It is the first time in the history of Morocco that we witness a simultaneous explosion of protest in al the cities and even in the remote villages. The dictatorial regime of the King Mohamed VI is starting to lose ground. Hosam Benhamza, leader of the Communist League of Action analyses the reasons for this movement, draws some lessons and advances a socialist alternative for Morocco.
It is the first time in the history of Morocco that we witness a simultaneous explosion of protest in al the cities and even in the remote villages. In the past there have been heroic insurrections like the one in Casablanca on the 23rd of March 1965, the uprisings in Marrakesh, Tetouan, Nador, El Hoceima, Ksar Kebir in 1984 and the social explosion in Tanger and Fes in 1990. But never have we seen a nationwide movement of demonstrations and actions by workers, housewives, students and peasants like the one which started in September 2006 and which went on until the end of last year. The immediate trigger was the struggle against the high cost of living, more particularly the increase of the water and electricity bills as a result of the privatisation of those companies. This unprecedented movement was preceded by a surge in factory strikes since a year and a half. The dictatorial regime of the King Mohamed VI is starting to lose ground. Hosam Benhamza, leader of the Communist League of Action analyses the reasons for this movement, draws some lessons and advances a socialist alternative for Morocco.
Note: this article is only available in Arabic. If you can help us to translate this into English please contact us. 2
« هنالك مؤشرات كبيرة على وجود تخوف من حدوث توتر اجتماعي»، « انفجار اجتماعي»، « احتمال حدوث اضطرابات وهزات»...( الأحداث المغربية، عدد 8 نونبر 2006) هذه هي المصطلحات التي بدأت تستعملها بهلع حقيقي صحف البرجوازية وتندد بها باعتبارها "طبعا" خروجا عن المألوف وخرقا للنواميس.
السيدات والسادة البورجوازيون أناس "مسالمون" جدا، لا يحبون التوتر الاجتماعي ولا الانفجارات ولا أي شيء من هذا القبيل. كل ما يحبونه هو ممارسة الحرب من جانب واحد، اعتصار دماء الكادحين وتجويعهم هم وأبنائهم وممارسة أحط أشكال الاستغلال ضدهم وأبشعها، بينما على هؤلاء الأخيرين أن يديروا برضى مطلق خذهم الأيسر. أما عندما ينهض العمال والكادحون للدفاع عن حقوقهم، بل وحتى عن وجودهم في مستواه البيولوجي نفسه ويلجئون إلى الاحتجاج، فذلك وحده ما يجعل تلك الأقلام المأجورة وصحف الدعارة تصرخ: "توتر، انفجار، هزات...". أليست كل حياة الكادحين توتر في توتر؟ ألا يقاسي الفقراء الاضطرابات والهزات كل يوم آلف مرة مع الاستغلال والجوع والبطالة...؟
لكن، الحق يقال، لهذا الهلع - من وجهة نظر الحاكمين- ما يبرره. حيث أن الجماهير الكادحة بدأت تدخل إلى ساحة النضال. لقد خرجت الطلائع الأولى للنضال الجماهيري، إلى الشوارع في العديد من مدن المغرب وبواديه. وعرفت الأشهر القليلة الماضية ارتفاعا عظيما في الاحتجاجات واحتداد في كفاحيتها. وبالرغم من القمع بشتى أشكاله لا تنفك هذه الحركات الاحتجاجية تتجدد وتتسع قاعدتها.
لم يمر وقت طويل منذ أن كانت نفس تلك الأقلام المذعورة اليوم من الانفجار الاجتماعي تغني بصوت واحد عن نهاية عصر صراع الطبقات وتتهم كل من لا يزال يتكلم عن النضال وقوة الجماهير فبالأحرى الذي لا زال يحلم بالتغيير الثوري والاشتراكية، بالأرثوذكسية و"السلفية اليسراوية" وتنصحه بقراءة كتب هنتينغتون وفوكوياما بدل العجوز ماركس. لكن التاريخ يسير وفق قوانينه الخاصة وليس وفقا لمتمنيات هؤلاء السادة. فهاهي الجماهير تعود بقوة، مرة أخرى، إلى مسرح الأحداث، حيث نظمت لحد الآن عشرات إن لم نقل مئات الوقفات الاحتجاجية والمسيرات ضد غلاء المعيشة وسياسة التجويع وخوصصة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية...
