ستأتي إلى منزلك وتدق بابك. إن السياسة تؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا. المشكلة هي أن الكثير من الناس يخلطون بين السياسة وبين الأحزاب السياسية الموجودة وقادتها، فيلقون نظرة واحدة على البرلمانات، والوصولية، والخطب الفارغة والوعود الكاذبة فيصيبهم النفور.
يصل الفوضويون إلى الاستنتاج بأننا لا نحتاج الى حزب. وهذا خطأ. فإذا كان بيتي آيل للسقوط، لا يجب علي أن أستخلص أنه علي النوم في الشارع، بل لا بد لي أن أبدء على وجه السرعة في إصلاحه. وإذا كنت غير راض على القيادة الحالية للنقابات والأحزاب العمالية، فلا بد لي من الكفاح من أجل قيادة بديلة، تمتلك برنامجا وسياسة تتوافق مع احتياجاتي.
إن التيار الماركسي الأممي يناضل من أجل الاشتراكية في أربعين بلدا في القارات الخمس. نحن نقف بحزم على أسس الماركسية. إننا ندافع عن الأفكار والمبادئ الأساسية والسياسات والتقاليد التى وضعها ماركس وانجلز ولينين وتروتسكي. في الوقت الحاضر ما يزال صوتنا ضعيفا. لقد كنا نحن الماركسيون مجبرين لفترة طويلة على السباحة ضد التيار. وقد أثبت التيار الماركسي الأممي قدرته على الصمود في ظل الظروف المعاكسة. لكننا الآن نسبح في الاتجاه الموافق لتيار التاريخ. وقد أكد مسار الأحداث جميع منظوراتنا. إن هذا يعطينا ثقة لا تتزعزع في أفكار وأساليب الماركسية، وفي الطبقة العاملة وفي المستقبل الاشتراكي للبشرية.
بدءا من العمال والشباب الأكثر تقدما سوف يصل صوتنا إلى جماهير العمال في كل مصنع، وكل نقابة، وكل لجنة عمالية، وكل مدرسة وجامعة، وكل حي عمالي. وللقيام بهذا العمل نحن بحاجة إلى مساعدتكم. نحن بحاجة إلى أشخاص لكتابة المقالات، وبيع الجرائد وجمع المساهمات المالية، وإنجاز العمل في النقابات العمالية والحركة العمالية. في درب النضال من أجل الاشتراكية، ليست هناك مساهمة صغيرة ويمكن لأي شخص أن يلعب دورا. إننا نريد منكم أن تلعبوا دوركم أنتم أيضا. لا تتوهموا أنه ليس في إمكانكم أن تخلقوا أي فرق. فنحن معا، بمجرد ما ننتظم، يمكننا إحداث فرق جوهري.
تمتلك الطبقة العاملة في يدها سلطة هائلة. فبدون إذن العمال لا يمكن لأي مصباح أن يضيء، ولا لعجلة أن تدور، ولا لهاتف أن يرن. المشكلة هي أن العمال لا يدركون أنهم يمتلكون هذه السلطة. ومهمتنا هي أن نساعدهم على إدراكها. سوف نناضل من أجل كل إصلاح وكل تقدم مهما كان صغيرا، وذلك لأنه فقط من خلال النضال من أجل التحسينات في ظل الرأسمالية سيتمكن العمال من اكتساب الثقة اللازمة في قدرتهم على تغيير المجتمع.
في كل مكان بدأ مزاج الجماهير في التغير. هناك في أمريكا اللاتينية غليان ثوري سوف يتكثف ويمتد إلى قارات أخرى. وفي بريطانيا والولايات المتحدة، وغيرهما من الدول الصناعية الأخرى، بدأ الآن العديد من الناس الذين لم يكونوا سابقا يشككون في النظام الاجتماعي القائم، في طرح الأسئلة. والأفكار التي كانت في السابق تسمع من قبل أعداد صغيرة فقط ستجد لها صدى بين جمهور أوسع نطاقا بكثير. وبدأ يجري إعداد الأرض لتصعيد غير مسبوق في الصراع الطبقي على الصعيد العالمي.
عندما انهار الاتحاد السوفيتي قيل لنا إن التاريخ قد انتهى. لكن على العكس من ذلك إن التاريخ لم يبدأ بعد. في غضون عشرين سنة فقط أظهرت الرأسمالية نفسها بكونها مفلسة تماما. ومن الضروري النضال من أجل بديل اشتراكي! إن هدفنا هو إحداث تغيير ثوري في المجتمع والنضال من أجل الاشتراكية على الصعيدين الوطني والأممي. نحن نناضل من أجل أكثر القضايا أهمية: قضية تحرر الطبقة العاملة وإقامة نموذج جديد وأسمى للمجتمع البشري. وهذه هي القضية الوحيدة التي تستحق حقا أن يعيش المرء من أجلها في القرن الواحد والعشرين.
التحقوا بنا
Source: marxy.com