لقد شهد المغرب دائما نضالات جماهيرية مريرة متعددة والكثير من الانتفاضات البطولية، بعضها هز أسس النظام بعنف (انتفاضة البيضاء والنواحي 23 مارس 1965، انتفاضة مراكش، تطوان، الناظور، الحسيمة، القصر الكبير... يناير1984، انتفاضة طنجة، فاس دجنبر 1990) ولم يتمكن من إخمادها إلا بتنفيذ مجازر جماعية بالرصاص الحي ضد الشعب الأعزل والاعتقالات الكثيفة وأحكام بقرون من السجن. لكنها المرة الأولى في تاريخ المغرب التي تنفجر فيها هذه الاحتجاجات في وقت واحد تقريبا وفي جميع المدن وحتى القرى، لا تقمع إلا لكي تعود فتشتعل بقوة أكبر وإصرار أكبر، بمشاركة كثيفة من طرف النساء والرجال العاديين، وبشعارات ومطالب متشابهة إلى حد التطابق. إذ بصوت واحد ندد هؤلاء الفقراء بالغلاء والبطالة والدكتاتورية وفساد المسؤولين، الخ. وبصوت واحد طالبوا بالتعليم للجميع والصحة والخبز للجميع، بمغرب أفضل وغد أفضل لهم ولأبنائهم.
الطبقة العاملة
الطبقة العاملة ليست بعيدة عن هذه الدينامية، بل توجد على رأسها! فإضافة إلى التواجد الفعلي للعمال في هذه المعارك، إلى جانب باقي شرائح الشعب الكادح، فإنها خاضت وتخوض العديد من المعارك البطولية في أماكن العمل، وهذا ما تؤكده الإحصائيات عن عدد الإضرابات التي شنتها خلال هذه السنة:
إذ خلال الدورة الأولى من سنة 2006 سجلت الإضرابات ارتفاعا بـ 69% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. في المجموع 44 إضرابا في القطاع الصناعي والتجارة والخدمات مقابل 39 سنة 2005. وقد ارتفعت أيام الإضراب إلى 18559 يوما مقابل 9436 سنة 2005، أي بزيادة قدرها 97%! وقد تميزت هذه الإضرابات بطول مدتها وارتفاع عدد العمال المنخرطين فيه.
أما الدورة الثانية من سنة 2006 فقد سجلت 106 إضرابا، مما يشكل ارتفاعا بـ 73,77% مقارنة مع الدورة الثانية من 2005، (وبـ 41,50% مقارنة مع الدورة الأولى من سنة 2006 نفسها!) كما عبئت عددا أكبر من المضربين: 10439 أي بارتفاع قدره 33,29% مقارنة مع السنة الماضية. ارتفعت أيام الإضراب إلى 43051 هذه السنة مقابل 25359 سنة 2005، كما تميزت باتساع قاعدتها وطول نفسها.( www.leconomiste.com)
هذه الأرقام، المستقاة من جريدة لا يمكن على الإطلاق اتهامها بأي تعاطف مع العمال، بل على العكس تماما، تبين بشكلي جلي، رغم جزئيتها، مدى ارتفاع نضالية الطبقة العاملة المغربية ودرجة التعبئة بين صفوفها. كما تبين ليس فقط أن النظام يعيش أزمة عميقة، بل أيضا أن الجماهير قد بدأت تحس تدريجيا بتلك الأزمة وتنهض بطريقة موحدة للنضال من أجل تغيير الأوضاع. وفي هذا السياق سبق للينين أن قال مستشهدا بمقولة وزير الداخلية البروسي، فون بوتكامر: « في كل إضراب يكمن تنين الثورة» (لينين: تقرير عن ثورة 1905).
قد يقال عنها أنها "نضالات على قاعدة اقتصادية خبزية محضة، وليست نضالات سياسية"، مما يعني أن "وعي العمال لا يزال متخلفا" وبالتالي فإنه "من السابق لأوانه الكلام عن دورهم القيادي"، الخ.
صحيح، إن تسعة أعشار تلك النضالات اندلعت على أساس مطالب خبزية محضة، لكن كل من يعرف، ولو الشيء القليل، عن طبيعة النظام القائم في المغرب، كنظام ديكتاتوري شرس وعن ترسانة القوانين الرجعية المانعة لممارسة جميع الحقوق، بما فيها الحق في الإضراب، يستطيع أن يفهم أن أي إضراب أو شكل احتجاجي، ولو على خلفية مطالب اقتصادية، لديه بالضرورة مضمون سياسي. حيث أنه لا يكون نضالا ضد سياسة التجويع والتفقير فقط، بل ضد كل القوانين المانعة لممارسة الحريات الديموقراطية كالحق في الإضراب والتعبير والتظاهر، الخ. فقانون الدكتاتورية « يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة مائة وعشرين إلى خمسة ألاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء والعنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل. وإذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطئ عليها، جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات» - الفصل 288 من القانون الجنائي-. ويؤكد أن: « كل توقف عن العمل بصفة مدبرة وكل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينية، تمكن المعاقبة عليه، علاوة على الضمانات التأديبية. ويعمم هذا على جميع الموظفين» - الفصل 5 من مرسوم فبراير 1958-. أما محمد السادس فقد أكد في دعوته، شهر يوليوز 2004، إلى صياغة قانون إضراب جديد، على ضرورة « إيجاد عقد اجتماعي جديد ينبثق عن تشاور واتفاق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين. وينبغي أن يأخذ هذا العقد صيغة ميثاق يرتكز على مجموعة تدابير شمولية ومتكاملة تتضمن الالتزام بسلم اجتماعي وتعزيز إصلاح مدونة الشغل بتنظيم حق الإضراب لوضع حد لممارسته غير المقننة التي تزج بالاقتصاد الوطني في دوامة الإضراب العشوائي الذي يفضي إلى الإضراب المضاد عن الاستثمار والنفور منه» (التشديد من عندنا)، الخ، الخ.
هكذا فإن حرص البرجوازية ودولتها على جعل ممارسة الإضراب جريمة خارجة عن القانون، يجعل من كل إضراب (حتى ولو كان على أسس اقتصادية محضة) إضرابا سياسيا ضد القانون وضد واضعيه. أما مسألة لماذا لا تتكثف هذه الإضرابات وتعي بمضمونها السياسي وتعلن عنه بوضوح، فذلك يرجع إلى تخلف القادة العماليين والتيارات اليسارية وخيانة القيادات النقابية والإصلاحيين وليس للعمال أنفسهم.
عمق الحركة
عادة لا تجد أوسع فئات الكادحين الوقت ولا الرغبة في المشاركة في الحياة السياسية أو النقاشات، "التي هي من اهتمامات الذين يفهمون"، خاصة عندما لا تكون هناك مكاسب واضحة من وراء ذلك. لكن بمجرد ما تبدأ الأمور تصبح أكثر جدية تنهض تلك الجماهير بكل عنفوانها لتقول كلمتها الفصل. ومن ثم فإن المشاركة الكثيفة لتلك الفئات من الجماهير، التي لا تهتم عادة بالعمل السياسي ولا تجربة نضالية لها، التي ميزت هذه النضالات الأخيرة، دليل على عمق هذه التحركات وجديتها وبأن المعارك الحاسمة هي التي لا تزال في المستقبل.
الجدير بالإشارة هو الدور الحاسم والبطولي الذي لعبته النساء في التعبئة والنضال والمواجهة مع القمع. طبعا ليس الحديث هنا عن نساء البرجوازية والبرجوازية الصغرى النسوانيات الوصوليات اللائى نصبن أنفسهن "ناطقات باسم المرأة" و"مدافعات عن حقوقها" ضد الرجل، اللائى صفقن بكلبية "للثورة" (!!) التي قادها الملك فيما يخص "تحسين" وضع المرأة المغربية (أي وضعهن هن بالامتيازات السخية التي أغدقها عليهن)، الخ. بل نساء الطبقة العاملة والكادحات الفقيرات اللائى يقاسين بشكل يومي مع الغلاء، النساء اللائى عليهن إطعام الأفواه الجائعة بالدراهم القليلة التي بين أيديهن. وهذا بدوره دليل على عمق هذه الحركة ودليل على آفاقها الرحبة، ألم تندلع الثورة الفرنسية بمبادرة نساء باريس المطالبات بالخبز والمحتجات على الغلاء والجوع والدكتاتورية؟ ألم تشعل نساء روسيا الكادحات، بمسيرتهن للمطالبة بالخبز وعودت أزواجهن وأبنائهن من الجبهة، شهر فبراير 1917، ثورة قضت على ألف عام من الحكم القيصري؟
رد الطبقة السائدة
ليس للنظام في وجه هذه النضالات وهذه المطالب سوى "أوراق لعب" قليلة، فإذا ما نحن استثنينا الوعود الجميلة الزائفة، التي تعتبر أكثر ما يجيده الملك الشاب منذ وصوله إلى الحكم، والتي لم تعد تثير سوى السخرية وصارت مادة للتندر، لا يبقى هناك سوى القمع.
كان القمع هو الرد الرئيسي على هذه الحركة، حيث تحركت الترسانة القمعية بشراسة لخنق أصوات الاحتجاج الشعبي. مدن البيضاء، سيدي قاسم، طنجة، الرباط، الخ جميعها شهدت إنزالات بوليسية مكثفة وقمعا شديدا. مما يفضح ليس فقط الطبيعة الدكتاتورية للنظام القائم وأن كل الشعارات ليست سوى مادة رخيصة للاستهلاك الدعائي، بل أيضا، وهذا هو الأهم، الإفلاس التام لنظام عاجز عن تقديم أي شيء للجماهير ويخشى أي تحرك جماهيري فيسعى بالتالي إلى وأده في المهد.
لكن تجربة تاريخ طويل من القمع الأسود بينت وتبين أن ذلك وحده عاجز عن أن يوقف المد النضالي، إذ ليس هنالك من قمع قادر، مهما بلغت حدته، على أن يخضع جماهير مهددة حتى في وجودها البيولوجي، جماهير تعيش القمع بشكل يومي فتساوت عندها أشكاله ولم يعد يخيفها كثيرا. كما أن القمع طبعا لا يشبع جائعا ولا يوفر منصب الشغل لعاطل ولا يعطي أي حل لأي مشكل من مشاكل الجماهير الملحة ومن ثم فإنه لا يعمل إلا على تأجيل الانفجار وزيادة النقمة، مما يحضر لحدوث انفجارات ستكون أسوء مما يمكن للحاكمين أن يروه ولو في أسوء كوابيسهم.
ثم حتى متى سيسمح أبناء العمال والفلاحين، الذين يشكلون القاعدة الواسعة لآلة القمع، أي الفئات الدنيا من رجال الجيش والشرطة، أن يستعملوا كمجرد كلاب حراسة لصالح الطبقة السائدة الرجعية المتعفنة، التي أغرقت البلد في أعمق مستنقعات التخلف وخربته وباعته بأبخس الأثمان؟ حتى متى سيقبلون بأن يقمعوا المحتجين على الفقر والاستغلال وغلاء المعيشة بينما هم أيضا يكتوون بنارها؟ هذا رهين بالعديد من العوامل المتداخلة والتي من بين أهمها مدى الحزم والجدية التي تبديها الجماهير في نضالها وقدرتها على التعبير عن مطالبها بشكل واضح و رهين كذلك بقدرتها واستعدادها للدفاع عن نفسها والرد بالقوة على القوة!
الدفاع الذاتي
هناك عادات سيئة ينصح بها الإصلاحيون الجماهير عندما تكون عرضة للقمع، على رأسها عدم المقاومة بل حتى الجلوس على الأرض كتعبير على المسالمة، بغية إثارة العطف ربما أو "إحراج السلطات"، مما يجعل الجماهير كالخراف أمام جهاز القمع وبدل إثارة العطف لا يثيرون، مع الأسف، سوى الاحتقار. وفي الجانب المقابل نجد بعض الشباب المتسرع الغاضب يميل إلى الدخول في مواجهات غير منظمة مع البوليس مما يسهل عملية سقوطهم ضحايا بعض العناصر الاستفزازية المندسة التي كل دورها هو تفجير الوضع لإعطاء جهاز القمع مبررا للتدخل الدموي ضد الجماهير العزل.
المسؤولون على القمع لا يترددون في قمع الجماهير إلا إذا خافوا من ردة فعل عنيفة من جانب الجماهير قد تفجر الوضع كليا، أما الدواعي "الإنسانية" و"العاطفية" فلا تثير لديهم سوى ابتسامات السخرية.
نحن الماركسيون لا نفهم الصراع الطبقي بمنطق الاستعطاف، ونحن الذين نضل نناضل من أجل تعليم الجماهير ضرورة التخلص من الخنوع، أبعد من نكون عن دعوتها إليه عندما تتخلص منه وتنهض إلى النضال. نعم يجب الحرص دائما على تلافي السقوط في الاستفزازات، ومن الضروري الحيلولة دون القيام بأعمال عنف فوضوية لا معنى لها والدخول في مواجهات عشوائية وغير منظمة مع قوات القمع والتي لا تؤدي سوى إلى تمكين السلطات من مبرر لشن حملة قمع دموي، لكن من الضروري أيضا تلافي زرع الوهم بأنه يمكن وقف قمع الدولة البرجوازية للجماهير عبر دعوة هذه الأخيرة إلى الاستسلام والرد على القمع بالجلوس على الأرض أو "المقاومة السلمية"، الخ. يجب على المناضلين أن يعلموا الجماهير ضرورة اتخاذ إجراءات للدفاع عن نفسها. من الضروري البدأ في تحضير جدي ومنهجي للجان دفاع ذاتي شعبية، تكون منتخبة ومراقبة من طرف الجماهير وتحت سلطتها، مستعدة وقادرة على الدفاع عن المحتجين وحماية المظاهرات ضد القمع البوليسي.
في هذا السياق من المفيد جدا الاستشهاد بتجارب شعوب مناضلة أخرى ضد القمع. لذا نورد مقتطفا من مقال آلان وودز عن التجربة المكسيكية حيث يقول: « في مواجهة عنف الدولة يمتلك الشعب الحق في الدفاع عن نفسه. ولقد قامت الجمعية الشعبية لجماهير أواكساكا، بتشكيل "شرطة المعلمين" التي تطورت إلى قوة دفاع ذاتي عالية الانضباط، فعالة وتحت الرقابة الشعبية وقادرة على التحول إلى الهجوم إذا ما اقتضت الضرورة ذلك. هذا هو الطريق الذي يجب السير فيه! [...] إن مثال الميليشيا العمالية من قبيل تلك التي في أواكساكا يجب أن يستنسخ ويطور ويمتد إلى جميع الجهات. يجب أن يتم تنظيم الميليشيا الشعبية على أساس ديموقراطي وتكون وثيقة الارتباط بأماكن العمل، والأحياء والنقابات والفروع المحلية لحزب الثورة الديموقراطية وغيرها من المنظمات الشعبية.
إن الدولة البرجوازية تحاول إثارة مواجهات دموية لإيجاد مبرر لسحق الحركة الجماهيرية بالقوة. والخطر يكمن في إمكانية سقوط قطاعات من الشباب المتسرع في فخ هذا الاستفزاز، وهو ما يتوجب الحيلولة دون وقوعه بأي ثمن. لكن الطريقة الوحيدة للحيلولة دون سقوط الشباب في هذا النوع من المغامراتية، تكمن بالضبط في تشكيل حركة ميليشيا شعبية حقيقية تحت رقابة الطبقة العاملة ومنظماتها.» (آلان وودز: النهوض الثوري في المكسيك)
دور الإصلاحيين والبيروقراطية النقابية
« ليس هناك من نظام قادر، بغض النظر عن قوته وطبيعته الديكتاتورية، على الاستمرار عبر استخدام السيف فقط، إذ سرعان ما سوف يتعب، لذا فإنه يحتاج بشكل منتظم لإيجاد بعض نقاط الارتكاز الجديدة داخل المجتمع ليتمكن من إطالة احتمالات حياته» (جون دوفال: إلى أين يسير المغرب؟). لقد أظهر النظام القائم في المغرب نجاحا كبيرا في استعمال القوى الإصلاحية كلما اشتد عليه الخناق أو تعب من الارتكاز طويلا على رجله اليمنى. كما أظهر هؤلاء المرتزقة دائما استعدادهم لتلبية النداء كلما نودي عليهم للعب دور واقي الصدمات مقابل الفتات الساقط من موائد أولياء نعمتهم.
إن وعي النظام القائم ليس فقط بافتقاده للشرعية في عيون الجماهير، أي الأغلبية الساحقة، بل أيضا بالمقت الشديد الذي يشعر به الشعب اتجاهه واتجاه رموزه، هو الذي دفع بالحسن الثاني أواخر حياته إلى استدعاء عبد الرحمان اليوسفي لتشكيل الحكومة. حيث أن كل الرصيد من الشرعية الذي كان هذا الأخير- ع الرحمان اليوسفي- يتمتع به، راجع فقط لماضيه كـ "مناضل ثوري أراد إسقاط النظام"، نظام الحسن بالذات. لكن بمجرد انفضاحه كمجرد "واحد منهم" احتقرته الجماهير ليدخل التاريخ من أوسخ أبوابه. نفس المثال نجده يتكرر مع السرفاتي وبن زكري، الخ.
مرة أخرى سيحتاج النظام القائم، في وجه تصاعد النضالات الشعبية وتطبيقا لسياسة "إصلاح من فوق خير من ثورة تأتي من تحت"، إلى استدعاء القوى الإصلاحية للقيام بدورها في الحفاظ عليه وعلى الفتات الذي تحصل عليه ببقائه. وهذه المرة سيبحث عنهم بين شخصيات جديدة، سيدفعها جريها وراء وهم "الإصلاح من الداخل" أو وصوليتها إلى أحضان العنكبوت، الذي سيحرص بعد أن يدفئهم بخيوطه اللزجة إلى امتصاصهم حتى آخر قطرة قبل أن يرمي بهم ليبحث عن آخرين.
وهؤلاء "الآخرين" متواجدون في السوق بكثرة، إذ إضافة إلى الوصوليين ومحبطي اليسار والحاقدين على تجربة ساهموا إلى هذا الحد أو ذاك في صنعها، هناك تيارات ومناضلون مخلصون تحركهم أنبل الدوافع لكنهم أسرى أخطاء نظرية فادحة تجعلهم يراهنون على "مدخل دستوري للتغيير" أو "مرحلة ديموقراطية بورجوازية". مما سيجعلهم، بغض النظر عن نواياهم الطيبة، يسقطون ضحايا مناورات أقسام من الطبقة السائدة - "القسم التقدمي" من البرجوازية-.
إن الفصل المصطنع الذي يقيمونه بين النضال من أجل المطالب الديموقراطية وبين النضال من أجل مصادرة أملاك الطبقة السائدة والقضاء على الرأسمالية، يجعلهم بالضرورة عاجزين عن تحديد برنامج صحيح للنضال. لأنه عندما تناضل الجماهير ضد الخوصصة فإن هذا يفترض طرح برنامج لا يتضمن الرجوع إلى الوضع السابق، حيث كانت تلك القطاعات مرتعا للنهب والفساد، لأن ذلك لن يغير في الوضع شيئا يذكر، بل يجب، على العكس من ذلك، طرح مطلب مصادرة تلك القطاعات بدون تعويض وتأميمها ووضعها (ليس بين يد ممثلي الطبقة السائدة الذين نهبوها في السابق لكي يزيدوا إثراء، بل) تحت الرقابة الديموقراطية لممثلي العمال والكادحين المنتخبين، ممثلين لا يتقاضون أجرة أعلى من أجرة عامل مؤهل ويمكن عزلهم في كل حين. لكن ضيق الأفق المنشفي/ الستاليني لدى تلك التيارات، القاضي بالانضباط لنظرية المراحل السيئة الذكر، يجعلها لا تطرح مثل هذه المطالب لأن "المصادرة والتأميم تحت الرقابة العمالية، من مهام المرحلة الثانية".
المشكلة العويصة التي تواجه، وستواجه بحدة أكبر في المستقبل تلك التيارات وهؤلاء المناضلين، هي أن الجماهير لا تنضبط لأي مرحلية ولا حدود مصطنعة. صحيح أنها لا تعرف بدقة ما تريده ولا تعرف بدقة كيف تغير وضعها، لكنها تعرف بدقة ما لا تريد (الغلاء والبطالة والاستغلال، الخ)، تعرف أن وضعها لا يحتمل ويجب أن يتغير. وهذا كاف جدا! ما ينقص إذ ذاك هو برنامج ثوري يصوغ هذه المطالب ويكثفها بشكل علمي واضح، أي برنامج انتقالي يربط بين النضال من أجل المطالب الآنية وبين النضال من أجل استيلاء الطبقة العاملة على السلطة. لأنه بكل بساطة ليس ممكنا تحقيق تحسين عميق ودائم في أوضاع الجماهير في ظل النظام الرأسمالي. ليس ممكنا تلبية أي من مطالب الجماهير الملحة لا في ظل الملكية الدستورية ولا حتى في ظل أكثر الجمهوريات البرجوازية "ديموقراطية".
أما البيروقراطية النقابية فقد جاء ردها على هذه التحركات الأخيرة، محتشما جدا إن لم نقل خيانيا. حتى أنه من الممكن أن نلمس تأففها من هذا التحركات التي أحرجتها كثيرا وخلخلت "السلام الاجتماعي" من جانب واحد، الذي انخرطت فيه مع البرجوازية. فإذا ما نحن استثنينا مشاركة الفروع النقابية في التنسيقيات، التي تشكلت على خلفية الاحتجاج ضد غلاء الأسعار، واحتضانها لبعض الأنشطة، فإنها لم تعمل على أخذ مبادرات جدية في حجم الهجمة وما تقتضيه من رد.
ليست النقابات مجرد جمعيات "غير حكومية"، حتى تكتفي باللغو والدعوات الذليلة إلى تراجع الدولة عن هذه السياسة أو تلك، إنها منظمات للكفاح الطبقي أسسها العمال من أجل تنظيم وتوحيد نضالهم ضد البرجوازية، ومن ثم فإن ما يتوجب على النقابات القيام به، لتستحق اسمها هذا، هو التعبئة الشاملة في صفوف العمال من أجل تنظيم إضراب عام لمدة 24 ساعة، يتم تمديده إلى إضراب مفتوح ثم لا محدود إذا ما لم توقف الدولة هجومها. في هذا السياق للمناضلين اليساريين الجذريين الكثير مما يمكنهم القيام به. ينبغي لهم أن يتحدوا في جبهة موحدة، على قاعدة مطالب واضحة، تنطلق من أشد مطالب الجماهير إلحاحا، وعلى قاعدة الدفاع عن الديموقراطية النقابية وهويتها الطبقية.
لكن ولأنه لا يمكن للنقابات أن تشمل عموم الجماهير المشاركة في هذه الاحتجاجات، يتوجب على هؤلاء المناضلين أن يسارعوا، وفي نفس الوقت الذي يعملون فيه على إدماج النقابات في هذه الحركة وعلى رأسها، إلى إنشاء لجان المعارك، ولجان الإضراب ومجالس منتخبة في الأحياء التي ينحدر منها هؤلاء المحتجون لضمان أوسع تمثيلية وأوسع مشاركة للجماهير.
التنسيقيات
لا يمكن نقاش التحركات الجماهيرية الأخيرة دون الإشارة إلى تلك الأشكال التنظيمية التي أطلق عليها اسم التنسيقيات. تعتبر التنسيقيات من بين أهم الأشكال التنظيمية التي صاحبت هذه التحركات وأحيانا كانت هي من دعت إليها أو قادتها. وقد جاءت كرونولوجية تشكلها، (حسب جريدة النهج الديموقراطي -ع 110 - ص:7-)، كما يلي: « تشكلت أول هيئة محلية لمناهضة ارتفاع الأسعار بواد زم خلال شهر مارس 2006، وقد قامت بتوزيع العرائض المناهضة لارتفاع الأسعار، كما نظمت وقفة احتجاجية [...]» وبعد « توصل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط بالعديد من الشكايات والتذمر من الزيادة في الأسعار وخصوصا أسعار النقل والماء والكهرباء والمواد الغذائية الأساسية [...] تم استدعاء تنظيمات سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية للتشاور، يوم السبت 16 شتنبر 2006 [...] التقط هذه المبادرة العديد من المواطنات والمواطنين، بالعديد من المناطق، فأخذوا في المطالبة بتشكيل تنسيقيات لمناهضة ارتفاع الأسعار. وكانت أهم التنظيمات التي عملت على تشكيل التنسيقيات هي: النهج الديموقراطي وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد والحزب الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية بالإضافة إلى مكونات ماركسية مناضلة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والاتحاد المغربي للشغل وأطاك المغرب [...] وقد تشكلت 53 تنسيقية لحد الآن [...] وبعد مرور أزيد من شهر على نشأت التنسيقيات دعت تنسيقية الرباط إلى عقد ملتقى وطني للتنسيقيات لمناقشة النضالات المشتركة وانتداب هيئة للمتابعة تنحل بمجرد إتمام أعبائها [...]».
انعقد هذا الملتقى بمقر الاتحاد المغربي للشغل بالرباط، يوم 29 أكتوبر 2006، بحضور « ممثلات وممثلي تنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار، القادمين من مختلف المدن والقرى المغربية [...]» (إعلان الرباط لتنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار).
يبدأ الرفيقات والرفاق إعلانهم بالقول: « نعلن عن هويتنا التقدمية اليسارية الجذرية المنغرسة وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين»، وهو ما يجب التنويه به عاليا باعتباره خطوة هامة إلى الأمام. إن التأكيد على الهوية التقدمية اليسارية الجذرية وعلى مسألة الإنغراس وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين، مسألة أساسية -من وجهة نظرنا- للتحديد الواضح للهوية الطبقية والسياسية لهذه التنسيقيات، مما سيجعل منها شكلا من أشكال الجبهة العمالية الموحدة ويبعدها عن الأشكال السابقة الأخرى التي كان المشاركون فيها يحرصون -بدعوى "الانفتاح على جميع المكونات" و"الديموقراطية"، الخ- على إشراك مكونات برجوازية بل كيانات فاشستية كالعدل والإحسان والعدالة والتنمية.
إن تكتيك الجبهة العمالية الموحدة (المبني على تحالف التيارات العمالية، الثورية منها والإصلاحية، على قاعدة مطالب واضحة مادية و/ أو ديموقراطية، دون السقوط في خلط الرايات، أي المبني على قاعدة شعار السير متفرقين والضرب معا) هو الإجابة الصائبة على هذا الهجوم الطبقي الذي تشنه البرجوازية ودولتها على الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
إن انخراط النقابات والأحزاب اليسارية، إضافة إلى بعض الجمعيات التقدمية في هذه التنسيقيات مسألة إيجابية جدا، لكنه سيكون من الضروري البحث عن طرق لتمثيل الجماهير التي نهضت إلى النضال. ينبغي أن يكون لها صوتها. يجب أن يطلب من الجماهير المشاركة في الاحتجاجات أن تنتخب في أحيائها ومعاركها، ممثلين عنها يتم إشراكهم في هذه التنسيقيات بجميع الحقوق. كما يجب أن تتشكل هذه التنسيقيات، نفسها، من ممثلين منتخبين ديموقراطيا في جموعات عامة ويمكن عزلهم من طرف الذين انتخبوهم في كل آن، وليس على قاعدة التوافقات الفوقية بين المكونات. لا نقول هذا انطلاقا من دوافع مبدئية فحسب، بل أيضا لأن الديموقراطية القاعدية وإشراك ممثلي الجماهير يضمن لهذه التنسيقيات قاعدة دعم حقيقية وحصانة حقيقية ويجعلها أقرب إلى نبض "الشارع"، كما يضمن عدم السقوط في ما أسماه الرفاق: « الاستثمار الرخيص والضيق لمطامح الجماهير و[...] محاولات جعل المحطات النضالية أدوات تنفيس عن غضب الجماهير». (البرنامج النضالي ضد غلاء المعيشة الصادر عن ملتقى الرباط الوطني لتنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار)، وفوق كل هذا وذاك يضمن عدم انحطاط هذه التنسيقيات إلى مجرد نواد للنقاشات العقيمة بين البورجوازيين الصغار والمناورات العصبوية.
في سياق حديثهم عن إشراك الجماهير يؤكد الرفاق أنهم سيعملون: « على فتح المجال أمام الجماهير الشعبية للمشاركة كفاحيا من أجل:
1) فضح سياسة الدولة التي تقوي اقتصاديا الطبقة الحاكمة من خلال رفع الأسعار وتوسيع قاعدتها الاقتصادية.
2) فضح ديماغوجية بعض الأحزاب والنقابات التي تعمل على الالتفاف على نضالات الجماهير من خلال حوارات اجتماعية مغشوشة».
طبعا إن فضح سياسة الدولة و"ديماغوجية بعض الأحزاب والنقابات" أمام الجماهير مسألة ضرورية، لكنها غير كافية في حد ذاتها، إذ بالإضافة إلى الفضح يجب أن تطرح مكونات التنسيقيات بشجاعة ووضوح البديل الذي تقترحه عن سياسة الدولة وانخراط "بعض الأحزاب والنقابات" في "الحوارات الاجتماعية" المغشوشة و"السلم الاجتماعي"، وكذلك الآليات التي تقترحها لتحويل "فتح المجال أمام الجماهير الشعبية" إلى واقع ممارس.
الأكيد أن هذه الموجة من النضالات الجماهيرية الرائعة قد دقت نهاية مرحلة وبداية أخرى من الصراع الطبقي في المغرب، أعطت خلالها الجماهير، ولا زالت تعطي، الدليل على رغبتها في تغيير الأوضاع تغييرا جذريا وقدرتها على ذلك. لو توفر حزب ماركسي، يمتلك برنامجا ثوريا علميا ونفوذا ومصداقية بين العمال والكادحين، لصار من الممكن توجيه ضربة قاصمة لنظام الاستغلال والقهر القائم. لكن هذا بالضبط هو ما ينقص، إن كل الأزمة الحالية هي أزمة القيادة الثورية. وهنا بالضبط تكمن مهمة المناضلين الثوريين. المناضلون الثوريون ليس دورهم مجرد إتباع التيار والانفعال بالأحداث، بل عليهم التحضير الجدي لتنظيم الجماهير وتمكينها من برنامج ثوري حقيقي ومنظورات علمية. عليهم بناء الحزب العمالي الثوري، حتى لا تضيع هباء التضحيات العظمى التي تقدمها الجماهير الكادحة